|
يومنا في إكتيوما من دفتر إنكسار أهلك يا مصر (2)
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 4434 - 2014 / 4 / 25 - 13:33
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
((كان خليقاً بمصر أن تكون أسعد بلدان الأرض قاطبة، لأن النيل يرويها ويغذّيها، ولأنها أكثر بلاد البحر الأبيض المتوسط قدرة على الإكتفاء بخيراتها- فهي غنية بالحب والفاكهة، وتنتج أرضها ثلاث غلات في العام، ولم يكُن يعلو عليها بَلَد آخر في صناعاتها، وكانت تصدر الغلات والمصنوعات إلى مائة قطر وقطر، وقلما كان يزعجها ويقلق بالها حرب خارجية أو أهلية. ولكن يبدو أن "المصريين" برغم هذه الأسباب- أو لعلّهم لهذه الأسباب- "لم ينعموا بالحرية يوماً واحداً في تاريخهم كله" على حد قول يوسفوس. ذلك أن ثروتهم كانت تغري بهم الطغاة أو الفاتحين واحداً في إثر واحد مدى خمسين قرناً من الزمان كانوا فيها يستسلمون لأولئك الطغاة والفاتحين .)) المقطع أعلاه الذى إستعرته من موسوعة وول ديورانت يعبر عن جانب من الاسباب التي كادت أن تصبح قانونا لما آلت إليه الاوضاع في مصر منذ الغزو الفارسى بقيادة قمبيز .. حتي الغزو الاخواني بقيادة مرشد جماعة العار . القانون الآخرالذى إستمر لا يختلف او يتعدل عبر العصور هو أن رجال الدين (الذين كانت لهم دائما السيطرة علي الشعب بخرافات يتداولونها كما لو كانت حقائق ) مثلوا دائما عناصرالطابور الخامس الذى يمهد الارض للطغاه ويمكنهم من الاستيلاء علي السلطة والنفوذ والاموال فعلوا هذا مع قمبيز (( ملك الفرس ابن الملك قورشٌ الذى غزا مصر سنة 525 ق.م وحكم لمدة 4 سنوات لقب خلالها بالألقاب المصرية القديمة مثل ملك الشمال والجنوب وابن رع واتخذ لنفسه لقب حورس موحد الأرضين ليعطى لحكمه أمام الشعب صبغة مصرية يحيطها كهنة هليوبليس و منف بكل إجلال و تقديس .. وخداع . )) وفعلوا هذا مع الاسكندر (( خرج الكهنة لاستقباله عند البوابة وصاحبوه حتى معبد آمون (بسيوة ) وعلى بابه وجد الكاهن الأكبر يدعوه أن يدخل إلى الصومعة الداخلية لكى يستشير آمون بنفسه إكراما لشخصه ومكانته ولما خرج بدا عليه السعادة والرضى ولما سأله رفاقه بعد ذلك عما حدث رفض ان يبوح بشيئ من هذه الأسرار وأعلن أنه لن يبوح بها إلا لأمه)) لقد قالوا له أنه إبن آمون ليصبح لقبه المفضل لخداع المصريين ،( نفس السيناريو الذى فعله نابليون في نهاية القرن الثامن عشر بعد ذلك ). وهكذا بني إبن آمون الاسكندرية علي النمط اليوناني لتصبح فيما بعد في عهد خلفاءه من البطالمة عاصمة الحكم ((وقد نعمت مصر بالأمن والخير فى ظل حكم البطالمة الأوائل، حتى عصر "بطليموس الرابع"، كما ازدهرت الحضارة الهلينستية بها، وصارت مدينة الإسكندرية أعظم مدن العالم القديم في ذلك الزمن))...((ثم ضعفت بعد ذلك دولة البطالمة بسبب ضعف ملوكها وتعدد ثورات المصريين ضدهم. مما أغرى روما الى المزيد من التدخل فى شئون مصر الداخلية )). ((أرسل انطونيوس الرسل الي كليوباترا يدعوها للمثول بين يديه في طرطوس لتجيب عما إتُهِمَت به من مساعدتها كاثيوس علي جمع المال و الجنود و جاءت كليوباترا في الوقت الذى إختارته وعلي الطريقة التي إختارتها فبينما كان أنطونيوس يجلس علي عرشه في السوق العامة ينتظر منها أن تحضر وتدفع عن نفسها التهمة ..