|
لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 12) - الدنيا من غير حب ما تتحبش .
سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 3352 - 2011 / 5 / 1 - 21:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
* ما هو الحب ؟
الحب هو تلك المشاعر الدافئة الحميمية التي تعترينا فتمنحنا راحة وسعادة وسلام .. نتصور فى بعض الأحيان أنه يأتى بشكل لا إرادى ونختزله أحيانا كثيرة فى صورة علاقة عاطفية بين رجل وإمرأة ونراه فى أحيان أخرى رفاهية يحظى بها المستريحون من عناء الحياة فلديهم الوقت ليحبوا . الحب يتم تحت وطأة ظرف موضوعى حيوى وحتمى لتلبية حاجة تبغى التحقق ولا يقتصر على تلك العلاقة بين الرجل والمرأة , كما يمارسه كل البشر بل يحتاجه ويمارسه المهمشون والفقراء أكثر من ميسورى الحال . الحب لا يكون مشاعر طارئة تنتاب الإنسان وتسقط عليه فجأة بل هى لازمة لوجوده ومتجذرة فى لاوعيه شأنها شأن الغريزة.. هي ذات الحاجة للأمان والاستمرارية في عالم معاد والتي أدركها الإنسان منذ أن إمتلك الوعي وانفصل عن كافة الكائنات الحية التى سبقته وإنحدر منها فبدون الحب لن يستطيع الحياة والتعاطى مع الوجود ليصبح هذا الميل إلى الأشخاص أو الأشياء العزيزة أو الجذّابة أو النافعة هو قضية وجوده ووسيلته للتعايش مع عالم موحش .
الحب لا يخرج عن كونه حاجة ومنفعة ورغبات تريد أن تتحقق أو يتم تأمينها .. عندما نصف الحب بالعلاقة النفعية قد يتصور البعض أننا نشوه صورة جميلة للتفاعل الإنسانى ونضعها فى إطار برجماتى أنانى بإعتباره مصلحة ومنفعة مادية تريد التحقق فبالفعل الحب أرقى علاقة انسانية يمارسها الإنسان ولكنها لا تخرج عن الإحتياج فهو يتعاطى معه ليفى احتياجات ورغبات وأمان وليس لكون الحب مشاعر رائعة محلقة... الإحساس بالمتعة والفرح والتحليق فى الحب يتواجد لأن هناك أمان وسلام يتحقق ومنفعة وجدت غايتها . تعتبر العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة الأكثر شيوعا ً فى بروز المنفعة والغاية فهناك رغبات وإحتياجات جنسية تريد الإشباع تدفع الرجل والمرأة لحالة حب .. هى علاقة تبدو فجة فى المنفعة والإحتياج وقد تكتسى بالأنانية المفرطة فى الغالب , ولكن ليست كل علاقات الحب هكذا فى نفعيتها المادية المباشرة والفجة لكن لن تخلو أى علاقة من منفعة وإحتياج مهما توارت أو حاولت طمس ملامحها فالأمور لن تخرج عن الحيز النفعى إذ لابد من تواجد علاقة نفعية من وراء الحب وإلا ما كان له معنى بل دخل فى دوائر العبث . ليس بالضرورة أن يحقق الحب منفعة فى إشباع جسدى فج ليقتصر على كونه مظهرا لغرائز الجسد فقط , بل يمكن ان يتسامى فتصير كل صور الحب ذات القيمة الاجتماعية كالفن والادب والفداء والتضحية ورعاية المسنين والقاصرين التى عرفها الإنسان قديمه وحديثه هى تلبية لحاجات نفسية عميقة .. بالتالي يجدر القول أن الحاجات النفسية الداخلية المبتغاة فى البحث عن أمان وسلام وحماية هى أكثر صور الحب التى تعاطى معها البشر وهى التى تغلف الحب بتلك الصورة الجميلة والبريئة ولكن لن تنزع عنها هذه المنفعة المأمولة التى تتمثل فى كيان يحتوى ومانح لطمأنينة ودعم وأمان أمام وجود طبيعة قاسية وغامضة لاتحفل بوجودنا بل تمنحنا الألم .
