|
الوحدة العضوية للثورة الاشتراكية العالمية
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 3677 - 2012 / 3 / 24 - 18:05
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
(ماركسيون يتخلون عن الثورة الاشتراكية !!)
كنت أعتقد أنني على وعي تام بأهمية الوحدة العضوية للثورة الاشتراكية العالمية التي استشرفها كارل ماركس عام 1847 وقال أنها ستقوم في وقت واحد في مركز النظام الرأسمالي العالمي فتنتصر الاشتراكية حالاً في كل أنحاء الأرض بنفس الوقت نظراً للوحدة العضوية العالمية للنظام الرأسمالي، تلك الوحدة التي عاد يؤكد أهميتها لينين في نظريته حول الحلقة الأضعف في سلسلة المراكز الرأسمالية. لذلك وفي العام 59 ، ورغم أنني كنت ما أزال في الحياة الحزبية السرية (underground)، عارضت بقوة مطالبة خروشتشوف في المؤتمر الاستثنائي الحادي والعشرين رسم خط فاصل بين الثورة الاشتراكية من جهة وثورة التحرر الوطني من جهة أخرى تلك الوحدة العضوية التي كرسها لينين في خطابه لزعماء الشرق الاسلامي المجتمعين في باكو/أذربيجان في العام 1921. وكان أقسى من أدان سياسة خروشتشوف تلك هو الرفيق تشي غيفارا مما دعاه إلى التخلي عن منصبه الوزاري في حكومة كاسترو والرحيل إلى بوليفيا ليخوض معركة مباشرة ضد الامبريالية. وليس من شك في أن سلسلة الانقلابات العسكرية الرجعية في عدد من البلدان الأسيوية والأفريقية في الستينيات تعود إلى تلك السياسة، سياسة التصالح مع الإمبريالية وما سماه خروشتشوف "سياسة إطفاء بؤر التوتر"، ومنها أيضاً تراجع خروشتشوف الشائن في أزمة الصواريخ الكوبية وسماحه لجنود البحرية الأميركية باعتلاء البواخر السوفياتية المتجهة إلى كوبا وتفتيشها وهو ما أعتبر كسراً لعنفوان الأساطيل السوفياتية ذات التاريخ المجيد، وكذلك الانقلاب الذي قامت به المخابرات الأميركية والبريطانية عن طريق البعثيين والقوميين ضد حكومة قاسم والشيوعيين في العراق وقد ارتكب فيه البعثيون من الجرائم الدموية ما دعا المخابرات الأميركية بكل إجراميتها إلى أن تعلن براءتها من تلك الجرائم الوحشية وحتى إدانتها ــ تصوروا حتى المخابرات الأميركية تدين جرائم البعثيين بحق الشيوعيين ــ، وكانت الطامة الكبرى هزيمة الثورة العربية في حرب 67 وقد أيقن ناصر أن هزيمته ما كانت لتكون لولا سياسة التخاذل السوفياتية، كما أفصح للقادة السوفييت عن ذلك أثناء اجتماعه بهم في شباط فبراير 1970 ، تلك السياسة التي كان قد أرساها خروشتشوف في العام 59. كنت أعتقد أنني على وعي تام بأهمية تلك الوحدة إلى أن شنّ علي بعض أدعياء الماركسية المفلسين في المغرب حملة شعواء، وبكلام سوقي لا يحط إلا من قدر أصحابه، جعلتني أعيد النظر في أهمية الوحدة العضوية للثورة الاشتراكية لأجدني لم أعطها الأهمية الكاملة التي تستحق، ولأجدها تصل لأن تكون العلامة الفارقة التي تميّز الشيوعي الحقيقي عن الشيوعي الدعيّ الزائف. كان زعماء الأممية الثانية قد أُتهموا لينين بالارتداد عن الماركسية لأنه قال فقط أن الثورة الإشتراكية يمكن أن تنطلق من المركز الرأسمالي الأضعف دون أن يتخلى عن مركزية الثورة الاشتراكية. نحن اليوم نواجه أدعياء الماركسية يتهموننا بالردة لأنهم تخلوا عن مركزية الثورة وباتوا يؤمنون بثورة اشتراكية في الأطراف قبل أن تقوم في المركز وهذا مثير للسخرية حقاً على الأقل وهم الذين ما زالوا يؤمنون بأن العالم ما زال محتفظاً ببنيته الخلوية الرأسمالية، بنية المركز والمحيط أو الأطراف كما كان الحال في عهد الإمبريالية، ويتحدثون عن ثورة اشتراكية في أحد الأطراف لتمتد وتحاصر المركز الرأسمالي الإمبريالي وتخنقه !!
