|
دولة الدين القائد
مالوم ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 3469 - 2011 / 8 / 27 - 10:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتميز الدول العربية على اختلاف أنظمتها واختلاف ديانات مكوناتها بأنها أنظمة تستند على الدين في صياغة دساتيرها وتشريع قوانين أنظمتها القضائية والاجتماعية والتربوية ووضع قواعد السلوك العامة التي يجب على المواطنين الالتزام بها ومراعاتها في كافة فعالياتهم الإنسانية، الدين الإسلامي هو الصفة التي تكاد تكون مشتركة بين الدول العربية حتى لو كانت الدولة علمانية، فالإسلام يأخذ دور الصدارة ويفرض ثقله وجبروته على المواطنين كقواعد عليا تتحدد وفقها الثقافات وقواعد السلوك والمسموح والممنوع. في الدول العربية الدين وليس الشعب هو مصدر السلطات، منه وعلى ضوئه تُستمد وتُستنبط وتُسن القوانين ، فالحقوق والواجبات والعلاقات والعقوبات والزيجات تتحد ليس وفق نظام حقوقي مدني يلاءم مصالح الناس وينسجم مع روح العصر انما مع ما يتلاءم وينسجم ولا يتناقض مع الدين. المشرع القانوني والحقوقي قبل إن يشرع أو يلغي قانونا أو حقا، يتوكل على الله ويسبح باسمه ويحمده ويبذل قصارى جهده إن لا يكون قد ألغى قانونا إلهيا وحقا إسلاميا مثل قانون تعدد الزوجات ونكاح ما ملكت الأيمان أو قوانين الإرث الذي يمنح الرجل ضعف حق الأنثيين وغيرها. وان استدعت الحاجة وتطلبت الضرورة تشريع قانون جديد، فيسعى المشرع إن لا يثير زوبعة ولا عاصفة تغضب كبار رجال الدين وتخالف فتاويهم وأحكامهم فيحرص كل الحرص على ان لا يكون القانون المزمع تشريعه متناقضا مع أحكام الشريعة الإسلامية المنصوص عليها بالقرآن والسنة و فتاوى رجال الدين إذ إن الحكم في الدول العربية هو حكم كما أراد الرب وليس كما راد الشعب,
ورغم إن اغلب الدول العربية ليست دول دين أو مذهب واحد، فمكوناتها أطياف متعددة من الديانات والمذاهب والاعتقادات، ولا يشكل فيها المؤمنون إلا أقلية ضئيلة، إلا إن الدين الإسلامي ينفرد ويستأثر وحده بالقيادة ويفرض شروطه واعتباراته ومعروفه ومنكره على الجميع بشكل دكتاتوري تعسفي. ليس على الآخرين، متدينيين أو غير متدينين إلا الإذعان والطاعة! ان الدول العربية كما هي عليه الآن هي دول لا تختلف من حيث الجوهر عن دولة الحزب القائد الدكتاتورية.إذ يسمح بتعدد الأحزاب لكن يسلب منها كل حق في مزاولة العمل بحرية ويسن القوانين التي تحد من نشاطاتها ويحاول الإساءة إليها وتهميش أتباعها ويحدد حرياتهم ويضيق على ممارسة نشاطاتهم. لذلك ولان الدين في جوهره ليس سوى وسيلة إخضاع وتسلط باسم الله ، نجد إن الأحزاب العربية الحاكمة وحتى غير الحاكمة تؤكد على تمسكها بالدين وثوابته ويعلن قادتها عن إيمانهم وعدم مخالفتهم لشرائع الله ولا لسنة نبييه، فهم سيجدون في الكتاب والسنة كل ما يسرهم ويرضي خواطرهم ويبرر نزعاتهم في التسلط والاستبداد. إن ظهور صدام ألبعثي في قاعة المحكمة التي أُقيمت له وهو يتأبط القرآن يشير بوضوح إلى إن الدين يمكن إن يكون مهربا وغطاء لأكثر الناس إجراما وقسوة وفظاعة، فلقد تعاطف معه الكثيرون من الذين يؤمنون بالقران والسنة النبوية ومنحوه المغفرة وادخلوه الجنة. لقد