|
أنا صنعتكِ من خيالي
فيحاء السامرائي
الحوار المتمدن-العدد: 5263 - 2016 / 8 / 23 - 23:37
المحور:
الادب والفن
المشكلة في نيرودا..أقول لك حُبْ، حُبْ..تمعن فيما أكتبه جيداً، لا تقرأ بعينيك بل بقلبك. أحبها..أحبها كثيراً..كيف أصف لك " كثيراً"؟..افهمني، كثيراً معناها أن حبيبتي تعلو كل أولوياتي، تصير أجملها، أهمّها بل أساسها..تشاطرني كافة مشتقات يومي، تفاصيله، مشاقّه، مسرّاته، تقلبات طقسه، أوقاته العقيمة وأوقاته الحبلى بالأمل..أناجيها كل لحظة دون كلل، أحسّها معي، بقربي، تنسلّ تحت جلدي وتتغلغل في مسامي، آخر من يغلق باب جفاني ليلاً، وأول من ترتسم صورته في عيني عندما أصحو، ترسم مصير صباحاتي ومساءاتي بألوانها..كيف أصف حبي لها بدقة أجود؟..حبها سمو راقٍ، ثقب أسود عميق شاسع يمتص ضوئي نحو مركزها ليعيد تنظيم طبيعتي البشرية بدهشة خلّابة..حضورها في بالي يقتلع من دواخلي أشواك وحشة واغتراب روح..أهوى تلقائية دافقة تتميز بها، انسياب نيء غير مصطنع في تصرفاتها، أعشق طريقة فذة تعبّر بها عن أفكارها دونما تحفّظ أو تزويق، حتى كذبها- الحلو- لذيذاً..لا غرابة في انصياعي لمغامرتها وجنونها وجرأتها دون وعيي، منذ أول وهلة و في أول لقاء..باختصار، حبيبتي مذهلة. أنا حالم أكثر مما ينبغي؟؟ربما..ما قصتك مع التوازن والعقلانية؟؟..ليس كل علاقة بين اثنين حاجة غريزية لتلبية حاجة ولملأ فراغ.. كلام فارغ..أنّى لك أن تعرف حباً خالصاً ذي سطوة ساحرة وأنت تقضي وقتك في دردشة تافهة مع ( الزنبقة البيضاء) و( عطر الحب) وغيرهن؟..لا حاجة لأن ترسل لي أغنية "حب إيه"، ولا تعيد لي ما كتبته عن مفهومك لشكل الحب في هذا الزمن..لتتغير كل الأمور، ما عدا الحب، ليبق كلاسيكياً مكتنزاً بمشاعر متينة نابتة من أجواف صدق ورهافة حس، لا أحسبه يغدو يوماً ما كما تصفه، "دايت" حب، وجبة سريعة خفيفة ألكترونية أو سلَطَة افتراضية لا تؤذي معدة مشاعر ولا تخدش أمعاء أحاسيس ووجدان كما تزعم. كلا، ليس تماماًّ ما تشير اليه..حبيبتي ليست " مسز رايت" بالتأكيد، بل هي حبيبتي فحسب..أكرهها؟؟..نعم..سبق ان أخبرتك بذلك، أكرهها بقدر ما أحبها..تعطل المنطق الداخلي عندي واشتبك نظام المشاعر بعضاً ببعض، ثمة خلل في نظامي العاطفي لأن من أحب مخلوق استثنائي..لا أنكر أنها من أشد المتحمسين لعلاقة "الحب – الزلاطة"..لذلك ترى أن تناقضاتها محطّ اهتمامي وهمّي، برودها ونوبات غضبها، حنانها و قسوتها، هزلها وجدّها، رضوخها وجموحها، بساطتها وتعقيداتها، أمور تقلقني ولا تجعلني أحس بالأمان، تماماً مثل إهمالها، جنونها، تفردها، ذكاؤها، روح دعابتها، براعتها في امتصاص نقمتي وفلسفتها الغريبة في كل شيء..كم هي دائمة السهو والنسيان!! يوجعني ذلك منها..أعلم جيداً بأني لزوم لحظتها، صنف في طبق مقبلات رغباتها..