من مكتشفات كارل ماركس الهامة هو أن النظام الرأسمالي وخلافاً لكل الأنظمة السابقة له هو نظام عالمي يحتضن العالم كله ويؤثر بمجريات الحياة في مختلف المجتمعات البشرية فيه حتى غدا الأجر الفعلي للعامل المصري ينخفض كلما أصدرت الولايات المتحدة مزيداً من الدولارات. ولذلك قال ماركس تقوم الثورة الاشتنراكية في مركز العالم لتنتشر أمواجها دون توقف في سائر أجزاء المعمورة. لينين لم يخالف القاعدة الماركسية لكنه أضاف أن المركز لا يجب أن يكون تحديداً في ألمانيا أو بريطانيا المتقدمتين في التطور الرأسمالي بل يمكن أن يكون في روسيا الأقل تطوراً لكن حيث البروليتاريا أقوى شكيمة وأكثر تنظيماً ومتقدمة في الوعي الثوري على نظيرتيها في ألمانيا وفي بريطانيا كما أكد في خطابه في افتتاح المؤتمر الأول للأممية الثالثة في مارس آذار 1919. لم يتجاوز لينين تلك القاعدة الماركسية الخاصة بمركزية الثورة، ومع ذلك ثار عليه كاوتسكي وبليخانوف واتهموه بالمغامرة. لم يسبق أن تنازل أي ماركسي عن مركزية الثورة الاشتراكية فهي حجر زاوية من زوايا الماركسية. مركزية الثورة الاشتراكية تتأتى من أن المجموع الكلي لقوى العمل التي تتم المتاجرة بها من قبل الرأسماليين من خلال تحويلها إلى بضاعة لتحقيق فائض القيمة هو الأعظم في المركز الرأسمالي إذ فيه فقط يبلغ التناقض بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج مداه الأعلى لتحدث الثورة. لينين لم يأت بجديد في نظرية " الحلقة الأضعف " إذ كان كارل ماركس قد أشار إليها في مقدمة الطبعة الألمانية للبيان الشيوعي في العام 1872 إذ قال أن شرارة الثورة الاشتراكية يمكن أن تقدح في روسيا. صحيح أن المجموع الكلي لقوى العمل موضوع المتاجرة الرأسمالية لم يكن في روسيا أعلى منه في بريطانيا أو في ألمانيا غير أن البورجوازية الروسية لم تكن النقيض المكافئ للبروليتاريا الروسية خلافاً لما كانت عليه الأحوال في بريطانيا وفي ألمانيا حيث ظلت قوى البورجوازية أكثر تنظيماً وأعلى كفاية من قوى البروليتاريا كما ثبت ذلك في القضاء على الجمهورية السوفياتية في بافاريا/ألمانيا في العام 1919.
