|
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 5
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4423 - 2014 / 4 / 13 - 15:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ملاحظة: هذه المقالة، في أغلب تفاصيلها واحصاءاتها وبياناتها، مبنية على تقرير كلية جون جاي للعدالة الجنائية (John Jay College of Criminal Justice) المنشور في سنة 2004، ويُمكن تحميل نسخة كاملة من التقرير من الرابط في هامش المقالة، وذلك بالإضافة إلى أوراق بحثية متخصصة مُشار لها في الهامش.
بدءاً من سنة 1936 حتى نهاية القرن العشرين تبنت السلطات الإيرلندية ما مجموعه 170 ألف (170000) طفل وطفلة من خلال وضعهم في دور رعاية تتولاها الكنيسة الكاثوليكية من خلال كهنتها وراهباتها. ومنذ ذلك الحين والشكاوى لم تتوقف لحظة واحدة عن وجود حالات اعتداء جنسي على (نطاق واسع جداً) من جانب الكهنة المسيحيين على الأطفال، إلا أن حالة الإنكار الكاثوليكية والتعاطف الرسمي مع هذه الكنيسة بالذات مع وجود حالة التوتر الطائفي بين الكاثوليك والبروتوستانت حال دون التحقيق في تلك الاتهامات ضد الكهنة الكاثوليك. إلا أن تلك الحالة تغيرت تماماً في سنة 1999 عندما قررت الحكومة الإيرلندية إنشاء لجنة تحقيق في كل الاتهامات التي وُجّهت للكنيسة الكاثوليكية ورجال دينها في حوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال تم تسميتها بـ (Commission to Inquire into Child Abuse). وكانت (النتيجة كارثية وصادمة) كما هو متوقع. عُرِفت هذه اللجنة وتقريرها بـ تقرير رايان (Ryan report)، نسبة إلى القاضي سَين رايان (Seá-;---;--n Ryan) الذي رأسها، ونشرت تقريرها النهائي في سنة 2009 بعد مراجعة عشرات الآلاف من الملفات ومقابلة حوالي الثمانمئة (791) من الضحايا والاستماع مباشرة إلى شهادتهم. [للتقرير كاملاً انظر الهامش رقم 2]. هذا التقرير كان من الخطورة [التقرير النهائي كان في خمس مجلدات، وأكثر من 3000 صفحة] بحيث آثاره تعدت محيط إيرلندا إلى دول أخرى وساهم في تكوين جماعات ضغط متعددة على الكنيسة لتضطرها في النهاية، في هذه السنة بالذات، إلى الافصاح أمام لجان أممية عن حجم مشكلة البيدوفيليا داخل فضائها الكنسي، وليعرف العالم أنه خلال سنتين فقط قد أقصى البابا السابق بندكتوس السادس عشر (Benedictus XVI) ما يقارب من أربعمئة (400) كاهن مسيحي بسبب قضايا التحرش الجنسي بالأطفال (البيدوفيليا) مِن الجنسين. أي أن هناك (حالة اعتداء جنسي واحدة على الأطفال، يتم فضحها ومعرفتها، داخل الكنيسة المسيحية كل يوم ونصف تقريباً، وعلى مدار السنة، وبدون توقف)، وإذا أضفنا إلى ذلك الحالات التي يتم السكوت عنها لسبب لآخر، وهي أكثر بكثير جداً من الحالات التي يتم فضحها، فإن النسبة المتوقعة هي أن هناك حالات اعتداء جنسي على الأطفال، (متعددة ومتنوعة)، من جانب الكهنة المسيحيين (كل يوم وعلى مدار السنة ومن دون توقف).
