أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - في ذكرى ترجل جيل دولوز ورغبته في الترحل الدائم















المزيد.....

في ذكرى ترجل جيل دولوز ورغبته في الترحل الدائم


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 4265 - 2013 / 11 / 4 - 00:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


" اننا نعطي لأنفسنا الحق في خلق القيم أو تحديدها انطلاقا من الشعور بالمسافة فلا جدوى من المنفعة"

– جيل دولوز متكلما بلسان فريدريك نيتشه أو العكس 1 .

بلا ريب أن واقعة الوفاة بالنسبة للكائنات الادمية هي الحقيقة المطلقة التي لا يمكن انكارها أو الهروب منها ولذلك ذكر سارتر أن الانسان كائن من أجل الموت وأن أول يوم من حياته هو أول يوم نحو الموت وفي هذا المقام اعتبر هيدجر الوجود في سيبل الموت نمط للكينونة بالنسبة للدزاين يثير فزعه ويجعله يعيش الهم والانزعاج ويتعلق بالعدم ويولي وجهه شطر الوجود الأصيل. ومن المعلوم أن الانسان لا يخشى الموت لأنه كما يصرح أبيقور لا يعيش هذه التجربة بطريقة متزامنة فهو عندما يكون على قيد الحياة يكون الموت غير موجود وحينما يموت يكون هو على غير وعي بهذه الواقع ولن يشعر بما سيحصل له.
الا أن الانسان الذي يعيش تجربة الوفاة من خلال تجارب الآخرين ومت الأغيار من الكائنات ويتأسف لذلك ويشعر بالحزن على فقدان الأقارب والأصدقاء يخشى الألم والعذاب المرافق لهذه الحادثة ويرتعب أمام اختفاء وتلاشي وغياب من يصاحب ويحب ويتواصل وترهبه ظاهرة الاحتضار ويريد موتا رحيما وخاليا من الألم وعاقبة حسنة بحيث لا يثير الشفقة ولا يترك الأسى.
غير أن موت الفيلسوف يعتبر حدثا استثنائيا لأنه سيحول مجهوده الابداعي الى مجرد سيرة ذاتية وسيوقف مثل هذا الحدث حلقة أعماله ويضع الحلقة الأخيرة لانتاجاته ومساره وتجواله في الدنيا. ولكن المثير للدهشة والاستغراب هو انتحار الفيلسوف واختياره بنفسه وضع حدا لوجوه في العالم الكوكبي وسعيه الى الذهاب الى المابعد بنفسه بالرغم من حديثه عن ارادة الحياة وحفظ البقاء. ومن المعلوم أن الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز قد عرف مثل هذا السيناريو الرهيب يوم 4 نوفمبر 1995 من القرن الماضي حينما قفز من النافذة وألقى بنفسه الى التهلكة ووضع نقطة النهاية لحياة صاخبة ووقع بنفسه خاتمته. وقد خلف هذا الصنيع جرحا في الذاكرة وولد الحيرة في ساحة الفلسفة وتأول البعض الحدث شفقة وبرر البعض الآخر المصير بالرغبة في الرغبة.
وفي هذا السياق وبهذه المناسبة طرح علي أحد الأصدقاء النابهين السؤال الذكي التالي: بماذا نفسّر تواتر انتحار الفلاسفة؟، فكان سؤاله دافعا قويا بالنسبة الي حرك العقل من سكونه وأيقظ النفس من سباتها وأعاد من جديد التعلق بالكتابة وانبثقت لديه الرغبة في المعرفة والتقصي في واقعة النهايات وأدرك الفكر المتراجع نحو ذاته والمفتش عن التفسير بالعلل والإدراك عن كثب في معية الكينونة والوجود المشترك أن هناك عدة تفسيرات لانتحار الفلاسفة:
أولا: الانتحار لا يقتصر على الفلاسفة فهو يشمل الشعراء والأدباء والسياسيين والفانين وعامة الناس.
ثانيا: الفلاسفة الذين انتحروا هم فئة قليلة ونادرة بالمقارنة مع عدد الذين توفوا بشكل طبيعي مثل عامة الناس.
ثالثا : دولوز حينما انتحر أرد أن يضع حد لتألمه فهو قد عانى من مرض يجعله يشعر بالعذاب وكأنه بحث عن وضع حد لعذاب الجسم واراحة النفس المعذبة دون أن يدري
رابعا: البعض من الفلاسفة المنتحرين توجهوا نحو تجسيد الروح الفاوستية التي سرقت النار من الالهة وهم يشعرون أن لحظة الميلاد سرقت منهم ويريدون اختيار لحظة الوفاة بارادتهم وألا تسرق منهم مرة أخرى وأن يذهبوا الى عالم آخر بمحض ارادته
خامسا: يعاني الكثير من الفلاسفة من طغيان النزعة الريبية واستبداد العدمية بعقولهم وانخفاض في منسوب التدين وبالتالي تراهم يبحثون طوال حياتهم عن المعنى والقيمة وحينما لا يجدون مثل هذه القيم وينعدم الأمل ويفشلون في اثبات ذواتهم تنكسر نفوسهم ويحسون بالعبث فيقررون الانتحار.
سادسا: يوجد في فلسفة دولوز ما يبرر مثل هذه العاقبة غير السارة وخاصة تأسيسه لتيار الاختلاف والتحطيم والحفر وتبنيه لنظرة متشائمة على صعيد السياسة والأخلاق وانعدام الأمل والتواصل مع الغير وانقلاب القيم في الفكر مابعد الحديث وبروز النزعة الاسكاتولوجية وبالتالي يكون ما حدث له نتيجة منطقية لمسار مستمر ومتواصل من تهديم الذات وحفر قبر الانسانية.
سابعا: العود على بدء ليس بدء عائد وانما تكرار المختلف واختلاف التكرار وبالتالي اختيار الذات المتصدعة طريق النهاية هو خلق بداية جديدة لها في العالم وترك البصمة في الواقع وإتمام الأثر.
ثامنا: إن الفلسفة كإبداع للمفاهيم كما نظر لها دولوز نفسه هي فن في الحياة وطلب للصحة وليست تنظير للموت وطلب للخلاص وخاصة وأن دولوز هو قالب الأفلاطونية مع نيتشه وسخر من تعريف أفلاطون للتفلسف بأنه تدرب على الموت بأن ذكره بأن الفلسفة أو الفن هي تدرب على الحياة وخلق امكانيات رحبة من الوجود ولذلك يقبل الفيلسوف على الفعل بنهم ثوري ويجد في مشاركة الأغيار وصداقتهم نوعا من الاسترجاع لذاتيته المنتهكة.
تاسعا: ربما تحمي السياسة من فقدان الفلسفة لعلائقها بالواقع وتعطي الممارسة العملية للنظرية المعرفية الأرض الصلبة التي تقف عليها ويمنح الجمهور والفضاء العمومي الفيلسوف الاعتراف وتثمينا لجهوده وهذا الأمر كان غائبا عن جيل دولوز الذي تعاملت معه الجامعة الفرنسية كأستاذ من درجة ثانية وأهمل عند مرضه ولم ينل حظه الا بعد وفاته.
عاشرا: وأخيرا يبحث الفيلسوف عن المجد والشهرة وارضاء التيموس الشخصي له وإذا عاكسته الظروف وفشل في تحقيق مآربه الذاتية وطموحاته الايديولوجية في علاقة بحزبه وطبقته وملته والنوع البشري عامة وإذا اصطدم نزوعه نحو تنوير الجموع بالصد والخيبة وتغلب تيار الابتذال والسطحية والتعصب على مسرح الفكر يحاول جاهدا الهروب ويخاف على ضميره من الدنس ويخشى أن تصل الرداءة الى فكره وأن يلوثه التاريخ بسواده فيقرر بنفسه الرحيل أو الترحل وشرف جيل دولوز أنه كان واحدا من هؤلاء المتوحدين بل إنه فيلسوف مترحل nomade بامتياز وكانت فلسفته متشردة لا تجد المعنى سوى على الحوافي وفي البحار المتلاطمة والقفار والصحاري، فلا نقول لهذا الفارس أنك فشلت في الحياة بل نحيي فيه روح الانتصار على العالم المتفحم في زمانه فربما قد عاش لغير زمانه ولذلك ذكر عنه صديقه ميشيل فوكو بأن القرن القادم سيكون "دولوزيا".
المرجع:

