سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 19 - 16:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- نحو فهم للوجود والحياة والإنسان (22) .
* فى مفهوم القانون الطبيعى .
- عندما ننفى قصة الخلق من منطلق أن المادة لا تخلق من العدم ولا تفنى إلى العدم يصبح كلامنا هباءاً أمام العقلية الدينية التى ترمى كل العلم والمنطق وراء ظهرها لترفع السؤال مرة اخرى عمن خلق الكون ,وعندما نكرر ثانية أن الكون وجود مادى يفسر ذاته فى حالة تغير وتبدل لصوره المادية من خلال قوانين مادية فيزيائية ,تجد المؤمن كأنه وجد طوق نجاة ليقول إن الله هو الذى خلق القانون الطبيعى للمادة ,ولا تعرف من أين جاء بهذا الإدعاء فنصوصه الدينية لا تذكر شئ عن قانون المادة الطبيعى إلا أنها العادة الطفولية المتأصلة فى إنساب كل جهل إلى الإله بمقولة صبيانية أن الله هو من عملها .
- هناك رؤية ميتافزيقية متغلغلة فى الفكر الإيمانى ترى قانون المادة كأنه بمثابة الروح الميتافزيقية التى تدير شئون المادة وتعطى لها سماتها الخاصة كأن القانون المادى شئ يحل على المادة بينما القانون هو ملاحظة الإنسان ومراقبته وإكتشافه للمادة ليصيغ بعض الرموز فى معادلة هى عبارة عن رصد العلاقات المادية ليكون الإنسان هو من إبتدع القانون برموزه وعلاقاته الرياضية .
- مشكلة المؤمن أنه يظن أن هناك مُشرع ومُصمم للقوانين التي تحكم سلوك المادة والطاقة ليستشهد بمعادلات نيوتن وأنشتاين ويتسائل من وضع هذه القوانين ليستنبط وجود كائن خالق خارق يُفكر وضع القانون وهو لا يدرك أن نيوتن وأنشتاين رغم إكتشافهما لتلك القوانين ظلت قاصرة على تفسير بعض الظواهر المادية التي طلبت إستنباط رياضيات جديدة لتظهر الفيزياء الكمية التي أساسها مبدأ الإحتمالات.
- قبل أن نتطرق إلى ماهية القانون الطبيعى سنذكر مشاهد تبين أن فكرة الإله حسب مُبدعها ومُدعيها تقف عاجزة أمام قانون المادة , فلو إفترضنا وجود إله فهو عاجز عن كسر قانون المادة وفقا للأساطير الدينية نفسها ,فآية عرش الله الذى يحمله ثمانية تُبين أن الله يخضع لقانون الجاذبية فلدينا ثمانية ملائكة تحمل العرش من السقوط لأسفل بفعل قانون الجاذبية ,فلو كان هناك إله خالق لقانون المادة فلن يخضع لقانون هو من خلقه ولا داعى لمعاناة الملائكة الثمانية كما أن المشهد الفنتازى لوجود أجنحة للملائكة بلا معنى ولا جدوى فى فضاء خال من الهواء سوى أن مُبدع هذه الصورة تصور الملاك كالطير الذى يحلق فى السماء لذا فيلزم وجود اجنحة.!
أليس من الحرى أن يعطل الله هذا القانون عن عرشه بل يلغيه تماما بدلاً من قصة حمل العرش بثمانية التى تحوله من السقوط وهذا المشهد الفنتازى الموغل فى القدم ولكن من قال أن مُبدع فكرة الإله فطن لقصة قانون المادة الطبيعى ليأتى أحفاده فيحسوا بوقع المشكلة ولكنهم يمتلكون نفس الفكر الملفق ,فالإله خالق القانون الطبيعى .
مشهد آخر يُعلن التحدى فهل يستجيب الله لدعاء مليارات البشر فى أن لا يسقط حجر من أعلى جبل على الارض ليظل مشعلقاً فى الهواء أم أن الحجر سيسقط بفعل الجاذبية الارضية وقانون المادة رغم انف الصلوات والتضرعات وفكرة الاله .!