ينبري اليوم بعض أدعياء الماركسية المفلسين يقولون أن الثورة الاشتراكية يمكن لها أن تبدأ من الأطراف لتحاصر المراكز لأجل أن تثور البروليتاريا فيها وتستولي على السلطة، وأول هؤلاء المفلسين هو الدكتور سمير أمين الذي لا يقول هذا القول إلا ليتجاوز الإفلاس الذي ألمّ به على حين غرة لدى انهيار الاتحاد السوفياتي ـ بالرغم من أنه كان يدين نظامه دون أن يحكم بانهياره ـ وتسطيح العالم بانهيار النظام الرأسمالي وعولمته المرافقة !! يذهب مذهب سمير أمين زمر من المتمركسين المغاربة ومن بعض الشيوعيين القدامى الذين يميزون بين العمل الشيوعي والعمل الوطني. هؤلاء المفلسون يعارضون ماركس ولينين معارضة كلية (diametrically)، وهم مفلسون ليس لأنهم لا يدركون طبيعة العلاقات الدولية وعلاقات الانتاج القائمة اليوم فقط بل لأنهم قبل ذلك لا يفهمون طبيعة الثورة الاشتراكية. الثورة الاشتراكية تقيمها البروليتاريا حصراً ووفق شروط معينة وليس غير البروليتاريا على الإطلاق، والأطراف تخلو دائماً من البروليتاريا الحقيقية فعمالها بصورة عامة ليسوا من البروليتاريا طالما أن الصناعات فيها كالصناعات الاستخراجية تعتمد على تقسيم العمل الذي يحافظ على الطابع البورجوازي. ومجموع قوى العمل موضوع متاجرة الرأسماليين والكومبرادور فيها ليس ذا شأن في مجمل الإنتاج الوطني. فمن إذاً سيقوم في هذه الحالة في أي طرف من الأطراف بثورة اشتراكية؟ هل يقوم بالثورة الاشتراكية مثقفو الطبقة البورجوازية الوضيعة الموصوفون باليساريين وهم بالتحليل الأخير آخر وأشرس أعداء الاشتراكية، وقد انهار مشروع لينين على أيديهم !ّ؟ الأدهى من كل ذلك هو أن هؤلاء الذين يتحدثون عن ثورة اشتراكية في الأطراف هم أنفسهم يصرخون عالياً من هول العولمة. والعولمة كما هو في عرفهم على الأقل تحوّل العالم كله إلى قوام واحد ليس له مركز أو أطراف، وبذلك ينتفي الحديث عن ثورة في الأطراف تحيط بالمركز وتخنقه. وهل لهم أن يقولوا بأن ثورة اشتراكية يمكن لها أن تقوم في أي مكان في العالم لتنتشر دون مقاومة في العالم كله طالما أن العالم من قوام واحد وبدون حدود اقتصادية على الأقل تمنع انتقال الثورة من مكان إلى آخر !؟ ليس هذا أثقل من كلام صبية لم يتعلموا بعد الدروس الأولية في السياسة.
عندما كان هناك معسكر اشتراكي وكان هناك اتحاد سوفياتي بدولة دكتاتورية البروليتاريا بقيادة ستالين كمركز يضج بالثورة وقد أثبت ذلك في الحرب العالمية الثانية وبرز كأقوى قوة في الأرض، توفرت إذاك فرصة حقيقية لأي طرف في العالم، حتى بغياب ثقل بروليتاري وازن، أن يلتحق بالمعسكر الاشتراكي وبالثورة الاشتراكية إعتماداً على الأساس الصلب الذي شكله المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفياتي. وهكذا التحقت الصين وكوريا في شرق آسيا وكذلك عدد من دول شرق أوروبا. بل هناك حقيقة أساسية لم يتوقف عندها أحد بحدود ما أعلم تتعلق بمصائر الدول التي فكت روابطها مع المراكز الرأسمالية خلال حركة التحرر الوطني التي امتدت