|
خصائص الشخصية التراجيدية الإغريقية
منال محمود فوده
الحوار المتمدن-العدد: 3414 - 2011 / 7 / 2 - 18:28
المحور:
الادب والفن
من خلال كون التراجيديا "وصف لمحاولة الإعلاء والتسامي الفردي لإنجاز مهمة اجتماعية أو أخلاقية، ويواجه فيها البطل التراجيدي بتحديات تدمره بواسطة القدر، نتيجة خلل غير معروف في شخصيته، ويتطلب هذا أن يحتل البطل مكانة سامية لا يتنازل عنها، ويوجه نحو هدف نبيل ثم يسقط ويدمر"، من خلال هذا الإجمال يمكن فرز مقومات شخصية البطل التراجيدي في الآتي: • النسب الملكي إن البطل التراجيدي الإغريقي في الغالب ينحدر من سلالة الملوك، هذا إذا لم يكن من سلالة الآلهة مثل "ميديا" Medea أو "هرقل" Heracles أو "برومثيوس" Prometheus. فلا نجد بطلا تراجيديا إغريقيا من عامة الشعب أو من أبناء الطبقة الوسطى أو الفقيرة. فإن "المأساة العائلية أشبه بالمستحيلات عند الإغريق" وهذا النسب الرفيع يضفي على الشخصية نوعاً من الجلال والعظمة منذ الوهلة الأولى؛ فكل من "اورستيس" و "أوديبوس" و"انتيجوني"، ومن يشابههم من شخصيات بارزة، هي شخصيات مهيبة في نسبها. ونتيجة لهذا النسب الرفيع والمكانة الجليلة يتأكد لدى معظم النقاد أن مشاعر الشفقة والخوف التي يثيرها العمل لا تنشأ من عطفنا على الشخصية، وذلك لأن شخصيات بهذا الجلال لا يمكن أن تثير فينا شيئاً من الرأفة ، فهي تبدو بالنسبة لنا وكأنها تقف في مستوى أعلى منا، مستوى يجعلهم أشبه بأنصاف الآلهة، وبالتأكيد لن يرأف البشر بحال الآلهة. ولكن يتأتى التطهير Catharsis عن طريق إثارة عاطفتي الشفقة والخوف من "إحساسنا بالهوة العميقة التي تقع بهذا البطل أو ذاك من عليائه، نتيجة السقطة الدرامية وكيف يتحول من السعادة إلى الشقاء، وكيف يتحول هذا الجلال والهيبة إلى ضعف وانكسار أو ما شابه ذلك، ويزيدنا تأثراً بهم تلك القوة وهذا الجلد الذي يواجهون به مصيرهم التعس". • السمو إن البطل التراجيدي الإغريقي لابد وان يتمتع بالسمو والنبل، حيث أن الأفعال العظيمة تقوم بها شخصيات عظيمة، فلا يمكن أن تكون شخصية البطل متدنية أخلاقيا أو اجتماعيا، أو ما إلى ذلك، فإن هذا يبتعد تماما عن مجال الدراما الإغريقية. وقد أكد أرسطو على ضرورة اتصاف الشخصية التراجيدية بالسمو والاقتراب من الفضيلة بشكل كبير، حتى المرأة أو العبد اللذين كانا يعتبرا في منزلة أدنى من الرجل في ذاك الوقت، من الممكن أن يتصفا بالسمو إذا اقتضى الأمر. فـ"أوديبوس" رجل فاضل وقور محبوب من الشعب بأجمعه، وكذلك يتمتع كل من "اورستيس" و"الكترا" و"انتيجوني" بالسمو والجلال النابع من طبيعتهم الملكية ونسبهم الأصيل، وكلها شخصيات طيبة محبوبة فاضلة ليس بها ما يسيء اليها أخلاقيا. أما ميديا فبالرغم من كل جرائمها، فإنها ذات أصل الهي سام.ويؤكد د. احمد عتمان في وصفه لأبطال يوربيديس أن ميديا نبيلة رغم كل شيء