- مثال الحجر يأتى في معرض المقارنة مع فكرتنا عن الكون فعندما نتكلم عن الجاذبية الأرضية مثلاً فنحن نتكلم عن قانون رياضي فيزيائي وبسبب تحقق هذا القانون إفترض البعض أنه من الضروري وجود مُصمم هو من وضع تصميمه لكن لنا ان نقول بأن الجاذبية الأرضية هي مجرد أمر واقع يعبر عن طبيعة وماهية المادة ونحن من وضعنا قانوناً لتنظيم وتقنين هذه الظاهرة أى أننا نستطيع دائماً إيجاد قوانين وعلاقات من الاشياء وفقاً لرؤيتنا ومداركنا .
- طالما المادة أزلية الوجود فهذا يعنى أن قوانينها أزلية أيضاً فلا تكون بحاجة لقوة خارجية أن تُحدثها فى المادة , بمعنى أن القانون الطبيعى للمادة هو هوية وكينونة وطبيعة المادة وسماتها وسلوكها فلا تستطيع ان تنزع القانون الطبيعى عن المادة فهو المادة ذاتها. لذا لو سألنا أين الله من هذه العلاقة ,فهل هو مُحدثاً للقانون أولا أو مُحدث للمادة أولا ,فوفقا لزعم وجود مُصمم فأنت لن تستطيع القول بأنه محدث للإثنين معاً فى وقت واحد فهذا هو الهراء بعينه, فالمُصمم يلتزم بخطوات وإلا إنتفى عنه التصميم كما سيقودك القول بإنه مُحدث الإثنين معاً إلى عشوائية الوجود وعدم وجود إله فبدلا أن تثبت وجوده من خلال تصميمه لقانون المادة نفيت وجوده , فمقولة أنه مُصمم يعنى ان لديه خطة وخطوات فى التصميم وإنتفاء وجود خطة يعنى العشوائية وتفريغ صفة الخالق المُصمم من محتواها ,ولعل قصة الخلق ذات الايام السته الاسطورية شاهد على فكرة وجود خطة فى التصميم على شكل خطوات متتالية ,وهذا يعنى إما أنه خلق المادة أولا ثم ألحق عليها القانون فيما بعد أو خلق القانون الحاكم ثم خلق المادة بعدها فلا تستطيع القول انه خلق المادة وقانونها فى ذات الوقت فنحن أمام مصمم ذو خطوات وترتيبات بغض النظر عن المسافة الزمنية ين كل خطوة وأخرى سواء أكانت مليون سنه أو ثانية ,ومن هنا تأتى المشكلة التى تثبت عدم وجود إله , فوجود القانون أولا قبل المادة هو الهراء والعبط بعينه ,فالقانون هو سلوك وماهية المادة فكيف يتواجد السلوك بدون محتوى مادى يستوعبه ويجعل له وجود , أما إذا قلت أنه خلق المادة أولا بدون قانون ثم وضع فيها القانون فهو قول مهترئ آخر ,فالمادة لا يتحدد وجودها وماهيتها بدون قانون ,فطبيعة وجود جزيئات الحديد القابلة المغنطة أو الصدأ كون جزيئاتها وذرات تقبل ذلك التفاعل فذرات الحديد لن تكون لها أى ماهية ووجود بدون طبيعتها .
- نرجع ونسأل ثانية هل سبقت المادة القوانين أم إن القوانين سابقة للمادة أم أن المادة مع قانونها فى وحدة مُدمجة بلا إنفصال أو إنفصام بل هى ماهية المادة ..فهل وجود مادة الحديد في الطبيعة كان أولاً ثم جاء قانون الصدأ والمغنطة لاحقًا بحيث بقي الحديد في الطبيعة حقبة من الزمن لا يصدأ ولا يتمغنط ثم جاءت قوانين من خارج الطبيعة حلت به ليتم توزيع القوانين على المواد لتحكم سلوكها وعلاقاتها فكان نصيب الحديد الصدأ والمغنطة أم أن قانون الصدأ والمغنطة مثلاً كان موجودًا في الكون دون وجود مادة الحديد ثم تكونت المادة ومنها الحديد فتم إصدار أوامر لكل قانون بملاحقة مادة معينة طالما الأمور جاءت من مصمم عاقل فكان من نصيب الحديد قانون الصدأ والمغنطة ووفقا لفكرة المصمم ذو المشيئة فيمكن أن تصدر أوامر جديدة للقوانين بالتغيير فيصبح الصدأ من نصيب الهواء فلا تستطيع أن تقول هذا هراء ومستحيل أمام مصمم ذو مشيئة .
