|
رسائل الحب في زمن الجفاف
شوقية عروق منصور
الحوار المتمدن-العدد: 5325 - 2016 / 10 / 27 - 20:36
المحور:
الادب والفن
رسائل الحب في زمن الجفاف شوقية عروق منصور حين تُنشر على الملأ رسائل زعيم أو قائد أو رئيس أو مفكر أو أديب أو شاعر ..الخ ، لا تهبط قيمته وتُلطخ سيرته بوحل الثرثرة والاتهامات ، بل تكون رسائله انفجاراً في سنواته التي قضاها في منصبه ، حيث يخلف الانفجار حضوره من جديد ، وغالباً يكون هذا الحضور مليئاً بالإنسانية التي تتنفس في جزر الأسرار . بكل شجاعة تقف عائلة الرئيس الفرنسي الأسبق " فرانسوا ميتران " وتضع رسائله الغرامية 1208 رسالة ، أرسلها لحبيبته " آل بينجوا " ، في متحف وأيضاً تنشر الرسائل في كتاب ، و تعترف زوجته أن الرئيس ميتران أحب " آل " التي عرفها منذ عام 1962 وكان عمره 49 وكانت وهي في 19 ، وكتب لها الرسائل بين عامي 1962- 1995 ، وبقيت " آل " تعيش في الظل 50 عاماً ، دون ان يعرف أحد عن هذا الحب. نُشرت الرسائل بمناسبة مرور مئة عام على ميلاد الرئيس ميتران ، والتي أكد الكثير من النقاد أنها رسائل تحمل الأدب والشعر والسياسة ، وأيضاً تاريخ لتلك المرحلة . أمام رسائل الرئيس الفرنسي ميتران ، حاولت التفتيش عن رسائل لزعيم أو رئيس أو قائد أو ملك عربي فلم أجد ، قد نجد بعض الرسائل السياسية ، ولكن نحن نفتقد صوت الأعماق للزعيم والقائد والملك ، نفتقد صوت المشاعر والاحاسيس ، صوت الرغبات ، صوت الرفض والقبول ، صوت العشق الأنثوي ، نفتقد حبر الأشواق ودفاتر جنون الشباب وسهر الغرف المبطنة بالأغاني والانتظار ، نعيش فقط في أجواء رائحة الصدأ حين يجلس على كرسي الحكم وينسى انسانيته . وكان سؤالي الذي لم يجد جواباً ، هل الرؤساء والملوك وصناع القرار العرب يعيشون داخل علب مطهرة، نقية ، يُكتب على قبورهم " ماتوا أنقياء لم تمسسهم امرأة ولم يشاكسوا امرأة ولم تدق قلوبهم وتشتعل نيران الحب في حياتهم " . دائماً تكون نساءهم في الخفاء وخلف نقيق ضفادع الاعلام أحياناً ، وإذا ماتوا أو قتلوا ، تسقط سهواً بعض الأسماء ، وحين يُشيع الجثمان تغادر معه الأسرار ، ولا يبقى منه إلا القرارات العسكرية التي تتابع احباطه وهزيمته وهروبه ونزواته التنازلية . بين الخداع والخداع ، يتربع الرئيس والملك والحاكم ، يبتسم منتصراً لأن أنفاسه لم تلفح امرأة ولأنه لم يخط الرسائل ، حتى لا يقف التاريخ قريباً من قلبه ، لأن قلبه غرفة مغلقة لا تعرف إلا خطواته المتعجرفة . لم أنتبه يوماً لحياة " ميتران " لكن رسائله توجت تاريخه بصدق ، مهما كان كاذباً في الأمور السياسية ، فقد دلت الرسائل على الجانب الإنساني الذي هرب من ثقافة الأقنعة والاختباء . وإذا كان تاريخنا مليء بالرسائل الأدبية التي كشفت الغطاء عن الكثير من القضايا والظروف الاجتماعية والسياسية ، تبقى الرسائل العظماء حين يكتبون الى امرأة كأنهم يلفون حول جسد الحروف أحزمة من التردد ، ويكون البوح خجلاً لكن سرعان ما يندفع ضارباً عرض الحائط بكل جدران الخجل . حين كتب نابليون الأمبرطور الفرنسي لحبيبته " جوزفين " كان في كلماته تنهد العاشق الحائر أمام قسوة المرأة ، لم يكن أمامها القوي