|
أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الرابع
أفنان القاسم
الحوار المتمدن-العدد: 4727 - 2015 / 2 / 21 - 14:24
المحور:
الادب والفن
بعد ظهر الغد، أصعدني الخادم الهندي إلى شقق مدام سونيا. وجدتها في الروب دو شامبر، وهي تتزين أمام مرآتها الفخمة. لسهرها حتى الصباح، نامت طوال الصبيحة. كانت بمعية ولي العهد، سهرة أشغال لا أكثر. فالت لي كم يأسف سموه على عدم رؤيتي، فقد طلب منه جلالته أن يؤجل كل اتصال بي. - أقول "يؤجل"، بروفسور، أكدت الأرملة، تأجيل راجع إلى الحالة الحرجة للبلد، لا غير. هذا يعني أن كل الفرص لمقابلة الملك لم تزل أمامك وحل المشكل الذي أنت هنا من أجله. - المشكل الذي أنا هنا من أجله سيكون قد تم حله على أيدي العساكر الانقلابيين، على طريقتهم، قريبًا جدًا، قلت بنبرة متشائمة. هناك محاولة أخيرة تجري الآن لاستقبال جلالته لي، إذا فشلت، عدت إلى مدريد دون تأخير. أنهت الأرملة زينتها، لكنها بقيت تنظر إليّ في انعكاسات المرآة. - في الواقع، جئت من أجل شيء آخر، جئت كي تأخذي حذرك، هناك من يريد الإساءة إليك، وربما محاولة اغتيالك. استدارت، ونظرت إليّ بعينين كبيرتين رماديتين. - من "من"؟ - الشريف، ابن خال الملك. - لماذا؟... لأنني أريد مساعدتك؟ - لا، بسبب الأرض الخصبة التي اكتشفتها الأقمار الصناعية الأميركية والتي يسيل لعابهم عليها. قهقهت، أخذتني من يديّ، وجعلتني أجلس قربها على كنبة من المخمل الأحمر. - كم أنت ساذج، بروفسور! قالت وهي تقترب بوجهها من وجهي، من الأفضل أن تعود إلى مدريد، إلى الحرية، إلى الأزرق، لون الحب. - الحرية تحت تهديد العساكر؟ - الإسبان قادرون عل حل كل شيء، أما هنا... - نعم، سمعته ينطق بتهديدات ضدك. - من هو؟ صاحت مرتبكة هذه المرة. - قلت لك، ابن خال الملك، الشريف. أخذت التلفون، وركبت رقمًا. قالت بصوت جسيم يشذ عن رقة شخصيتها: - الأرملة على الهاتف! أعطني صاحب السمو الملكي. بعد انتظار طويل، قال لها محدثها إن سموه مشغول جدًا، إنه في مكتب جلالته. تركت خبرًا، وأغلقت. - قلقك لا مبرر له، يا صديقي العزيز. التهديدات، استلمت منها العشرات، وكما ترى، لم أزل على قيد الحياة! أحيا من أجل الحب، هل نسيت؟ أنا كالحب: خالدة! سأحيا ما بقي رجال مثلك محبون محبوبون صادقون ومع الأسف نادرون ولكننا نجدهم على الرغم من كل شيء. قبلتني. - لقد أخبرتُكِ، فانتبهي إلى نفسك. - لا تقلق من أجلي. - الآن، عليّ الذهاب. - ألا تبقى معي للعشاء؟ - لا، عليّ الانتظار قرب الهاتف. - نعم، أنا فاهمة. أنا آسفة لأني لم أستطع فعل شيء من أجلك. - ليس أنتِِ، الاعتبار للمصلحة العامة. حجة تعسفية غالبًا ما تُلقى لتبرير عدم الحب. قعدتُ عند أخي أبي بكر الآشي أنتظر استدعاء أبي الحكم القاسم، فطال بي القعود، وارتاب رشاد رشد في أمره. عاد يفكسس إلى كل واحد من رجالات القصر الملكي، دون أن ينسى منهم واحدًا، ولا أي جواب من واحد. خلال ذلك، أخذ الوضع يسوء أكثر فأكثر في أرخذونة، فعتمت الفضة، واحتار الزيتون. هاجم الجيش آميديه في جبال البِطيق، وكاد