بالطبع لا يصح منطقياً أن يكون الجواب هذا أو ذاك فالجواب العلمى هو أن قوانين الطبيعة ما هي إلا انعكاس طبيعي لخصائص المواد المختلفة أي أن القوانين قد انبثقت ونشأت متزامنة مع وجود المادة فهي تتغير بتغيرها وتنحرف بانحرافها وتختفي باختفائها!
مفهوم قانون الطبيعة لا يعدو وصف للسلوك الطبيعي الحتمي للأشياء وللعلاقات التفاعلية بينها المترتبة على إختلاف خصائص مكوناتها وظروف تواجدها وبذلك يمكننا تعريف قوانين الطبيعة بأنها تلك الذاتية التي تُحدد سلوك المادة والطاقة الملتصقة بها لتحدد شكلها وماهيتها وطبيعة وجودها .
- لننظر إلى حال الإنسان فى الأزمنة القديمة عندما كان يقيس اليوم والشهر والسنه وفق فهمه بأن الأرض مستوية والشمس هى قرص فى قبة السماء يتحرك حول الأرض فهكذا كان قانوناً بالنسبة له بينما واقع حالنا يقول أن الأرض كروية تتحرك حول محورها مرة واحدة لتعطينا اليوم وتدور حول الشمس دورة كاملة لتعطينا السنه وهذا يعنى أننا من نقيم العلاقات بين الأشياء وفقاً لرؤيتنا ومعارفنا فنصيغ علاقة فى قانون ونراه قانون طبيعى .
- نحن من نخلق علاقات نظام أى نبتدع وسائل عقلية لإيجاد علاقات بين الأشياء ليست فى كينونتها نظامية ذات ديمومة بل حالة من عشرات الحالات لنركز الكاميرا عليها ونلقى الضوء على مشهد منها لنسقط علاقات بحثاً عن إيجاد صيغة للأشياء لقبولها ونسميها نظام وقانون وما نعجز عن إيجاد علاقة للشئ نعتبره فوضى . الفوضى والعشوائية ناموس الوجود لنختلق علاقة من وسط العشوائية فنطلق عليها نظام .
- نحن نكتشف العلاقات داخل المادة من خلال ملاحظاتنا ورصدنا لنؤسس لها علاقة نطلق عليها قانون ليكون القانون هو رصد ملاحظة بشرية للمادة .
- الإنسان يحاول أن يفهم الكون كمن ينظر إلى ساعة مغلقة فيستنبط القوانين التي تفسر حركتها ولكنه رغم ذلك لا زال يسأل لماذا تعمل هكذا سوى أنه لا يريد تصديق بأن طبيعة المادة هكذا .!
- مشكلتنا في الوعى أننا حددنا مغزى من داخلنا وصدقناه مثلما حددنا الأرقام التي لها مغزى قبل رمي أحجار زهر الطاولة ,فلو كان الكون موجوداً بشكل آخر سننظر إليه ونقول، "هذا النظام لا يمكن أن يوجد بدون إله ,ومهما يكون شكل الكون سنقول نفس القول مثلما نقول أنظر التصميم الذى يجعل للإنسان عينان أليس رائعاً ولكن لو كان لدينا ثلاث عيون فحينها سنقول : أنظر أليست ثلاث عيون رائعة أفضل من عينين .