Gille Deleuze, Nietzsche et la philosophie , edition PUF, Paris, 1965.p.3.

كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستقبل القوى الثورية في ظل الارتدادات
- أدوات التفكير وعمليات الاستدلال
- متى نكون ديمقراطيين بالفعل؟
- العنف السياسي وأولوية السلم الأهلي
- طرق مقاومة الارهاب
- علم السياسة والمعطى الديني عند حنة أرندت
- اشتباك المثقف بالسلطة عند إدوارد سعيد
- الآليات الدفاعية ضد الهدر الإنساني
- ثورية السياسة الحيوية عند ميشيل فوكو
- توجيهات البيوإتيقا للانسان المعاصر
- العفيف الأخضر ...نهاية تراجيدية في زمن الربيع العربي
- العدل والمساواة والإنصاف
- الفلسفة اليوم : حوار مع زهير الخويلدي
- أفكار فلسفية حول مشروع الدستور
- نظرية الهابيتوس والرأسمال الرمزي عند بيير بورديو
- بوليفارية تشافيز ومناهضة الامبريالية
- الحاجة الى تثوير فلسفة التربية والتعليم
- مبادىء أولية في الثورة الثقافية
- فن السياسة وحسن التدبير
- من الثورة الى التثوير، حول أطياف 17 ديسمبر والثورة الثقافية


المزيد.....




- فيديو يُظهر لحظات إطلاق النار في حرم جامعة ولاية فلوريدا
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن
- روسيا تستعرض درونات ومعدات عسكرية جديدة في بغداد
- وسائل إعلام: واشنطن ستسحب مئات الجنود من قواتها في سوريا
- اكتشاف طبي ثوري: علاج جديد لمرض باركنسون باستخدام الخلايا ال ...
- مقتل نحو 40 في هجوم للجيش الأمريكي على ميناء رأس عيسى النفطي ...
- كولومبيا.. 3 قتلى و26 مصابا بتفجيرات استهدفت قوات الأمن
- مجموعة من العسكريين الأوكرانيين تستسلم في كورسك
- يوتيوبر أمريكي يواجه تمديد احتجازه في الهند بعد مغامرة خطيرة ...
- واشنطن تعلق على مصير سفينة قمح متجهة من أراضيها إلى اليمن


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - في ذكرى ترجل جيل دولوز ورغبته في الترحل الدائم