|
قراءة في تحريم الخنزير
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4389 - 2014 / 3 / 10 - 21:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تُحرِّم ُ الديانتان اليهودية و الإسلامية استهلاك لحم الخنزير طعاما ً. و بينما تعتبر اليهودية الخنزير مجرد حيوان من ضمن حيوانات و طيور ٍ نجسة لا تؤكل، لأنه لا يجتر، نجد أن الإسلام يخصُّه بالذِّكر في القرآن لوحده بين الحيوانات المُحرَّمة، في الوقت الذي يبقى فيه النهي عن باقي اللحوم مثل الحُمر الأهلية و ذوات الأنياب مُدرجا ً في الأحاديث و يلتزم به المسلمون، لكنه و حسبما يعكسه السلوك الفردي للمسلمين لا يتخذ نفس نجاسة الخنزير، و كمثال ٍ نشاهده دوما ً: وصفُ بعض المتشددين المسلمين لخصومهم بأنهم "خنازير" لكنهم لا يصفونهم بأنهم حُمر أو ضباع أو بأي لقب ٍ لحيوان ٍ مُحرَّم ٍ آخر.
لماذا حرَّمت اليهودية لحم الخنزير؟
إن القراءة في سفر اللاوين تضع معايراً لتميز الحيوان الطاهر الذي يُؤكل من النجس الذي يُحرَّم ُ أكله، فالحيوانات التي تشق ُّ الظلف و تجتر طاهرة، أما تلك التي لا تشق الظلف أو لا تجتر فهي نجسة، و عليه فإن الجمل و الأرنب مُحرَّمان على اليهود لا يأكلونهما، و كذلك الخنزير فهو لا يجتر. كما أن اليهودية َ تحرِّم ُ اللحوم البحرية إن لم يكن للكائن زعانف ُ و حراشف، فالجامبري و الاستاكوزا مُحرّمان، و كذلك بعض الطيور مثل النسر، العقاب، الحدأة، النعامة، الغراب، البوم و الكثير الذي يمكنكم العودة ُ إليه بأنفسكم للاستزادة في المعرفة.
لا يوجد سبب ٌ منطقي لتحريم الحيوانات و السابحات و الطيور السابقة و التي من ضمنها الخنزير، لكن يبدو أن الاُمَّة َ اليهودية قد ورثت بعض الممارسات الفرعونية نتيجة َ إقامتها في أرض مصر كجزء ٍ من بقايا الهكسوس الغُزاة، كما أن نمط حياتها البدوي أكسبها بعض القناعات عن "طهارة" بعض الحيوانات و "نجاسة" بعضها. فالخنزير في الفرعونية مُحرَّم ٌ، و السبب أن "سيث" إله الصحراء و الشر كان قد اتخذ شكل خنزير ٍ أسود و هاجمَ غدرا ً ابن أخيه "حورس" و هو يتكلم مع الإله "رع" و فقأ له عينه، و لذلك فهو ملعون ٌ لا يُأكل لكن يُضحى به للآلهة انتقاما ً من "سيث" و تحقيرا ً و عقابا ً له. و ورثت اليهودية هذا التحريم عن الفرعونية.
أما في الإسلام فلا نجد أي حِكمة ٍ في تحريم الخنزير ِمذكورة ً صراحة ً، و لا يبقى أمامنا إلا أن ننظرَ إلى ما يقوله القرآن عن السبب و هو أنه أتى مُصدِّقا ً لما بين أيدي اليهود من التوارة، و مُحِلَّا ً لبعض المأكولات التي كانت مُحرَّمة ً عليهم، فالمسلمون يصدِّقون َ على تحريم الخنزير و يُحلُّون أكل الجامبري و الاستاكوزا و ما ليس له زعانف أو حراشف.
فإذن ببساطة: تحريم الخنزير في الإسلام هو تصديق لليهودية التي هي بدورها لا تُقدِّم ُ أي حكمة ٍ لهذا التحريم، فنجد ُ أنفُسنا مُجبرين للعودة إلى الفرعونية بحثا ً عن أُصول التحريم و أسبابِه، تماما ً كما نجد ُ الحال َ في فرض الختان ِ على الذكور في اليهودية و الإسلام، و هو الطقس الفرعوني المعروف.