- القوانين الفيزيائية هي إبداع الوعي الإنساني والدقائق المادية نفسها هي التي تفرض سلوكاً معين حسب كتلتها وطاقاتها بين بعضها البعض ولهذا تجد حسابات نيوتن صحيحة في تفسير سلوك الكتل الكبيرة ولكنها تفشل في تفسير سلوك الدقائق تحت الذرية التى تبناها أينشتاين بالرغم ان الأثنتان ينتسبان إلى نفس المادة .
- هناك إشكالية فى منهجية وفلسفة الفكر الايمانى فهو يتغافل أنه ينظر للمنتج النهائى أو الظاهرة أو الحالة ليعطى لها إنطباع بالنظام والقانون ولا بأس أن يغلفها أيضا بالغاية والحكمة بغية خلق الوجود المشخصن العاقل المفارق بمعنى أننا ننظر للحالة الطبيعية بعد أن خاضت عشرات الحالات من التغيير والتعقيد لنتصور أنها بهكذا حال أى هناك نظام وترتيب مقصود مُتعمد بينما واقع الحال أننا اوجدنا الرؤية النظامية بما يتوفر أمامنا من معطيات أى برمجنا أدمغتنا وولفنا عقولنا على ماهو واقع وموجود بحالته لنقول ان السماء تمطر أو أن الماء يغلى عند درجة 100 درجة مئوية وأن المعدن الفلانى ينصهر عند كذا درجة مئوية أو المعدن العلانى يصدأ مع الهواء وقس على ذلك أى ظاهرة طبيعية ولنعزى هذا لقانون مادى لتجد أن سلوك المادة منفصل عنا وأننا نستقبل مشاهده وتمظهراته وسلوكياته لنصيغها فى علاقات وقوانين بعد مراقبتنا لها لذا وجدنا أن الماء يغلى عند 100 درجة ويتجمد عند صفر درجة ,ولو كان يغلى عند 90 درجة ويتجمد عند 10 درجات فهكذا سيكون حال قولنا وقانوننا فلا قيمة او تميز للرقم إلا بما نعطيه نحن له من قيمة ومعنى , لذا فلا يجب أن يكون ما أسقطناه على المادة من معانى ودلالات هو معنى مستقل فى ذات نفسه وعليه يكون أى تمظهر ووضعية وحالة للمادة هو إسقاط انطباعنا عليه وكمثال على هذا ,لو قلت لك سأمنحك 1000 دولار إذا رميت زهرى النرد وحصلت على رقمى 2, 6 فهنا أصبح للرقمين 2,6 معنى بالرغم انهما رقمين عاديين من أرقام النرد .
- يمكن فهم علاقتنا بالوجود والحياة وماهية القوانين والعلاقات التى نتعاطى بها بملاحظة علاقة الملاح بالنجوم فهو يكون علاقات إستدلالية مع النجوم ومنها يهتدى لطريقه ,فالنجوم لم يتم رصها فى الفضاء لكى تدل الملاح على طريقه ولكن الملاح أنشأ علاقات إفتراضية رياضية تجاه ظواهر مادية لينتج قانون وفقاً لما هو متاح وذو ثبات نوعى .
- كذلك عندما نحدد طريقنا من الغابة إلى المنزل فنحن ننثر أحجار على الطريق كعلامات إرشادية للوصول من النقطة أ إلى النقطة ب فهنا نحن من أوجدنا العلاقة لنتطور بعد ذلك فى إختيار أفضل الطرق لوضع الأحجار فلا يكون الأقصر فحسب بل الأقل وعورة والأكثر أمنا مثلا ونصيغها فى قانون..ما أريد قوله أن المادة فى الوجود لا تخبأ سراً ونحن نكتشفه بل نحن من نخلق علاقات تكون سبيلنا لفهمها والتعاطى معها .
- نفهم الطبيعة برؤية مغلوطة يكسوها فهم ميتافزيقى متأصل عندما نقول بأن الطبيعة تمارس قانون الإنتخاب الطبيعى ,فبالرغم أن الإنتخاب الطبيعى مقولة علمية إلا أننا نتصور خطأ أن الطبيعة تمارس عملية فرز وإنتقاء للموجودات الحية لتنتخب الصالح والقوى..الطبيعة ليست لها عقل وارادة ومزاج لتتحكم فى العمليات الحيوية فتنتخب هذا وتترك ذاك بل هى قدرة الكائنات التوافق مع مادية الطبيعة فمن توفرت له الظروف المادية للتواجد والإعاشة إستمر وبقى ومن لم ينسجم مع مادية الطبيعة إندثر..الطبيعة لا ترحب بأحد ولا تفطن لمن بقى .هذا المفهوم من الأهمية بمكان إدراكه لتصويب وعينا بالحياة والوجود .
