خالد أبو شرخ
الحوار المتمدن-العدد: 3844 - 2012 / 9 / 8 - 02:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" الشلة " لقب أطلقه بعض كتاب وقراء الموقع على أنفسهم, ولم يطلقه عليهم أحد, بل أن أحدهم صاغ بيانا بإسمهم ويحمل توقيع " الشلة " .
وعلى الرغم من رفضي لظاهرة التكتل والأنغلاق على الذات والتقوقع في إطار محدد سلفا, من قبل مجموعة من الكتاب, باعتبار أن هذه الظاهرة من صفات الفكر السياسي الشمولي, والإنغلاق الإيدولوجي, والرؤية أحادية الجانب, إلا أنني أجد نفسي مضطرا لتناول موضوعاتهم حسب التسمية التي اطلقوها على أنفسهم, وعملوا بهذه التسمية سواء بأرائهم أو سلوكياتهم في المقالات و التعليقات والأساليب التي يخوضون بها النقاشات .
عندما كان حوار الشلة عن الماركسية والتجربة الإشتراكية السوفيتية, وعن التغييرات في العالم العربي, كان الحوار مبررا وضروريا ومطلوبا, ولا يخرج عن إطار الحوار الداخلي والصراع الفكري بين تيارات فكرية وسياسية في المجتمعات العربية .
لكن في الآونة الأخيرة, أخذت موضوعات " الشلة " مسارا جديدا, إذ تتناول موضوع " الصهيونية " إنطلاقا من رؤية الصهيونية لذاتها.
فهل يجوز لها ذلك ؟ ...
وهل يأتي ذلك في إطار الحوار الداخلي وإنطلاقا من الرأي والرأي الآخر ؟
وهل العلاقة مع الصهيونية هي علاقة خصومة فكرية فقط ؟
وهل هذا كافيا لإطلاق صفة التصهين على أعضاء الشلة ؟
وحتى لا نرمي الناس بالباطل, نعود إلى الصهيونية, وأهدافها ومقولاتها الأساسية, وسمات خطابها, لنرى مقدار إقتراب وإبتعاد الشلة عن الصهيونية .
يختلط تعريف الصهيونية باعتذارياتها وأهدافها ومنظوراتها المختلفة بحيث لا تمكن التفرقة بين الواحد والآخر، إذ أنها تعرف نفسها على أنها " حركة التحرر القومي للشعب اليهودي" أو " الحركة القومية لليهود " أو " حركة الأنبعاث اليهودي " أو " رديف القومية اليهودية " .
وبسبب إنتشار الديانة اليهودية بين شعوب وأعراق عدة, يصبح التعريف ناقصا وطوباويا, ونوعا من الخيال الرومانسي, إذ لا وجود لتاريخ مشترك, أو أرض مشتركة يرتبط بها اليهود, ولا وجود للغة مشتركة, وغياب كامل لوحدة التكوين النفسي والثقافي, التي تنتج عن أسلوب الحياة المشترك, على بقعة محددة من الأرض, تؤدي إلى نشوء علاقة الإنتماء للأرض والتراث, علاوة على غياب الروابط الإقتصادية والإجتماعية بين الجماعات اليهودية .
لذلك أصبح إقتلاع اليهود من مجتمعاتهم, ورفض إندماجهم مع الشعوب, التي عاشوا بين ظهرانيها, ونقلهم وتجميعهم في الوطن القومي المتخيل, جزءا من أهداف الصهيونية, بل وجزءا من تعريفها, ومكونا أساسيا من مكوناتها أيدولوجيتها .
بدأت دعوات تهجير اليهود, ورفض إندماجهم في شعوبهم, مع نظرة محددة لليهود ظهرت في أوربا (وخصوصاً في الأوساط البروتستانتية في إنجلترا ابتداء من أواخر القرن السادس عشر), وترى أن اليهود ليسوا جزءاً عضوياً من التشكيل الحضاري الغربي، لهم ما لبقية المواطنين, وعليهم ما عليهم، وإنما تنظر إليهم باعتبارهم شعباً عضويا مختارا وطنه المقدس في فلسطين, ولذا يجب أن ينقل إليه, وقد استمر هذا التيار المنادي بتوطين اليهود في فلسطين, حتى بعد أن خمد الحماس الديني, الذي صاحب حركة الإصلاح الديني .
