|
مشكلة التجسد لدى عبد الحكيم عثمان
جابر الأشقر
الحوار المتمدن-العدد: 5232 - 2016 / 7 / 23 - 19:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لماذا علي أن أخوض في مشكلة لاهوتية مسيحية ضد خصومها من المسلمين؟ الجواب على هذا السؤال يكمن في الأسباب التي أرغمتني، أملت علي، أن أخوض فيها. فما هي هذه الأسباب؟ باختصار أذكرها: 1- ثار في الحوار المتمدن جدل بين كتابه حول قضية السماح بنشر الكتابات والمجادلات الدينية. وكان الرأي الغالب، ألا يسمح بنشر الكتابات والمجادلات الدينية. ولم يثر هذا الجدل من دون سبب، فلا شيء يثور دون سبب. وكان السبب أن نسبة الكتابات الدينية المنشورة زادت عن حدها، وزاد الإقبال عليها من القراء. وليس هذا كل شيء، ولا هو أهم شيء. فلقد رأى بعض الكتاب في هذه الكتابات والمجادلات الدينية الحادة المشوشة خطراً على النفوس والعقول، إذ هي دعوة غير مبطنة إلى التكاره. والكراهية هي شرارة العنف والإرهاب. ولكن هؤلاء الكتاب بدلاً من يلجأوا إلى البحث عن حلول إيجابية لهذه المشكلة، استسهلوا حلها بطرد أصحاب هذه الكتابات من الموقع، من دون أن يفكروا بأن الطرد لا يحل المشكلة. فهؤلاء المطرودون سيقفلون راجعين إلى مواقعهم، ليبدأوا من جديد معارك الكراهية بضراوة أشد. كما أنهم نسوا في غمرة انفعالهم، أنهم كتاب لا يكتبون لأنفسهم بل للناس، وأنهم مسؤولون عن إصلاح العقول وتهدئة النفوس. ومسؤوليتهم هذه تحتم عليهم أن يتدخلوا تدخلاً مباشراً في قلب هذه المشكلة لا أن يهربوا منها وينشدوا الأمان لأنفسهم بالتقوقع داخل أصدافهم. 2- إن كل شيء بإضافته إلى الإنسان، مقياسه قيمته. فما له قيمة من الأشياء يجد من الإنسان تعلقاً به وإقبالاً عليه، وما ليس له قيمة من الأشياء لا يتعلق به الإنسان ولا يقبل عليه. ولقد رأيت قراء الحوار المتمدن يقبلون بكثرة على المجادلات الدينية وخصوصاً تلك التي تشب بين المسلمين والمسيحيين . فمقالة زهيدة للكاتب عبد الله مطلق القحطاني، على سبيل المثال الإحصائي، تحوز على تسع عشرة ومئتي مشاركة ومن الفسبوك على ست وأربعين مشاركة. ويحوز إعلانه في باب التعليقات عن موضوعاته القادمة: ( الآب والتجسد في العهد القديم. الابن والتجسد في العهد القديم. مفهوم التجسد عند الطوائف المسيحية. اللاهوت والناسوت بين الاتحاد والانفصال. موت الناسوت دون اللاهوت. محاور سأتطرق لها لاحقاً هنا في خانة التعليقات، وبالقطع أمور أخرى) على مائتين وعشرة أصوات. وهذه أرقام إعجاب، واستحسان واهتمام لم تنلها أقلام أكبر الأدباء، والفلاسفة، والسياسيين، والاقتصاديين والفنانين، والنقاد، والمؤرخين، واللغويين، والانتربولوجيين الذين ينشرون أعمالهم في موقع الحوار المتمدن. مما يؤكد قيمة كتاباته بالنسبة للقراء. فلما كانت لكتاباته هذه القيمة العالية لديهم، صار النظر فيما يكتب ضرورة، وصارت مناقشته في موضوعاته، خيراً من الهتاف بطرده. وكان ذلك مما دعاني إلى مناقشته. لقد رأيت أنه من المفيد أن أناقش معه قضية التجسد لأهميتها العظيمة عند المسيحيين والمسلمين. فدخلت معترك النقاش، والأمل يحدوني على تقريب وجهات النظر بين المسلمين والمسيحيين، وعلى تسهيل أمر هذه القضية الشائكة للمسلمين لعلهم يدركون أن هذه القضية التي ورثوا حساسية مفرطة تجاهها، ليست مما يستحق كل هذه الحساسية؛ فتطمئن عقولهم وتصفو نفوسهم فلا يبدر منهم شر نحو الذين يؤمنون بها. ولقد مشينا خطوات في نقاشنا، ولكنه قرر فجأة أن ينكص عنه، فتولى السيد عبد الحكيم عثمان أن يحل محله، فلما بلغنا منتصف البئر في جدالنا، عمد القحطاني بغتة إلى الحبل الذي كان يربطنا بالجدال فقطعه. ونحن خارج البئر نجفف ثيابنا، اتفقنا أن نتابع النقاش في مضافته. فمضينا إليها، فلما استقر بنا المجلس، قلت له، وكنت أخذت إقراراً منه باعتقاده أن الله قادر قدرة مطلقة تامة غير منقوصة على التجسد، وهو إقرار كان لا بد من حصولي عليه منه، فإنه من العبث أن أناقش امرءاً لا يعتقد بوجود الله وقدرته المطلقة: - ترى أن الله كلي القدرة ولكنه سيكون ضعيفاً حين يحقق قدرته الكلية بالتجسد في شخص المسيح، فأي قدرة كلية هي هذه القدرة التي تعجز عن التجسد في صورة المسيح؟ أجاب: - القوي لا يمكن أن يتجسد في جسد ضعيف وهذا ما أثبتته سيرة السيد المسيح. فقلت: - دع سيرة المسيح جانباً الآن، ودع حكاية التجسد في الضعيف، وقل لي: بأي شيء يمكنه أن يتجسد؟ ما هي الأشياء غير الضعيفة التي يمكنه أن يتجسد فيها؟ أجاب متجاهلاً سؤالي: - أنا أقول لك التجسد هو نقص في قدرة الله، وليس العكس وخاصة أنه من قدرته أن يقول للشيء كن فيكون فما الحاجة للتجسد؟ أجب ماحاجة الله ليتجسد؟ فأجبت: - ولكننا هنا لا نبحث في حاجة الله إلى التجسد، وإنما عن قدرة الله على التجسد. ألا ترى أنك تحاول الخروج عن الموضوع؟ فأما قولك إن التجسد نقص، فهو قولك أنت. وقولك ليس ملزماً لله. أئذا أراد الله أن يتجسد في شيء ضعيف، تجرأت أن تقول له إنك يا إلهي ناقص لتجسدك فيما هو أنقص منك؟ ثم إن قولك إن من قدرته أن يقول للشيء كن فيكون، ليس حجة على امتناع قدرته المطلقة. إذ أفلا يستطيع الله أن يقول لذاته: كن مسيحاً فيكون؟ قال: - إذا تجسد الله يعني أنه يمتلك قدرة مطلقة أليس كذلك؟ وإذا لم يتجسد أصبح لايمتلك القدرة المطلقة أليس كذلك؟ روح اقنع الأطفال برؤياك هذه وروح اقنع غير الارثوذكس ممن لايؤمن بالتجسد. أكيد شاهدت فلم القناع للممثل الامريكي الكوميدي لايحضرني اسمه عندما عثر على قناع وعندما تجسد القناع فيه تحول من إنسان ضعيف الى إنسان خارق القوى هكذا عندما يتجسد القوي بالضعيف يتحول الى إنسان خارق القوى وليس كما السيد المسيح إن تعرف سيرته. فقلت: - للمرة الثانية أذكرك بأننا نتحدث عن قدرة الله المطلقة. هل يقدر الله ذي القدرة المطلقة أن يتجسد في أي صورة أم لا يقدر؟ السؤال مطروح علي وعليك وبالجواب عليه ننهي الجدال. فأما أنا فأعتقد بأن الله يملك قدرة مطلقة ولأنه يملك قدرة مطلقة، يستطيع أن يتجسد حتى في صورة بعوضة، وإلا كان عاجزاً وكان اعتقادي بأنه يمتلك قدرة مطلقة، باطلاً. فرد قائلاً: - سبق وأن قدمت لك مثالا عن تجسد القوي في الضعيف وهو فلم القناع لانه عندما يتجسد القوي المقتدر في جسد الضعيف يقويه. قلت في ضجر: - هذا ليس جواباً! إنك تتفادى الإجابة بمكر، مم تخشى ؟ أوَتخشى أن تعترف بقدرة الله المطلقة؟ ولكنك سبق أن اعترفت بها، فماذا عدا مما بدا؟ لماذا بدلت اعتقادك يا عثمان؟ فأما عن الفيلم فهو فيلم بشري وليس فيلماً إلهياً يحدِّث عن قدرة الله المطلقة. فلا تتوقع أن ينطلي علي مكرك فيخرجني عن الموضوع إلى موضوعات أخرى جانبية تنقذك من ورطتك. عد الآن إلى الموضوع الأصلي: هل يملك الله القدرة على التجسد، أم لا يملكها؟ ولقد أجبت عنه بنعم، ولكنك الآن تماطل وتمكر وتداور متفادياً الإجابة عن السؤال الذي قضت بطرحه عليك إجابتك بنعم، وهو: إذا كان الله قادراً قدرة مطلقة، فلماذا ليس قادراً على أن يتجسد في أي صورة من الصور؟ أجب، فإن أجبت، سامرتك فيما سيظهر لنا من موضوعات فرعية موضوعاً تلو الآخر إن شئت ذلك. وإن لم تجب، فقد أقررت بهزيمتك. وهزيمتك هي مبتغاي. أطرق برأسه، وراح يفكر. وما زال يفكر، وما زلت أنتظر ما سيتمخض عنه تفكيره.
#جابر_الأشقر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هكذا أسكت الأشقرُ خصمه اللبيب
-
رسالة إلى سامي لبيب في تحريف الكتاب المقدس
-
كيف نافح الكاتب الكبير خصمه الصغير
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|