-الطبيعة ليست لديها تساؤلات وبالتالي لاتحتاج الى معاني وكمثال بسيط , يجىء شخص يقول لك ألا تعلم أن إختلال الجاذبية الارضية بمعدل 1 ثانية على المتر المربع لتخبطت الحياة على الارض والمحيطات وكثرت الزلازل والبراكين وطار الانسان فى الهواء وهذا صحيح ويحدث ولكنه لم يفطن أن وزن الانسان هو الذى جاء ليطابق وضع الجاذبية و لو كانت قيمة العجلة مختلفة لأختلف الوزن!
-الطبيعة لاتبحث عن معنى إذ ان المعنى مفهوم واعي من ضمن منظومة ثقافية انسانية عاقلة ولكن الطبيعة نفسها حركة وبالتالي هي معنى ذاتها فى حركتها أما المعنى الذي تبحث عنه فهو المعنى الذي يتوافق مع متطلبات سقفك المعرفي وتساؤلاتك كأنسان.
- نحن نتصور ونتوهم بأن هناك نظام ما يحكم الوجود ليرتبه ويقدره ويغمره بحكمته وتدبيره فلا يوجد شئ خارج السيطرة والهيمنة بينما الحقيقة أنه لا نظام ولا ترتيب ولا حكمة ولا يحزنون , بل الأمور تنحو نحو العشوائية واللانظام واللامعنى . فنحن من نتخيل فقط بأن هناك نظام ما وحكمة ما تُصمم هذا المشهد الوجودى بينما الأمور لا تعدو سوى إيجاد صيغة للحظة نظامية وسط فوضى عارمة.. لحظة هدوء من العشوائية والفوضى المجهولة العلاقات لنتلمس منها علاقة مثل علاقة الملاح بالنجوم وعلاقة الباحث عن منزله بالأحجار.
- النظام نسبي إنسانى يخرج من رحم الفوضى الكونية كإسقاط إستدلالات إنسانية ,فالنظام ماهو إلا قدرتنا فى إيجاد علاقة مرتبة من الفوضى الكاملة أى ان النظام لحظة أسقطنا عليها الترتيب فى فوضى .
- لنا طبيعة المادة فى حد ذاتها كدلالة على عدم الترتيب والمعنى والنظام ,فالماء يتكون من ذرتى هيدروجين وذرة اكسجين ليتحد العنصران ليكونا الماء فليس فى هذا نظام محدد أو ترتيب أو غاية أو حكمة لأن أى خلل فى هذا الاتحاد والإلتحام سينتج مركبات اخرى فلن يكون الماء بل حالة مادية اخرى ولن يأتى من الماء كل شئ حى .. نحن بعد أن رأينا اتحاد عنصرى الهيدروجين والأكسجين تصورنا أن هناك حكمة وترتيب نظراً لأهمية الماء فى حياتنا أى أننا جعلنا لإتحاد طبيعى بلا معنى ولا غاية حالة من المعنى والغاية والحكمة فنحن جئنا من إتحاد عنصرى الاكسجين والهيدروجين ولم يأتى إتحادهما من أجلنا وهذا من الأهمية بمكان إدراكه .
* فى فهم الرياضيات .