دعم التنوير الأوروبي الناشئ, التوجه الديني البروتستانتي, إذ ظهرت نزعات ومفاهيم صهيونية, في أوساط الفلاسفة والمفكرين السياسيين والأدباء، تنادي بإعادة توطين اليهود في فلسطين, باعتبار أنهم شعب عضوي معزول, غير قابل للإندماج مع الشعوب, بعد أن أفقدته الرأسماليه وظائفه, التي كان يضطلع بها في عهد الإقطاع, مما أدى إلى تفاقم المسألة اليهودية, وخاصة في الجزء الشرقي من القارة الأوروبية .
مع نجاح أوربا في بلورة مشروعها الاستعماري, ضد العالم العربي, والذي حقق أول نجاح حقيقي له, في القضاء على مشروع محمد علي, في تحديث مصر والدولة العثمانية, ومع تفاقم المسألة اليهودية, التقت المسألة الشرقية ( ميراث الإمبراطورية العثمانية) بالمسألة اليهودية, وساد التصور القائل بإمكان حل المسألتين من خلال دمجهما, وبذلك أصبح الشرق الأوسط وفلسطين تحديدا, هو مكان نقل وتجميع اليهود, خصوصا أن أهمية المنطقة قد إزدادت بعد حفر قناة السويس .
وبذلك إلتقت المصالح الإستعمارية الأوروبية, مع حركة التنوير الأوروبية, و الفكر المسيحي البروتستانتي, ومع بعض من مضامين الفكر الديني المشيحاني اليهودي بعد علمنته, لسك تعريف الصهوينة وأهدافها, والذي تتلخص بالآتي :
• يؤلف اليهود أمة عالمية واحدة, فريدة ومتميزة لا تسري عليهم القوانين الموضوعية, او التعريفات المختلفة, فهذه الامة تتجاوز في وحدتها, الحواجز الجغرافية, ولا تؤثر في ترابطها المجتمعات الإجتماعية المختلفة .
• لا يمكن أن ينتهي إضهاد اليهود, ولا يمكن ان تزول اللاسامية, في الأقطار, التي يعيشون فيها أبناء الطوائف اليهودية, مهما تغيرت الانظمة السياسية والإجتماعية, لان اللاسامية خالدة وأبدية .
• لن يتحقق إندماج اليهود بالشعوب, التي يعيشون بين ظهرانيها, وسيبقون شعب عضوي معزول، لذا يجب نقله خارج أوربا, في إقليم واحد, ليتحول إلى شعب عضوي فاعل .
• يتم توظيف هذا الشعب, لصالح العالم الغربي, الذي سيقوم بدعمه, وضمان بقائه واستمراره، داخل إطار الدولة الوظيفية, التي ستقام على الإقليم المستهدف .
• استقر الرأي، بعد جدال ومشاريع عده على فلسطين, كأقليم لنقل اليهود بسبب أهميتها الإستراتيجية, و مقدرتها التعبوية الدينية بالنسبة للمجتمعات الأوروبية, وللجماعة البشرية المستهدفة ( أي اليهود ), ليوطَّنوا فيها, وليحلوا محل سكانها الأصليين، الذين لابد أن تتم إبادتهم, أو طردهم على الأقل, كما هو الحال مع التجارب الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية المماثلة.
هذه هي بإختصار شديد الركائز الأساسية للأيدولوجية الصهيونية
فما مدى إقتراب الشلة من تعريف الصهيونية وأهدافها ؟
بالعودة إلى مقالات وتعليقات أفراد "الشلة" نجد أن المرادفات والشعارات والمقولات التي تتكرر في كتاباتهم لا تؤدي إلا إلى التعريف والأهداف الصهيونية سابقة الذكر
ففي أي مقال لأفراد الشلة يتناول القضية الفلسطينية أو الصراع العربي الصهيوني أو علاقة الصهيونية بالشيوعية نجد ان محور المقالة, مقولة " الشعب اليهودي " أو " الأمة اليهودية" وهي مقولة صهيونية, تعتمد على الأساطير التوراتية, تطلق على الجماعات اليهودية, المنتشرة في العالم, في محاولة لتطبيعها في ذهن القاريء العربي, أي جعلها طبيعية ومن المسلمات المطلقة الغير قابلة للنقاش .