منذ العام 1946 وحتى العام 1972 والتي انضوت في كتلة متناسقة سمت نفسها بعد مؤتمر باندونغ 1955 " دول عدم الانحياز ". البورجوازية الدينامية التي قادت معركة التحرر الوطني العالمية وعملت على تنظيم مؤتمر عدم الانحياز في باندونغ لتخلق قوة عالمية ثالثة محايدة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، تلك البورجوازية كانت تخطط لترسي وجودها في جبهة ثالثة على تنمية اقتصادية مستقلة على النهج الرأسمالي. مثل هذا المخطط لم يكن متاحاً على الإطلاق إذ أن أي تنمية حقيقية وذات شأن فيها كان لا بدّ لها من أن تستورد تقنياتها إما من السوق الرأسمالية الدولية أو من المعسكر الاشتراكي. الدول الرأسمالية لم تكن تسمح بتنمية مستقلة في الدول التي انفكت عنها وهو ما من شأنه أن يرسّخ استقلال هذه الدول ويحرم المراكز بالتالي نهائياً من محيطاتها. أما استيراد التقنيات المطلوبة من المعسكر الاشتراكي فكان من شأنه أن يربطها نهائياً بالمعسكر الاشتراكي ويستورد الاشتراكية في جوف التقنيات الواردة إليها في نهاية المطاف. مثالنا على ذلك مصر الناصرية التي بدأت معادية للمعسكر الاشتراكي أكثر من معاداتها لمعسكر الامبريالية ثم بدأت تنعكس الأمور شيئاً فشيئاً بعد أن سدت الامبريالية الطريق على تنميتها حتى باتت قبل رحيل ناصر على علاقة وثيقة جداً بالمعسكر الاشتراكي، بل وتعلن عن نظام اشتراكي فيها. منظومة دول عدم الانحياز ما كانت لتبقى على عدم انحيازها بسبب عجز بنيتها الذاتية، فمنها ما كان سيستمر في إنجاز تنمية حقيقية ولا خيار أمامه إذّاك سوى أن يلتحق بالمعسكر الاشتراكي مثل مصر والجزائر وسوريا ومنها ما لا ينقطع نهائياً عن معسكر الامبريالية مثل السعودية والباكستان. كان ذلك في معرض التحقق لكن انهيار المعسكرين وضع حداً لمثل هذا التطور، وانتهت مصائر هذه الدول إلى الوقوع في قبضة عصابات ليست معنية سوى بابتزاز امتيازات لرئيس وأعضاء العصابة دون أن تعنى بأية تنمية حقيقية، ومثالنا على ذلك هو الجمهوريات العربية بمختلف تلاوينها، ومثلها في أمريكا اللاتينية قبل ثلاث عقود.
جميع أولئك الذين يذهبون مذهب تثوير الأطراف، أي فرض الاشتراكية على الأطراف كاستراتيجية للنضال السياسي، أو أولئك الذين يعملون على تحسين أحوال الجماهير وإصلاح شروط العيش لإقامة ما يسمى بالعدالة الاجتماعية في الأطراف أيضاً، إنما هم من مفلسي البورجوازية الوضيعة يعيشون في عالم آخر يتخيلونه قابلاً لتحقيق تصوراتهم المريضة. العالم اليوم هو على عكس ما يتصورون، مسدودة نوافذه نحو التطور ويغيب شبح الثورة تماماً عن سمائه. هؤلاء القوم يعانون من علتين، الأولى تتمثل في فقر استيعابهم لعلم الماركسية، والثانية هي الكراهية المطلقة للولايات المتحدة لدرجة أن مختلف برامجهم السياسية تبدأ وتنتهي بكراهية أمريكا. بسبب هاتين العلتين بصورة رئيسية يقصّرون في إدراك ميكانزمات التطور الإجتماعي وبذلك تغيب عن أبصارهم الحقائق الرئيسة الجامدة التي تشكل العالم الحالي بمختلف تجلياته.