- المفاهيم الرياضية هي تجريبية ,فالمفاهيم والمبادئ الرياضية مثل حال جميع معارفنا تنشأ من التجربة ولا يمكن التسليم بأفكار فطرية عقلية لأن الوعى البشرى يولد صفحة بيضاء تسطره تجاربه وتفاعله مع الحياة ليتكون وعيه ,فالواقع الحسي أو التجريبي هو المصدر اليقيني للتجربة ,وكل معرفة عقلية هي صدى لإدراكاتنا الحسية لهذا الواقع المادى وعليه لا يوجد شيء في الذهن ما لم يوجد من قبل في التجربة كذلك القضايا الرياضية جاءت من الأفكار المركبة ,وهى ليست سوى مدركات بسيطة عبارة عن تعميمات مصدرها التجربة فكل ما نعرفه قد استمديناه من التجربة سواء تجاربنا الذاتية أو إستجلاب تجارب الآخرين لذا المعاني الرياضية مصدرها التجربة أي أن المفاهيم الرياضية إذا تم تحليلها فإنها ستعود إلى أصلها الحسي ومثال ذلك أن رؤية النجوم أوحت بالنقاط كذلك فكرة الدائرة جاءت من رؤية الإنسان للشمس والقمر كقرص .
- علماء الأنثروبولوجي أكدوا أن الشعوب البدائية إستعملت الحصى وأصابع اليدين والرجلين عند حساب عدد الأيام والحيوانات التي يمتلكونها ومواسم السقي المحاصيل الزراعية مما يثبت أن المفاهيم الرياضية أصلها حسي بل المفاهيم الهندسية كالطول والعرض إنما هي مكتسبات بفضل الخبرة ,فالهندسة أسبق في الظهور من الحساب والجبر تاريخياً والسر في ذلك أنها مرتبطة بالمحسوسات ,فالمفاهيم الرياضية كالحساب والجبر مجردات عقلية تجريدية ساهمت الهندسة فى ظهورها كون البدايات حسية قبل ان تصل للتجريدية .
- المعرفة جهد إنساني ومحاولة جادة لفهم مايحيط بنا من أشياء وإيجاد علاقات بينها لتشكل وعى الإنسان وتعاطيه مع الوجود المادى فهكذا الرياضيات بدأت حسية ثم أصبحت مجردة لتصير علماً عقلياً مجرداً .
- الرياضيات علم يتعامل مع المقدار القابل للقياس أى مع محسوسات وتفاعل وتكامل وتشكل الوعى من التجربة لذا من الهراء القول أن الأمور فطرية عقلية بل جوهرها حسى ليتم تجريده فى علم عقلى .
- هناك تصور أن الكون تشكل حسب قوانين ثابتة أى أن هذه القوانين كانت موجودة قبل وجود الكون ، وبالتالي الكون قد تشكل تبعاً لها وقد تطرقنا لهراء هذه الفكرة وسنفندها من خلال الرياضيات فلو ذكرت لك الأرقام 1, 2 , 5 ,29 فقد تنظر لهذه الأرقام على أنها أرقام عشوائية ولكن يمكن أن أقول لك أن لها قانون يحكمها ,فمربع الواحد مضافاً إليه مربع الاثنين يعطينا خمسة وأن مربع الاثنين مضافاً إليه مربع الخمسة يعطينا تسعة وعشرين ، وهكذا أكون قد إستخرجت قانوناً يحكم هذه الارقام من أرقام عشوائية .
- من المعروف رياضياً أن أي مجموعة من الأرقام يمكن أن تشكل دالة ما، أي أننا نستطيع استنباط نظام من أي مجموعة أرقام نختارها بعشوائية، وهذا يجعلنا نتساءل حول معنى كلمة نظام وقانون ، هل هي قانون فعلاً أم مفهومنا عن الأشياء .. أرى أن وجهة النظر الثانية هى الصحيحة وهو ما تؤيده العلوم والواقع المادى والإستدلالات الرياضية
دعونا نؤكد هذه النظرية ببعض الأمثلة :
- الأعداد ا ,2 ,3 , 4 نعتبرها نظامية كذلك يمكن أن نجد مجموعات نظامية أخرى مثل 2-5-8-11 ومجموعة 2- 4- 8 فالأولى متوالية عددية والأخرى متوالية هندسية وهكذا ولكن لو وجدنا مجموعة 3- 9 -81 فسنقول انها مجموعة عشوائية لجهلنا العلاقة بين حدودها ولكن لو قلت أن هذه المجموعة تعتمد على تربيع كل حد ليعطى الحد التالى فهنا ستصبح قانون ومجموعة نظامية ولو قلت مجموعة 7-5- 3- 7-11 فستعتبرها عشوائية عندما تعجز عن إيجاد علاقة بين حدودها ولكنها ستكون نظامية حال أمكنك خلق علاقة فيمكن أن تقول هى مجموعة تقل -2 لتصل لرقم 3 فتنقلب لزيادة +4 , وكذلك مجموعة 8-6-4-8- 16 يمكن ان تُوجد لها علاقة نظامية فهى متوالية عددية تقل -2 حتى تصل لرقم أربعة لتتحول لمتوالية هندسية بالضرب فى 2 .
