|
العام الدراسي الجديد همسة دافئة
عزت فائق ابوالرُب
الحوار المتمدن-العدد: 3496 - 2011 / 9 / 24 - 01:24
المحور:
الادب والفن
العام الدراسي الجديد2011م همسة دافئة --------------------------- من أعز الناس؟
بقلم/ عزت فائق أبوالرب
في أفياءِ زيتونةٍ فتيةٍ غضة الإهاب ، جلست أنشد المتعة والمعرفة بقراءة ما هو جديد ، حاملاً قلمي أقتنص به ما لذّ وطاب من ملحٍ وطرف ونوادر. و كعادتي أكتب أحسن ما قرأت وأحفظ أحسن ما كتبت و أحدث بأحسن ما حفظت إذا ما نضج و حان أوانه . لم أك بدأت القراءة بعد ، و ما زلت في الغلاف أتأمل البحر والشمس فيه ، و(أهمهم) بالانتقال إلى الفهرس لأنتقي موضوعاً ما أبدأ به جولتي مع كتاب الدكتور عبد الرحمن صالح العشماوي ( علاقة الأدب بشخصية ألأمة ) . و بالكاد ما إن قلبت صفحة الغلاف حتى تسلل إلى مسمعي صوت طفولي د فيءٌ و رخيمٌ يهفو حيياً في مساء هذا اليوم الحار و يقول : ماذا اشتريتِ للمدرسة ؟ فتجيب باقتضاب : ملابس و قرطاسية ، ولكن أبي اشترى لأخي الذي سيدخل المدرسة أشياء وأشياء يريد ؛ أن يشجعه ، ويحببه بالمدرسة، فهو خائف ولا يريد الذهاب إلى المدرسة . رفعت رأسي ، قرأت العنوان مرةً أخرى : ( علاقة الأدب بشخصية الأمة ) . سألت نفسي : أو ليس الأدب مرآة العلم ؟ فمن أولى الناس به إن لم يكن المعلم ؟ ألا يفترض أن يكون المعلم أديباً وليس العكس ؟ كيف لا وبين يديه عصب الأمة ؟ هذه الغراس التي في طوْر التشكيل والبناء، أليست أحوج ما تكون إلى معلمٍ أديبٍ ، و مربٍ شفوقٍ، وصديقٍ صدوق ؟ يقيل العثرة ويغفر الزلة ويعرض عن العبث و شقاوة الجاهلين . و لِمَ لا يكون كذلك و هو يملك العزة والجاه والسلطان ؟ وقد شهد بذلك شاهد من أهله ، فاقرأ وتأمل ماذا قال الخليفة المأمون للفرّاء وقد و كّل إليه ولديه يلقنهما النحو و يؤدبهما . فلما أراد القيام يوماً ابتدرا إلى نعله فقدَّم كل واحد فردة . بلغ ذلك المأمون فقال : [ لن يكبر الرجل عن تواضعه لسلطانه و أبيه ومعلمه ] .وذات يوم سأل المأمون الفراء فقال : من أعزّ الناس؟ قال الفراء : أمير المؤمنين . قال المأمون : بل أعزّ الناس من إذا قام أبتدر إلى نعله ولدا أمير المؤمنين . معلمي،عزيزي ، أيتها القامة الشامخة السامقة : الرسالة سامية والشأو بعيد ، فأنت زيتونة الوطن أصلها ثابت وفرعها في السماء ، عليك المعوّل في بناء أجيال واثقةٍ معتدةٍ بنفسها ، معتزةٍ بقيمها ووطنها ، غير مهزوزةٍ و لا مهزومة . و من هنا حيث أنت واقف في باب المدرسة وغرفة الصف تُغرس المثل العليا والقيم وحب الوطن ... هنا وعلى يديك تُنمّى الفضيلة وتُحارب الرذيلة ... هنا من بين هذه الجدران التي بك تزدان يخرج القادة والعظماء... هنا تستعد الأمة للنهوض ويُرسم المستقبل ، وتُشاد الدول .
فأنت أيها المعلم رائد أمة، والرائد لا يكذب أهله ، أودعناك ثمرات قلوبنا ، وبهجة مجالسنا ، ورياحين دنيانا ، صفحةً بيضاء ناصعة ، مقبلةً عليك بأحاسيسها وجوارحها، تلقط منك كلّ شاردة وواردة . ترى فيك مثلها الأعلى ، فأحبُّ لهِْوِهم إليهم مدرسة يتخيلونها ويتحلقون فيها ، يتقمصون فيك كل بسمة وكلمة وحركة ، يحاكونك فعلاً وقولاً ، إنهم رَجْعك وصداك ، ولا إخاله يغيب عنك ما قاله عقبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده : [ ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بنيّ إصلاح نفسك ، فإن أعينهم معقودة بعينيك ، فالحَسَنُ عندهم ما استحسنت والقبيح عندهم ما استقبحت ، وكن كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء ] . مشى الطاووس يوماً باختيالٍ فقلد شكل مشيته بنــــوه فقال عــلام تختالــون قالـــوا سبقت به ونحن مقلدوه وينشأ ناشــئ الفتيــان فـيـــنا على ما كان عوده أبوه
معلمي وقدوتي:أنت مثلي الذي احتذي به ، ولك عندي ما لك من قداسةٍ وعلو شأن ، فأي صورةٍ في ذاكرة الإنسان والمكان تكون لك حين تمزج حُنُو الأبوة وشرف العلم بإحساس الأديب الشفاف و مسئولية المربي . وأي شرفٍ و فضلٍ هذا الذي تتركه لبنيك والأجيال والوطن. على مثل هذا يُغبط الرجال. فصورتك تنمو في ذاكرتي يوماً بعد يوم، ومع أفول آخر يومٍ مدرسي تكتمل الصورة وتظهر على صفحتي البيضاء كما أنت رسمتها ولونتها و لكن بأناملي أنا حينما كانت طوع يديك لينةً طرية ، فاختر الصورة التي تحب أن ترسمها لنفسك، وستجدني وفياً أميناً احتفظ لك بالمضحك والمبكي والمفرح والمحزن ، أتلمّس بصمتك هنا وأثرك هناك ، أتنسم عبق المكان الذي مررت فيه بين أصدقائك الطلبة الذين يتحرقون شوقاً إليك ، يتمنون أن يضموك إذا ما التقوك ، ولكن هيبة العلم وجلال السلطان تجعلهم أمامك تلاميذ مهما كبروا وتعاظموا . فلا تعجب في إطلالة عامهم الدراسي الجديد إن حيَّوْك على استحياء بابتسامة بريئة و وجوه مشرقة، وكأنّ لسان حالهم يقول : معلمي ، (عدتَّ والعود أحمد ) ، وكل عام وأنت بخيرٍ وألف خير .
ملاحظة: نشرت في جريدة القدس يوم الجمعة الموافق23/9/2011م بعنوان :( الأدب وشخصية الأمم).
#عزت_فائق_ابوالرُب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث
...
-
وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه
...
-
تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل
...
-
تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون
...
-
محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا
...
-
الفيلم الفلسطيني -خطوات-.. عن دور الفن في العلاج النفسي لضحا
...
-
روى النضال الفلسطيني في -أزواد-.. أحمد أبو سليم: أدب المقاوم
...
-
كازاخستان.. الحكومة تأمر بإجراء تحقيق وتشدد الرقابة على الحا
...
-
مركز -بريماكوف- يشدد على ضرورة توسيع علاقات روسيا الثقافية م
...
-
“نزلها حالا بدون تشويش” تحديث تردد قناة ماجد للأطفال 2025 Ma
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|