• السقوط الدرامي: والمثال السابق لـ"ميديا" يتطرق بنا الى إن اتسام الشخصية بالسمو والنبل لا يعني أنها منزهة عن كل خطأ؛ فقد أكد ارسطو وشراحه على أن الشخصية "تقترب" من الفضيلة ولكنها ليست بالفاضلة كلية. كما أن تلك الشخصية لا تقع في الخطيئة نتيجة لرذيلة تعيبها، وإنما بسبب سوء تقدير للأمور أو سوء فهم، وهو ما يسمى بـ"السقطة الدرامية" أو الهمارتيا Hamartia أو Tragic Flaw . وغالبا ما كانت الشخصية التراجيدية تقع في "الهمارتيا" نتيجة لعدم التوازن؛ فإن أي شخصية تتصرف تبعا لمشاعرها الجياشة كانت غالبا ما تعاقب أو تطاردها الأرواح المنتقمة. وينتقد دريني خشبة تصنيف ارسطو للشخصية الدرامية من حيث أنها ليست بالخيرة تماما ولا بالشريرة تماما فيقول "فأي شر في أوديبوس يوجب أن يشقى كل هذا الشقاء الذي حل به؟ ثم هذا اورست الذي قتل أمه وعشيقها، أي شر فيه وقد ثأر لأبيه الذي قتلته هذه الأم وصان كرامة بلاده من هذا العشيق. ثم هذا هيبوليتوس الذي أبى أن يخون أبيه ..ماذا صنع ليستحق هذا الشقاء.. ثم لماذا لا يكون البطل منطويا على الشر المحض.. كيف تناسى ارسطو ميديا وما كان من أمرها حين خانت بلادها وقتلت أخاها لا لشيء إلا لتتزوج من جاسون النازح الغريب. ثم بعد ما آل إليه أمرها حين هجرها جاسون فقتلت أبناءها نكاية في أبيهم، فماذا من الخير يمكن ان يكون في هذه المرأة". ولكن من الممكن أن نسترشد هنا بمسببات الوقوع في الخطأ التي وردت في "فن الشعر"، والتي يتضح منها أن البطل التراجيدي مهما كان خيرا فلابد له من سقطة تنبع من طبيعة شخصيته توقعه في الخطأ، وهذا ينبع من طبيعة البشر أنفسهم، لأن الخيّر المطلق "ملاكا" والشرير الصرف "شيطانا" والاثنين لا يندرجا تحت بند البشر، وبالتالي لا تنبع منهما الشخصية التراجيدية، فالإنسان لابد أن يتولد بداخله صراعا ناشئ من تضارب بذور الخير والشر في اعماقه، وانتصار إحداها يصنفه إما صالحا وإما طالحا.كما أن الخلل الذي يقع فيه البطل لا يكون بسبب أهداف شريرة، فإن "أوديبوس" على سبيل المثال دفعه مزاجه الاندفاعي الحاد وثقته الزائدة بنفسه إلى الوقوع في الخطأ، ولم يقع فيه نتيجة شر كامن في نفسه. ويتأكد ذلك من خلال رأي د.محمد حمدي إبراهيم حين يقول "إن البطل التراجيدي عند الإغريق ليس معصوماً من الخطأ رغم حكمته وسموه، ولكن وعيه الزائد بمعرفته، ومحاولته الانسلاخ من بشريته إلى مصاف الآلهة يجعلانه يقع في الإثم ويضعان على عينيه غشاوة من الغرور والغطرسة". فإن كبرياء "انتيجون" و"كريون" وتمسك كل منهما بموقفه في عناد وتحدي ساق كل منهما إلى نهاية مظلمة. و"ميديا" التي يستشهد بها دريني خشبة هي حالة خاصة جدا – من وجهة نظري – وذلك لأن طبيعتها الأساسية كامرأة بارعة في اعمال السحر قد تكون من الأسباب التي دفعتها لارتكاب هذا الكم الهائل من الجرائم في سبيل حبها، ثم في سبيل انتقامها. فليس من الطبيعي ان يقدم شخص ذو عقلية عادية وامكانات طبيعية على هذا كله، ولكن ميديا كانت ذات قدرة على التحايل واستخدام قدراتها الخاصة في تنفيذ رغباتها، وقد يكون هذا هو سبب خطيئتها، وهو تذليل كل شيء في سبيل الحصول على ما تريد دون النظر في عواقب الأمور، وهذا فيه أيضا قدر من المبالغة والتسرع والتهور.ويتأكد هذا عند Mitchell-Boyask الذي يرى ان ميديا قد تتساوى مع انتيجون في البطولة؛ حيث ان رغم كونها تبدو شخصية مرعبة فإنها مقارنة بفعلة بأخلاق جاسون المشينة لديها اعتبارات اخلاقية واضحة تحافظ عليها. لقد قامت بدورها كأم وربة منزل، ولكنها رفضت ان تتحمل الخيانة دون رد فعل قوي. ولكن لا يعني هذا ان "ميديا" شخصية سوية او ان افعالها مبررة منطقيا، ولكنها من النماذج المسرفة في رد فعلها والتي تحكم عواطفها بشكل اساسي في افعالها، وعلى