|
العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الأول
أفنان القاسم
الحوار المتمدن-العدد: 4934 - 2015 / 9 / 23 - 13:40
المحور:
الادب والفن
هذه الرواية
أحبها آراغون كثيرًا، وحال موته المفاجئ دون نشرها بالفرنسية، فانتظرت حتى العام 2003.
إنها قصة حي شعبي من أحياء باريس اسمه "بيلفيل"، قبل أن تهدمه الجرافات، ويتحول إلى ناطحات سحاب، وتُزرع فيه ما يدعى اليوم "بالتشاينا تاون".
الرواية إذن تصف حيًا لم يعد له وجود في باريس، من خلال شخصيات بسيطة، عربية وفرنسية وغير فرنسية، تسكن كلها في رَدْب مفتوح على بعضه، ربط حياة ساكنيه بعضهم ببعض، وجعل المأساة تجمعهم، كالملهاة التي كانت تعبر الزقاق أحيانًا.
وكل ذلك مع خلفية سياسية داخلية تتمثل بكفاح العمال في سنوات السبعين من القرن الماضي، وخارجية تتركز حول انفجار الحرب اللبنانية.
حذف الكاتب الفصول الخاصة بهذه الحرب لينشرها في كتاب مستقل تحت عنوان "بيروت تل أبيب"، لتجنب الخلط السردي بين عالمين متعارضين أساء إلى الرواية عند صدورها عام 1979، بلا تصحيح من طرف دار الفارابي ولا من طرف أفنان القاسم. هذا ويجدر الإشارة إلى أن "العصافير لا تموت من الجليد" قد حولها المغاربة إلى مسرحية تم تمثيلها في مراكش عام 1984، كما وتم تقديم حولها عدة أطروحات جامعية.
إلى ذكرى لويس آراغون إلى ذكرى محمود موعد
دوى النفير إيذانًا بانتهاء العمل، واشتدت الحركة في أقاصي مصنع الأحاسيس. الأحاسيس، هذا ما لا يُصنع بالتأكيد. كنا ننتج كيلومترات وكيلومترات من خيوط النايلون والحرير، كي نصنع جوارب للنساء، وبناطيل قصيرة، ورافعات نهدين... لهذا سمانا الناس "عمال الشهوة"، وسموا مصنعنا "مصنع الأحاسيس"، لأن ما نصنعه يدفع إلى الرغبة، إلى الهوى، إلى الإغواء، أكثر الأحاسيس تعقيدًا، وأكثرها رقة. وها نحن، عمال الشهوة، نتفرق بعد نهار طويل من التعب والعرق، فرادى أو جماعات، على رصيف جيمّاب، ورصيف فالمي، وفي الشوارع الضيقة المتاخمة، وتحت خطواتنا تصر رقاق الجليد. غرقنا في الضباب كأضواء السفن التي تشق ممرًا في رماد البحار، وتبادلنا الكلمات التي اعتدنا عليها كل يوم في اللحظة التي نفترق فيها: - سلام سالم! - مساء الخير رونيه! - إلى الغد شباب! - إلى الغد بيير! - إلى الغد شارل! - إلى الغد! - إلى الغد! إلى الغد! لكن لم يكن يبدو على المارتينيكي أنه يعجل في العودة إلى البيت: - هيه! بييرو، انتظر قليلاً! العجلة من الشيطان، يا رجل! انتظر قليلاً، يا ماخور! ألست خائفًا من أن تزل بك القدم، وأن تتكسر عظام ظهرك؟ شتاء ابن مومس! - هناك من ينتظرني، أنت تعلم! - لموعد مع محبوبتك إذن أنت لا تبالي برقاق الجليد؟ - لا لموعد مع محبوبتي، زد على ذلك لا محبوبة لي. - لموعد مع من إذن؟ مع أركان حرب نقابتك الفظيعة أم ماذا، يا ماخور؟ - رجاء، يا المارتينيكي، لا وقت للثرثرة لي. مع السلامة، وإلى الغد! - يا مومس الغائط، انتظر! لا محبوبة لك، لا وقت للثرثرة لك، ماذا لك إذن، يا ماخور! ثم لجورج الأشقر: - هيه! يا الأشقر، هل تسمع؟ بييرو لا محبوبة له! لا وقت للثرثرة له! بلا معشوقة، بلا ذهاب وإياب كل مساء، آه! يا لها من عيشة مومس يعيش المسكين بييرو! - عيشة المومس نفسها التي نعيشها كلنا، يا المارتينيكي، تَبًا لها من عيشة! - أنت أيضًا لا معشوقة لك مثله؟ - لأنك أنت لك واحدة؟ - نعم، لي واحدة، أنا، ولي واحدة تساوي عشر مومسات من تلك المعشوقات، هذا، أنا، مَنْ يقوله لك، ولا تصدقني إن أردت. محبوبة تساوي عشر مومسات من النساء! معشوقتي لا نظير لها على وجه الأرض! أنا لا أفشي سرًا، معشوقة عن حق، يا رجل! واحدة من تلك النساء اللاتي يجعلن مدينة بأكملها محرومة من الحرارة في عز شتاء ابن مومس تنتصب! لكن بييرو لا واحدة منهن له، ولا وقت للثرثرة له، يا مومس غائط العيشة التي يعيشها... ستيفان، زميل قديم طردته الإدارة، وجعلته مجنونًا، أعاد عفويًا: - يا مومس غائط العيشة! يا مومس غائط العيشة! ابتعد بعضنا على دراجته النارية أو الهوائية، وسار بعضنا بعزم قاطعًا القنطرة، والجليد يمتد بلا توقف، يزحف، رابط الجأش، كالثعبان الضخم، وهو يلتف على كل ما يعترض طريقه، ويُحكم إغلاق درعه حول قناة سان-مارتن. واصل الوحش الأبيض سيره البطيء، سير المنتصر، بلا رحمة، فلم أذعن بالطاعة، وقلبتُ بقدمي تلك الأشكال الهندسية الغريبة التي تتخذها الأرصفة. جعلتها تطير شظى، وأنا أفكر أن الشتاء سيدوم إلى الأبد، أن الربيع لن يأتي أبدًا، وأن أشجار الكستناء في حدائق قناة سان-مارتن ستحرمنا من أوراقها وظلالها. شتاء ابن مومس، كما يقول المارتينيكي! من الواضح أن هذا انطباع عابر، لأن الجليد سيذوب حتمًا، ستنبثق الحرارة من الأرض، وستتفتح براعم اللَّذة. سنمحو كل قلقنا، كل آهاتنا، وكل صرخاتنا، بقوة الإرادة، الشهوة، والانتباه! لنفترض أننا نعيش عيشة مومس، لكننا نعرف، على الأقل، الأمل قليلاً. مع ذلك، بقيت قناة سان-مارتن شغلي الشاغل: كانت القناة صامتة، ميتة. بحثت عبثًا عن بجعة بيضاء اعتدت رؤيتها، فالقناة كانت انتظارًا فارغًا، فاغرة الفم، الرماد لونها. كانت هناك، غبية. كانت ترقد غائبة في تيهها. لاحظت على حوافها جزرًا من القاذورات المتحللة، لكن المرتجفة، كأن القناة، الملقاة في مزبلة عمومية، تغرق في النسيان أو حتى في العدم. أَضْرَمَ الصمت اللامعتاد المغلِّف للمكان لظى الهيجان في قلبي، صمت صحراء تجمد فجأة، مفرغة من زوابعها، وقوافلها. حركة ساكنة، متنامية، بلا توقف، تحاصر المكان بِمَلءِ المكان بالصمت والحذر. وهذا الصوت الذي يصل إلى أذني فجأة: - وقّع على العريضة ضد هدم قناة سان-مارتن! وقّع على العريضة! ادعم لَجنة التنسيق! وقّع على العريضة! وقّع على العريضة! تقدم البعض، ووقّع على العريضة تحت مصباح، حتى بلا قراءة المنشور الموضح لأسباب هذا الهدم. - وقّع على العريضة! ادعم لَجنة التنسيق! كانوا يتقدمون بصمت، كما لو كانوا يقومون بأداء ديني، ولم أعرف كيف انبثق جورج الأشقر أمامي. - وقّع على العريضة! وقّع على العريضة! قال لي بلهجة غريبة: - تَبًا للعالم وأبي العالم وأبي أبي العالم... - ماذا؟ ماذا هناك؟ - يا للفظاعة! ظننت أنه يكلمني عن هدم القناة... - وقّع على العريضة! ادعم لَجنة التنسيق! تقدمت بدوري، ووقّعت على العريضة. أخذت منشورًا، ونظرت إليه. - وقّع على العريضة ضد هدم قناتك! وقّع على العريضة! لم يوقّع جورج على العريضة، تأملته، كانت له نظرة جامدة، كان يُحْدِقُ النظر في صحراء الجليد تلك، الممتدة إلى ما لا نهاية. - وقّع على العريضة! وقّع على العريضة! استدار برأسه نحو الجزر العفنة، وهمهم: - يا للفظاعة! وضعت المنشور في جيبي، وانتظرت أن يكشف عن الحقيقة، فيما يخص هدم القناة. - فظيع أن يغتالوا هكذا القناة! - وقّع على العريضة! - أن يهدموها، قلت بتردد. - أن يغتالوها، أن يغتالوها... أعاد جورج الأشقر بعصبية. - وقّع على العريضة! وقّع على العريضة! ادعم لَجنة التنسيق! عاد جورج إلى القول ساخطًا: - يا للفظاعة! - وقّع على العريضة! - ليست القناة مزبلة عمومية، تَبًا للعالم وأبي العالم وأبي أبي العالم! وكل هذا فظيع بالفعل! الصمت والحزن! اللاشهوة، والاغتيال! الضباب، الانتظار والانتظار! لهذا لماذا أنا أكره الشتاء! هذا المتواطئ مع القتلة، أبناء العاهرة، يعني صمت وحزن وقتل دفعة واحدة. يغتالون القناة من قبل، ليهدموها من بعد، وهذه الجناية الفظيعة تتم باتفاق مع الطبيعة. آه! يا له من فصل غائطي هذا الشتاء المومسي! - وقّع على العريضة! وقّع على العريضة! فجأة، ابتسم: - إلا أنني أحب قناة سان-مارتن في الربيع! الأخضر الذي يدغدغك، الماء الذي يوشوشك، العصافير التي تطربك، آه! أي سحر. ثم تركني، وهو يعود إلى القول بصوت جهوري: - يا للفظاعة! يا للفظاعة! تصادى صوته، وغطى الصوت الآخر الذي لا يتوقف عن ترداد "وقّع على العريضة! وقّع على العريضة! وقّع على العر...يضة!". اجتاز جورج إحدى الحدائق الصغيرة المحاذية للقناة، فترددت قليلاً قرب بابها، ثم دخلت. هناك، شعرت باتصالي بعالم آخر مستقل عن الأرض حيث الأشجار الماردة تنتصب وحدها في عريها، وعنها تنتشر مناشيرُ جليدٍ تنشرُ الهواء. عشش الضباب بين أغصانها، وبدأ الليل الحالك يتساقط عليها، فغرقت الأشجار البيضاء في الظلام، وأدرك الزمن نهايته. تابعت طريقي حاثًا الخطى على طول الواجهات الحجرية، والمصنع خلفي يبصق دومًا جبال الدخان جاعلاً من الظلام أكثر كثافة، والظلام ينتشر بسرعة كبيرة دون أن يأبه بالمصابيح التي ترشق هالات الضوء هنا وهناك. لماذا يريدون هدم قناة سان-مارتن، قناة ارتبط وجودها بنقل بضائع نفبركها، ولكن أيضًا بتنقية الجو؟ أسرعت الخطى على الجليد، والنار تشتعل في قدمي. وصلت إلى شارع فوبورغ دي تمبل، والسَّكينة تملأ جوانحي، وأنا أخترق الحي الشعبي. كانت معظم الدكاكين قد أغلقت، وبعضها على وشك الإغلاق، وكان أصحابها يدخلون آخر بسطاتهم، أو يغسلون أرض محلاتهم، وأبوابها الحديدية نصف مجرورة. كانت بعض القطط تتناوش قرب صندوق قمامة، فرّقها أحد الباعة صارخًا "بعيدًا الحيوانات!"، والقطط تتفرق فزعة للحظة، ولا تلبث أن تعود إلى مِزودها. تكلم البائع مع نفسه "أوه! يا إلهي الطيب، يا إلهي الطيب!"، وصرخ ثانية "بعيدًا الحيوانات!"