مقولة "الشعب اليهودي " وفي ظل إنتشار اليهودية بين شعوب الأرض, وعدم حملها لخصائص الشعب, تقودنا مقولة صهيونية إخرى, "الإنعزالية اليهودية", أي عدم قدرة اليهود, على الإندماج مع الشعوب الأخرى, الأمر الذي يضعنا أمام نظرية " التميز العرقي لليهود " ومقولاتها مثل " الشعب الفريد " و" الشعب المختار " و " الشعب المميز الأبدي " وبالعودة لمقالة "شامل عبد العزيز " "نحن والصهيونية ", على سبيل المثال, نرى الدعاية الواضحة لتميز اليهودي, عن غيره من البشر, و الإبداع عند بعض العلماء والفلاسفة والسياسيين اليهود, بسبب كونهم يهود, وليس كونهم أبناء الحضارة الغربية, فالسيد " شامل عبد العزيز " يُخرج إبداعهم من سياقه الحضاري, فقط لإثبات إنعزالية اليهود وتميزهم .
والسؤال المطروح عليه : لإذا كان تميزهم فقط لانهم يهود, فلماذا لم يخرج مبدعين يهود من إفريقيا وآسيا أو يهود العالم العربي ؟... أليسوا يهودا ؟
حتى " كارل ماركس ", الذي لم يرَ حلا للمسألة اليهودية, سوى الإندماج بالشعوب, ولم ينادِ يوما ما بدولة يهودية, لم يسلم من "شامل عبد العزيز", وزج بإسمه على إعتبار انه "يهودي صهيوني", وأرجع إبداعاته لذلك السبب .
إعتبار كل يهودي هو صهيوني, ركيزة من ركائز الحركة الصهيونية, ونجد هذا الإدعاء صريحا وواضحا في مقالات الشلة, فهذه العبارات كتبها "شامل عبد العزيز " :
((هل هؤلاء أم لا وماذا قدموا للبشرية مقابل تبجح البعض ووقاحة آخرين :
البيرت إنشتاين – اسحق نيوتن – سيجموند فرويد – كارل ماركس – بول سامو يلسون – ميلتون فرايدمان . ))
هل يعلم "شامل عبد العزيز" أن إسحق نيوتن قد عاش ومات قبل ظهور الصهيونية ؟
هل يعلم "شامل عبد العزيز" أن ألبيرت أنشتاين رفض الهجرة إلى فلسطين ورفض أن يكون أول رئيس لدولة إسرائيل ؟
لا يهمنا هنا دحض أقوال "شامل عبد العزيز", بل ما يهمنا التطابق الكامل بين مقالات الشلة, وأساسيات الأيدولوجية الصهيونية .
مقولة "الشعب اليهودي", وعدم قدرته على الإندماج مع الشعوب الأخرى, ترادفها دائما في الأيدولوجية الصهيونية, مقولة "الوطن القومي اليهودي", إستنادا إلى الحق التاريخي والديني لليهود, في أرض فلسطين ( بعد ان إختارتها الإمبريالية الغربية للحركة الصهيونية كإقليم للدولة اليهودية ) .
فهل إبتعدت الشلة عن هذا الإدعاء ؟
يُجمِل السيد "شامل عبد العزيز " مستعينا بـ " سيلوس العراقي ", تعريف الصهيونية بـ " ... صهيونيا في منظمة تحرير بلاد صهيون ... الكثيرين ممن اغنى الادب والفكر العالمي كانوا يؤمنون باسرائيل دولة للشعب العبري "
اقتطفت من التعريف, ما يتعلق بالوطن القومي اليهودي, أي أن الشلة تؤمن إيمانا راسخا, لا يقبل الشك ولا النقاش, بأن فلسطين هي بلاد اليهود, وإسمها بلاد صهيون أو إسرائيل, والحق التاريخي والقانوني والطبيعي والإنساني في فلسطين, هو حق اليهود فقط, مع الملاحظة أن اليهودي العراقي "يعقوب إبراهامي", يحاول تلطيف وتجميل وجه الصهيونية, بالإدعاء أن فلسطين, هي وطن الشعبين وتحمل إسمين " فلسطين " وإرتس إسرائيل ", أما العربيان "شامل عبد العزيز" و"سيلوس العراقي " فيصران على أنها بلاد صهيون أو إسرائيل, والحق اليهودي بها لا شريك له .