ثم يقضي لها او عليها ركبت هي نهر سندس في قارب ذى أشرعة أرجوانية وسكان مذهب ومجاديف من فضة تضرب الماء علي أنغام الناى والمزمار والقيثار وكانت وصيفاتها هن البحارة ولكن في زى حور البحر وربات الجمال ..اما هي فقد تزيت بزي زهرة فينوس ورقدت تحت سرادق من قماش موشي بالذهب . ولما انتشر بين أهل طرطوس النبأ أقبلوا علي شاطيء النهر زرافات ووحدانا لمشاهدة هذا المنظر الفتـّان وتركوا أنطونيوس وحده جالسا علي عرشه . كليوباترا دعته علي العشاء معها في قاربها فأقبل عليها ومعه حاشيته الرهيبة فاولمت لهم وليمة فاخرة وقدمت لهم أشهي أنواع الاطعمة والشراب وأفسدت القواد بما قدمت لهم من هدايا و إبتسامات . لقد كانت في التاسعة والعشرين مكتملة المفاتن وهكذا أمام سحرها و ذكائها بدأ حديثه معها يلومها وإختتمه بأن أهدى لها فينقية و سوريا الوسطي وقبرص وأجزاء من قليقلة و بلاد العرب و اليهود )). ((أكتافيان غريم أنطونيوس لجأ (بعد ذلك )الي الخداع الذى هو من أخص خصائصه فأعلن الحرب علي كليوباترا لا علي أنطونيوس ليجعلها بذلك كفاحا مقدسا في سبيل إستقلال روما .)) ((وأبحر أسطول انطونيوس و كليوباترا في شهر سبتمبر من عام 32 ق.م الي البحر الايوني وكان مكونا من 500 خمسمائة سفينة حربية ولم يكن أسطول بهذه القوة قد ظهر علي متن البحر من قبل وكان يؤيده جيش مؤلف من 300000 ثلاثمائة ألف من المشاة 12000 وإثنى عشر ألفا من الفرسان أمدها بمعظمه أمراء الشرق و ملوكه راجيين من وراء ذلك أن تكون هذه الحرب وسيلة للتحرر من نير روما . وعبر أكتافيان البحر الادرياوى بأربعمائة سفينة و ثمانين الف جندى مشاة وإثنى عشر ألفا من الفرسان . وظلت القوات المتعادية عاما او نحو عام تستعد للمعركة الفاصلة و تضع خططها . فلما كان سبتمبر عام 31 ق.م إلتحم الجيشان والاسطولان عند أكتيوم في الخليج الامبراسي في معركة من المعارك الحاسمة في التاريخ وبرهن أجريا علي أنه الابرع من أعدائه في وضع الخطط .. و كانت سفنه خفيفة أسهل و أخف حركة من سفائن انطونيوس الضخمة ذات الابراج العالية وقد أحرقت النار هذه السفن إذ ألقي عليها بحارة أكتفيان مشاعل متقدة)).. يصف ( ديوكاسيوس ) ما حدث وقتئذ بقوله : ((و أهلك الدخان بعض البحارة قبل أن تصلهم النار و منهم من نضج لحمه في دروعهم التي إحمرت من شدة اللهب ومنهم من شوته النار شيا في سفنهم وألقي الكثيرون أنفسهم في البحر و من هؤلاء من إلتهمته الحيتان ومنهم من قتلوا رميا بالسهام ومنهم من قضوا نحبهم غرقا ولم يمت من هذا الجيش ميتة محتملة الا من قتل بعضهم بعضا )) ورأى أنطونيوس أن الدائرة قد دارت عليه فاشار الي كليوباترا أن تنفذ خطة الانسحاب التي إتفقا عليها من قبل فوجهت ما بقي من أسطولها نحو الجنوب وإنتظرت قدوم أنطونيوس الذى عندما عجز عن إنقاذ السفينة قيادته غادرها وركب قاربا أقله الي كليوباترا . وجلس هو وحده في مقدمة السفينة أثناء عودتهما الي الاسكندرية ورأسه بين يديه فقد أدرك أنه قد خسر كل شيء حتي الشرف . ترك انطونيوس كليوباترا وأقام في جزيرة قرب فاروس وأرسل منها الي غريمه يطلب الصلح الذى لم يعبأ به و كان يستعد لغزو الاسكندرية رغم أن كليوباترا ارسلت له سرا صولجانا و تاجا و عرشا من الذهب دليلا علي خضوعها له . وجمعت كليوباترا كل ما استطاعت جمعه من أموال مصر في أحد أبراج