يقضي عليه لولا تمكنه من الهرب إلى بلاد الباسك وإيزابيل معه. انتقلت المعارك إلى جبال البرنة، كانت براءة التاريخ. ومن جهته، ضيق الفارس بوعمير الخناق على أرخذونة، وتفنن الكاردينال ريفيرا في تعذيب أهلها، كانت لوحات المعرفة. أخذ تلفزيون عمان يتكلم عن "حل أردني" باثًا فكرة إحلال السلام في أرخذونة. عندئذ، توقعت أن يعلن أبو عبد الله العوفي ارتباطه بالمدينة الأندلسية القديمة، ويأمر باستدعائي، فلم يحصل شيء من هذا. استعملت اللغة الخشبية في خدمة أكاذيب جديدة، حقائق قديمة، وراحت وسائل الإعلام تتكلم عن "سلام حقيقي" مع أرخذونة، وكأن أرخذونة في حرب مع الأردن، في خدمة أكاذيب قديمة، حقائق جديدة. بعد عدة أيام، علمنا بما يختفي وراء كل هذا العجيج الإعلامي: صرف أبصار الرأي العام عما يجري من عداء بين طائفتين: الشراكسة والأرمن، الأوائل مسلمون والأواخر مسيحيون، هؤلاء أبناء الحدائق، وأولئك أبناء السفوح. وعلى الرغم من الاشتباكات التي أودت بحياة عشرات الأشخاص من الطرفين، وضع عبد السلام بوعمير حدًا لما دعاه "شغبًا" بالحديد والنار، وتحولت دبابات وزير دفاعه إلى أقاحٍ. هذا هو السبب الأول الذي يفسر الجلبة الإعلامية عن السلام مع أرخذونة، أما السبب الثاني فلتحضير زيارة الفارس بوعمير لعمان، على الرغم من التنافس القديم الجديد بين الفارس بوعمير وأبي عبد الله العوفي، فالكل يعلم بكره النصل للرمح. بيد أن السي آي إيه، كما قلت سابقًا، هي السيف الفعلي للبلاد، وليس من صالحها أي تنسيق بين العاهلين الأردني والإسباني. على العكس، بإضعاف الكرز القرطبي، سيفتح العساكر الانقلابيون أبواب شبه الجزيرة الإيبيرية العراض لأساطيل الحكمة الجديدة القديمة، تمامًا كما كانت حال هذا البلد الصغير الذي هو الأردن، الصغير الجسد ولكن الكبير القلب. - استغلت حركة آميديه للسيطرة على إسبانيا. كل شيء واضح، ولم يبق لي إلا العودة من حيث أتيت. حجزت لمدريد في طائرة الخميس، أي بعد ثلاثة أيام. جاء بسام المنصوري برفقة صديقته لوداعي، والوداع يبكي من عينيه. ألح عليّ بالكتابة في جريدته من العاصمة الإيبيرية، فلم أعده بشيء. بعد فشلي الأردني، سأذهب إلى مراكش بحثًا عن الجزء الثاني من قصة الحب الدموي. غدا هذا الحب شغلي الشاغل، عسى الشيطان أن أجده. أعطيته بعض مقالات سبق لي نشرها في مجلة إسبانية، مقالات "جريئة" بعض الشيء، فأخذها فرحًا. - مكتب المخابرات في كل جريدة، أفضى بسام لي، لهو رب كل كلمة سياسية تنشر، غير أن المقالات الأدبية، فقلما تراقب. أشكرك جزيل الشكر! لو أن كل المثقفين كانوا على قدر من الشجاعة التي لك، لوجدت كل مشاكل العالم حلها! أعدت إليه الإطراء بإطراء. - أنت الوحيد من يسأل عني، أضفت، مثقفو هذا البلد كأنهم يعيشون في كوكب لم يكتشف بعد. همهمت صديقة صديقي: - الأحداث الأخيرة مزقتهم. وابتسامة عابسة على شفتيه، علق بسام، ليس بغير سخرية: - حتى ما قبل الأحداث الأخيرة هذا هو طبعهم! هؤلاء السفسطيون! كل واحد منهم يعتبر نفسه ماركيز أو بودلير أو أرسطو زمانه! اغفر لهم، بروفسور، واغفر