الذي يحدق بالشمس دون خوف ، كان أمامها تلميذاً ينسج خيوطاً للتقرب والانحناء كي ترضى عنه . وحين أحب جبران خليل جبران الكاتبة " مي زيادة " كانت رسائله حناجراً لمغارات العشق والأرواح ، وحبراً يسجل محاضر الضعف الذكوري . أما رسائل الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني للكاتبة السورية "غادة السمان " فكانت كلماتها تمطر صدقاً وعفوية ، رأينا الكلمات تمشي على حبال المشاعر والاحاسيس برقة راقص وعنفوان شاعر وكبرياء قديس ، رغم الهجوم على الكاتبة " غادة السمان " لأنها مست شرف الكاتب غسان كنفاني ونشرت الغسيل الفضائحي حسب راي عائلته ، مع أن الرسائل كانت قمة الصدق ، وظهرت إنسانية غسان كنفاني الذي طرق خزان حبه بقوة حتى حطمه بيديه الناعمتين ، وليس برصاصة وبندقية . حين تخرج الرسائل من جيوب الزمن ، وتنشر الاسرار والحكايات ونبض السنوات ، تصبح الكلمات ملكاً للفضاء والناس ، وتصبح المواقف دخاناً لمواقد الثرثرة ، وتبغاً لغليون التحليلات الكثيرة ، لكنها تبقى الرسائل تاريخاً يسجل من خلال النبضات المواقف الإنسانية والسياسية والاجتماعية . الشهر القادم سيفتتح متحف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في رام الله ، صمم المتحف المهندس الراحل جعفر طوقان أبن الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان ، وقد صرح ناصر القدوة رئيس مؤسسة عرفات أن المتحف يضم أغراض عرفات الشخصية بدلته العسكرية ، سلاحه الشخصي ، كوفيته ، الهدايا التي كان يتبادلها مع مختلف المسؤولين في العالم ، إضافة الى صور ورسومات وجداريات لفنانين فلسطينيين. لكن بالطبع لن تكون رسالة من امرأة ، او رسالة الى امرأة ، نخاف أن نشوه صورة القائد لو أحب وعشق ، مع العلم أن قصة حبه لزوجته " سهى " كانت معروفة . كم نحن بحاجة الى رسائل تكشف عن انسانيتنا قبل أن تكشف عن وجوهنا المقطبة ، الدموية ، لأننا نعيش في زمن أصفر ، زمن الجفاف .
#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثقافة لا تعرف ميري ريغيف
-
الطفل خالد الشبطي يركب الطائرة مع ليلى خالد
-
ما زالت ذاكرتي في حقيبتي
-
الفن يزدهر في تربة السياسة
-
صورة سيلفي مع ثور وكوز صبر
-
نساء -داعش - بين فتنة السلاح والنكاح
-
الموت غرقاً ورائحة الخبز أبعدت زكية شموط
-
غزة انتصرت لكن ما زال دلو الركام في عملية خنق الرقاب
-
عن غزة وجيش المفاجيع بقيادة نانسي واحلام ووائل كفوري
-
في غزه الوقت من دم
-
التنسيق الأمني وبنطلون الفيزون
-
ابو مازن في غرفة مغلقة والستائر سوداء مسدلة
-
الجريمة والعقاب
-
يهوشوع بن نون يجلس في حضن المهندس الفلسطيني..!
-
امريكا الأمير ونحن حذاء السندريلا
-
تعالوا نسافر بلا عودة..!!
-
-غندرة مشي الفدائي غندرة-..!!
-
حملة -اخبر ابنك- امام حملة -أنجب ابنك- رغم القضبان
-
سلوى + سعاد = الرجاء اصمتا..!
-
أنا ارتعب وأخاف اذن أنا موجود..!!
المزيد.....
-
تركيا تقضي باعتقال مديرة أعمال فنانين مشهورة بتهمة محاولة ال
...
-
-من هو النمبر وان؟-.. الفنان المصري محمد رمضان يسأل والذكاء
...
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|