هذا يمكن أن نعتبرها شخص مأساوي Tragic Figure- على حد تعبير Kitto - أكثر من كونها بطل تراجيدي Tragic Hero. وهذا يظهر بوضوح في أعمال يوربيديس؛ حيث انه يعتمد على اللحظات العاطفية العنيفة والقوية بغض النظر عن كونها مبررة منطقيا. كما أن يوربيديس لم يجعل "نصف شخصياته أخيار والنصف الآخر أشرار، بل ترك كلا الجانبين يقرر حالته، ويترك المتفرج فريسة للدهشة والحيرة من جراء الصراع الانفعالي بينهما. ومما يضفي بعدا من السمو والرفعة أيضا هو تحمل البطل مسئولية سقطته الدرامية، وتقبل العقاب المقدر عليه دون خوف أو إشفاق منه. فإن على البطل - كما يقول "إدجار" في مسرحية "الملك لير" King Leer- "عليه أن يتحمل ذهابه من هذا العالم كما تحمل حضوره إليه". فلا نجد "انتيجون" تولول وهي تساق الى الموت رغم حزنها الشديد على زهرة عمرها التي ستزف للموت بدلا من الزوج. فهي تودع حياتها بحزن جليل. • التوافق بين الشخصية وصفاتها الفطرية لقد أكد بعض النقاد على ضرورة التزام كل جنس (رجل- امرأة) بطبيعته الفطرية التي جبلته عليها الطبيعة؛ فلا تتميز المرأة بصفات الرجل مثل الخشونة أو الجسارة الفائقة، ولا يتصف الرجل بصفات المرأة كالضعف والتردد مثلا. ولكني اعتقد في أن معظم الشخصيات البطولية التي عرفناها في الأدب الإغريقي قد خرجت عن هذه القاعدة، وأخص بالقول الشخصيات النسوية؛ فها هي "ميديا" بها قدر من الوحشية يفوق الرجال، وكل من "الكترا" و"انتيجون" بهما جلد وإصرار وتمرد وعدم استسلام يشابه مواقف الرجال في أحسن صورها البطولية، كذلك "كليتمنسترا" Clytemnestra تتصف بقوة وجرأة الرجال؛ فهي تخون زوجها في غيابه وتتخذ عشيقا، ثم تقتله بعد عودته دون تردد،"فتبدو أمامنا عظيمة كعظم اللعنة"، فأي صفات فطرية يمكن أن تكون تلك النساء قد خلقت عليها؟ ويؤكد "تمبر لاك" Timber Lake أن التراجيديا الإغريقية لا تقلل من شأن المرأة، ومن الخطأ أن نحاول تصوير المرأة في المعالجات المعاصرة على أنها لطيفة، حيث إن المرأة لها قدرات مرعبة ولديها الشجاعة على القيام بأعمال بشعة".وبشكل عام، فقد صورت المرأة في الدراما الإغريقية من وجهة نظر ذكورية كانت تهدف لتحجيم دور المرأة والإقلاق من شأنها على كافة المستويات . واعتقد أن هذا الرأي ينسحب أيضا على تراجيديات يوربيديس مثل "فيدرا" و"ميديا"؛ حيث صورت فيهما مدى انجراف البطلة وراء قوة العاطفة، مما يدفعها دفعا إلى التهلكة. ويؤكد هذا توجه "جاسون" Jason في مسرحية "ميديا" عندما يقرر التخلص منها لتعارضها مع مصالحه ومصالح ابنائه كما يراها، دون أدنى اهتمام بها أو بمشاعرها، بل إنه يغفل كيف ساندته ويرجع الفضل للآلهة وحدها دون "ميديا". وهذا المنطلق الذكوري في عرض الشخصيات يبلور النظرة للمرأة آنذاك، حتى بالنسبة لشاعر مثل "يوربيديس" الذي كان أقرب ما يكون لتصوير كوامن المرأة وتحليل مشكلاتها النفسية العميقة. • التماثل بين قول الشخصية وفعلها يجب أن تتوافق الشخصية في قولها وفعلها؛ بمعنى أن تلتزم بموقف واضح ومحدد، وتعبر عنه تعبيرا إيجابيا بالقول والفعل ، لأن فعل الشخصية لو تضارب مع قولها خرجت الشخصية مضطربة، غير مقنعة، لا تصلح أن تكون شخصية بطولية. كما انه لا يصلح أن تتحول الشخصية فجأة وبدون مبرر منطقي من موقف إلى نقيضه؛ فالثبات على المبدأ أمر