على ماذا يستندان في ذلك؟
ألا يران أنفسهما قد تجاوزا اليهودي المعترف بصهيونيته في تطرفهما ؟ .
بعد المرور السريع جدا, على مقالة "شامل عبد العزيز", والتي لاقت تأييدا مطلقا, من جميع أفراد الشلة, ألا يحق لنا أن نتساءل : كم تبعد الشلة عن الأيدولوجية الصهيونية ؟
• الترويج لنظرية الشعب الفريد المميز والمتفوق عرقيا, موجودة في كتاباتهم .
• التاكيد على إنعزالية اليهود, وعدم قدرة اليهود على الإندماج, واضحه للعيان .
• الدعاية للحركة الصهيونية, كحركة قومية لليهود, من الأهداف الرئيسية لكتاباتهم .
• الخلط بين اليهودي والصهيوني, وإعتبار الإثنان واحد, لا إنفصام بينهما, أمرا محوريا في مقالاتهم .
• بكل وقاحة وإستهتار, يُنفى حق الشعب الفلسطيني, في أرضه, ويُمرر للقاريء العربي, أن فلسطين هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي
أليس هذا مضمون كتابات الشلة, سواء في التعليقات أو المقالات ؟
لماذا يغضب "شامل عبد العزيز" إذن, عند وصفه بالصهيوني ؟
لماذا يعتبر لقب صهيوني شتيمة ؟ طالما يغرق لأذنيه في أساسيات الفكر الصهيوني, ويروج له ؟
لإنجاح المشروع الصهيوني, كان لا بد خطاب صهيوني خاص, أن يحمل سمات عامة وخاصة, يجري من خلالها, تمرير المشروع, شكل هذا الخطاب, أحد المرتكزات الثلاثة, التي تقوم عليها, إستراتيجية المشروع الصهيوني (الصراع المسلح ـ التخطيط الدعائي المنظم ـ الدبلوماسية النشيطة), والعلاقة بين هذه المرتكزات متداخلة، فأي منها يُعد للآخر ويتابعه، فالدعاية تمهد للصراع المسلح وتلاحقه، ثم تأتي الدبلوماسية لتؤكد ما حققه كل منهما .
وبالإضافة للسمات العامة, هناك سمات خاصة يتعلق بالفئة المستهدفة, أو الجماعة البشرية المستهدفة, من الخطاب, فهناك خطاب يتوجه للمجتمعات الغربية, وخطاب للحكومات الغربية, وخطاب آخر يتوجه للجماعات اليهودية, وخطاب آخر يوجه للشعب الفلسطيني, صاحب الحق التاريخي والأنساني والقانوني في الإقليم المستهدف, وخطاب آخر يوجه للشعوب العربية والإسلامية, وحركات التحرر, المساندة للشعب الفلسطيني .
من السمات والطرق العامة للخطاب الصهيوني, العودة الإنتقائية للتاريخ, وإخراج الأحداث من سياقها التاريخي, ومحاكمتها بمعزل عن ظروفها الموضوعية والذاتية, واللجؤ لتأويل الأحداث والمواقف, بما يخدم الهدف الصهيوني .
الصهيونية إختارت, من تاريخ فلسطين, مرحلة الغزو الإسرائيلي القديم, لأرض فلسطين, وفترة مملكة داوود وسليمان, وحقبة العودة من المنفى البابلي, ومرحلة الشتات ( علم الاثار الحديث نفى جميع هذه الروايات الأسطورية وعلى أيدي مؤرخين يهود) .