ارتكب صدام اشد الجرائم همجية بحق المواطنين العراقيين بعد إن أصبح مؤمنا يصلي ويصوم ويقرأ القرآن ويطلع على سنة النبي محمد، فجدع الأنوف وصلم الأذان ووشم الجباه بعلامة الناقص وقطع الأطراف حسب الحدود التي نصت عليها الشريعة الإسلامية. أفلا يثير الاستغراب والشكوك انه ولحد ألان لم تُوجه تهمة لأي شخص، طبيب كان أو رجل دين أو حتى بعثي ساهم أو أفتى أو شارك بارتكاب هذه الجرائم المسماة إقامة الحدود الإسلامية والتي تحط من قدر ومكانة وكرامة الإنسان وتحيل آلاف الضحايا إلى مرضى نفسيين يعانون طول العمر خطأ قد يكونوا ارتكبوه؟ إن محاكمة الذين قطعوا وصلموا وجدعوا والحقوا الإعاقة والعجز بآلاف من الناس، تعني أيضا محاكمة الشريعة التي نصت على إنزال مثل هذه العقوبات الهمجية بحق الناس ووجوب تغييرها وعدم احترامها واعتبارها انتقاصا ومساسا بكرامة الإنسان. لذلك تتجنب حكومة الإسلام السياسي ما استطاعت الدخول في هذه المعمعة، فهي إن فعلت ستسوق الشريعة الإسلامية نفسها إلى قاعة المحاكمة وتضع الأحزاب التي تنادي بتطبيقها تحت طائلة الاستجواب. فأن كانت هذه العقوبات همجية بشعة فهل هي كذلك لأنها طبقت على الشخص الخطأ أم أنها بطبيعتها وجوهرها بشعة وهمجية رعناء؟ أنها بشعة وهمجية لأنها كذلك مظهرا وجوهرا فلا يوجد عاقل يرتضي إن تطبق بحقه مثل هذه العقوبات الدموية إن هو ارتكب خطأ يوما ما.
إن فصل الدين عن السياسة لا يكفي لتحقيق العلمانية إنما يجب فصل الدين عن القانون. كما يجب حماية القانون من تأثيرات العادات والتقاليد الدينية الموروثة، فإذا كانت قوانين الحريات العامة وقوانين الأخلاق وقواعد السلوك العامة والزواج والطلاق والميراث والممنوع والمسموح وتنظيم الحياة تستند على تشريعات الدين وتسن وفق فتاوى رجال الدين ووفق الموروث، فأي علمانية تلك التي نتحدث عنها، وأي تغيير تستطيع إحداثه في المجتمع ليكون مجتمعا حرا غير مكبلا بسلاسل المحظورات؟
#مالوم_ابو_رغيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل سكب بشارالأسد الماء على لحيته؟
-
هل يمكن للشيوعي ان يكون مسلما؟
-
الدولة السنية والشيعة والتاريخ.
-
الاخلاق والاسلاميون
-
رئيس الجمهورية وأحكام الإعدام
-
قمع واساليب دكتاتورية لحكومة تدعي الديمقراطية
-
الاحزاب الاسلامية والثورة المصرية
-
العالم يقف احتراما لشعب مصر.
-
تجربة الفساد العراقية الرائدة
-
شكرا شعب تونس
-
الإرهاب كفكرة إسلامية مقدسة
-
قائمة مختلفة للمبشرين بالجنة
-
فضائية من اجل تحريك الركود العقلي.
-
وعاء الثقافة الإسلامية الفاسد
-
لقد أسكرهم الدين ولم يسكرهم الخمر.
-
مجزرة كنيسة سيدة النجاة والإسلام.
-
العراقيون ووثائق ويكيليكس
-
الحوار المتمدن في ألق متواصل.
-
السنة والشيعة وعائشة
-
البغاء وأنكحة المتعة الإسلامية
المزيد.....
-
ماذا قالت أمريكا عن مقتل الجنرال الروسي المسؤول عن-الحماية ا
...
-
أول رد فعل لوزارة الدفاع الروسية على مقتل قائد قوات الحماية
...
-
مصدران يكشفان لـCNN عن زيارة لمدير CIA إلى قطر بشأن المفاوضا
...
-
مباشر: مجلس الأمن يدعو إلى عملية سياسية شاملة في سوريا بعد ف
...
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|