|
العدالة الاجتماعية الغائبة
عزام راشد العزومى
الحوار المتمدن-العدد: 3892 - 2012 / 10 / 26 - 06:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هى المؤشر الأكثر أهمية على انسجام المجتمعات واستقرارها ونموها، أن العدالة الاجتماعية - مصطلحاً - تعرض للتشويه واستخدم كشعار براقا على يد نظم كثيرة دون أن يحقق الكثير، بل النتائج تبدو ماثلة للعيان تعميماً للفقر وانهياراً لمنظومة إجتماعية وإقتصادية وتأجيل استحقاقات كثيرة مقابل عدالة اجتماعية لم تتحقق،ونلاحظ أن الغرب لم ينتصر على الشيوعية والنظم الاشتراكية المغلقة والمستبدة من خلال الضغط السياسي والعسكري فقط، بل ومن خلال تطوير نظم الرعاية الاجتماعية واعتماد المجال الحر لوصول الكفايات - أيا كان منشؤها - وتطوير منظومة الإنتاج وعلاقات صاحب العمل بالعامل بما يحقق معه عامل النظافة على سبيل المثال - باعتبار أنه في المستوى الثقافي لدينا في الدرجة الأخيرة في سلم العمالة اليدوية التي لا تحتاج لكثير من المهارة - من الكفاية والحقوق الاجتماعية والمادية بما يعادل أي برجوازي صغير في تلك المجتمعات. تشغلنا كثيراً المسألة السياسية، ونغرق في جدل طويل حول الثقافة والهوية، ونستدعي صراعاً طويلاً بين تيارات فكرية، لكن الملاحظ أن تفكيرنا بمسألة العدالة الاجتماعية كضامن لحالة استقرار، ووعينا بمعنى العدالة الاجتماعية بكل مستوياتها تعيش في الظل على مستوى الخطاب الثقافي وإذا كان ما يسيء لفكرتها انها استخدمت كمصطلح شعاراتي أفرغ من مضمونه، فهذا لا يعني بحال تجاوز قيمته الإنسانية والحقوقية والاقتصادية، واستعادته كمفهوم أساسي في مسائل الإصلاح . عندما نتحدث عن الإصلاح، نفكر بالإصلاح السياسي وتوسيع دائرة المشاركة في صناعة القرار، وهذه مسألة مفهومة من حيث كون الإصلاح السياسي الذي يطال الجانب التشريعي والرقابي، ويعتمد التمثيل الشعبي، هو المؤسس لنظم وتشريعات العدالة الاجتماعية والتنمية والرقابة التي تضمن حق الفرد التعاقدي بالمفهوم المدني في دولة حديثة.
لكن الاستغراق في أحلام الإصلاح السياسي التي تحتاج لكثير من الوقت وتعتمد التدرج وتحتاج لما هو أكثر من شكل ديمقراطي يحجب إمكانية مواجهة مأزق أو احتباسات لا تنتظر، وتتراكم، وتتبدى افرازات يصعب السيطرة عليها عن طريق آلية التفكير بالمعالجات والمسكنات المؤقتة أو الموسمية، فهي تبقى مسكنات لا نظما قابلة للحياة وقادرة على مواجهة أزمات عطالة وبطالة وفقر ومرض وإعاقة وعدم تكافؤ للفرص بروحية ونظم العمل المؤسسي، وبالتالي هي لن تكون سوى ملمح تكافل اجتماعي وأسلوب إغاثة مؤقتة أمام استحقاقات تتراكم وقد تسبب حالة عدم استقرار، وتولد تشوهات وأمراض اجتماعية، وأخلاقية، وتعطل طاقات منتجة، بل وقد تتجاوز مسألة التعطيل إلى أن تصبح تلك طاقات ضارة بالمجموع، وتستلزم معالجة اجتماعية وصحية وأمنية مكلفة أضعاف ما كان يمكن أن يتم توفيره من تكاليف مؤسسات اجتماعية وتعليمية وإنسانية قادرة على مواجهة استحقاقاتها المبكرة، وهي جزء من حالة تعاقدية بين ولاء مواطن وحقوق إنسان، وإلا أصبحت قصة الوطنية كلاماً بلا مضمون، وشعارت جوفاء. الاعتبار الآخر أن هذه حقوق مواطنة، وليست منة أو صدقة أو تكرما من القادرين على المحتاجين ويجب أن تتجاوز فكرة المبادرة الفردية إلى مستوى أن تكون نظاماً مشرعاً يملك مؤسسات قادرة على مواجهة استحقاقاته، وأن تكون لها