ضروري، وهو من السمات التي تدفع الشخصية دفعا إلى مصيرها. فها هي انتيجون التي تصر على موقفها حتى النهاية وتفنى في سبيله بشجاعة، لو ترددت أو تراجعت لخرجت من مصاف الأبطال التراجيديين. وها هو "أوديبوس" يصر على موقفه في ضرورة التوصل للحقيقة مما دفعه في النهاية للهلاك. ومن الممكن أن نقول إن التحول النهائي في موقف "كريون" في مسرحية "انتيجوني" يضعف – ولو بقدر ضئيل- من شخصيته، ويخرج به هذا عن مصاف الأبطال التراجيديين، ولكن لا يطغى هذا العنصر تماما على سماته الأخرى التي ترفع من شأنه ليقترب من الأبطال الحقيقيين. وكما يؤكد "كيتو" Kitto فإن المسألة ليست مسألة صراع شخصي بين طرفين، وليس مسألة من منهما البطل، وإنما يرقى الأمر الى صراع القوانين الإلهية والبشرية، مما يخرج بهما عن التفسير الأولي لسمات البطل. كذلك شخصية مثل "اسميني" التي تحاول في النهاية أن تساند أختها "انتيجوني"، فإن هذا الموقف لا يرتقي بها لدرجة الأبطال. • قانون الضرورة والاحتمال من العنصر السابق يتراءى لنا ضرورة خضوع بناء الشخصية لقانون الضرورة والاحتمال في أفعالها، حتى تكون مقنعة وتسير وفقا لمنطق الأمور؛ فتتابع أفعالها يجب أن يكون منطقي وغير مضطرب وواضح، وأن تؤدي المقدمات للنتائج، فلا تقوم الشخصية بأفعال غير مبررة، أو أفعال لا أهمية لها ولا تساعد في تعميق الأثر الدرامي. فلا نشهد في الأعمال الكلاسيكية الإغريقية مشاهد مقحمة على العمل، أو أفعال زائدة عن تلك التي تصل بالبطل إلى النهاية المحتومة. غير أن "يوربيديس" يخرج بنا عن قانون الضرورة والاحتمال في "ميديا"؛ حيث لا تتولد الأحداث بشكل منطقي، خاصة النهاية التي لا تنبثق عن تطور منطقي للحدث يمضي داخل إطار الضرورة والاحتمال، "وإنما يقدمها يوربيديس عن عمد على أنها محصلة أفكاره، فهي تجسيد لقوة من تلك القوى المتسلطة على الطبيعة البشرية،إنها رمزا لفكرة مأساوية، إنها كتلة من العناصر المأساوية أكثر من كونها بطلة تراجيدية. • النهاية الدرامية إن نهاية البطل الدرامية ليس من الضروري أن تكون الموت، ولكنها تكون نهاية مأساوية بشكل أو بآخر؛ فقد يكون الموت في بعض الأحيان نهاية طبيعية لا تتسم بالطابع التراجيدي ومن ثم لا تثير أي مشاعر تجاهها. فإن نهاية أوديبوس في "أوديبوس ملكا" لم تكن الموت ولكنها كانت نهاية أكثر عنفا من الموت. كذلك فإن نهاية انتيجون بالموت تكرمها ولا تعاقبها. كما يمكن أن نعتبر النهاية التي لقيها "كريون" في المأساة نفسها نهاية مأساوية؛ بعد أن فقد ابنه وزوجته نتيجة تعنده في مواجهة القوانين الإلهية. وكبره أمام الاعتراف بضعف قوانينه أمام تلك القوانين الخالدة التي يقدرها الإنسان اليوناني أكثر من الآلهة ذاتها؛ بمعنى "أن الآلهة عند الإغريق لم تكن خالدة، وإنما كان الخلود للقوانين". أما "ميديا" التي فرت هاربة بمساعدة جدها اله الشمس بعد انتقامها من جاسون وقتل ابنائها، وكأن الآلهة تبارك فعلتها، فإنها تنهي العمل في قمة الانفعال الدامي، وهذه النهاية التي لجأ فيها يوربيديس للتدخل الإلهي - وهي النهاية التي كان مغرم باستخدامها- يجعل من النهاية صدمة بالنسبة للمشاهد، والجدير بالذكر في هذه المناسبة أن تركيز يوربيديس على استخدام العواطف بشكل أساسي في مسرحياته جعلتها ذات تأثير انفعالي واضح في الجمهور، مما دفع