يحاول ُ بعض الفُقهاء المسلمين أن يُعلِّلوا هذا التحريم بأسباب عديدة:
- السبب الأول: احتواء لحم الخنزير على الديدان و الأمراض. في الحقيقة أن الخراف و الماعز و الأبقار تحتوي هي الأخرى على الديدان و الأمراض، و إن الحليب غير المغلي هو سبب ٌ رئيسي لمرض ِ الحُمى المالطية الشديد، و لكن هذه الحيوانات ما زالت مُحلَّلة َ اللحم و الحليب غير مُحرَّمة. كما أن الخنازير تُربى في مزارع تحت إشراف ٍ طبي ٍّ شامل لا نخشى معه لا ديدان و لا أمراض، و لحمها و مرتديلا الهام من أطيب ما يؤكل، فلا تستقيم ُ هذه الحُجَّة و لا تصمد، خصوصا ً أنه لا قدرة لأي دودة أو مرض على مقاومة النار و الطهي.
- السبب الثاني: الخنزير حيوان ٌ قذر. الخنزير ليس حيوانا ً قذرا ً، فهو لا يتبرز و لا يطرح فضلاته العضوية في نفس المكان الذي يأكل فيه، و يختار ُ مكانا ً منعزلا ً لهذا، و حين يكون للخنزير خيار و تتسع المساحة فهو يقوم بتنظيم مكان معيشته. إن الاعتقاد بقذارة الخنزير ناتجة ٌ عن تمرغه في الطين، لكننا إن نظرنا إلى السبب وجدنا أن هذا الحيوان لا يمتلك ُ غّددا ً تُفرز العرق لذلك لا يستطيع ُ أن يُبرِّد َ نفسه فيُضطر ُّ أن يتمرغ بالطين لتبريد نفسه في فعل ٍ ذكي ِّ جدا ً و العلماء يصنفون الخنزير من أذكى الحيوانات الموجودة.
- السبب الثالث: الخنزير لا يغار على أنثاه. في الحقيقة هذا السبب مُتهافت ٌ لوحده لا يحتاج ُ إلى الكثير من الكلام لكن لا بأس من التوضيح. بحثت ُ على النت عن "الغيرة في الحيوانات" فلم أجد بحثا ً علميا ً موثوقا ً عن "ديوثة" الخنزير، ناهيك َ أنني شعرت بالسخافة الشديدة و أنا أبحث عنه. لكن لنقل أن هذا الكلام صحيح، كمجرد افتراض لمتابعة النقاش، فهل الحيوانات أخلاقية؟ هل يمتلك الحيوان خُلقا ً و أدبا ً؟ هل نتوقع من الحيوان أن يتصرف مثل الإنسان؟ بالطبع لا، فهو حيوان، و نحن بشر، فكيف َ نتوقع منه أن يتصرف مثل البشر، و كيف يصح ُّ أن نُسقط مفاهيم الشرف و الرجولة عليها؟ هذا لا يستقيم.
ثُم َّ فليسأل هؤلاء المتهافتون أنفسهم، ألا يأكلون الخراف و الماعز؟ أوليس َ للماعزِ تيس ٌ واحد للتلقيح و كبش ٌ للنعاج يُجامع كل َّ إناث القطيع، فإذا طبقوا معيارهم العجيب يجب أن لا نأكل الخراف و الماعز، لأنهم يمارسون الدعارة الجماعية، و كذلك الحال بالنسبة للديوك و الدجاج، و بالطبع هذا تفكير سخيف ٌ جدا ً.
يذهب البعض إلى أبعد من هذا فيقولون أن الرجل الذي يتناول لحم الخنزير يصبح "ديوثاً" لا يغار على إناثه، و هذا الكلام ُ مُضحك ٌ جدَّا ً، و نسأل هؤلاء: يا إخوان، هل أصبحتم "حقودين" حينما تناولتم لحم الجمل؟ هل أكتسبتم صفات الدجاج حينما تناولتم لحوم الدجاج؟ هل نبت َ لكم ريش ٌ مثلا ً؟ هل أحسستم بالانتماء إلى جماعة الخرفان و الماعز حينما تناولتم لحومها و شربتم حليبها؟ من منكم اكتسب صفات النعجة؟ هل شعرتم برغبة في ممارسة الجنس مع تيس بتأثير أكلكم لمعزته أو شربكم لحليبها؟
لكن من باب ِ الاستنارة ِ و الفهم، هناك َ سؤال ٌ آخر يقتضي أن نُجيب عليه، لماذا كرهت بعض الحضارات الخنزير؟
للإجابة ِ على هذا السؤال ينبغي أن نُدرك أن العلم الحديث يُبرز تطابُقا ً عجيبا ً بين الإنسان و الخنزير، فالأنسلين الخاص بعلاج مرضى السُّكري ما زالت بعض ُ أنواعه تُصنَّع ُ من الخنزير، و صمامات القلب التالفة في الإنسان يُمكن التعويض عنها بصمامات ٍ من قلب خنزير، مُذهل ٌ هو هذا التطابق و الذي لا يُفسره سوى قانون التطور ِ و وحدة ِ أُصول ِ الكائنات الحية، و خصوصا ً أن الخنزير من صف ِّ الثديات كالإنسان.