أولوية في أي محاولة إصلاحية تستلهم الحل عبر تلمس أن للمجموع حقوقاً أصيلة يضمنها نظام يكفل كرامات الناس ويقدم حقوق الكفاية، ويتحمل مسؤوليته في تحقيق تكافؤ الفرص، ويفتح باباً للحياة يجعل المواطنين شركاء في الحقوق كما هم شركاء في الواجبات. العدالة السياسية والعدالة الاجتماعية، العنصران في معادلة الإصلاح، وهما العنصران اللذان اشعلا الفكر الفلسفي الغربي وانتجا ثورات الرأسمالية، والشيوعية، وقد انهارت الشيوعية والمنظومة الاشتراكية لأنها كسرت قاعدة مهمة في منظومة النمو والنشاط الاقتصادي، فلم يكن قهر الحريات الفردية في التملك والإنتاج لصالح مجتمع البروليتاريا مع استشراء الفساد برا وبحرا وجوا والاستبداد بكل أشكاله الذي توفرت شروطه في طبيعة هذه النظم، سوى النخر الذى أتى على البنيان الاشتراكي الحالم، وتعيش اليوم الرأسمالية الغربية مأزق تآكل الحقوق الاجتماعية والخوف من تقلص دولة الرفاه الاجتماعي أمام شبح العولمة واشتراطاتها. هل نحن بحاجة إلى استعادة مفهوم الإسلام كنظام يوازن بين جملة حقوق، فهو في أصوله يضمن الحريات العامة ومبدأ المشاركة وبالتالي فوجه العدالة السياسية مضمون من خلال مبادئه الشورية الملزمة التي يمكن أن تكيف ديمقراطياً بلا حرج ، وهو في أصوله الكفائية يضمن العدالة الاجتماعية وتحقق الكفايات(الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار). استعادة مفهوم العدالة الاجتماعية، هو استعادة لمفهوم أصيل في ضمان استقرار وازدهار ونماء المجتمعات، وإذا كانت العدالة السياسية بكل تعبيراتها المجازية من شورى أو مشاركة أو آليات اقتراع ومؤسسات نظام، يمكن أن تنتظر وتعطى على جرعات وتكيف ضمن انساق ثقافة وضمن أجندة تحول، إلا أن العدالة الاجتماعية شرط لا ينتظر التأخير، ولا يحتاج للكثير لاكتشاف تأثيره على استقرار وازدهار المجتمعات التي تقوى بمؤسساته ونظمه وضماناته.
#عزام_راشد_العزومى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشخصية المحمدية من وجهة نظر غربية
-
أكتوبر ووفاة رمز من رموز مصر
-
سياسة الاستثمار والتوظيف
-
فضل مكة على سائر البقاع
-
معاً من أجل مصر
-
ظاهرة الفساد جريمة تسرق الحياة
-
حرب 6 أكتوبر إستلهمت خطط خالد بن الوليد
-
سياسة فرق تسد
-
الإستعمار الثقافي
-
ورحل أسد القوات المسلحة المصرية
-
العدالة
-
التنمية البشرية
-
الفساد الإداري.. مفهومه ومظاهره وأسبابه
-
العولمة ودور العوامل الخارجية
-
ماذا تعنى المواطنة
-
رسالة إلي رئيس جمهورية مصر العربية
المزيد.....
-
الجيش الأمريكي يعلن استهداف -أحد كبار قيادات- تنظيم تابع لـ-
...
-
مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تعيين دوغ بورغوم وزيرا للداخلية
-
مباحثات إيرانية قطرية حول اتفاق وقف إطلاق النار بغزة ولبنان
...
-
ترامب يعلق على تقارير سحب القوات الأمريكية من سوريا
-
روبيو: ترامب مقتنع بضرورة حل الصراع في أوكرانيا بالوسائل الد
...
-
واشنطن: استمرار الصراع يدمر أوكرانيا ويفاقم خسائرها في الأرا
...
-
المغرب.. تفاصيل دقيقة حول الآليات والمواد والمساحيق التي تم
...
-
الولايات المتحدة تخطط لفرض رسوم جمركية على الصين بسبب -شحنات
...
-
روبيو: عرض ترامب شراء غرينلاند -ليس مزحة-
-
العثور على الصندوقين الأسودين للطائرة المتحطمة في واشنطن وإر
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|