يجد الإنسان نفسه مضطراً للبحث عن علاقة تمنحه دعم نفسي وشعور بالأمان والسلام فيحتمي داخل محتوى إنسانى آخر يعينه على تجاوز ألمه ومعاناته ويحيطه بأمان وطمأنينة أو يرتمي داخل مملكة الإله الذي يُحب فيه ويكره فيه ويأمل في ترفقه وحمايته في الدنيا و فى عالم آخروي مُفترض ليتحول الحب لحالة ذوبان داخل كيان يوفر له الحنان والحماية والأمان ويحميه ويُؤمن وجوده وهذا ما عرفه الانسان كما يدركه بالفطرة أى إنسان منذ نعومة أظافره لذلك انتمى الإنسان إلى الجماعة البشرية وخلق آلهته كمحتوى توفر له الحب والعناية . . حب نفعى لجلب الإستقرار النفسى والسلام والأمان لنفس خائفة ملتاعة
هكذا يكون الحب منفعة مُبتغاة فى تحقيق أمن وسكينة وسلام داخلى وشعور بالإحتضان والدفء فى عالم قاسى لا يحفل بمشاعرنا وتتشكل من هذه الحاجة صور شتى من الحب ذات تنوع فى الاشكال والألوان فلا تكتفى بالطفل الذى يحب أبويه لأنهما الواهبان للحماية ولكن تمتد الصور لتشمل أشكال من العلاقات الإنسانية تتمثل فى الصداقة والأخاء وحب الرجل للمرأة الذى يتجاوز احيانا ً الجسد فى ما يُسمى بالحب العذرى وأشكال عديدة ومركبة من العلاقات العاطفية لن تخرج بحال من الاحوال عن شرنقة نتشرنق داخلها لتحقق لنا أمان وسلام وطمأنينة مُبتغاة وحضن قادر على توفير حماية وحنان فى عالم يقسو علينا بماديته وعلاقاته وقوانينه
نحن لا نستطيع العيش بدون علاقة حب مهما تعددت أشكالها وصورها لأنها لن تخرج أيضا عن حاجة مبتغاة ورغبات وإحتياجات جسدية و نفسية عميقة تبغى التحقق والتواجد لترتقى فى بعض الصور من رغبات ذاتية أنانية فجة إلى رغبة فى تحقيق سياج نفسى وخلق حالة من الأمان والسلام لنجد الحب حاضرا ً أيضا ً فى بحثنا الدائم عن حبيب قادر ان يعبر بنا عالم نعيشه وإغتربنا عنه من فرط قسوته وبروده ورتابته ليخلق حالة مصالحة مع واقع تصطدم فيه رؤوسنا بقسوة على صخرة ماديته وأنانيته المفرطة .
إدراكنا الشعورى لمعانى كثيرة فى الحب وتحسسنا لقيمته ومغزاه جعلت من قضية الحب سبيلا ً لخلق حالة أمان وإشباع لإحتياجاتنا النفسية والجسدية , وإستطعنا فى ذات الوقت أن نطوعها لحل إشكالية وجود بأن نتماهى داخل علاقة حب ونعتبرها قضيتنا الحيوية فى الحياة .. أن نخلق هدف وغاية من الوجود بعد أن تسلل لعقولنا بأن الحياة عدمية وليست بذات جدوى وغاية وأن وجودنا عبثى في عالم فيزيائى قاسى وغبى فخلقنا من قضية الحب هدف وغاية تجعل للحياة معنى وقيمة وتمنح الذات حالة تمايز ومعنى تعبر به سفينة الحياة . * الحب قضية لخلق وجود يصرفنا عن وجود .!