لي! منذ مجيئي لرؤيتك، اعتبروك واحدًا من "شلتي"، إذا ما جرؤت على التعبير هكذا، مما أعطاهم سببًا إضافيًا للتهرب منك. - ولكني أنا كنت بعيدًا، لم أعرفك شخصيًا إلا هنا، وما عرفت أحدًا منهم إلا عبر كتبه التي حللتها دون أن أتحيز لهذا أو لذاك. - هذا الشكل من التصرف دينهم وديدنهم! ومع الأسف الأصفار منهم يدللهم القصر كأبنائه، وأصحاب الموهبة يعزلهم، فيتساقطون كثمار التين، وهم يصارعون بأقلامهم وأذرعهم من أجل العيش! بدا لي أن بسام المنصوري يشكو أمره إليّ، فماذا أقول عني، وعن مهمتي، المتجاهلة من طرف التاج؟ بقي صاحب الافتتاحية الشهير وصديقته صامتين بعض الوقت، أضاقهما لجب الصمت، فنظرا إلى بعضهما، ونظرا إليّ، ثم لم يتأخرا عن الذهاب. جعلاني أسقط في صمت اللجب، فحضر رشاد رشد الآشي مبكرًا على غير عادته. - كنت مضطرًا إلى ترك المكتب، قال لي لاهثًا، تلفن الأعرج، أبو الحكم القاسم يريدك في الحال. - في الحال؟ - نعم، حالاً. نهضت إلى الباب، ورشاد رشد يسارع إلى القول: - لقد نجحت أخيرًا في إيصالك إلى رئيس الديوان الملكي، وعليك حاضرًا يتوقف كل شيء من أجل الوصول إلى جلالة الملك، فاعرف كيف تتصرف مع موظفه الكبير، اجعله يفهم أن ذكاءه غير قادر على إدراك الله كعيون الخفافيش على رؤية الشمس. بكلام آخر، اجعله يعرف حدوده في السياسة كما في الحياة. وضعني تاكسي عند قدم الجبل الذي يرتفع عليه المقر الملكي، والسائق يصرخ فزعًا: - عجل بالنزول! ممنوع الوقوف! عجل، أرجوك! وأنا أحاسبه، أخذت صفارات الحرس تولول، والسائق معها. - خلني فقط أذهب! دفعتُ أكثر من اللازم، وقفزتُ، لتنطلق السيارة مثل صاروخ. ظلالها تنطفئ في الشمس، وعجلاتها تحترق على الإسفلت. في غرفة إلى يمين المدخل، هناك مكتب حديدي وكرسي خشبي وضابط يبحث في كراس عن اسمي. رفع السماعة، وطلب سكرتيرة أبي الحكم التي أكدت استدعائي. عاد إلى كراسه مهمومًا، لما فجأة ثقبت فمه ابتسامة غبية. - صحيح كما قالت الآنسة، قال، اسمك الوحيد غبر الرباعي، كيف لم ألاحظ ذلك؟ وذهب في استنطاق طال عن اسم أبي واسم جدي واسم جد جدي، وهو يسجل في جهاز الكمبيوتر. بما أنني نسيت كل هذه الأسماء، كنت أكذب عليه، هكذا لن يعرفوا عن جذوري شيئًا كما هو دأب الأخطبوطات مع كل فرد من أفراد هذا البلد منذ أربعة أجيال، وربما منذ كانت الأرض. على الرغم من الدوران السريع للساعة، ورأسي معها، وبكل الغباء في العالم، رقعني الضابط بانتظار سيارة أحد الطالعين إلى القصر. في الأخير، أرسلني مع موزع البريد كرسالة مسجلة. أشار هذا إلى رجل تعب ينزل من سيارة فورد تعبة، وقال لي: - هذا هو مستشار أبي الحكم، فاذهب معه، سيدلك على مكتبه. نظرت إلى الرجل التعب، وهو ينفخ من الحرارة والشيخوخة، ومضيت بخفة من أمامه، دونما أعيره أدنى اهتمام. في داخل القصر، كان بعض الشراكسة في تنانيرهم القصيرة وقمصانهم المطرزة وطرابيشهم المزوقة وباقي زيهم التقليدي، وهم يقومون بالحراسة أمام مكتب الملك. كانوا يمثلون طائفة شيشانية الأصل، أراد العاهل أن يحيي فيها الشهامة