|
بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح1
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5343 - 2016 / 11 / 14 - 22:10
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بين الأربعين وواقع العراق الحزين ح1
ورثنا نحن شعب العراق بكل أطيافه تعلق فطري بالحزن وبما في أجواء الحزن من إحساس بالفقد الذاتي الغير معلل، فكثيرا منا قد يتفاعل لا إراديا مع مشهد حزين ويندمج حد التفاعل ويخطو له أكثر مما لو تعرض لمشهد سعيد أو فيه شيء من السرور، مرة كنت مارا في طريقي إلى وسط المدينة وشاهدت جمهرة من الناس حول امرأة تبين أنها تبكي لأنها أضاعت ولدها الصغير، تفاعل الجميع معها فمنهم من هب للبحث عنها منهم فتح هاتفه ليجري أتصال ما، النساء جلسن قربها يصبرنا ونحن البعض منها من ذرفت دموعه دون أن يدري ولم ننفض حتى عاد الولد سليم، الأكثر من ذلك كلنا قبلناه ومنا من احتضنه واخرون تعاطفوا معه بشكل أو بأخر، الوقت الذي قضيناه كان جزء من برنامجنا المحسوب على قدر ما يسمح لنا بقضاء حاجة جئنا لأجلها. في مرة ثانية وقد تكون مرات عديدة تصادفنا لحظات فرح وسرور قد نشاهدها من باب التطفل ولكن قطعا لم نشارك فيها بذات السبب الذي أدمع عيوننا، هذا يعني أن الشخصية العراقية تختزن ما يكفي من مشاعر وإدراكات متراكمة ومنها متوارث داخل الذات تميل فيها للتفاعل مع المظلوم وعلى المهضوم خاصة إذا كان الموضوع فيه دموع أو شعور بالحزن الأصيل، الحزن الذي يلامس وجودنا الذاتي، قد يكون هذا الأمر متعلق بوعينا اللا مباشر وتعبير عن جرحنا القديم والجديد، وأحيانا تعبيرا عن رفضنا للظلم الذي تثيره الدموع أو الملامح الحزينة، لذا نحن في الأحزان نستغرق تماما ومن ممارساتنا مثلا أن الحزن على الميت نعبر عنه بأرتداء اللون الأسود لمدة عام وكأننا نرفض الرحيل أن نعلن عن مقاومتنا للفرح. في قضية الحسين عليه السلام التي أدمت الشخصية العراقية في ذكراها وكمية الدموع التي سكبها العراقيون وهم في كل عام يجددون الحزن، ترسخت في وعينا اللا مباشر حالة تسمى حالة الإرتداد السلبي في الذاكرة، يكفي أن يذكر أحدنا الحسين ع في أمر حتى أرتخت قبضتنا وتحلل الوهن ليغزو كل مشاعرنا، هذا ليس عيبا بقدر ما هو تفاعل لا واعي في شخصية الفرد تجاه قضية تمثل شخصيته، العراقي عادة يرى في نفسه الحسين المظلوم لأنه عاش الظلم من المهد إلى اللحد، عاش الحسين مشاعر وأحاسيس كما قدمت له بتراجيديا غارقة في السوداوية، حتى أنه أحيانا يرفض أن يذكر الحسين بدون دموع ويظن أنه تمادى في نكران القضية. الموضوع برمته موضوع نفسي تام وموضوع مشاعر مكبوتة وموضوع قدرة على أستحضار الجزء الغارق في الإنسانية لا أكثر، قد نجد لا مؤمن ولا متدين يرفض أساسيات ومبادئ الدين ولكنه كعراقي متعلق بقضية الحسين ومتفاعل معها، وقد يبرر ذلك فكريا أو إنسانيا على أنه رد فعل على مأساة حدثت بصورة غير منطقية حتى مع أسوأ النماذج من الظلم، ولكن الحقيقة أنه يعبر عن عراقيته الطبيعية عراقيته الحزينة دوما، هذا يجرنا إلى تسجيل ملاحظة على ظاهرة الحزن في الشخصية العراقية أنها حالة متفردة يفصل فيها الإنسان نفسه عن واقعه ويندمج سريعا فيما يسمى بظاهرة العقل الجمعي ليشكل أمتداد للأخرين في ذاته وينسى ملامحه الخاصة، هنا يتحول الحزن إلى ظاهرة جمعية ظاهرة تعبر عن نفسها بقوة خارج المألوف والمعتاد. لدراسة هذه الظاهرة من عمقها الروحي والنفسي عليك أن تنخرط في تفاصيلها العملية وأن تجرب الإحساس ذاته الذي يعيشه الحزين حينما يندمج في الظاهرة، لذا فالكتابة من خارج الظاهرة تعطيك نتيجة أخرى قد تكن تجريدية حسية فقط، ولكنها لا تنقلك إلى عمق الموضوع وإلى الصادق من المشاعر وإنعكاساتها على رؤية العقل وطريقة عمله، أيضا دراسة الظاهرة من بين تفاصيلها ومعايشة لكل جزئياتها قد تميل بك للإنفعال والتفاعل الذي يخرجك