|
- أنا مدمن، إذن أنا موجود، عفوا أنا معدوم -
تفروت لحسن
الحوار المتمدن-العدد: 4719 - 2015 / 2 / 13 - 19:35
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كلما استحضرنا لفظ " الإدمان " – addiction - إلا وتولد منه معنى مخصوص. فالمعنى المقترن باللفظ يحيل إلى المخدر، هذا الذي تنطبق دلالته الماصدقية على كل أنواع المخدرات، السائلة والصلبة، الطبيعية والصناعية. وسبب هذا التلازم بين " الإدمان " و المخدر هو توطن المفهومين على سلم دلالي واحد. فهما محكومان بعلاقة لسانية تعرف بالتساكن الدلالي collocation، والذي يفيد أن ذكر لفظ يترتب عنه بالضرورة لفظ آخر، فذكر لفظ " المطار " يستلزم الطائرة، كما يستلزم لفظ الغابة التفكير في الأشجار مثلا. وما يرسخ هذا الاقتران بين " الإدمان " و " المخدر " هو التدوال العام الذي تجري به ألسنة الجمهور، خاصة في المجال الطبي، مجال الأمراض العقلية والنفسية. فبمجرد ما نسند إلى شخص ما صفة الإدمان حتى ينتقل الذهن إلى إقامة علاقة التلازم، فيتم الحكم، ولو غيابيا، على هذا الشخص بأنه ميال للمخدر أو المخدرات. رغم شيوع هذا التعود في الاستنتاج، نشير إلى أن هذا المعنى هو واحد فقط من بين المعاني الممكنة للفظ الإدمان. بل إن هذا التناول العمومي يشكل عائقا أما الكشف عن باقي وجوه دلالة اللفظ. هذه الوجوه التي لا تظهر إلا من خلال توسيع أفق الرؤية والبحث عن باقي الإحالات الدلالية اللفظ. يتعلق الأمر بالنظر في المعنى الموسع للإدمان والذي يمكن من الإحاطة بمداليله. وهذا يقتضي، في البدء، مقاربة مفهوم الإدمان بحدود تبتعد عن المألوف في المعجم المتداول، اللغة المبتذلة. التفكير في هذه المحاولة يلزمنا بتقعيد المقدمات التالية : - الإدمان هو التعلق بالشيء، ماديا أو رمزيا. فالمدمن لا يوجد إلا بامتلاك هذا الشيء أو الاعتقاد في تحصيله. فالمدمن لا يوجد إلا بالحصول على ما يعتقده طاقته التي بها يتحرك. فانعدام هذا الشيء يترتب انعدام المدمن، لدرجة أن المدمن إذا لم يتحصل على هذه الوسيلة يحس بافتقاد كل قوة. وفي هذه الحالة يكون المدمن غير قادر على الفعل، فعل التفكير واتخاذ القرار... مثال ذلك أن بعض المدمنين، الذين ينقطعون عن هذا الشيء، في نهار رمضان مثلا ، يكونون شاردي الذهن، في حالة عجز، بل ولا يتحكمون في بعض التصرفات كالغضب والعنف. ويتبين أن حال هؤلاء يتغير مؤقتا بفعل تناول المادة المخدرة، أقلها التدخين و مشتقاته، بعد الإفطار. - تعلق المدمن بالشيء هو تعلق جنوني، أكثر من العشق. فالمدمن يحاول تحصيل مطلوبه بكل الوسائل، حتى ولو تطلب ذلك التضحية بحياته وأحبابه. إن هاجسه هو تملك مادة الإدمان دون تفكير في العواقب والآثار. ومثال ذلك أن المدمن لا يستحضر المنع القانوني للمخدر، بل نجده يلهث ويعرق، فلا يهدا له بال حتى يحصل تلك الأشياء. - الإدمان هو تعود، أي يبدأ كعادة بسيطة ويصبح ألفة. وبحكم هذه الألفة يعتقد المدمن أن هذا ابتلاء يتعذر تركه. فهذا التعود يصبح سلوكا عاديا بالنسبة له. والكثير من سلوك المدمنين مطبوع بجدلية المثير والاستجابة كما تمت صياغتها في النظرية السلوكية – بافلوف -. فمبجرد ما يحل وقت الإدمان يتولد لدى صاحبه استجابات الميل نحو المخدر. مثلا المدمن على الكحول يستجيب لهذا المثير في أوقات معينة. - إذا كان المدمن يعتقد أن وجوده مرهون بإدمانه، فان ما لا يعيه هو أن هذا الإدمان هو ما يحول وجوده إلى عدم، من موجود إلى معدوم. فالإدمان يجعل صاحبه في حالة غياب، حالة عدم وجودي. فكلما شبع المدمن من محصوله إلا وفقد ذاكرته