ما أريد قوله هو أننا نبدع فى إيجاد علاقات بين الأشياء نسميها قانون لنقول أن هناك نظام بينما العشوائية هى عجزنا عن إيجاد علاقات لجهلنا أو صعوبة وتعقيد العلاقات ولكن يمكن ان نجرب ونجتهد .
الوجود ليس معتنى ان يقدم لنا علاقات وقوانين وأنساق منظمة بل يلقى بأوراقه مبعثرة لنحتال ونبدع بإيجاد علاقات بينها ,فنحن لا نعرف العيش فى العشوائية ..ومن هنا نحن نخلق النظام والقانون.
- لننظر إلى هذه السلسلة من الارقام: 17839759123450784326490038746574605
فسنرى إن السلسلة ذات تسلسل عشوائي لا نظام فيه ولكن لو دققنا النظر فسنرى تسلسلا جزئيا منطقيا (12345) أي أن هناك مجموعة جزئية يبدو عليها نظام في داخل المجموعة الكلية العشوائية ليخيل إلينا أن هناك تصميماً معيناً، و لكن لو كانت لنا نظرة أوسع لما ظننا هذا ,وهكذا الأرض حالة من النظام وسط كون غير منتظم وهناك نظرية الأكوان العلمية القائلة أن الكون الذي نعيش فيه مجرد جزء من مجموعة كلية عشوائية، و التصميم الذي نراه فيه هو زاوية نظر انتقائية بحكم وجودنا في داخل هذه الجزئية لأن وجودنا كجزئيات منظمة مستحيل في داخل أحد الأكوان الأخرى فلا نرى إلا ماهو أمام أنوفنا.
- الذين يقولون أن الكون منظم فلهم الإنفجار العظيم حتى يستفيقوا ,فالإنفجار الكبير ماهو سوى عشوائية غير محددة الإتجاهات ومازال الكون يتمدد فما نقوله عن النظام هو حالة متوهمة وسط العشوائية فهو يشبه هذا الرقم 890156782027365 12345 6035678004139 لنلاحظ وجود وحدة نراها منظمة هى 12345 فى وسط هذه المجموعة العشوائية فيكون وجودنا الأرضى هكذا ولكن لا تنسى أن 12345 أنت من تعتبرها مجموعة منظمة فأنت من أسقط عليها علاقة أى اخترعت علاقة نظامية.
- نحن من نخلق النظام والقانون أى نبتدع وسائل عقلية لإيجاد علاقات بين الأشياء فى الزمكان ليست فى كينونتها نظامية ذات ديمومة بل حالة من عشرات الحالات لنلقى الضوء على مشهد منها لنسقط علاقات تبحث عن إيجاد صيغة للأشياء لقبولها نسميها نظام وما نعجز عن إيجاد علاقة للشئ نعتبره فوضى كحال الملاح الذى أوجد علاقات بين النجوم لهداية طريقه .. الفوضى والعشوائية ناموس الوجود لنختلق علاقة من وسط العشوائية نطلق عليها نظام وقانون .