غيبت الصهيونية أي حقبة تاريخية أخرى لفلسطين (للأسف تجاوب معها المؤرخين والباحثين العرب), فلا ذكر للتاريخ الكنعاني, أو الأرامي, أو شعوب البحر (البلستينيين الأوائل), مع الملاحظة ان علم الآثار, بدأ ومنذ العقد الاخير من القرن الماضي ينحاز للرواية الفلسطينية في تاريخ فلسطين القديم .
ولا ذكر في الخطاب الصهيوني, عن الوجود العربي المستمر, على أرض فلسطين, والمتواصل لمئات السنين .
وفيما يبدو أن "شامل عبد العزيز", تلميذا نجيبا ومجتهدا ومثابرا لهذه المدرسة, ويستحق أن ينال رضا معلمه وجائزته .
في مقالته المذكورة اعلاه يكتب السيد " شامل " :
((بعيداً عن حوادث التاريخ وكيف نشات إسرائيل وكيف ظهرت للوجود )) .
يرفض الحديث عن جرائم العصابات الصهيونية, وعمليات التطهير العرقي, التي قامت بها, ويسعى لشطبها من التاريخ تماما, كما شطبت الصهيونية التاريخ الفلسطيني, واختارت تواريخ بعينها .
((أقول بأن البدايات كانت ( الصراع العربي الإسرائيلي ) عام 1948)) .
وهكذا ينفي السيد "شامل" أي تاريخ نضالي للشعب الفلسطيني قبل عام 1948م, ويمزق صفحاته المجيدة, من كتب التاريخ ويصر أن تاريخ الصراع, بدأ مع دخول الجيوش العربية لفلسطين .
الإنتقائية في العودة للتاريخ واضحة
هل كانت فلسطين خالية من العرب, قبل ذلك سيد "شامل عبد العزيز" ؟
هل قرأت شيئا عن هبات العشرينيات, والتي تتوجت بثورة البراق عام 1929م, في وجه الانتداب البريطاني, والهجرة اليهودية ؟
هل سمعت عن ثورة عام 1933م ؟ هلى تعرف شيء عن الثورة الفلسطينية الكبرى (1936م وحتى 1939 ) ؟
أتعرف شئيا عن أطول إضراب سياسي في التاريخ ؟ إضراب الفلسطينيين عام 1936م ؟
أجهل بالتاريخ ؟ أم تزييف لوعي القاريء ؟
أم إخلاصا للشعار الصهيوني ( أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ) ؟
أما عن تأويل المواقف والأحداث عند السيد "شامل عبد العزيز", فنسوق المثال التالي :
((من رسالة اللورد أللنبي قائد الجيوش البريطانية التي غزت فلسطين وأخرجت الأتراك منها إلى رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج " لقد تمخض مؤتمر الصلح عن وليدين " : القومية اليهودية : التي تمتاز بالحيوية والنشاط , القومية العربية : التي تمتاز بالكسل والخمول المكتسبين من الصحراء , اليهود يمتازون بولائهم ورقة شعورهم وعلمهم ))
أولا : لم يجد السيد "شامل عبد العزيز "سوى اللورد اللنبي ليستشهد به, واللورد اللنبي هو قائد الجيوش البريطانية التي إحتلت فلسطين تمهيدا لإفراغها من سكانها وإحلال اليهود محلهم .
ثانيا : لم يوضح لا اللورد اللنبي ولا "شامل عبد العزيز" كيف ولدت الأمة اليهودية ؟ هل بمجرد إحتلال فلسطين من قبل بريطانيا ؟ أم بمجرد إتخاذ مؤتمر الصلح قرارا بتشكيل عصبة الأمم التي أقرت وعد بلفور ضمن صكوك الإنتداب البريطاني ؟
ثالثا : بالمعنى الظاهري للمقولة يعتقد القاريء, وجود أكثرية يهودية في فلسطين, وقد بدأت بالتبلور كأمة, وهذا منافي للحقيقة, فلم تبلغ نسبة اليهود حينذاك سوى 12% من مجموع سكان فلسطين ولم يمتلكوا سوى 3% من أراضيها,
فماذا تعني مقولة قائد جيوش الإحتلال لرئيس وزراء حكومة الإحتلال بمعناها الباطني إذن ؟ .
لقد جاءت رسالة اللنبي, إلى لويد جورج, عقب إنتهاء مؤتمر الصلح, والذي تشكلت من خلاله عصبة الأمم .
