|
وللجيوش العربية نصيبها من -الربيع العربي-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3551 - 2011 / 11 / 19 - 14:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أوَّلاً، إنَّني لستُ من الذين تغشى أبصارهم، وتَسْتَبِد ببصائرهم، الأوهام الإيديولوجية في ما يَخُصُّ الجيوش (وسائر الأجهزة والمؤسسات والقوى الأمنية للدول، وللعربية منها على وجه الخصوص) والتي في مقدَّمها أنَّ الجيش هو مؤسسة للوطن والأمَّة، تُدافع وتذود عنهما في مواجهة كل معتدٍ خارجي، مِهَنية القلب والقالب، بمنأى عن السياسة، منزَّهة عن الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع (السياسي) في المجتمع، وتَقِف على المسافة نفسها من كل أطراف هذا الصراع.
وأحسبُ أنَّ "الكتائب الأمنية" للقذافي، تكويناً ووظيفةً سياسيةً، تَصْلُح تعريفاً للجيوش والمؤسسات العسكرية العربية، من حيث الجوهر والأساس، وفي الأزمات وأوقات الضيق والشِّدة على وجه الخصوص؛ فما أنْ ينفجر صراع الوجود بين الشعب وحاكمه (أو نظام الحكم الدكتاتوري الفردي العائلي الفئوي) ويتخطَّى الطرفان في صراعهما هذا نقطة اللاعودة، حتى يتأكَّد ويَثْبُت بما لا يدع مجالاً للشك أنَّ الجيش ليس للشعب، وإنْ جاء منه، منفصلٌ، وممعنٌ في انفصاله، عن المجتمع؛ إذا انحاز إلى الشعب فلا ينحاز إليه إلاَّ من طريق الانشقاق؛ فهو، وبصفة كونه مؤسسة، يظل على انحيازه إلى نظام الحكم.
والمؤسسة العسكرية، في كثيرٍ من الدول العربية، هي المجال الذي فيه تتصالح وتلتقي مصالح نظام الحكم الدكتاتوري مع مصالح قوى غربية في مقدَّمها الولايات المتحدة؛ ولقد رأينا في تجربة الثورة المصرية كيف أنَّ الولايات المتحدة، وبما تملك من نفوذ واسع في داخل المؤسسة العسكرية المصرية، وفي رأس الهرم منها على وجه الخصوص، قد حسمت الصراع (بين الثورة ونظام حكم مبارك) في مرحلته الأولى، بما أنهى حكم مبارك، وأسَّس لقيام حكم بونابرتي، يقوده المجلس العسكري الأعلى بزعامة طنطاوي وعنان.
وها نحن نراها الآن وهي تسعى إلى جَعْل المؤسسة العسكرية المصرية، التي تصول وتجول فيها، الموضع الذي فيه تتركَّز السلطة الفعلية والحقيقية في البلاد؛ وكأنَّ الشعب مع ثورته الرائدة يجب أنْ يظل خاضعاً لوصاية العسكر الأبدية.
هذا المجلس العسكري يتحدَّث إلى الشعب وثورته وكأنَّهم قوم من الأغبياء، فيقول لهم (عبر ما يقرِّر ويُشرِّع) إنَّني أسبغت عليكم نعمة التخلُّص من الدكتاتور حسني مبارك، وسُقْته إلى المحكمة، فانهوا الثورة، وعودوا إلى بيوتكم، واستأنفوا حياتكم الطبيعية، وامنحوني من السلطات والصلاحيات ما يجعل "الدولة المدنية (الديمقراطية)" التي تريدون دولةً للوصاية العسكرية الأبدية عليكم!
وفي سورية رأينا الجيش (حُماة الديار) على حقيقته العارية من الأوهام الإيديولوجية والقومية؛ فهو، تكويناً ووظيفةً سياسيةً، لا يعرف من عدوٍّ حقيقي له إلاَّ الشعب، إذا ما ثار على الحكم الدكتاتوري لعائلة الأسد، وقد ثار؛ يقاتِل الشعب بـ "بسالة منقطعة النظير"؛ لأنَّ لديه من الدوافع والحوافز ما يجعله في هذه الحال في قتاله الشعب؛ أمَّا في جبهات القتال ضدَّ العدو الحقيقي (القومي) وهو إسرائيل فلا يبقى من "أسديته" إلاَّ ما يقيم الدليل على أنَّه مؤسسة فاسِدة بمعيار القيم والمبادئ القومية التي تتلفَّع بها.
والمأساة تَعْظُم؛ لأنَّ مصير الدول والأوطان والشعوب في كثيرٍ من بلادنا العربية يبدو، مع اشتداد الصراع بين الشعب ونظام الحكم الدكتاتوري، وثيق الصلة بمصير الحاكم نفسه؛ وإنَّه لسؤال جدير بالطرح والإجابة أنْ نسأل "لماذا تغدو الأوطان والمجتمعات العربية عرضةً للتمزُّق، والدول عُرضةً للانهيار، مع سقوط الحاكم، أو مع دنوِّه من السقوط؟".