- القانون المادى هو ملاحظة ودراسة الحركة وإقامة علاقات رياضية لها بناء على تكرار الرصد فلا توجد ظاهرة إلا بالإمكان أن نصيغها فى نظام ولا يعنى هذا أنها نظام بل نحن من أقحمناها فى نظام حتى نعرف التعايش معها وتوقع سلوكها .. انظر إلى لعبة النرد فلن تجد لها قانون لنقول أنها تعتمد على الحظ والصدفة والحقيقة أنه لا يوجد حظ ولا وجود لكلمة صدفة التى تم إستهلاكها بدوغمائية غبية فيمكن أن نقيم معادلة للنرد لندرك الرمية القادمة وليس لتوقعها أو ما نسميه الحدس بل نتأكد من الرمية القادمة ولكن هذا يطلب معادلة طويلة مرهقة قد يصل طولها إلى المتر يدخل فيها حساب قوة الرمية ومعامل الإحتكاك وكتلة وكثافة الزهر وشدة الريح وغيرها من الحدود الصعبة القياس ولكن يمكن أن نضعها فى معادلة ولكننا نعزف عن ذلك لإرهاقها وبغية الحصول على المتعة من مداعبة العشوائية والبعد عن المنطق الصارم .
- القانون الثاني للحركة لنيوتن بين القوة والكتلة والتسارع وهذا القانون تمثله المعادلة ق= ك جـ حيث (ق) هي القوة و(ك) هي الكتلة و(ج) هي عجلة التسارع. ومعادلة ألبرت آينشتاين الشهيرة ط = ك ث² حيث (ط) تمثل الطاقة و (ك) تمثل الكتلة و(ث) هي سرعة الضوء.
- أى قانون هو عبارة عن رموز وعلاقات بين تلك الرموز فى صياغة رياضية تحتوى على الجمع والطرح والضرب والقسمة والتربيع والتكعيب الخ فمن أبدع تلك العلاقات الرياضيات أى (+,- ,x , الأس ) هل القانون قال للعقل إضربنى فى هذا الحد أو إضفنى مجموعاً أو إطرحنى خصماً لتحصل على نتيجة أم أن الإنسان صاغ برياضياته علاقة للمادة .
- أنظر إلى 1+1=2 لتجد أننا نعتبر هذه المعادلة البسيطة البديهية أمر خارج عنا بينما نحن من وضعنا رقم 2 كتعبير عن جمع 1+1 فيمكن أن نقول 1+1 =3 ولكن اخترنا هيئة رقم 2 كتجميع لهما ومنها اخترعنا المثنى . ولاحظ ايضا ان 1+1 =1 فى الرياضيات الحديثة أى 1 تقاطع 1 سيعطينا النتيجة 1 وهنا أقمنا علاقة من نفس رموز العلاقة القديمة تخالفها فى النتيجة .
- مشكلة الفهم الانسانى المغلوط للوجود هو عملية الفصل بين مكونات الطبيعة وبين القوانين التي تحكمها لإيجاد مكان ودور لعنصر ثالث بينهما بغية الوصول إلى القول بضرورة وجود قوة خارجية مفارقة هي التي أوجدت هذه القوانين التي تحكم الكون .
- القوانين الكونية هي اكتشافاً وليس اختراعاً كما أستقر بعقولنا حتمية أن يتلازم النظام مع مُنظم ذو ارادة واعية تفرض ذلك النظام وتضمن إستمراره .. فهل النظام هو كل نسق او منهج قابل للإخضاع الى القياس والتنبؤ أم هو تلك العلاقة التي لا تتغير بين الاشياء وأفعالها وتضمن الاستمرارية وعدم الانحراف او التغير .
كيف يمكن لوعينا البشري أن يحكم على شيء ما بأنه يحمل صفة النظام أو الفوضى, فالفوضى يمكن صياغتها لنظام متى تحايلنا على إيجاد علاقة تتمثل فى قانون وتظل فوضى أمام عجزنا عن إيجاد صيغة يشبه هذا من يستدل على طريقه بعلاقات لنجوم .
- مشكلتنا فى فهم الوجود أننا نتبنى مفهوم أن الإنسان يختلق سلوكه بينما الحياة هي التي تشكل البشر ليصطنعون سلوكيات ومنظومات وتبريرات لتبرير حياتهم ووجودهم .
دمتم بخير وعذراً على الإطالة .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته" - حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