عصبة الأمم أقرت صك الإنتداب البريطاني على فلسطين .
ميثاق الإنتداب البريطاني تضمن وعد بلفور .
هل أصبح واضحا ماذا تعني رسالة اللورد اللنبي ؟
المشروع الذي نحن بصدده , إكتسب شرعية دولية, وفي طريقه للتنفيذ, (والمشروع هو "الدولة اليهودية الوظيفية "), وحتى تقوم بوظيفتها, يجب أن تنتمي للحضارة الغربية, وتكون وجزءا من الغرب, وليس من الحضارة الشرقية, أوجزءا ومن الشرق, عليها أن تكون في الشرق ولكن ليس جزءا منه .
هذا المقصود من مقولة اللنبي, وهل نجد معنى آخر غير ذلك, بعد وضع المقولة في سياقها التاريخي؟ وضمن الظروف التي قيلت فيها ؟
ويستمر التأويل, وإخراج المواقف من مسارتها, وظروفها التاريخية, عند "شامل عبد العزيز" عند التطرق لقرار التقسيم, وموقف الإتحاد السوفيتي من " دولة الشعب اليهودي ", ولنا في هذا الموضوع وقفة خاصة, بمقالين خاصين بقرار التقسيم, وموقف الشيوعية من الصهيونية, ولكن لا بد من الإشارة أن الهدف, من تأويلات السيد "شامل" تكمن في محاولة تشويه موقف الشيوعية من الصهيونية, وإضفاء شرعية على الحركة الصهيونية, والدولة اليهودية, من خلال تأويل موافقة الأحزاب الشيوعية على قرار التقسيم .
وللقاريء نقول أن العداء للإتحاد السوفيتي, والأحزاب الشيوعية في العالم, كانت دائما ضمن استراتيجيات الحركة الصهيونية, وكما ذكرت لنا وقفة خاصة نتناول به هذا الموضوع .
الخطاب الصهيوني الخاص, الموجه للشعوب العربية, إعتمد على ترسيخ صفات سلبية عن العربي، فقد أصبح: متخلفاً و بربرياً و جشعاً و عدوانياً بطبعه، وأن الوجود اليهودي مهددا دائماً من قبل العرب, ولكنه قوي جداً لدرجة أنه لا يمكن أن يتهدده أحد، فهو قادر على البقاء, وعلى سحق أعدائه, وضربهم في عقر دارهم, ويدخل الخطاب الصهيوني الموجهة للعرب, في إطار الحرب النفسية, التي تهدف إلى تحطيم معنويات العرب, بل تحطيم الشخصية القومية العربية, وغرس مفاهيم مثل "جيش الدفاع الإسرائيلي الذي لا يقهر", و" قوة الردع الإسرائيلية " .
وبالعودة إلى مقالة السيد "شامل عبد العزيز" نقرأ فيها :
((هل هناك مقارنة بين رئيس جهاز مخابرات عربي مع رئيس جهاز " الموساد " اسألوا ناجي عطا الله إذا شئتم ؟ ))
((هل هناك حزب أو قائد يستطيع ان يحقق طموحات وأخلام الشعب الذي ينتمي إليه في منطقتنا , من هو وأين نجده وما هو اسم ذلك القائد او الزعيم وما هو اسم ذلك الحزب وما هي مبادئه ؟ ))
((في عام 1967 ( 7 ) زعماء عرب ( بشوارب ) هزمتهم امرأة اسمها غولدا مائير وبأقل من 6 ساعات وليس 6 أيام ))
((ما قيمة تشكيل الجمعيات المناهضة للصهيونية والسؤال الأهم ماذا قدمت هذه الجمعيات المناهضة للصهيونية ؟ أين النتائج وهل تستطيع جمعية ما أو دولة عربية ما ان تقف بوجه إسرائيل ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ))
((هل نستطيع ان نقارن انفسنا معهم ؟ لماذا لا يخجل البعض عندما يقول رأيه ولماذا لا يرى بأعين مفتوحة ولماذا لا يفكر بطريقة سليمة ولماذا لا يتخلص من الحقد والغل والكراهية , هل تجري ( دماء ) في عروق هؤلاء ؟ ))