وصوابه، فلا يعرف ما يقول ولا ما يفعل. والأكثر من هذا أن الإدمان هو حافز للزوال، زوال الفكر والنفس، بل وانتحار سريع للجسد. - يفيد لفظ الإدمان معنى الإفراط والتخمة كما يفيد التفريط والبخل. فالزيادة عن حد الشيء، سلبا أو إيجابا، هو مؤشر على الإدمان. وحتى في بعض الدول التي تجير تناول الكحول مثلا تلح على عامل الوسطية والاعتدال، لانه تجاوز ذلك يستتبع الابتلاء والإدمان. وهكذا، فان الإفراط او التفريط في التعلق بشيء هو الإدمان عينه. - ليس المخدر إلا واحدا من مجموعة الإدمان. هذا الأخير يتضمن معاني متعددة، منها ما هو فزيولوجي، وهو المتداول، ومنها ما هو نفسي. ونظرا لقلة الحديث عن هذا الأخير، نذكر ببعض أصنافه : v الإدمان على المال : يتمثل في الحب الجم للمال وما يقوم مقامه. إنه الإفراط في الاكتناز، في التملك المستمر لمتاع الدنيا. ولهذا نجد الديانات السماواية، ومنها الإسلام، تذم هذا الإفراط وتدعو إلى القوام، إلى الاعتدال، بدون إسراف ولا تقتير. فكل جامع للمال أو معدد له، مأواه غير محمود. وكل مسرف للمال له نقس المصير. هذا التحذير موجه للبخيل والمسرف على حد سواء. والسبب أن هذا إدمان خطير على حياة صاحبه وعلى المجتمع. v الإدمان الإسمنتي : ومقبضاه أن المدمن على البناء والعقار يعتقد أن وجوده محكوم بالبنيان المرصوص، بتشييد المزيد من المنازل والعمارات والفيلات. فتجده وهو مشرف على الزوال يستمر في إدمانه. ولا يهدأ له بال حتى يشتم رائحة الإسمنت والصباغة..بطرقة أتشبه بالمدمن على شم المواد الكيميائية. v الإدمان الجنسي : وهو الإفراط في الميل الجنسي، الجسدي أو الرمزي، لدرجة الإسهال البطني، أو الإمساك عن الجنس، بمبرر العفة الصوم الروحي. فهذان الوجهان، المسكوت عنهما، ينتشران في المجتمع، فتجد المفرط جاحظ العينين خلف النساء، أتشبه بزير نساء أو دون جوان. يظن أن متعته، وجوده، حياته...هي امتلاك النساء، جسدا ومشاعر. ولا يختلف الأمر عن الممسك عن الجنس الذي يصوم عنه بشكل عصابي، فلا يعرف الزواج ولا يعترف بتساكن الجنسين. v الإدمان المعلومياني : وهو شكل حديث، يتمظهر من خلال الجمود على الانترنيت والهواتف الذكية. إن الإصبع الصغيرة هي الشاهد على هذا الإدمان، فتجد الشخص المدمن قابعا أمام الشاشة الكبيرة أو الصغيرة وهو يحرك إصبعه، ظنا منه أن ثمة وجوده. v الإدمان الديني : ومثاله الزيادة والإكثار من التعبد، ولقد أشار إلى ذلك القران الكريم، فجعل الصلاة كتابا موقوتا، والصوم أياما معدودة. لهذا يكون المدمن هو من زاد أو نقص عن الحد في كل شؤون التدين. إذا كانت مظاهر الإدمان تتعدد وتتكاثر، الصريح منها والخفي، فالعلاج هو الاعتدال، هذا القوام الذي لا يتحقق إلا بالإرادة، فالإرادة تحرر. تحررنا من كل تعلق بالشيء وبالآخر، تعتقنا من العبودية.
#تفروت_لحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
راهن الفلسفة ورهان الفكر النقدي
-
إشكالية تحديد معايير اختيار الكتاب المدرسي بالتعليم المغربي
-
نيتشه : الفيلسوف طبيب المجتمع
-
لدروس الخصوصية لعلوم التربية : صورة جديدة لأزمة التعليم المغ
...
-
- الفلسفة كما نحيا بها - : تجربة بيير أَضُو Pierre Hadot
-
الفلسفة والتربية : الإبهام المزدوج
-
في الحاجة الى -الفلسفة التطبيقية-
-
الفلسفة في متناول الجمهور : انتعاش أم انكماش
-
درس الفلسفة بين : - الأستاذ - الطبيب - و - الأستاذ - الكناشي
...
-
بعض مفارقات - مفهوم العقل - عند عبد الله العروي
-
في التربية على حقوق الإنسان
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|