تعلن دوماً عن رأيها في العلاقة، لا تريد ان يجلب الحب أذى ولا همّاً لصاحبه، تذهب أبعد من ذلك متعكزة على قصيدة نيرودا: " إذا توقفتِ عن حبي شيئاً فشيئاً، فسأتوقف عن حبك شيئاً فشيئاً/ وإذا تنسيني فجأة، فلا تحاولي البحث عني/ سأكون حينها نسيتك بالفعل/ وإذا قررت ان تتركيني على شاطئ الحب وحيداً/ ستخرج جذوري باحثة عن أرض أخرى..". جائز تحليلكَ..من المحتمل أنها تلجأ الى فلسفة تبريرية وغير مألوفة لكونها عاجزة عن احتوائي نتيجة لظروفها..ربما تحاول إقناعي بطرقها الخاصة أو بتبني وجهات نظر تتلائم مع وضعها..لا أكترث لما هو أبعد من لحظتي معها. شفقة؟؟..لا، لا أظن..حبيبتي لا تشعر بالشفقة علي..أمر سيء أن يحصل ذلك..قد تشفق على جميع من يحبها، تعاملهم بالتساوي، تهب وقتها يوماً لهذا ويوماً لذاك، ليس الا لتسعف مشاعر وحيد مكسور وتسعد قلب متعوس.... ماذا تقصد بالاستفادة وتبادل المنفعة؟ هل هو موضوع اقتصاد و سياسة؟..حسناً، تسألني هل تبادلك حبيبتك الحب؟..لا تستغرب إن تكون إجابتي "لا أعلم" لأنها مراوغة لا تفصح عن جوهر الأمور على نحو واضح وصريح..أكاد أصدق قولك بأنها تبعث ما أكتبه لها من كلمات عشق وقصائد شعر الى آخرين لتسعدهم كما أسعدتها، وانها تتحادث مع آخرين ولها علاقات بالكثيرين غيري، ومع ذلك أغضّ طرف مزاجي وتفكيري عن كل ما يبدر منها، مبتلعاً بنعومة تصرفات خشنة لها بسبق إصرار وبنيّة مقصودة أساسها تغافل ورغبة في تجاهل. تستفهم مجدداً عن التباس حالة الحب بالتعوّد..ليس لدي جواب..أحبها رغم ما أعانيه من نقص في تواصل وعاطفة متبادلة ومألوفة في مسارها..لا أنكر، رغم توقد شوقي، لم ألتق بها منذ زمن سحيق، لا أتذكر أين ومتى رأيتها آخر مرة. هل هي موجودة في الواقع؟؟..سؤال لا يتناسب الاّ مع جهلك..هل تراني أعشق دمية؟..أنها أروع إمرأة في الوجود. كفى، فهمت..لا تعيد كتابة كلمة خيانة، لا أرتاح لوقعها..هي لا تستخدم تلك المفردة ولا تحبّذها، من المعروف أن اٌلإهمال والتجافي أجلى مظاهرها..تطلب منّي محاججتها ومناقشتها؟؟..كيف يتسنى لي ذلك؟..ستغضب، ستبرر موقفها بكون العلاقة اختيار لطرفين بامكانهما استبداله أو النكوص عنه، في الغالب ستقاطعني أو ستعيد على مسامعي قصيدة نيرودا..يالنيرودا!. ماذا؟؟..ما دخل الكرامة والعبودية بموضوعنا؟ تريد مني أن أكون فريسة ليحلو لها مطاردتي؟؟..مقولة من؟؟..أوسكار وايلد؟؟.." أفضل طريقة للتخلص من الإغراء هي الاستسلام له"..أجزم أنها تطبّق نظرية الشفاء من العلاقة لـ "وايلد" بشكل عكسي تماماً..حبيبتي لا تستلم للإغواء كي لا تنتهي آصرة الود، ربما تظن أن في التمنع تكمن اللذة، لا تسمح لنفسها أن تذوب فيّ كما أنا فاعل. ما أنا فاعل؟؟..تقول من الأسلم أن أنساها؟؟..حسناً..قد أعود الى قرار سلوانها للمرة الألف، لن أتراجع عنه هذه المرّة..