ما معنى الوجود الإنسانى ؟!.. و ما الغاية من التواجد والحياة ؟! .. وما الفرق بينه وبين أى وجود ؟! لو تأملنا سنجد ان وجود الإنسان بلا معنى ولا قيمة ولا يختلف عن أى وجود حياتى آخر سوى الوعى به .. إنه وجود عبثى عدمى بلا معنى .!! ..فماذا يعنى ان نُولد لنمارس الحياة ثم نموت ونندثر فى النهاية مرورا ً بمشاهد كثيرة كلها تدور حول البحث عن الإشباع والمتعة والحاجة لتستوفى محاولين فى الوقت ذاته عبور الألم !! .. وماذا بعد ؟!!.. ماذا بعد كل هذه الدوائر العبثية بين الجوع والشبع والألم والمتعة والراحة والشقاء .. لاشئ .!
الحياة يلفها العبث وتنتهى بالعدم بلا معنى ولا قيمة .. فما معنى أن نتواجد لنمر على آلاف المشاهد فى الحياة لتتبخر صوررها وتنتهى .. ما معنى أن نبحث عن حاجات للحياة ثم تنتهى لنبحث عن نفس الحاجات بلا معنى سوى أننا نقضى هكذا وجود نعيشه بين أرجوحة الحاجة والإشباع , الألم واللذة .. ثم تنتهى كل الصور والذكريات والأحاسيس و اللحظات ويتبدد وجودنا فى الطبيعة لتبدأ دورة حياة أخرى نكون فيها بقايا داخل قبر فارغ مكتوب علي شاهده أسماءنا بحروف أنيقة أو ركيكة .. أسماء بلا وجود لحياة بلا معنى .
عندما نقول الحياة عبثية فهى تعنى بمدلولها الكلى والنهائى وليس باللحظة الآنية أى اننا لا نعنى عناية بلحظة نأملها ونسعى لتحقيقها فنقول أن لدينا غاية ومعنى وقيمة لما نفعله .. بل وماذا بعد ؟!!.. ماذا بعد أن حققت غاية أنا فى حاجة لها .. مامدلول كل الغايات وما محصلتها النهائية .. سينتهى كل شئ وتضيع كل اللحظات والمشاهد والغايات .
الإنسان يدرك بعقله الواعى أو اللاوعى عبثية وعدمية الوجود والحياة .. هو يحاول الإنصراف عن هذا الوعى لأنها تعنى الإحباط واللا معنى فينصرف لخلق غايات بديلة تلهيه عن إدراك أنه بلا قيمة . فكرة الإله والعالم الآخروى لم تنحصر فى حلم الإنسان بالحياة مرة أخرى فحسب بل جاءت لتخلق غاية من اللاغاية ولتجعل للوجود معنى فنحن نخوض تجربة وإختبار وعلى أساسه سنكمل الحياة فى دار متعة أو شقاء ويكون الإله هو المحقق لهذه الغاية. ولكننا نعيش الوجود الحقيقى وليس العالم السرابى الذى خلقناه ليعطى معنى للوجود , فالعالم الخرافى الذى لا يوجد أى شاهد عليه لا يحل المشكلة مع الوجود حلا ً جذريا ً بل هو حل تخديرى نتعاطاه عندما نتذكر بأن الحياة والمتعة والألم بلا معنى وعندما يلح سؤال "ماذا بعد " ويجعلنا ندرك أننا لا نزيد عن فقاعة صابون .
لذا نحن نحاول خلق غايات قوية ذات صور أخرى لتجعل لوجودنا قضية نتماهى فيها لعبورعدمية لا معنى لها .. سنجد من يتماهى فى حب المتعة واللذة ليقضى فيها حياته ويخلق مشروع متعة يأملها فى عالمه الأخروى تكون إمتداد لمتعته ولكن بشكل أكثر ثراء وديمومة فيجعل وجوده هو إنتظار المتعة الخالدة المتمثلة فى الطعام والنساء والخمور المعتقة .. هنا هو يخلق غاية من وجوده .. أى أن الحب حولناه لقضية تبحث للوجود عن غاية تعبر بنا عبثيته .