القصر ثم أبلغت أكتافيان أنها ستتلف هذه الأموال كلها وتقتل نفسها إذا لم يعقد معها صلحاً شريفاً. باقي تفاصيل القصة الرومانسية هذه اعفيكم من ذكرها ولمن يريد موجوده في موسوعة ول ديورانت المجلد الخامس من قصة الحضارة الفصل الثالث ((أنطونيوس و أكتافيان )) و لكن ما يهمنا ان أكتفيان جلس علي عرش البطالسة بالاسكندرية وأن الظافر وجد الخزانة المصرية سليمة وفيها من المال الموفور ما كان يحلم به. (( وهكذا غلب وريث قيصر و ريثة الاسكندر وإنتهي زمن حكم البطالسة بعد أن ضم ملك الاسكندر الي ملكه وإنتصر الغرب علي الشرق وأتمت روما الدورة المشئومة التي وصفها إفلاطون : ملكية ، فارستقراطية ،فاستغلال ألجركي ، فديموقراطية ففوضي ثورية فديكتاتورية )) اما الشعب فقد كان يغني.. كما ذكر أحمد بك شوقي في مسرحية مصرع كليوباترا : يومنا في أكتيوما................ ذكره في الأرض سار إسألوا أسطول روما............ هل أذقناه الدمار أحرز الأسطول نصرا......... هز أعطاف الديار شرفا أسطول مصرا........... حزت غايات الفخار
((لم تكن روما تعد مصر ولاية تابعة لها، بل كانت تعدّها من أملاك الإمبراطور نفسه، وكان يحكمها حاكم مسئول أمامه وحده. وكان موظفون من اليونان المتمصّرين يديرون أقسامها الثلاثة- مصر السفلى، ومصر الوسطى، ومصر العليا، ومقاطعاتها الست والثلاثين، وبقيت اللغة اليونانية في ذلك العهد هي اللغة الرسمية- ولم تبذل محاولة ما لتحضير السكان، فقد كانت وظيفة مصر في الإمبراطوريّة أن تكون المورد الذي تستمد منه روما ما يلزمها من الحبوب، ولهذا السبب انتزعت من الكهنة مساحات واسعة من الأرض وأعطيت للممولين الرومان أو الإسكندريين، وجُعلت ضياعاً واسعة يعمل فيها الفلاحون ويُستغَلّون بلا رحمة. وظلت الرأسمالية الحكومية كما كانت في عهد البطالمة، وإن كانت في صورة أخف من عهدها السابق؛ لقد كانت تنظم كل خطوة من خطوات الأعمال الزراعية وتشرف على تنفيذها: فكان موظفون حكوميون مطَّرِدو الزيادة يعينون ما يزرع من المحاصيل، ومقدار ما يزرع منها، ويوزعون البذور على الزراع في كل عام، ويستولون على المحصولات ويودعونها في مخازن حكومية يصدرون منها حصة روما، ويقتطعون الضرائب منها عينا، ويبيعون ما يتبقى بعد ذلك في السوق. )) ليبدأ فصل طويل من دفتر إنكسار أهلك يا مصر .
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دفتر إنكسار أهلك يا مصر
-
خطوات علي الارض المحبوسة التي لم تقرأها بعد
-
أحزان مسن ضاع عمره هباء.
-
خدعة تميزنا العربي كعرق وثقافة وعقيدة .
-
الخلط في اوراق علاقة مصر بجيرانها
-
خطوات (اخرى ) علي الا رض المحبوسة
-
ملكة القبط (دلوكة) تحمي مصر!!
-
لن أقول لخطيب أمي يا عمي
-
هل سقطوا علينا هؤلاء المجرمون من السماء
-
من الذى يحكم او (يتحكم ) في مصر
-
هؤلاء حرام فيهم العلم
-
العام الرابع عشر من الالفية الثالثة
-
كم بنينا من ثراها اربعا .. وانثنينا فمحونا الاربعا .
-
احاديث عن الغولة ..وتكنولوجيا المعلومات
-
اى معول تحمل و اىصرح تهدم
-
الحياة مع الابرار المخلدون .
-
تبدلت الوجوه والبؤس واحد
-
الاسلام دين لا يقبل عليه المعاصرون
-
الحكومة بتهزر ام متواطئة معهم!!
-
قضاء العيد مع ضيوف غير مرغوب فيهم .
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|