، والقطط تهرب قليلاً، ومن جديد تعود بتحد. صعدتُ الشارع الطويل المؤدي إلى بيتي، وكان عليّ أن أسرع الخطى أكثر كيلا أدع مارتا طويلاً بانتظاري. اجتاحتني محبة عميقة، وأنا أفكر في هذه العجوز السوداء الطيبة. كنت سعيدًا رغم كل شيء، كنت سعيدًا أن أجدها، سعادة اليتيم الذي وجد أمه. كنت إذن محظوظًا بالنسبة لبعض أصدقائي، يكفي أن تجد نفسك في أحضان البيت، وأنت تعرف أن أمًا ترصد أقل الخطوات. لم تكن لي محبوبة، لكني لا أعيش عيشة مومسية، فليطمئن المارتينيكي من هذه الناحية، ولا أعيش عيشة عادية، أعيش، فقط أعيش، وسأقول لمارتا هذا المساء إنني أحبها كأمي. أمي. قَرَصَ شيء قلبي. عند ملتقى الطرق، كانت الساعة تستسلم للضباب، لم تعد عقاربٌ للوقت، وغرق الوقت في اللامعقولية! كان الوقت وقت السوق السوداء، وكان المهربون من جميع الأصناف ملوك اللحظة: ساعات، مجوهرات، حقائب جلدية، بناطيل جينز، قمصان حرير، سجاجيد، سيجارات، سجائر... اقترب مني بائع سجائر: - عندي أبيض، إن أردت؟ - أب... - اخفض صوتك، يا ماخور! خفضت صوتي: - أبيض؟ - هيرو. - هيرو؟ - هيروين، يا غائط! - هيروي... - اخفض صوتك، يا ماخور! خفضت صوتي: - هيروين؟ - نعم، هيروين، يا مومس الغائط! أنت لست من هنا كما أرى! هيروين خالص! - هيروي... - اخفض صوتك، قلت، يا ماخور! خفضت صوتي: - هيروين خالص؟ - مائة فرنك الكيس، كيس يساوي كيسين. - مائة فرنك الكيس، كيس يساوي كيسين؟ - أنت مهبول لتصرخ هكذا أم ماذا، يا مومس الغائط! أنت لست من هنا، هذا أكيد. - أنا من هنا. - لا، غير أكيد. - أنا من هنا، هذا أكيد. أنا من هنا، أنا من الحي... - أنت من هنا، أنت من الحي... لماذا إذن أنت مهبول عامل حالك؟ - أنا مهبول غير عامل حالي. هذه هي المرة الأولى التي يعرض فيها عليّ هيرو... وخفضت صوتي: - ...وين في عرض الطرق. - أي والله، أي والله! وبما أنها المرة الأولى التي يعرض فيها عليك غائط، وأتمنى ألا تكون الأخيرة، كم كيسًا تريد؟ اثنان، ثلاثة، عشرة؟ - غائط؟ - اخفض صوتك، يا ماخور! خفضت صوتي: - غائط؟ لا، لا شيء، شكرًا! - جعلتني أضيع نهاري مقابل لا شيء، يا ماخور! - قلت لا، هل تسمعني؟ - طيب، تعال، لا تزعل! وزعل هو: - يا مومس مومس الغائط!... أترك لك الأكياس الثلاثة بسعر اثنين، هل يناسبك هذا؟ لم أجب، وأنا أتابع طريقي، والآخر يواصل بصق "يا مومس الغائط" إلى ما لا نهاية. فجأة، توقفت شاحنة شرطة في وسط شارع لا فيليت، ونزل منها رجال مسلحون بالهِراوات، فاستولى الهلع على المهربين وزبائنهم وزمر اللاعبين، لأن هناك لاعبين، وهم الأكثر عددًا. كانوا يشعلون النار في البراميل، ويغطسون في الجليد الذائب والوحل الصاخب، وهم يقامرون بأوراقهم الصغيرة ذات العشرة فرنكات أو الخمسين. استطعت أن أرى ظلالاً فقدت العقل، وهي تختفي في الظلام، وتابعت بعيني شاحنة الشرطة، التي وصلت الآن إلى مقهى عازفة الأُرْغُن. دفع رجال الشرطة اثنين من شمال أفريقيا بفظاظة، فاحتج أحدهما ضد هذا التوقيف التعسفي مقسمًا أنه يعود إلى بيته، والمطارق تجيب. ضربات. وأيضًا ضربات! سِباب. فيض من السباب. منيك! محشش! ابن