ثمة نفر مفلسون تماماً في علوم الماركسية حصراً، ولا يردعهم إفلاسهم عن تجاوز لينين، يتحدثون عن مرحلة رأسمالية أخرى تخلف الإمبريالية وأعلى منها هي العولمة. ما كانوا ليقولوا هذا القول السخيف لو كان لديهم معلومات أولية عن نقد ماركس للنظام الرأسمالي. يمسكون العصا من طرفيها ويتحدثون عن العولمة الأميركية. المعنى المباشر لعبارة " العولمة الأميركية " هو أن المؤسسات الرأسمالية رحلت من أميركا إلى ما وراء البحار، أي أن الرأسمالية الأميركية تفتت وانتثر فتاتها في بلدان أجنبية أخرى. لكن هؤلاء المفلسين، وبفعل كراهيتهم للولايات المتحدة ليس إلا، يتخلون عن كل تعقّل ويصفون الشيء بنقيضه فيقولون بالعولمة الأميركية الرأسمالية الإمبريالية !! كيف للرأسمالية الأميركية تنتقل إلى سنغافورة مثلاً وتبقى أمريكية مع ذلك !؟ كيف للرأسمالية الأمريكية ترتحل إلى سنغافورة وتزاوج بين الإثنتين زواجاً مثلياً لتكون كلتاهما، أميركا وسنغافورة، رأسماليتين علماً بأن ألفباء الرأسمالية تقطع بتنافرهما. الإفلاس الفاضح لهؤلاء يقول أنه طالما مالك أدوات الانتاج العاملة في سنغافورة يحمل جواز سفر أمريكي فالرأسمالية هي أمريكية وإن تكن عاملة في سنغافورة !! بل وتبقى أمريكية وإن حصل المالك على جواز سفر سنغافوري، ولو حتى شاركه مالك سنغافوري !! إلى هذا الحد تعمل كراهية إميركا الموروثة من خمسينيات وستينيات القرن الماضي !!
الرأسمالية لا تتحدد جنسيتها بجنسية مالك أدوات الإنتاج ولا بجنسية مدراء الانتاج بل بجنسية المجتمع العاملة فيه. فمؤسسة رأسمالية تعمل في سنغافورة يمتلكها عدد من الأمريكان ويديرها عدد آخر مثلهم وفيها عشرات العمال من سنغافورة هي بالقطع مؤسسة رأسمالية سنغافورية. العملية الرأسمالية بمجملها هي منتج اجتماعي وليس فردياً بحال من الأحوال. كل المجتمع في سنغافورة شارك في إنتاج المصنع وانعكست القيمة الاستعمالية لمنتوجاته على الشعب في سنغافورة لتغرس فيه عادات الانتاج والاستهلاك لمنتوجات المصنع على الطريقة الرأسمالية، وحتى تصدير المنتوجات إلى الولايات المتحدة فذلك يعني استهلاك الأمريكان لقوى العمل السنغافوري ودفع قيمتها. العملية سنغافورية بكليتها. ويحضرني هنا إشارة لينين في كتابه " الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية " إلى أن الإمبرياليين ومن خلال تصديرهم لرؤوس الأموال بحثاً عن أرباح جديدة في المستعمرات إنما يقومون بتطوير الاقتصاد في المستعمرات من خلال إقامة مؤسسات رأسمالية وتحويل قوى عمل مهدورة فيها إلى بروليتاريا وأشباه بروليتاريا نابضة بالثورة. لكن كارهي أميركا يصرون على اعتبارها أميركية ليبرروا كراهيتهم وإفلاسهم بالتالي. وبذلك تنقلب العولمة لديهم من انهيار للنظام الرأسمالي إلى إنبعاث متجدد له وتنقلب تبعاً لذلك الدولة التي فكت روابطها مع مراكز الرأسمالية لتعود محيطات كما كانت عليه سابقاً حتى وبالرغم من أن ليس هناك في المركز إنتاج ليفيض ويدور فيها لتعود محيطاً بلا وظيفة ومستعمرة بلا استعمار، لتعود مصر تابعة لبريطانيا وسوريا تابعة لفرنسا وتشيلي تابعة للولايات المتحدة ــ أي إفلاس فكري يصل المرء إليه !!