عندما نسمع أغنية تردد بأن " الدنيا من غير حب ما تتحبش " ..لا تكون تعبير مفرط فى إطلاق صورة شعرية وحالة تتسم بالمبالغة كما نظن بل تحمل نظرة شديدة المصداقية والعمق .!.. بالفعل هناك من سيعتبر هذه العبارة كلام أغانى مغرقة فى صورها الشعرية الحالمة المحلقة و قد يكون هذا الأمر صحيحا بالنسبة لمن تشرنق فى ذاته وخلق علاقة حب أخرى لها مراميها يتماهى فيها , ولكن هذه العبارة تجد صدى كبير فى نفوس المحبين فيحس أن الحياة بدون الحبيب ليس لها جدوى بل ستصبح حياة موحشة لا تطاق وهو تعبير عن إحساس لا واعى بالعدمية بدون تواجد الحبيب فى المشهد الحياتى فالحياة ستفقد المغزى من ورائها .. بالطبع سنعيش الحياة بفقد الحبيب والحب ولكن ستنحو نحو البيولوجية والعبثية ما لم نخلق قضية حب أخرى نتماهى فيها وسيفعل الكثيرون منا ذلك حتى يخرجوا من عدمية وعبثية وجود لا يمكن تحمله .
هناك نماذج كثيرة من صور الحب والتى تجعل الحياة بدون حب ليست بذات قيمة بل يلفها العبث .. فالأم تحب إبنها .. و يتماهى الإبن فى حب أمه .. والرجل الذى يعشق إمرأته .. والمرأة التى تذوب فى حب رجل .. والإنسان الذى يعشق فكرة أو ايدلوجية أو معتقد فيتماهى فى حبه ليصبح قضية قابلة للتضحية ليس كونها فكرة ذات إستحقاق ولكن قضية تؤكد وتخلق معنى لوجود... لذا نستطيع تفسير تضحية أم أو إبن أو عشيق أو حبيبة أو مناضل حتى الموت بأنه التماهى فى قضية حب لخلق معنى وقيمة لفعل الحياة .. هو صنع بدون أن يدرى غاية في وجود بلا غاية .. صنع قضية للوجود ..فالمضحون بحياتهم والمفخخون لأجسادهم هم يبحثون عن غاية للوجود تنتشلهم من عبثيتة بأن ينتجوا حادث قوى وقضية يجعلهم يحسوا بقيمة وجودهم .
* الله يوفر مكان اللقاء .
كانت امى تردد مقولتها : " أتمنى أن أنتقل للسماء كى أتقابل مع أخيك هناك ..فكم أشتاق إليه ".!! لم تقل هذه العبارة على سبيل المجاز أو تصدير معنى بمدى شوقها لأخى الفقيد بل كانت صادقة فى كل كلمة قالتها , فهى لديها يقين غريب أو بالأحرى خلقت هذا اليقين بأنها ستلتقى مع أخى ذات يوم ليصبح العالم الآخر هو مكان اللقاء لترتمى فى حضنه وتشبع حرمانها وفقدها له . هنا أسطورة العالم الآخر تأخذ بعدا ً أخر غير المتعة واللذة المفرطة والتمرغ فى نهود النساء فهو مكان الإلتقاء مع أحبة إفتقدناهم لنجد تواجدنا يتحقق مع تواجدهم .. وهكذا يتحول العالم الآخر الى مكان يحقق قضية وجود بمنح الأمل والقدرة على العيش والإنتظار فى عالم عدمى على أمل تواصل قضية الحب التى تم تدميرها .