واليوم، أسمع بشار الأسد يقول لكل من يهمه الأمر، في داخل سورية وفي خارجها، إنَّ بقاء سورية من بقائي، فاشتروا بقاء سورية بهذا الثمن، أي ببقائي سيِّد البلاد والعباد؛ فإذا أبيتم فلن أغادر سدَّة الحكم في سورية إلاَّ بصفة كوني آخر رئيس لهذه الدولة!
وبشار يَعْرِف خيراً من سواه ما الذي ينبغي له عمله وفعله من أجل جَعْل سورية قلعةً ديمقراطية وقومية في مواجهة كل المتربِّصين بها شرَّاً؛ لكنَّ مأساة هذا "المُصْلِح الافتراضي" تكمن في كونه يقود نظام حكم هو، لماهيته وخواصه الجوهرية، عُرَضة للهلاك والسقوط إذا ما تناول أقل جرعة من الإصلاح السياسي والديمقراطي؛ ولو كان هذا الرجل صادقاً في مزاعمه الإصلاحية؛ لكنَّه محاصَر، مغلوب على أمره، مقيَّد اليدين، على ما يَزْعُم بعض الزاعمين، لغادر دمشق طالباً اللجوء السياسي في دولةٍ ما، ولأعلن من هناك أنَّ مراكز القوى في نظام حكمه هي التي حالت بينه وبين "الإصلاح"!
إنَّ "الدولة المدنية" هي غاية ثورات الربيع العربي؛ وأحسبُ أنَّ "إصلاح"، أيْ "إعادة بناء"، الجيوش والمؤسسات العسكرية العربية هو شرط أوَّلي لجعل هذه الدولة حقيقة واقعة تنبض بالحياة.
الجيش يجب أنْ يُعاد بناؤه بما يجعله خاضعاً لسلطة الشعب عبر ممثليه المنتخَبين في حرية، وفي طريقة ديمقراطية؛ يُحْظَر عليه، دستورياً، التورُّط في أيِّ نزاع أو صراع سياسي في داخل البلاد؛ وأحسبُ أنَّ خير إصلاح للجيش يتأتَّى من طريق جَعْل الخدمة العسكرية بلا أجر أو راتب؛ فهذه الخدمة يؤدِّيها كل مواطِن مؤهَّل لتأديتها، وبما لا يُحوِّلها إلى وظيفة دائمة، يتقاضى صاحبها راتباً شهرياً؛ فهذا "التحوُّل" هو ما يؤسِّس لظاهرة الجيش المنفصل عن المجتمع.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عرب 1916 وعرب 2011
-
بديل بشَّار.. نصفه فولتير ونصفه بيسمارك!
-
إيران.. هل أزِفَت ساعة ضربها؟
-
كيف تفهم الولايات المتحدة -الربيع العربي-؟
-
اكتشفوا أنَّ -الربيع العربي- ليس -ثورة-!
-
أردوغان التونسي!
-
-البحرين- بميزان -الربيع العربي-!
-
-الحركة الطبيعية- و-الثلاثية الهيجلية-!
-
رسالتان متزامنتان!
-
هذا هو جسر الانتقال إلى الديمقراطية!
-
وفي القصاص حياة!
-
في الأردن.. إصلاحٌ يحتاج إلى إصلاح الحراك!
-
-الوسطية- في مناخ -الربيع العربي-
-
أوباما الذي -تَغَيَّر- ولم -يُغَيِّر-!
-
شعوب الغرب.. إلى اليسار دُرْ!
-
د. زغلول النجار يكتشف إشارة قرآنية إلى -النسبية-!
-
-11 أيلول ثانٍ- ضدَّ إيران!
-
حتى يُزْهِر الربيع العربي الدولة المدنية!
-
من اقتحام -السفارة- إلى هدم -الكنيسة-!
-
هذا -الخَلْط- بين -الجاذبية- و-التسارُع-!
المزيد.....
-
أحمد الشرع: سنشكل حكومة شاملة وسنعلن في الأيام المقبلة عن لج
...
-
مراسم يابانية قديمة لجلب الحظ والسلامة البحرية في فوكوكا
-
القسام تؤكد مقتل قائد أركانها محمد الضيف ونائبه وعدد من أعضا
...
-
وزير الدفاع اليوناني يطلب رسميا من سفيرة فرنسا توضيحات حول ص
...
-
ترامب يعرب عن تعازيه إثر مقتل روس في تحطم طائرتين بواشنطن وي
...
-
صحيفة تكشف التقارير الأخيرة لجهاز استخبارات بشار الأسد قبل س
...
-
السفارة الروسية في واشنطن: نعرب عن تعازينا بضحايا حادثة الطا
...
-
مرتضى منصور يهدد ترامب: التراجع أو المحاكمة أمام الجنائية ال
...
-
وكالة: الشيباني يشارك في مؤتمر دولي حول سوريا في باريس
-
واشنطن تخطط لتفجير اختباري للبلوتونيوم العسكري
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|