((حركات الأمة العربية بكافة مسمياتها ماذا حققت ؟ أريد شئ واحد تذكروه لنا مقابل ما حققته الحركة الصهيونية ؟ ))
هل خرج السيد شامل عبد العزيز عن الخطاب الصهيوني الموجه للعرب ؟
ألا تحمل جميع مقولاته خصائص الخطاب الصهيوني العامة والخاصة ؟
كم يبعد السيد شامل عبد العزيز عن الصهيونية بكل مكوناتها ؟
وبالنسبة لباقي أفراد الشلة, والذين يتسابقون, ويتبارون بعبارات التأييد المطلق, لما يخطه السيد "شامل" أو أي أحد أفراد الشلة, وينهالون بالسب والشتم والسخرية, على كل معارض أو مخالف في الرأي
ألا يحق لنا إذن دمغهم بصفة الصهيونية ؟
ألا يحق لنا أن نتعامل معهم على أنهم صهاينة ؟
والأهم لماذا ينكرون صهيونيتهم ؟
منهم من يدعي ان الصهيونية قد انتهت, ومنهم من يدعي أن هناك صهيونيات عدة, ومنهم يتهرب من الإجابة .
أهو إستخفاف بعقل القاريء ؟
ونعود إلى تساؤلاتنا في بداية المقالة
وهل العلاقة مع الصهيونية هي علاقة خصومة فكرية فقط ؟
وهل الحوار مع الشلة مبررا من الناحية الوطنية ؟
إن كانت الإجابة بنعم, وبأنه يجب عدم ترك الساحة لهم, خاصة ان من أهداف الموقع, ما يحمل إسمه " الحوار المتمدن ",
ولكننا في الحالة, هذه نكون قد حققنا أهم أهداف الصهيونية, ألا وهو التطبيع المعرفي والثقافي مع الأيدولوجية الصهيونية, أي جعلها طبيعية, ومألوفة وفي إطار التعددية الفكرية والسياسية, داخل مجتمعات العالم العربي, مثلها مثل أي تيار فكري عربي آخر, وإنها تنتمي إلى إطار عام ومتكرر في مجمعاتنا, ولا تشكل حالة شاذة ومعادية لشعوبنا .
وهنا لنا وقفة مع هيئة تحرير موقع الحوار المتمدن .
هل إحدى أهداف الموقع, هو الترويج للتطبيع الفكري والثقافي والمعرفي, مع الصهوينية ؟
هل تلاشت الخطوط الفاصلة, بين الرأي الآخر, والرأي المعادي ؟
لقد بدأت محاولات التطبيع الفكري والثقافي, وعلى إستحياء بعد عزيمة عام 1967م, وإشتد عودها بعد كامب ديفيد الساداتية عام 1979م, وازدادت رواجا بعد حرب الخليج الثانية, وتوقيع أتفاقية اوسلو, واشتدت ضراوة بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر .
رأس الحربة في الترويج, لهذا التطبيع هم الليبراليون الجدد, وبدعم من فضائيات أنظمة الإستبداد السياسي, في العالم العربي .
فهل تغيب هذه الملاحظات أو المعلومات, عن هيئة تحرير الحوار المتمدن ؟
ألم يلاحظ القائمون على الموقع, أن الدعوة إلى التطبيع الفكري والثقافي والمعرفي, تتصاعد مع كل إنتصار للإمبريالية وإنحسار, لحركات التحرر العربية ؟
ألم يلاحظ القائمون على الموقع, أن هذه الدعوات, تبدأ من أشد خصوم اليسار والماركسية في العالم العربي ؟
إن المقالات التي تناولت الصهيونية في الآونة الأخيرة, ومن منطلق الدفاع المطلق عنها, تحت مبرر الواقعية والعقلانية والموضوعية والإيمان بالرأي والرأي الآخر والحوار الديمقراطي, لتحتاج إلى وقفة من هيئة تحرير الحوار المتمدن, بما يخص سياسة النشر في الموقع .
ولكم تحياتي
خالد أبو شرخ
غزة - فلسطين
#خالد_أبو_شرخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