|
عندما يضحك الوطن...
نزيه كوثراني
الحوار المتمدن-العدد: 3532 - 2011 / 10 / 31 - 23:50
المحور:
الادب والفن
القارب المتماوج ..الظلام ورائحة البحر ... أية صدفة عمياء جعلتني امسك بالقطعة الخشبية وأنا اصرخ في وجه الوطن واضع أمام عينيه جثث أصدقائي الذين خنقهم البحر . إن الحياة ستكون صعبة علي أكثر من ذي قبل ..فذكرى الجثث ستظل وشما محرقا في ذاكرتي ..رايتهم يموتون ..يخنقهم الوطن في عرض البحر . لكن لم استطع أن افعل أي شيء ..كم كنت نذلا وجبانا وإلا كيف أفسر الخوف ورعب الموت الذي جعلني امسك بالقطعة طالبا النجدة ..النجدة بكل ما املك من قوة في الصراخ . قبل ذلك بوقت غير قصير كان الجو رومانسيا كما يقول الناس ببلادة . سمعت من الكثيرين على القارب أنهم لا يعرفون السباحة ..وأنهم لأول مرة يركبون البحر . القارب ..الماء المتماوج والخيالات السعيدة ( سأجد عملا وأوفر النقود ..هذه هي فرصة العمر ..سأنقد عائلتي من الفقر والجوع . أه المنزل أولا سأبنيه على شكل حديث ..وإذا أراد الله أن يكمل علي نعمه قد أجد نصرانية وأتزوجها وبذلك ستحل مشكلة الوثائق القانونية ..ما في ذلك شك ..سأكون سعيدا في مدن ايطاليا أو فرنسا ..المهم هناك ..تجرأت أكثر وحسمت علاقتي بالوطن ..لن أعود سأرسل من هناك المال للعائلة وأعيش حياتي دون خوف من الفقر والتعذيب... ) كما تغتصب الفرحة في عمق الإنسان أو تفجر أحزان غامضة حالة من البكاء المشحون بالصمت الظاهر الأقرب إلى الذهول والغليان الداخلي ..هكذا مزق البحر خيالاتي السعيدة .القارب يتمايل بفعل الماء الذي شرع في التدفق .. سرى الخوف والرعب في أعماقنا إلى درجة الارتباك كان الموقف واضحا بان القارب سيختفي ..تكلمت عيوننا ..قلنا أشياء كثيرة كأننا نودع أسرارا غامضة وسرية جدا ..بدا لي الوطن صغيرا وحقيرا ..بصقت في وجهه ..رميته بأبشع النعوت البذيئة وطن أنت أم قطة تفترس صغارها . هل قلت هذا الكلام حينئذ أم للذكرى وجه أخر أكثر عنفا وعذابا ما اذكره جيدا صرخات الحياة التي تنبعث من أعماقنا..النجدة النجدة... لا اعرف كم من الوقت مر وآنا أصارع من اجل البقاء . وهل كنت أصارع حقا أم أن الخوف ولد في نفسي دوافع غامضة ..فظللت امسك بالقطعة الخشبية المنحوسة التي أرادت أن أبقى شاهدا على غدر الوطن . كنا نصرخ والوطن قريب منا يضحك ..أما حين بد أ يتثاءب فقد كان الماء المالح قد أنهى خنق عشرة أرواح فقيرة . تذكرت النقاشات الطويلة التي كانت تدور بيننا في مدينة سيدي بوزيد حول حقنا في الشغل وما فائدة شواهدنا الجامعية التي لا تستطيع أن توفر لنا لقمة العيش الكريم . صراخ مصطفى قوي في ذاكرتي وهو يشتم غار ودي وغيره من الأجانب الذين أعلنوا إسلامهم . ولا يغفل في أخر كلامه أن يشجعنا على فعل مثل باقي الأصدقاء الذين تمكنوا من الهرب إلى هناك عبر قوارب الموت ( سعيد ونور الدين والآخرون غيروا أسماءهم وربما حتى ديانتهم ..انتم في الحقيقة لا تستطيعون المغامرة في هذه الحياة ) لم نكن نترك له فرصة إهانتنا ..نعرف حبه لنا لكن شيئا في أعماقنا يدفعنا إلى الرد عليه وبتحد عنيف ( هنا ولدنا وهنا سنموت في البؤس أو السعادة ..لا يهم الكرامة أولا ولتذهب ايطاليا وفرنسا إلى الجحيم ...) وعندما يلاحظ أن النقاش بلغ درجة من الحدة والصراخ يصمت . أما إذا تكلم عمر بصوته الخشن ( هنا سال الدم ومن أراد أن يخون فليذهب ) فانه ينسحب وعلامات الحزن لا تفلح الابتسامة العرجاء في إخفائها . لسوء حظي صادفتني سفينة ضخمة ..أكلت وشربت بعد أن غيرت ملابسي . تساءلت في نفسي لماذا هذا الموت الذي يخطف الأرواح لا يستطيع أن يقف في طريقي هل تخطيته. النصارى في السفينة كرماء ..وهذا البحر وطني يخنق أبناءه في مقتبل العمر ..ضحكت من نفسي ومن الخرافات البلهاء التي جالت في ذهني حول البحر والوطن . تمنيت لو كنت ضمن الجثث أسهل علي من حمل أرواح أصدقائي . وإذا كنت إلى الآن لا أستطيع أن أفسر لماذا واجهت من اجل البقاء فاني أيضا لا اقدر على إخفاء ضعفي وانكساري في عرض البحر . عندما سألوني عن جنسيتي هززت راسي جهة الوطن ..ودارت عيونهم معي تحدق في الفراغ ..كان الوطن يضحك بسخرية قاسية ..ويتلمظ كوحش أنهى فرائسه ...
#نزيه_كوثراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تونس تمهل..ولاتهمل
-
الاحذية
-
الحفاة والكنغر
-
يوميات عاشق =1) الامل الشاق
-
لعبة الاواني
-
اسئلة التمدن في السؤال الفلسطيني 2
-
اغتيال
-
اسئلة التمدن في السؤال الفلسطيني
-
الكينونة والعدم
-
مثقف المعارضة العربية
المزيد.....
-
نجوى كرم تثير تفاعلا بسبب العلم السوري وتعثرها على المسرح في
...
-
تركي آل الشيخ يشوق متابعيه بالمزيد من كواليس فيلم -Seven Dog
...
-
وفاة فنانة سورية شابة بعد تعرضها لأزمة صحية (صورة)
-
وفاة فنانة سورية.. أدركت موتها قبل أيام بمنشور على فيسبوك
-
هآرتس: مدينة -تل أبيب- التوراتية لم توجد قط
-
تمتلك أسرار ثروة ضخمة.. الممثلة السعودية ريم الحبيب بمسلسل -
...
-
طهران.. مهرجان فجر السينمائي منصة فنية مهمة في المنطقة
-
سقوط -شمس الأغنية- على المسرح وحملها علم الثورة السوري يثير
...
-
أزياء وفنون شعبية وثقافة في درب الساعي
-
رحيل أسامة منزلجي.. رحلة حياة في ترجمة الأدب العالمي
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|