إلا أن ما هو (صادم جداً) في هذا التقرير هو موقف الكنيسة المسيحية من الضحايا الذي يُقدّر عددهم الحقيقي الآن (بعشرات الآلاف) من الأطفال الذين مرّوا في فترة من فترات حياتهم المبكرة من خلال تلك المؤسسات التي تتولاها الكنيسة المسيحية من خلال كهنتها وراهباتها. إذ أنه بعد خمس سنوات من الرفض المتواصل من جانب الهيئات المسيحية للتعاون مع لجنة رايان، فإنه في سنة 2004 وصلت الحكومة الإيرلندية، ممثلة بوزير تعليمها آنذاك مايكل وودس (Michael Woods)، إلى اتفاق معهم. ففي مقابل ضمان (عدم تحويل أياً من الكهنة المسيحيين المتهمين الذي لا يزالون أحياء للتحقيق أو للمحاكمة، وعدم تسمية أياً من الكهنة ورجال الدين المسيحيين المتورطين في حوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال في التقرير النهائي أو إعطاء أية معلومة تدل على هويتهم، بالإضافة إلى ضمان حكومي رسمي بأن الكنيسة المسيحية لن تدفع إلا 10 بالمئة فقط من إجمالي التعويضات التي تقررها أي جهة مختصة بهذا الشأن للضحايا) فإن هذه الهيئات المسيحية ستتعاون مع اللجنة التي تُحقق في هذه الكارثة الإنسانية والشذوذ السلوكي والنفسي المتهمة فيه. وإن كنت سوف أتطرق إلى تقرير رايان في القادم من مقالات هذه السلسلة، إلا أنني أود أن أشير الآن بأن ما مجموعه (42) من الضحايا الرجال و (15) من الضحايا النساء كانت أعمارهم قد تجاوزت السبعين (70) سنة وقت الإدلاء بشهادتهم أمام اللجنة، وهو ما يشير إلى قِدَم هذا الشذوذ النفسي والسلوكي داخل الكنيسة من جانب رجال دينها. [لمشاهدة مقابلة مع أحد الضحايا الذي أدلوا بشهادتهم أنظر الرابط أدناه في الهامش رقم 3]. إلا أن (الأخطر والأشد كارثية) هو أن بعض هؤلاء الضحايا الذين استطاعت اللجنة مقابلتهم وجهاً لوجه، أي (133) من الضحايا الرجال و (244) من الضحايا النساء، أي ما مجموعه (377) حالة، كانت أعمارهم (خمس سنوات أو أقل) وقت حدوث الاعتداءات الجنسية المتكررة عليهم التي استمرت لفترة طويلة بعد ذلك [سوف أتطرق في مقالات قادمة إلى الملاحظة التي أثبتتها الإحصاءات الآن بأن هناك نزعة لدى الكهنة المسيحيين وشمامستها في إنشاء علاقات جنسية طويلة مدى مع الأطفال، وليست مجرد علاقات عابرة]. وما مجموعه (218) ضحية كانت أعمارهم ما بين السادسة إلى العاشرة وقت حدوث الاعتداءات الجنسية عليهم. وإن كنت سأترك تقرير رايان الآن لأعود له لاحقاً ضمن هذه السلسلة، فإن هذه المقالة هي لاستعراض أعمار هؤلاء الضحايا كما جاء في تقرير كلية جون جاي للعدالة الجنائية من خلال الشهادة المباشرة أو شهادة الشهود.
في الفترة ما بين 1955 و 1990 كان هناك ما بين 100 إلى 400 حالة تحرش جنسي سنوياً في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، في كل سنة ومن دون توقف إطلاقاً، قام بها كهنة مسيحيين أو شمامسة وتم تقديم شكوى رسمية بها وذلك على حسب إحصاء تقرير كلية جون جاي للعدالة الجنائية [انظر ص 29 من التقرير]. إلا أن (المثير في هذه الدراسة) أنها أظهرت أن (18 بالمئة من الكهنة المسيحيون الذين تحرشوا جنسياً بالأطفال أو اعتدوا عليهم هُم أنفسهم قد تم الاعتداء عليهم جنسياً من جانب كهنة مسيحيون عندما كانوا صغاراً) [انظر ص 46]. وهذا يعني أن هذا الاضطراب السلوكي والنفسي، على الأقل في جزئية هامة منه، منشأه رجال الدين المسيحيين أنفسهم، وأنهم قد ساهموا في بروزه وانتشاره ضمن المجتمع وضمن المؤسسة الدينية بصورة أو بأخرى. إلا (أن الأخطر من ذلك) هو أن هذه الدراسة أظهرت أن التحرشات الجنسية من جانب الكهنة المسيحيين شملت (جميع الفئات العمرية للأطفال) ومن دون استثناء. فقد تم توجيه اتهامات لكهنة بالتحرشات الجنسية بأطفال (ذوي عمر سنة واحدة فقط). فهناك أربع (4) حالات مختلفة تم إحصائها من خلال شكاوى رسمية تتعلق بالتحرش الجنسي بطفل عمره (سنة واحدة) قام به كاهن مسيحي، وهناك (11) بلاغ بالتحرش الجنسي بأطفال أعمارهم سنتين فقط. وهذه النزعة (تُعتبر شبه محصورة بالكهنة المسيحيين) فيما يتعلق بهذه الفئة العمرية بالذات. وفيما يلي إحصائية بعدد هذه الحالات:
عمر الطفل وقت الاعتداء عليه -- (عدد بلاغات التحرش)
1 سنة ---- (4 بلاغ) 2 سنة ---- (11 بلاغ) 3 سنة ---- (22 بلاغ) 4 سنة ---- (41 بلاغ) 5 سنة ---- (82 بلاغ) 6 سنة ---- (158 بلاغ) 7 سنة ---- (220 بلاغ) 8 سنة ---- (369 بلاغ) 9 سنة ---- (362 بلاغ) 10 سنة --- (752 بلاغ) 11 سنة --- (895 بلاغ) 12 سنة --- (1323 بلاغ) 13 سنة --- (1141 بلاغ) 14 سنة --- (1188 سنة) 15 سنة --- (1042 بلاغ) 16 سنة --- (769 بلاغ) 17 سنة --- (577 بلاغ)
مجموع تلك البلاغات هي (8956) بلاغ بالتحرش الجنسي موجه ضد كهنة مسيحيين وشمامسة، وهو رقم كبير جداً إذا أخذنا بعين الاعتبار مجموع العاملين في المجال الديني الرسمي المسيحي. هو رقم (يفوق بكثير المعدل الملاحظ في المجتمع خارج المحيط الكنسي)، وهو يشي بحجم الإشكالية الخطيرة فيما يتعلق بتربية الأطفال والنشئ التي يتولاها المحيط الكنسي اليوم في أماكن كثيرة جداً في العالم. فهو يستدعي بذلك (أنظمة تشريعة رادعة وصارمة) من جهة، (ورقابية وقائية) من جهة ثانية، للحد من احتمال تعرض الأطفال لمثل هذا الشذوذ السلوكي والاضطراب النفسي الخطير والذي يساهم فيه الفضاء الطقسي المسيحي بشكل واضح.
... يتبع
هــــــــــــــــــــوامــــــــــــش:
1- تقرير جون جاي:
http://www.usccb.org/issues-and-action/child-and-youth-protection/upload/The-Nature-and-Scope-of-Sexual-Abuse-of-Minors-by-Catholic-Priests-and-Deacons-in-the-United-States-1950-2002.pdf
2- تقرير رايان:
http://www.childabusecommission.com/rpt/pdfs
3- مقابلة مع أحد ضحايا الاعتداء الجنسي والجسدي من جانب الكهنة المسيحيين في إيرلندا. [أود أن أتقدم بالشكر الجزيل للمجموعة التي تكونت الآن من بعض الشباب والشابات بعد مقالي الثالث عن مشكلة البيدوفيليا في الفضاء المسيحي لتنبيهي إلى هذا الفيديو. فهذه المجموعة الآن أخذت على عاتقها أرشفة جميع المعلومات والأخبار فيما يتعلق بهذه القضية وترجمتمها بصورة شاملة أو مختصرة إلى اللغة العربية. فهذه قد تكون نواة عربية لجماعة ضغط سياسي أو اجتماعي فيما يخص التوعية والإصلاح فيما يخص هذه المسألة، وجهودها ستتحول إلى مرجعية في هذه القضية من دون شك]:
http://www.youtube.com/watch?v=B8s3ZAhUkrw
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 4
-
ماذا يستطيع التطرف المسيحي أن يفعل
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 3
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 2
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي
-
كتابي في نقد النص المسيحي المقدس
-
تزوير مسيحية يسوع – 28
-
تزوير مسيحية يسوع – 27
-
عندما يُنتحل اسمي في مقالة
-
تزوير مسيحية يسوع – 26
-
عندما تسحب السعودية والبحرين سفيريهما
-
تزوير مسيحية يسوع – 25
-
تزوير مسيحية يسوع – 24
-
تزوير مسيحية يسوع – 23
-
تزوير مسيحية يسوع – 22
-
تزوير مسيحية يسوع – 21
-
تزوير مسيحية يسوع – 20
-
تزوير مسيحية يسوع – 19
-
تزوير مسيحية يسوع – 18 – الجزء الثاني
-
تزوير مسيحية يسوع – 18 – الجزء الأول
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|