شرموطة! عربي قفاي!... وأيضًا سباب! وأيضًا سباب! وأيضًا سباب! عندما حاول الرجل الإفلات، ألقوه أرضًا، وأيضًا ضربات، وأيضًا ضربات، وأيضًا ضربات. أمام ارتياع الرجل، هاجمت عصافير الشتاء النادرة رجال الشرطة، فأخرج أحدهم مسدسه من القراب، وصعق بعضها رميًا بالرصاص. عاد إلى عربيه، وأوسعه بقدمه ضربًا، أيضًا وأيضًا، ثم قذفه في الشاحنة. خلال ذلك، خرج أشخاص من المقهى، ليروا، فقط بدافع الكسل، فهذه الأمور بضاعة رائجة في الحي، لنقل غدت بضاعة رائجة، والمشهد نفسه يتكرر عدة مرات في اليوم. هذا الدم الشاب، المقدم قُربانًا هكذا على الرصيف، هو في الواقع فظيع! جرى كل ذلك بأقصى سرعة، وانطلقت شاحنة الشرطة كأن شيئًا ما كان. وأنا عني، أدركت أن انطباعاتي منذ قليل، حول إحساسي بالسَّكينة أكثر في حي شعبي، لم تكن سوى أفكار كاذبة. دفعت خطواتي دفعًا، لأتعثر بمخالب تنشب في الجليد. رأيت العصفور المهيض الجناح، وهو يفرش جناحين جامدين، في وسط مستنقع من الدم. كان الجليد يعمل طبقة خفيفة على منقاره، ويحوّل عينيه إلى دائرتين مفزعتين. على بعد خطوتين من شارع بيلفيل، رأيت عصفورين يتعلقان بسلك كهرباء، يتأرجحان، ويبدوان كمشنوقين من قوائمهما، ورأيت عصفورًا آخر يسقط في الضوء، ويبدو بحجم مفرط! كان جريحًا، وكان يرتعش، ويحوِّم تحت الحزمة الضوئية، كأنه يصرخ في أذن من كان في صمم عنه! تسللت الموسيقى من مقهى عازفة الأُرْغُن، وسمعتُ أصواتًا منفرة لبعض السكارى الذين يغنون. في نفس اللحظة، طردوا زَبونًا مخمورًا من مقهى مطلع الفجر، الواقع في الوجه المقابل. تخبط في الوحل، نهض بصعوبة، وجر قدميه نحو المقهى. نظرت من حولي حائرًا وحانقًا، فما رأيت سوى قادمين جددًا يقيئهم المترو كل يوم. شبان صغار يحملون على أكتافهم حقائب كبيرة مضوا دون أن يلاحظوا بقع الدم على الرصيف، ودون أن يرفعوا رؤوسهم ليروا كيف تموت العصافير. على العكس، قهقهوا عندما رأوا المخمور، المطرود من المقهى من جديد. مضوا صاعدين، وأنا أتبعهم. توقفوا قليلاً عند قدم ناطحات السحاب التي على وشك الانتهاء من بنائها، ونظروا إليها، وهم يهزون رؤوسهم مذهولين. قطعوا الشارع بعد ذلك، ودخلوا الطريق المسدود حيث أسكن مع مارتا وبعض العمال.
يتبع القسم الأول الفصل الثاني
#أفنان_القاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغِربان2: واقع المهاجرة
-
الغِربان1: واقع الهجرة
-
المرأة العربية5 وأخير: حركة تحرير المرأة العربية
-
المرأة العربية4: المتعة
-
المرأة العربية3: المرأة والجنس
-
المرأة العربية2: الخمار ليس الحجاب
-
المرأة العربية1: الوضع العام
-
الحريات9 وأخير: الخطوط العريضة لسلطة التنوير
-
الحريات8: المغرب
-
الحريات7: الجزائر
-
الحريات6: العراق
-
الحريات5: الأردن
-
الحريات4: مصر
-
الحريات3: البحرين
-
الحريات2: قطر
-
الحريات1: العربية السعودية
-
التنوير7 وأخير: آفاق
-
التنوير6: حقوق الإنسان
-
التنوير5: أوهام الأديان
-
التنوير4: الطائفية
المزيد.....
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|