ارسطو نفسه للقول "ولو إن تأليف يوربيديس غير جيد إلا انه اعظم شاعر تراجيدي". ولكن هناك استثناء آخر للنهاية الدرامية يطل علينا في ثلاثية "الأورستيا"، فنرى في نهايتها "اوريست" ينال الغفران من الآلهة ولا يعاقب، وينهي مأساة أسرة "أتريوس" Atreus كلها بعد سلسلة الكوارث التي مرت بها. وبذلك تكون نهايته ليست مفجعة، وإنما هي نهاية تكشف للمشاهد العدالة الإلهية وترضي مفهومه عن حكمة الآلهة، بعد المعاناة الشديدة التي عاشها كل أفراد تلك الأسرة الملعونة. هذا إذا تعاملنا مع "الأورستيا" كعمل واحد. أما إذا تعاملنا مع كل مسرحية على حدى فسنلحظ أن في كل نهاية يلقى البطل نهاية متوافقة مع جنس عمله؛ فها هو "أجاممنون" Agamemnon في المسرحية التي تحمل اسمه يلقي مصرعه على يد زوجته وعشيقها جزاء لما اقترفه من تقديم ابنته "إيفيجينيا" قربانا للآلهة. وفي "حاملات القرابين" Choephoroi يصاب "اورستيس" بلوثة عقلية نتيجة قتله لأمه. وفي "الصافحات" Eumenides ينال الصفح بعد معاناة طويلة مع ربات الانتقام. والجدير بالذكر في هذا الصدد أن ربات الانتقام لدى الإغريق كانت تسعى دائما وراء من ارتكب جريمة في حق ذوي رحمه؛ وقد لجأت "كليتمنسترا" لهذا المبدأ لتبرر انتقامها من "أجاممنون". ولهذا تسعى ربات الانتقام أيضا وراء "اورستيس" لقتله أمه، بينما لم تسعى وراء كليتمنسترا لأن زوجها لم يكن يرتبط معها بصلة الدم. وهذا المبدأ يستثنى في مسرحية "ميديا" حيث لا تسعى الآلهة للانتقام من ميديا التي تقتل اطفالها، وقد كان لـ"يوربيديس" قصد خاص بهذا؛ حيث يريد التأكيد على "إلى جانب وجود الآلهة وعدالتها المعروفة، هناك قوى أخرى أكبر تسيطر على الأشياء لا نستطيع فهمها، هذه القوى هي التي تجعل ميديا تفر بمساعدة الآلهة". • النهاية الموحدة لقد رفض ارسطو النهاية المزدوجة في المأساة؛ بمعنى تلك التي تحمل الشقاء لأحد الأبطال والسعادة لآخر لأن هذا من شأنه إضعاف الأثر الدرامي في العمل. ففي مسرحية انتيجوني على سبيل المثال، لقيت انتيجوني حتفها في النهاية وشقي كريون بموت ابنه وزوجته. وفي "أوديبوس" فقأ اوديب عينيه وقتلت جوكاستا نفسها. فكل اطراف الصراع تشترك في المصير المأساوي. وفي ثلاثية "الأورستيا" لـ"اسخيلوس" شقي جميع الأبطال وأصابتهم اللعنة المتوارثة قبل أن يجيء الخلاص. وفي "ميديا" كانت ميديا شر وبلاء على نفسها قبل أن تكونه على الآخرين. وهكذا، لا نجد في التراجيديات الإغريقية العظيمة نهايات متعددة للمسرحية الواحدة، أو نهاية مزدوجة تحمل السعادة للبعض والشقاء للبعض الآخر.وتلك النهايات الموحدة تجعل المتفرج يشعر في النهاية بسيطرة القوى الإلهية على الأحداث؛ فتعمق لديه إحساسه بوجود الآلهة. أي أنه يدرك أن ما حدث لم يكن حادثا عرضيا أو حدث بالمصادفة، وإنما هو جزء لا يتجزأ من منظومة الكون الواقع تحت سيطرة الآلهة التي تنفذ إرادتها على كافة البشر. وهذه الخصائص تعتبر اللبنة الأولى التي يبني عليها الممثل الأساس في تعامله مع الشخصية التراجيدية الإغريقية التي هو بصدد تجسيدها. المراجع