أحد المتمركسين المفلسين المغاربة قال بأنه لا يتوقف عند انقلاب عصابة خروشتشوف على مسار الإشتراكية في سبتمبر ايلول 1953 الذي كان المؤتمر العام التاسع عشر للحزب قد حدده في نوفمبر تشرين الثاني 1952 بحضور ستالين، كما لا يتوقف عند مؤتمر الخمسة الأغنياء (G 5) في رامبوييه في نوفمبر 1975ــ الأول عني بإدارة انهيار الاشتراكية والثاني بإدارة انهيار الرأسمالية. عجباً ! ما الذي يتوقف عنده مثل هذا المهرج المتمركس طالما أنه لا يتوقف عند انهيار الاشتراكية أو عند انهيار الرأسمالية !!؟ هو يقر بأن الاشتراكية انهارت لكنه لا يعرف لماذا !! كيف يعرف أنها انهارت طالما أنه لا يعرف لماذا!؟ وإذا ما وجد نفسه مرغماً على ذكر الأسباب تبريراً لجلال علمه الماركسي لذَكَر مائة سبب وسبب لكن ليس منها الصراع الطبقي وهو السبب الوحيد الذي حذّر منه ماركس وإنجلز ولينين وستالين لأن من شأن ذلك أن يورطه ويفضح سطحيته وفقره الماركسي. يقر بانهيار الاشتراكية لكنه يرفض رفضاً باتاً الإقرار بانهيار الرأسمالية وذلك لأن انهيارها من شأنه أن ينهي مهنته السياسية لأنه لم يتعلم إلا مقاومة الرأسمالية الإمبريالية. هو يدافع عن تهريجه فيدعي بأنه يناضل ضد الكومبرادور وكلاء الامبريالية في المغرب بهدف إقامة الديموقراطية الشعبية وتحسين أحوال الشعب وإقامة العدالة الاجتماعية !! ليس ثمة من شك في أن مثل هذا التهريج لو قيّض له أن يتحقق ـ وهو لن يتحقق لآن مسمياته ليست في الأرض ـ لساءت أحوال الناس وزاد عدد الفقراء. في الخمسينيات والستينيات قدمت حركة التحرر الوطني العالمية ألوف الشهداء من أجل التحرر الوطني وفك التبعية للمركز الرأسمالي وطرد رؤوس أمواله العاملة في البلد. اليوم تتبارى الدول من أجل عودة رؤوس الأموال الأجنبية للتوظيف فيها سعيا للتنمية وإيجاد الوظائف للعاطلين عن العمل في حين أن أصحاب رؤوس الأموال يعزفون عن ذلك رغم كل التنازلات والإغراءات التي تقدمها الحكومات. هل للمتمركسين المغاربة أن يدعوا رؤوس الأموال الأجنبية لتوظيفها في المغرب وتمكين الكومبرادور فيه، أم أنهم سيطردون الكومبرادور لترحل معهم رؤوس أموالهم وبذلك يتراجع الإنتاج الوطني بنسبة كبيرة قد تصل إلى 30% ويتضاعف بذلك أعداد العاطلين عن العمل ويستفحل الجوع. الخياران كلاهما مرٌّ ويحتمهما الغياب الكلي لمركز عالمي لثورة اشتراكية كمثل ما كان الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي. ما يعيب المتمركسين المغاربة هو تناسيهم انهيار المعسكر الاشتراكي وتجاهل أثره على شيوعيي العالم. كان المهمة الأولى والأخيرة لشيوعيي العالم في الشرق كما في الغرب هي استكمال مشروع لينين في الثورة الاشتراكية العالمية الذي أعلنه في مارس آذار 1919 وتشكيل الأممية الثالثة التي انضوت إليها جميع الأحزاب الشيوعية في العالم بل تشكلت أصلاً تلبية لندائها. تلك كانت مهمة الشيوعيين في العالم فما عساها تكون مهمة الشيوعيين المغاربة وغير المغاربة اليوم بعد الانهيار التام لمشروع لينين ؟؟ يبدو أن مهماتهم تحولت إلى مهام وطنية لا علاقة لها بالشيوعية كما تحولت الأحزاب الشيوعية الأخرى. ليس لأحد أن يحجر على عواطف المثقفين المغاربة كيلا يتحولوا من متمركسين إلى وطنيين إصلاحيين بفعل الشفقة على فقراء المغرب، ولن نناقشهم عندئذٍ في سياساتهم وحول الموارد التي يمكنهم استخدامها في تحسين حياة الفقراء، بل لعلنا نقدر فيهم مثل هذه العواطف الإنسانية حتى وإن كانت في غير مكانها وعديمة الجدوى. أما أن يحولوا الماركسية الثورية إلى إصلاحية تصالحية فلن يكون ذلك إلا خروجاً على الماركسية وابتذالها أسوأ ابتذال ولن تعود الماركسية تتعرّف عليهم. ولنا أن نؤكد هنا لهؤلاء المفلسين أن الديوقراطية الشعبية التي يستظلون تحت رايتها لا تقوم في الأطراف بغير حراستها من قبل قوى خارجية كما كان الاتحاد السوفياتي يحرس الديموقراطية الشعبية في دول أوروبا الشرقية. واليوم ليس من حارس خارجي لأي ديموقراطية شعبية. كيف لهؤلاء القوم يقطعون بعدم تخليهم عن الماركسية ويدللون على ذلك باستخدام المنهج الماركسي في تحقيق أهداف ليست ماركسية !!؟ ما يعلمه العامة حتى من غير الماركسيين هو من يحمل صفة الماركسي لا يحيد عن هدف الثورة الاشتراكية العالمية. ما نحن فيه اليوم هو أن بعض المتمركسين المغاربة وفلول أحزاب الأممية الثالثة التي لم تتفكك بعد ينافقون فيعلنون ماركسيتهم من فوق منابر بورجوازية !! وحين نناشدهم أن ينزلوا عن المنابر البورجوازية كي يبحثوا معنا عن المنبر الاشتراكي لا نلقى منهم سوى الشتائم والكلام السوقي الرخيص.
كثيرون من أنصاف الماركسيين وماركسيي البورجوازية الوضيعة يرون أن منطلقات ماركس نحو بناء عمارته الماركسية الباسقة كانت الحس الإنساني الرفيع لدى ماركس وتعاطفه مع الفقراء والمساكين والانتصار لهم. لو كان هذا صحيحاً لارتسم كارل ماركس كاهنا كاثوليكياً أو لتحول إلى كاتب مثل شارلز ديكنز، ولما ظل لثلاثين عاماً حبيس مكتبة المتحف البريطاني وبيته يبحث في مسارات النظام الرأسمالي ويقلّب أحشاءه تنهشه وعائلته أنياب الجوع والحرمان لمجرد أنه يتعاطف مع الفقراء ــ وكان الأولى به أن يتعاطف مع زوجته وأطفاله ــ لكن ماركس الشاب عني بالفلسفة فأخذ من هيغل الديالكتيك وأخذ من فيورباخ المادية ليكتشف الحقيقة المطلقة التي هي النهاية الحتمية لكل الفلسفات منذ بداية التاريخ والمتجسدة بالقانون العام للحركة في الطبيعة النافذ من خلال قوانينه الثلاث المعروفة. وبذلك استطاع ماركس أن يقبر كل الفلسفات السابقة وأن ينقل الفلسفة من مجرد التبصر والتأمل في ظواهر الحياة لاستيلاد أفكار جديدة إلى دائرة العلوم وخضوع كل كائنات الطبيعة لقانون واحد هو قانون الديالكتيك العام. قانون الديالكتيك العام هو الحقيقة المطلقة التي لا تفنى مع فناء الأكوان