هناك عبارة اخرى كانت ترددها أمى بصدق شديد أيضا ً : " فليجعل الرب مماتى قبل أن اشهده فى أحد من أولادى " ..هى بالفعل صادقة فى هذه المقولة وأدركت معناها عندما أصبحت أبا ً فتصبح الحياة بلا طعم بعد فقد الأولاد بل ستكون شديدة المرارة , هذه العبارة تعبر بتلقائية وعفوية شديدة عن عدمية الحياة وإنعدام قيمتها بدون قضية حب لتواجه عبثية وجود لا معنى له .. فهنا هى لن تكون قادرة على مواجهة الحياة بعد انهيار قضاياها الحياتية المتمثلة فى حبها لأولادها ليصطدم كيانها بعنف على صخرة حياة قاسية بلا معنى بعد انهيار المعنى الذى خلقته . نحن خلقنا فكرة الله من خضم هذا المشهد ومن خلال هذا المنظور ليحقق أمل فى التواصل مع أحبة إفتقدناهم فيكون الله هو المحقق لهذا اللقاء فى سمائه البعيدة .
* ذكاء المسيح .
المسيحية تحمل على عاتقها كم هائل من الغيبيات والإفتراضات الكثيرة والمعقدة ورغما ً عن ذلك تحظى بتشبث المسيحيين بها بل بإنتشار وتمدد ... هذا التشبث يرجع إلى أن المسيحية أخرجت الإله من دوائر القوة والجبروت والإنتقام وأدخلته دائرة الحب فأصبح الإله هنا محبة وقضية حب وإثبات للوجود من خلال الحب . يتماهى المسيحى فى قضية حب الرب الذى جاء خصيصا ً من أجله وقدم نفسه ذبيحة فداءاً عنه ليتحول للوجود غاية من خلال قصة حب ينال منها الإحتضان والعناية والترفق لتتأطر صورة الله المحب والراعى والمعتنى فيغمره بمشاعر تستدعى الأب الحقيقى وإمتداد له لتوفر مظلة لحاجات نفسية مبتغاة فتعينه على تمرير عبثية الوجود وتخلق له جدوى فهناك قصة حب وقضية وجود بدأت ولها تكملة عندما يرتمى فى حضن المسيح المخلص .. يتماهى المسيحى فى هذه الدائرة ويخلق غاية وقضية للوجود تجعل للحياة معنى فهناك من يحبه وينتظره .
* الحب الأنانى فى رحاب الأب.
يتأكد مغزى الحب الذى يتوهمه الإنسان تجاه الإله كعلاقة نفعية بحتة فى كل ملامحها فهناك قوائم من المصالح النفعية المبتغاة كتوفير الأمن والسلام والإعتناء والنجاة من الألم إلى طلب الخير والبركة والسعادة إلى تجاوز الموت وتوفير لذة دائمة وسخية فى عالم الخلود .
كما تكون مشاعر الحب مع إله لا نعرف كينونته ولا ذاتيته هو إسقاط صورة الأب الحامى والمعتنى على محتوى أكبر لتحديات أكبر تتطلب الأمان والسلام والحماية وبدون هذه الرؤية لن يوجد حب ولا داعى للآلهة .
فى الميثولوجيات الدينية كالأديان الإبراهيمية مثلا نجدها جميعها تتفق على إحتكار الإله و الإستئثار به وإعتبار كل إيمان آخر هو مخالف ومنبوذ وخارج عن رؤية الله وإرادته بالرغم إنهم جميعا يحملون إيمان عميق بالله ويشتركون فى توصيفه وسماته كإله خالق ومتفرد بألوهيته ..إذن ما مغزى هذا النبذ و الإستقصاء ؟!..وما معنى أن الرب الإله إنحاز إلى فصيل معين دون غيره فإعتبر هذا شعبه المختار ليمنحهم البركات والأرض الموعودة بل يشاركهم القتال ضد الآخر فى شكل متحيز وعنصرى ..وفى حالة مزاجية أخرى هم أبنائه المُخَلصون بدمه ومن لا يعتمد بالماء والروح لن يعاين ملكوت السموات وفى نسخة أخرى هم خير أمة أخرجت للناس ومن لا يرضى بغير الإسلام دينا ً وبمحمد رسولا ً فهو من الخاسرين ..مع عدم الإغفال أنه ينصرهم ويؤازرهم ضد الكافرين .