1. ابراهيم حمادة. معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية. دار المعارف. القاهرة. 1985 2. احمد عتمان في مقدمة كتاب: يوربيديس. ايفيجينيا في اوليس- ايفيجينيا في تاوريس. ترجمة اسماعيل البنهاوي. مراجعة وتقديم: د. احمد عتمان. المسرح العالمي 166. وزارة الاعلام . الكويت. اول يوليو 1983 3. إدوين ويلسون. التجربة المسرحية. ترجمة د. ايمان حجازي.مراجعة د. نبيل راغب. مركز اللغات والترجمة- اكاديمية الفنون. مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي1998. 4. الأراديس نيكول، علم المسرحية، ترجمة: دريني خشبة. مراجعة: علي فهمي. مكتبة الآداب. القاهرة. 1958. 5. أرسطو. فن الشعر. . ترجمة وتعليق: د. إبراهيم حمادة.. مكتبة الأنجلو المصرية. 6. بيتر بروك، تيري إيجلتون، سو. إلين كيس ، وآخرون: التفسير والتفكيك والأيديولوجية. تقديم: نهاد صليحة. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 2000. 7. جلبرت موري. يوربيديس وعصره. ترجمة عبد المعطي شعراوي. مراجعة. د.صقر خفاجة. دار الفكر العربي. وزارة التعليم العالي.. 8. دريني خشبة: أشهر المذاهب المسرحية،. مكتبة الآداب . القاهرة، 9. رشاد رشدي. نظرية الدراما من ارسطو الى الان. هلا للنشر والتوزيع. الجيزة. 2000. 10. سوفوكليس من الأدب التمثيلي اليوناني (أنتيجوني). ترجمة: طه حسين. دار المعارف. القاهرة.. 11. كمال ممدوح حمدي. الدراما اليونانية. دار المعارف.1980. 12. مارفن كارلسون، نظريات المسرح، ترجمة وتعليق: د. وجدي زيد. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة. 13. محمد حمدي ابراهيم. نظرية الدراما الإغريقية. اشراف محمود على مكي. الشركة المصرية العالمية، لونجمان. 1994. 14. الموسوعة الكلاسيكية للمسرح اليوناني والروماني. مسرحيات يوربيديس. ترجمة امين سلامة. مكتبة مدبولي.1984 15. يوربيديس. ميديا. ترجمة: كمال ممدوح حمدي. مراجعة: د. مصطفى صادق.الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1974. المراجع الأجنبية 1. Carl Allans Worth .The Complete Play Production handbook.. London. Robert 2. Clifford Leech. Tragedy. The critical Idiom. Methuen, London and New York. 1969. 3. Edwin Wilson. The Theater Experiencs. The McGraw-Hill Companies, Inc. 1998. 4. H.D.F.Kitto. Form and meaning in Drama. Methuen & co LTD. London. 1971. 5. .D.F.Kitto. Greek Tragedy. Methuen &COLTD. London. 1978. 6. Helene p. Foley . Modern performance and adaptation of Greek tragedy.. 7. Michael Shaw. The Female Intruder: Women in Fifth- Century Drama. University of Kansas. 1975. 8. Mitchell-Boyask,Robin. Study for Euripides’ Medea. 12 October 1999.
#منال_محمود_فوده (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
مسلسل ليلى الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
فنانة مصرية تصدم الجمهور بعد عمليات تجميل غيرت ملامحها
-
شاهد.. جولة في منزل شارلي شابلن في ذكرى وفاة عبقري السينما ا
...
-
منعها الاحتلال من السفر لليبيا.. فلسطينية تتوّج بجائزة صحفية
...
-
ليلة رأس السنة.. التلفزيون الروسي يعرض نسخة مرممة للفيلم الك
...
-
حكاية امرأة عصفت بها الحياة
-
زكريا تامر.. حداد سوري صهر الكلمات بنار الثورة
-
أكتبُ إليكِ -قصيدة نثر-
-
تجنيد قهري
-
المنتدى الثقافي العربي ضيف الفنانة بان الحلي
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|