ثمة أمور أهم من ترهات عاطفية شخصية، أمور عامة في الحياة تشغل الناس راهناً، حال البلد مثلاً، طائفية، فساد...أو ربما سأكرّس اهتمامي في جانب تنميتي البشرية والفنية.. سأرسم، و..سأنجز ديواني الشعري..سأتخلص من هاجسها واستحواذها على مجريات يومي وعقلي بالتدريج، سأشغل وقتي كله ولا أترك مجالاً في بالي للتفكير بها..يا إلهى!! لم أكن أتخيل أن الأمر بتلك السهولة. أنا أيضاً متناقض؟؟..احتمال..ماذا عن الشغف والكلف والغرام والهيام؟؟..هراء..سأهجرها، سأجعلها تخسر رهان كونها الفتاة الوحيدة في الكون التي تعجبني، وبعيداً عن الاقتصاد، خسارتها مكسب..على أي حال، هي ليست فتاة مثالية، ليست جميلة كما تظن نفسها، بامكاني الحصول على فتيات غيرها باشارة واحدة من اصبعي كما يفعل أي رجل شرقي، في هذا البلد بالتحديد..يقينا،ً سأهجرها..أمامي حياة عليّ أن أعيشها..عندي منجزات تنتظرني..يكفيني ما عانيته جراء علاقة عرجاء معها..سأهجرها دون تردد. ما معنى وجوه ضاحكة ساخرة أرسلتها؟؟..أنا خائب؟؟..حقاً أنت مغفل، لماذ لا تتحاور معي؟ أين أنت؟ هل انقطعت الكهرباء عندكم؟ لم تنقطع الكهرباء عندي..أين هو؟ هل غفا عند حاسوبه أم تركني وذهب؟..ضجر مني ربما..عبثاً أبوح بمشاعر صادقة نقية لصديق ماجن يفرّغ رغباته الذكورية ألكترونياً. هل تراه صدّق عزمي على هجرها؟ والتي نفسي بيدها، لن أفعل ذلك أبداً..سأنتهي حتماً لو فعلتْ..أين يمكنني الذهاب بخيال يجعلني حيّاً، كيف أفرّغ طاقة حب رومانسي تساعدني على استيلاد سعادة صغيرة في خضم رتابة حياة وعتمها؟..لا ضير في قطرة ماء أتخيلها ندية صافية، ترطب جفاف أوردتي حتى لو لم تهطل..سأظلّ مهووساً بها مهما تؤول اليه النتائج والأضرار..كوني حبيبتي كما تبغين، وكن يا خيالي كما أبغي. دون خيالي، لن أتمكن من العيش في هذا القحل والمحل، لا تنسى أن تبلغ سلامي وأسفي للسيدين نيرودا و وايلد.
#فيحاء_السامرائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قمامة وعمامة
-
يوم همست المدن بكامرة قاسم عبد
-
البيئة المحلية في الرواية.. زخرفة أم وظيفة عضوية؟.. رواية -
...
-
الخالقون
-
مش عيب يا محمد !
-
(عشاء مع صدام)........مزاوجة بين السياسة والاستخفاف
-
تلويحة وفاء
-
-غودو- الهزلي ، رؤية إخراجية جديدة
-
الى من يهمه العمر
-
على معبر بْزيبيز
-
العراق الى أين؟ الحلقات الدراسية للجنة تنسيق التيار الديمقرا
...
-
رواية -أنا ونامق سبنسر- أرشفة ذاكرة ومشتقات حياة
-
-تكفير ذبيح الله- رواشم سردية على قرابين بشرية
-
نضوب
-
يوم عادي
-
حصار الرصد الواقعي فيما سرده لنا الجبل
-
رثاثة
-
على الأرض السلام
-
هنا خازر (من أوراق نازحة)
-
عائلة الياسمين والمسرح
المزيد.....
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|