سرعان ما أدرك ماركس بعبقريته الخاصة أن قانون الديالكتيك العام هو المفتاح السري (Master Key) الذي يفتح كل المغاليق في الحياة ويكشف أسرارها. فتح ماركس مغاليق عديدة في حياة البشرية. فتح باب التاريخ وكشف عن محركة وهو الصراع الطبقي ولذلك قرر أن الصراع الطبقي ينتهي فقط بدكتاتورية البروليتاريا. وفتح باب النظام الرأسمالي وقلّب أحشاءه الدقيقة فوجد أن قلبه النابض بالحياة هو "فائض القيمة" وأن إنتاجه الجمعي سينتهي حتماً إلى الشيوعية. وفتح سر اغتراب الحيوان الإنسان فوجده العلاقة الديالكتيكية بين الحيوان المتأنسن وأدوات الإنتاج وأن الإنسان المفكر إنما هو الإبن الشرعي لأدوات الإنتاج. عمارة الماركسية ذات شرفات عديدة لم يطل الإنسان بعد من العديد من شرفاتها. ولذلك يمكن القول أن يكون المرء ماركسياً حقيقياً ويمتلك المفتاح السري العام وهو قانون الديالكتيك العام فذلك يعني أنه مؤهل للإجابة على جميع الأسئلة المطروحة على البشرية والتي يمكن أن تطرح في المستقبل. وهنا تستوجبنا الإشارة إلى أن بعض أدعياء الماركسية تورطوا في أنشطة سياسية بادعاء أنهم استشرفوها من إحدى شرفات الماركسية دون أن يكون ذلك صحيحاً أو أنهم مصابون بقصر النظر. ماركس الذي يظل حيّاً ينبض بالثورة في مختلف المجتمعات البشرية مهما تقدمت أو تراجعت ينكر قطعاً أولئك الأدعياء قصيري النظر الذين يخرج بعضهم لمنازلة الإمبريالية بعد أن رحلت الرأسمالية من مراكزها التقليدية وتوزعت في كل أجزاء العالم كما في العولمة فغدا العالم كله "امبريالياً" والبعض الآخر يذهب بعيداً ليحارب وراء حماس والجهاد الإسلامي في غزة وفلسطين والبعض الثالث تتملكه الشفقة على فقراء بلاده فيكرس جهوده لمحاربة الفقر والأخذ بيد الفقراء لتحسين أحوالهم المعاشية.
أكبر عائق للعمل الشيوعي اليوم هو هؤلاء الأدعياء قصيرو النظر الذين يأخذون ماركس إلى أماكن غريبة عليه لم يخطر بباله أن يزورها يوماً وأن يتعرّف على سكانها. كل المغاليق التي فتحها ماركس بمفتاحه السري أشارت دون مواربة إلى أن البشرية تتجه مسرعة إلى الثورة الاشتراكية والحياة الشيوعية. قد تنحرف في منزلقات طارئة لكن قاطرة التاريخ لا تلبث أن تأخذ سكتها الرئيسة مسرعة نحو الشيوعية. هكذا قال ماركس.
www.fuadnimri.yolasite.com
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شهادة الشيوعيين
-
الجمود العقائدي
-
لماذا يغير المثقفون قناعتهم
-
الساقطون الهاربون من انهيار مشروع لينين
-
لينين باقٍ في التاريخ
-
الإسلام كما القومية لا يمتلكان فكراً
-
رسالة إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني
-
شبح الشيوعية لم يعد يحوم في السماء
-
عن أي يسار يكتب كتبة اليسار !؟
-
مواجهة مع أحد المرتدين
-
نهاية إقتصاد السوق
-
رفيقنا الشيوعي الأميز علي الأسدي
-
ليست الأخطاء هي التي أفشلت الاشتراكية
-
العمل الشيوعي في عالم خارج التاريخ
-
في نقد الإشتراكية السوفياتية
-
من الديموقراطية إلى الشيوعية
-
خيانة الاشتراكية وانهيار الإتحاد السوفياتي
-
دور النقد في انهيار الرأسمالية
-
المثقفون وسقوط التاريخ
-
اللغو البغو تلغيه وقائع التاريخ
المزيد.....
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|