والمروءة قرنفلتين. كانوا الأوائل، وهم الغرباء، الذين استقبلوا جده، وهو الغريب، حال وصوله من بلاد الحجاز. كنت على بعد خطوتين منه، بيد أن قطع جهنم كان أسهل بكثير! شخر بي موظف تشريفاتي ليفسح العبور لإحدى الشخصيات الهامة، فقلت لنفسي هو الملك، وهي فرصة لا تعوض للتحدث إليه. انتحيت جانبًا، والتفت، فإذا به المستشار التعبان إياه. رمى حقيبته بين ذراعي الشاب المنافق، وهو يتنفس بضيق. استمرت الحرارة الخارجية تطارده في الممر الملكي العظيم، فالنعيم جحيم. لم يتوقف ملاك القصر عن شد شعره، ونكش أنفه، والتدحرج كطابة مثقوبة. أردت أن ألعن الشاب الدجال وأباه وجده وجد جده وكل الذين خلفوه، غير أني ابتلعت الإهانة من مِسْخ القوم، وأملت بالتعويض عنها من عِلْيِهِم. بلطافة لم أعهدها في السكرتيرات اللاتي أعرفهن، رجتني فتاة ذات شقار أرستقراطي أن أنتظر انتهاء أبي الحكم ممن يستقبل، فجلست قرب بابها المفتوح أنظر إلى الأبواب الخشبية العالية المدهونة بالزيت وهي تنفتح وتنغلق. رأيت أشباح رجالات القصر، وهم يتوشوشون اثنين اثنين، ثلاثة ثلاثة، أربعة أربعة... عناكب في شبكات ذكرتني بالأرض الخصبة التي تقاسمها رئيس الحكومة والمستشار الشخصي للملك ووزير الإعلام. كانوا يتهامسون خوفًا من أن يسمعهم جلالته، وما أن يغادروا القصر حتى يأخذوا بالنهيق أو النباح. مفاجأة أخرى –وما أكثر المفاجآت في الديوان الملكي- دخل أبو الحسن الفزاع الذي تظاهر بعدم رؤيتي، ووقف مع السكرتيرة قرب النافذة ذاهبًا معها في حديث لا أول له ولا آخر. انخرس مع انفتاح الباب المصفح، الرابط هذا المكتب بمكتب أبي الحكم القاسم. ظهر القمر، وتقدم باتجاهي، وهو يخب، ويتصنع هيئة مهيبة يقول الناس عنها مفتاحه إلى قلب الملك. سلم علي بأطراف أصابعه، فعبرت عن زعلي، لا لعدم شده جيدًا على يدي، ولكن لأهماله الرد على مطر فاكساتي. تجاهلني، وتظاهر بعدم سماعه لشيء. انحنى على أذن سكرتيرته، وأنا أفكر في الشخ عليه، ومغادرة القصر بأقصى سرعة. استدار نحوي، وهو يبالغ في العقد بين حاجبيه، وطلب مني الدخول إلى مكتبه، الشيء الذي فعلته مترددًا. تبعني، وتأكد من غلق بابه المصفح جيدًا. كانت كل فاكساتي على مكتبه، تناول قلمًا وورقة، وبدأ يسألني: من أنا، ولماذا أنا في عمان، وكيف أجرؤ على فكسسة غضبي إلى جلالته وسخطي لعدم استقبالي منذ أسابيع؟ إذن، استدعائي لم يكن من أجل المهمة التي كلفت بها. دفعني هذه الاستجواب البوليسي بالأحرى إلى النهوض، كان الباب المصفح مغلقًا تمامًا. تبادلنا بعض العبارات العدائية بلهجة لاذعة، وعاد إلى استجوابي. - لن أجيبك، قلت بجفاف، إنه خطأ أعرج "تحت السيل"، من رتب هذا الموعد، وسيعرف شغلي معه. عند ذلك، لانت قناة أبي الحكم، واعترف أنه لا يعرف لماذا أنا في العاصمة الهاشمية، وأن جلالته لم يكلمه في الأمر. حكيت الأسباب باختصار، وأنهيت بقول: - الشخص المكلف بمتابعة قضيتي مع الملك واحد اسمه الفزاع. وفي الحال، رفع أبو الحكم السماعة، وناداه، وهو يفتح الباب المصفح بالضغط على زر بقدمه، فدخل الخرع بعد لحظات، وهو يخب، هو الآخر، وعلى وجهه أمارات الفزع. أعاد رئيس الديوان الملكي عليه ما قلته له، فأكد: - صحيح ما قاله، البروفسور، لقد عرض خدماته على جلالته من أجل حل أزمة أرخذونة، ولم يتم اللقاء، فكل شيء كان يتوقف على رئيس الديون الملكي سلفك. جرحتني صيغة التصغير في عبارة "عرض خدماته"، كأي عميل أو مرتزق. تجاهلت الأمر على مضض مني، وتوجهت إلى رئيس الديوان الملكي: - أيعقل هذا؟ سلفك يعرقل جهودي قرب جلالته! ألم يهمه هذا الحاسد مصير أرخذونة، مصير العاهل الإسباني! ألم يفكر في مصير هذا البلد المرتبط بمصير المدينة الأندلسية؟ أضحَكَتْ أبا الحكم القاسم كلماتي: - سنترك أرخذونة في حالها، وحدها تواجه مصيرها، بروفسور، مقابل أن يتركوا الأردن في حاله، وحده يواجه مصيره، وإلا زالت المملكة من الوجود، وبدأ عهد بشع أبشع من الحالي بكثير! استفزني: - والناس، هل سيسكتون؟ - من الأفضل للناس أن يسكتوا، أحسن لهم، أن يقبلوا بالوضع على الرغم من كل شيء. أرخذونة لهم ليست الجنة، وإنما النار التي سيشوون فيها لو يتحركون قليلاً. همهمت بمرارة: - إن كنتم ترون الأمور هكذا، فعودتي إلى مدريد ستكون يوم الخميس القادم. همهم رئيس الديوان الملكي بدوره: - ألا تريد أن تفهم، بروفسور؟ ترك أرخذونة لأرخذونة لهو ضمان هذا البلد الوحيد لبقائه. لم أقل شيئًا، فقعر صوته: - إنهم أقوياء! - ... - الحكام الحقيقيون! أقوياء جدًا! سكت قليلاً، ثم سألني: - هل تريد أن تسمع هذا من فم جلالته بنفسه؟ - ليس الأمر مهمًا في الوقت الحاضر، لكني سأسمح لنفسي بالكتابة عن كل ما سمعته من فمك في جرائد الغرب. - هل تريد التنديد ببلدك؟ - على العكس، سأدافع عن هذا البلد الذي يعاني من كل شيء. - لماذا لا تكتب في جرائدنا؟ الديمقراطية عندنا بقدرها عند الغرب أو يزيد! هذا العسكري، ابن العسكري، ابن ابن العسكري، ابن ابن ابن العسكري، من لا مبدأ له غير "الجزرة والعصا"، يجرؤ على الادعاء، الآن، أنه ديمقراطي أكثر من الديمقراطيين. - أنت لست مقتنعًا بكلامي، بروفسور! لهذا أصر على أن تقابل جلالته. قلتَ لي متى ستغادر؟ - الخميس القادم. رفع السماعة: - حدد موعدًا بين البروفسور وجلالته قبل الخميس لو أمكن، وإلا فالغ كل شيء، يكون قد سافر. وأغلق. - إنه رئيس التشريفات، قال الموظف الملكي الرفيع ببرود، كم هي الأمور سهلة لما تكون واضحة! بالمقابل، أشك في أن يكون لدى جلالته وقت لاستقبالك، فالفارس بوعمير سيحل بيننا غدًا، وها أنا أعلمك بهذا النبأ قبل الصحافة. كل الأمور كانت واضحة تمامًا. قادني نحو الباب المصفح، ومنه عدت إلى مكتب السكرتيرة. سألتها أن تطلب لي سيارة أجرة، فرجتني العودة إلى الجلوس. في الممر الملكي، خرج من أحد الأبواب العالية المدهونة بالزيت ابن أخي أبي عبد الله العوفي. عرفته من التلفزيون الملكي بلون بشرته السمراء الكامدة، وقامته الطويلة، وصلعته الوشيكة على الرغم من كونه في ريعان الشباب. اقترب من السكرتيرة، فقدمتُنِي له، وسألته لو سمع بي. لا! ذكرته بكونه المستشار الثقافي للملك. نعم! وفاكساتي؟ رماني بنظرة محتقرة، وزلق خلفي ليومئ إلى الشقراء الأرستقراطية. لمحت شفتيه الغليظتين، وهما تتحركان كبطتين. أخذ موعدًا معها، وافرنقع. جاء الأعرج، وهو يتراقص كاللهب. قدمتُنِي له، فأبدى جهله التام بمعرفتي. دخل على أبي الحكم الموجود بصحبة الفزاع، فسألتُ السكرتيرة ما يفعله هذا الأعرج هنا. أخبرتني أنه في النهار سيد الجد، وفي الليل سيد اللهو. عرفته في الليل، قلت لها، وها أنا أعرفه في النهار. إنه ابن رئيس الحكومة، أضافت. من الثمرة تُعرف الشجرة! لم يدهشني أمر مثل هذا الشخص الخامل في القصر وإنما أمر أولئك الذين يتوارثون هم وأبناؤهم كراسي الحكم. سيتفق الأعرج وأبو الحكم على عدم تحديد أي موعد لي مع الملك، بعد أن أفزع الفزاع رئيس الديوان الملكي بإعلامه: أنني كنت مهيئًا لرئاسة الحكومة، الوظيفة التي يجلد نفسه بها ليل نهار، فتبًا للبروفسور! تبًا لأرخذونة! تبًا للعالم! ركبت حصاني الأغر، كان الحصان في رأسي. خففت العدو، فرأيت سيارات الشرطة تجتاح فيلا الأرملة. كان الجيران هناك. كالغرباء. جاءت رحمة الآشي تقول لي، والدموع تسيل من عينيها، إن مدام سونيا لقيت حتفها في حادث سيارة، هي وسائقها. صعقني الخبر. الجبناء! لم يترددوا! أردت الذهاب لأراها، لأُلقي عليها نظرة أخيرة، لأقول لحبها الوداع. منعتني زوجة رشاد رشد، فتركتُنِي لحزني يروح بي بعيدًا عن الحصافة، وَهِمت على وجهي، حتى المساء، وأنا أفكر فيها: كانت تحب النجوم، كانت تحيا لأجل الليل.
يتبع الفصل الخامس من القسم الثاني
#أفنان_القاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الثالث
-
أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الثاني
-
أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الأول
-
أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الخامس عشر
-
أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الرابع عشر
-
أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثالث عشر
-
أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثاني عشر
-
أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الحادي عشر
-
أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل العاشر
-
أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل التاسع
-
أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثامن
-
أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل السابع
-
أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل السادس
-
أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الخامس
-
أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الرابع
-
أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثالث
-
رماد لا يشتعل ردًا على ليندا كبرييل
-
أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثاني
-
أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الأول
-
علاء الأسواني ومرحلة المرآة
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|