النصوص والقصص الدينية حافلة بهكذا حب وإهتمام ورعاية يوليه الله لجماعة بشرية بعينها ولو حاولنا ان نقتبس بعض النصوص الفجة فى علاقة الحب تلك سنجد التلمود يتحفنا بصور فنتازية تعنى بولع وغرام الإله يهوه بشعب إسرائيل ولا يخفى كراهية بشعة لغير الجنس العبرانى ولكن سنكتفى بنصوص الحب ..فنجد هذه المقولات بالتلمود : - "عندما تشرد اليهود في ايام السبي ، أخذ يلطم ويبكي كل يوم حزناً عليهم ، فسقطت منه دمعتان كبيرتان في البحر ، فاضطربت المياه ، واهتزت الأرض ، وبذلك تحدث الزلازل." !! - "إن اليهودي أحب إلى الله من الملائكة فالذي يصفع اليهودي كمن يصفع العناية الإلهية سواء بسواء" !! -"اليهودي من جوهر الله كما أن الولد من جوهر أبيه" !!
وفى الأحاديث النبوية نجد : -إنه إذا رفع العبد يديه للسماء و هو عاصي فيقول يا رب فتحجب الملائكة صوته فيكررها يا رب فتحجب الملائكة صوته فيكررها يا رب فتحجب الملائكة صوته فيكررها في الرابعة فيقول الله عز وجل الى متى تحجبون صوت عبدي عني؟؟؟ لبيك عبدي لبيك عبدي لبيك عبدي لبيك عبدي.!! - عن أبي ذر قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ فقال (( ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال وإن رغم أنف أبي ذر ) ) !! - عن عائشة ، أن رسول الله بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه قي صلاتهم ، فيختم بـ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) فلما رجعوا ، ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : سلوه لأي شيء يصنع ذلك ؟ فسألوه، فقال : لأنها صفة الرحمن ، فأنا أحب أن أقرأ بها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخبروه أن الله تعالى يحبه .!!
في المسيحية قام المسيح بفداء كل البشر مقدما ً نفسه ذبيحة أخيرة تطهر البشر من الخطيئة البدئية وتجعل منه الاب المحب المخلص ولكن هذا فى إطار من يؤمن بخلاصه وفدائه فقط لأن مصير من يرفض الخلاص هو بحيرة النار والكبريت ..وفى الجهة الأخرى يأتى يهوه والله الاسلامي كمحبان يميزان شعبيهما المختارين فقط عن باقي الخليقة ويجعلان منهما أهل الجنة مهما بلغت خطاياهما ان تابا لله ..بل ان من محبة الله منحت محمد نبيه خاصية الشفاعة في أمته حتى وان زنى المسلم او سرق ما لم يكفر بالله ورسوله ولكنه لم ينفرد لوحده بهذه الخاصية فهناك شفاعة متواجدة فى الميثولوجيات الأخرى .
هذا الرب الذي تصوره اليهودية والمسيحية والاسلام محبا ً غفورا ً ورحيما ً يأتى فى إطار الإنتساب للمشروع ليحظى المُنتسب بكل الحب والرحمة والمغفرة بينما الذى شاء حظه العاثر أن يقع خارج حدود الجغرافيا والتاريخ ستحل عليه الكراهية واللعنات والمصير البائس فى جهنم المتقدة .