كما و ينبغي أن نُسلِّط بعض الضوء على جوانب َ أُخرى مُرتبطة بلحم الخنزير، فمثلا ً يستخدم ُ سكان غينيا الجديدة للدلالة ِ على شخص ٍ مُحترِق لفظ َ "خنزير ٍ طويل"، و يأنف الكثيرين من رجال ِ الإطفاء ِ في الغرب من تناول لحم ِ الخنزير و هم الذين يتعرضون بحكم عملهم للتعامل مع أشخاص ٍ مُحترقين و يشمُّون رائحتهم، و كأنني أريد ُ أن أقول أن رائحة لحم الخنزير المحترق تُذكِّر ُ البعض برائحة لحم الإنسان المُحترق.
يجد ُ هذا التطابق ُ أيضا ً جذورا ً له في معتقدات ِ الشعوب البدائية و هم الذين كانوا يقومون بتضحية الحيوانات لآلهتهم، و يذبحونها لمأكلهم، فصرخات ُ الخنزير ِ الصغير و هو يُذبح تشبه صرخات الإنسان، و ذكاؤه الحاد و سُرعته تشبه تلك الموجودة َ عند البشر أيضا ً، و لذلك يُصبح ذبحُه و أكله مُزعجا ً و مُثيرا ً لذكريات ٍ بدائية حينما كان البشر يُمارسون نوعا ً من أكل لحوم ِ بعضهم.
لا بأس َ في الخنزير، و هو حيوان ٌ ذكي ٌّ يلقى الكثير من القبول لدى الأطفال الصغار الذين حينما لا "يوحى" إليهم و لا يتم "تلقينهم" عن الخنزير نجد ُ أنهم ينجذبون له بشكل ٍ فطري، فهو ظريف ٌ و اجتماعي ٌ جدا ً و يمكن تربيته كحيوان ٍ أليف ٍ أيضا ً. و نحن الآن َ في القرن الواحد و العشرين يُفترض ُ أننا قد تحررنا من النزعات البدائية المُرتبطة بماض ٍ سحيق مارسنا فيه أكل لحوم ِ بعضنا البعض لكن صرخات الخنزير المذبوح ما زالت تُذكِّر البعض بهذه الرواسب في اللاشعور الجمعي، و آن لنا أن نتحرَّر من قيد ٍ لا ذنب لنا فيه و لا معنى له الآن و اليوم.
معا ً نحو الحب، نحو الإنسان!
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في تحرير المرأة – مُمارساتٌ عملية للتمكين 2
-
في تحرير المرأة – مُمارساتٌ عملية للتمكين
-
قراءة في الإنسان.
-
لما ضحكت موناليزا
-
في تحرير المرأة – انتفضي سيدتي الآن
-
داعش – فرض الجزية على المسيحين في الرقة السورية
-
قراءة في القداسة – بين الجذر الديني و الاستحقاق الإنساني
-
في نفي النبوءة - رؤية في الجذر النفسي للنبوءة و نقد آليات ال
...
-
في اللاوعي الإدراكي و تأثيره على الإنسان – الحنين، و الجنة و
...
-
في نفي دونية المرأة – التكاثر الجنسي كخيار الطبيعة
-
في نفي دونية المرأة – بين داروين و العلم الحديث
-
بين الإله الحُلولي و الإله الشخصي.
-
من سفر الإنسان – قتل الأطفال باسم الحب
-
الهوس بجسد الأنثى - بين فيمين و النقاب
-
قراءة في شكل الاستعباد الحديث.
-
قيمة الإنجيل الحقيقية – لماذا المسيحية كخيار؟ - 2
-
من سفر التطور – في النظام داخل العشوائية.
-
في الحب بين الذكر و الأنثى – نبؤات ٌ تتحقق
-
من سفر الإنسان – الوحدة الجمعية للبشر و كيف نغير المجتمعات.
-
من سفر الإنسان – الأخلاق و الدين
المزيد.....
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
-
الضربات الجوية الأمريكية في بونتلاند الصومالية قضت على -قادة
...
-
سوريا.. وفد من وزارة الدفاع يبحث مع الزعيم الروحي لطائفة الم
...
-
كيفية استقبال قناة طيور الجنة على النايل سات وعرب سات 2025
-
طريقة تثبيت تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2025 TOYOUR BAB
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|