من الموضوعية العلمية المطلوبة للدراسة، لذا كان لزاما أن نقرأها من الجانبين ونكتب ما نقرأ على أنه رؤية متفاعلة في الذاتي والموضوعي لنكون أقرب للصورة وأكثر جديه في ملامستها بالحقيقة. حملنا أوراقنا والقلم نزلنا إلى الواقع وكأننا جزء من هذه الجموع التي تسير وأمامها هدف واحد هو الوصول لكربلاء المعنى وكربلاء الجغرافيا، في الوهلة الأولى عشت نوعا من الترد خوفا من أكون تحت ضغط اللا وعي أو تحت مفاعيل ظاهرة العقل الجمعي، لكنني كنت واثقا من أنني سأتدبر الأمر وبتجرد، القضية أذن أثبات مجموعة من الفرضيات التي كان أولها أن المسير هذا ليس مسيرا واقعا تحت مبرر عقلي أو ديني أو حتى موضوعي، وبالتالي فالسائرين يخضعون بالتأكيد إلى ما يسمى بصناعة الوعي المسيطر، وعي مسلوب الخيار أو على الأقل مدفوع بالتقليد السلبي، ما يجذب الناس للمسير خلافا للفرض الأول بالمشاركة الوجدانية وهنا أشير لعموميات وليس تعميم كلي. أن الغالب فقط مندمج ومساير ويريد أن ينفس عن كوامن داخلية يستفرغها بتحقيق أنجاز، في وجه من هذا الجانب محسوب لله أو على الله لعله ينفع، ولكن الوجه الثاني هو تنفيس حقيقي عن رفضه للواقع المجزأ الواقع الذي يجعلك تعيس دائرتك الذاتية وأنت تنتمي بكل الأحوال الى مجتمع أكبر، لذلك أحيانا نجد أن التلاقي بين الأفراد هو تلاق للتعارف والتواصل، فهو مثلا يأكل في موكب محدد ويسأل عن أصدقاء في موكب زاره السنة الماضية وأحيانا تكون المواعيد منظمة سابقا وبتوقيتات محددة، العراقي من خلال مسيرة الأربعين يخرج من دائرة الفرد المحبوس في بيئته ليشارك مجموعة وتنوع أكبر، ويمزق في زمن الزيارة فكرته القديمة أنه ابن المدينة الفلانية وعليه أن ينحاز لها، ويتعمق هذا الشعور حين يكون هناك أفراد من خارج العراق أو من الفئة الثانية من مكونات الشعب العراقي.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح7
-
الجنة ومفهوم الكهنوت الديني للفرصة المتاحة للفرد بنيلها
-
حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح6
-
محذور ...... من أن تحب
-
حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح5
-
المقدمات والنتائج في قراءة مبكرة للانتخابات الأمريكية (2)
-
المقدمات والنتائج في قراءة مبكرة للانتخابات الأمريكية (1)
-
حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح4
-
وكل شيء أحصيناه ..... تراب
-
حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح3
-
حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح2
-
حين يحزن القمر ...تغني البحار_رواية_لعباس العلي ح1
-
الدين والثورة ومستقبل المجتمع. ح 3 (راهنية التجربة في الواقع
...
-
الدين والثورة ومستقبل المجتمع. ح2
-
الدين والثورة ومستقبل المجتمع. ح1
-
إختلاجات الموت في موسم الحياة _قصة قصيرة
-
غناء للموت والحياة والمطر
-
الفكر الإسلامي وعقلية الأحتواء
-
اليسار العربي والمدنية الديمقراطية ... أختلاف وأتفاق
-
فضاءات العقل الإنساني بين المتخيل والواقعي
المزيد.....
-
شاهد.. -غابة راقصة- تدعوك لإطلاق العنان لمخيلتك في دبي
-
بعد مكاسب الجيش في الخرطوم.. هل تحسم معركة الفاشر مآل الحرب؟
...
-
هواية رونالدو وشركاه .. هذه مضار الاستحمام في الماء المثلج
-
أكثر من 20 مرتزقا أمريكيا في عداد المفقودين بأوكرانيا
-
باكستان قلقة من الأسلحة الأمريكية المتروكة في أفغانستان وتحذ
...
-
وزير الدفاع السوري يتفقد ثكنات الجيش بصحبة وفد عسكري تركي (ص
...
-
تركيا.. شاورما تنقذ حياة -مسافر الانتحار- (صور)
-
من أمام منزل السنوار.. تحضيرات إطلاق سراح 3 رهائن إسرائيليين
...
-
سوريا.. من هم القادة العسكريون الذين شاركوا الشرع -خطاب النص
...
-
وارسو.. اجتماع وزاري أوروبي لبحث الهجرة والأمن الداخلي وترحي
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|