مامعنى هذا التنازع والإحتكار ورفض وإستقصاء أى حضور آخر للتعاطى مع الإله خارج إيماننا ؟..هل الإله جدلا ً ينزعج من هذا التنوع بالرغم أنه لم ينال من الإيمان به كخالق وفاعل للوجود ؟! . سنجد أن الصورة فى كينونتها تعبر عن الرغبة فى إحتكار محبة الأب الراعى المعتنى الحنون والإستئثار به دون عن الأخوة ..هى رغبة أنانية طفولية فى الإستئثار بكل ما لدى الأب من حب وحنان ورعاية وإهتمام ممزوج بنزعة عدوانية وعنيفة بنزع هذا الحب والعناية من الأخوة وهذه المشاعر غير بعيدة عن مراقبتنا لسلوك الأخوة والأخوات وخصوصا ً فى المراحل الطفولية الأولى .
لن تخرج المعتقدات عن كونها تعبير عن هوية جماعة بشرية لها مصالحها فإحتكرت الإله كشكل تمايزى لهويتها لتستأثر به وتطوعه لمحبتها ورعايتها ومشروعها كإضافة لها وخصما ً من رصيد الآخر .. وتماهت فى قضية الإله الذى يفرط فى محبتها .
إذن تتباين قضايا الحب ولكن لا يوجد إنسان بلا قضية حب فالحب كما ذكرنا هو فطرة نفعية تبحث عن الأمان وبوعينا جعلناه قضية لإثبات الوجود وخلق الغاية .. فالإنسان الذى فجع فى فقد حبيبه سيعبر هذا الألم والعبثية التى هوت على رأسه كالمطرقة فى خلق إله محقق لهذه المقابلة واللقاء .
يكون الموت هو مشكلة وجودنا نتيجة وعينا المفارق للطبيعة والمُدرك للحظة والمُتسم فى الوقت ذاته بغرور ينفى طبيعته فنحن نريد عبور الموت من خلال الحبيب .. هو عبور لنا وله .. نريد خلق عالم آخر يتجاوز الموت من اجل رغبة لحوحة فى البقاء لنخلق حياة لمن نحبه لأننا جعلنا من قضية حبه قضية لوجودنا . نحن اعتبرنا الحب والأمان فى احضان الحبيب المفقود هى قضية مُتعتنا التى نريد أن نستكملها فى عالم آخر صنعناه فى مخيلتنا ووضعنا على بابه إله يسمح لنا بالتواصل واللقاء .
دمتم بخير.
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحن نخلق آلهتنا ( 11 ) - وهم الجَمال والله يحب الجَمال ويستح
...
-
تديين السياسة أم تسييس الدين ( 6 ) - الأديان كثقافة وميديا ل
...
-
تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 8 ) - الإنسان بين وهم الش
...
-
تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 7 ) - وهم حرية الإنسان وا
...
-
تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 6 ) - نحو وعى وفلسفة للمو
...
-
لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 11 ) - البحث عن جدوى للإنسان وال
...
-
كابوس الديمقراطية .. مصر نحو الشرنقة والشرذمة الطائفية .
-
تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 11 ) .
-
فلنحاصر فصائل الإسلام السياسى ونجبرهم على تحديد مواقفهم من ا
...
-
خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 6 ) - هى فكرة خيالية غي
...
-
هل هى ثورات أم فوضى خلاقة .
-
الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 25 ) - مفهوم الأخلاق فى الدين
...
-
الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 24 ) - الشفاعة كتأسيس لمجتمع ا
...
-
الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 23 ) _ لا تسأل لماذا هم مرتشون
...
-
الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 22) - استبداد الحكام العرب هو
...
-
خواطر وهواجس وهموم حول ثورة 25 يناير .
-
هل تستطيع ثورة 25 يناير أن تٌقلع ثقافة الوصاية والقطيع وهل س
...
-
هنيئا ً للشعب المصري .. ولكن حذار فأنتم أسقطتم رمز من رموزه
...
-
مشاهد وخواطر حول ثورة الشعب المصرى .
-
إنهم يجهضون ثورة الغضب مابين إنتهازية معارضة كرتونية وتواطؤ
...
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|