محت صفوت محفوظ
الحوار المتمدن-العدد: 3059 - 2010 / 7 / 10 - 20:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كثرت في الآونة الأخيرة لعبة الاتهام بالتطبيع؛ فكلما اختلف اثنان، خرج أحدهما، وربما الاثنان معا، ليتهم الآخر بتهمة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وللتدليل على ذلك يمكن سرد العديد من الأمثلة، التي تناولتها وسائل الإعلام في الشهور القليلة الماضية.
ومع كثرة الحوادث، إلا أن مصطلح التطبيع يبقى مفهوما غير محدد من الناحية القانونية، فمعظم النقابات، مثلا، تكتفي بقولها يحظر كافة أشكال التعاون مع إسرائيل، دون تحديد أشمال هذا التعاون ومساراته، حتى نقابة الصحفيين لم تحدد بشكل قاطع مفهوم التطبيع، مما دفع بالأستاذ صلاح عيسى إلى التقدم بمشروع قانوني في محاولة لضبط مصطلح التطبيع، بحيث يسد باب التحايل عليه، ولتحديد آلية للمحاسبة على كل خروج عنه، وطرح هذا المشروع للحوار.
وفي مقالة للصحفي أحمد بلال، صحفي تحت التمرين، وعضو بحزب التجمع، قام بنشرها على صفحته بموقع الفيس بوك، يتهم صراحة الأستاذة فريدة النقاش بالتطبيع؛ حيث عنون مقالته (التطبيع في البيت اليسار.. حالة "فريدة")، ويتراء للبعض أن هذه المقالة هي جزء من تصفية الحسابات منذ انتخابات الحزب الأخيرة، وإن صحت هذه الرؤية فإنها تثبت أننا قطعا، لا نستطيع إدارة حوار راق، يمكن لوجهات النظر المتباينة التجاور والتحاور دون إعلان الوصاية من طرف، وإشهار يافطات العمالة والخيانة والتطبيع من الطرف الآخر.
ويستند بلال في مقالته/ عريضة اتهامه على مقالة كتبتها الأستاذة فريدة النقاش عن حكم المحكمة الإدارية والذي قضى بإسقاط الجنسية المصرية عن من يتزوج من إسرائيلية، واستثنى الحكم المتزوجين من عرب 48، وعنوني النقاش مقالتها ب"التلاعب بالجنسية" نشرتها في عمودها بصحيفة الأهالي، وأعادت نشرها بصحيفة المدى العراقية.
ويلجأ بلال إلى وسيلتين، في عملية تصفية الحسابات الانتخابية، وسعيا لإلصاق تهمة "التطبيع" بالنقاش، وهما: التحريف والافتراء؛ حيث قام بلال بتحريف نص النقاش، ليتوافق مع وجهة نظره، إذ تقول النقاش (وهناك عشرات؛ بل مئات من المحامين الإسرائيليين الذين ترافعوا في محاكم إسرائيل دفاعا عن الفلسطينيين الأسرى والمعتقلين، إضافة على هؤلاء المتضامين الذين يجازفون بحياتهم حين ينضمون للفلسطينيين، دفاعا عن أراضيهم وزراعاتهم ضد الجرافات الإسرائيلية، وضد العدوان المتواصل لجيش الدفاع). وتقصد بهؤلاء المتضامين أمثال راشيل كوري التي جاء ذكرها في مقالة النقاش قبل هذه الفقرة.
لكن الصحفي عندما يقوم بنقل هذه الفقرة، يكتبها وبين علامتي تنصيص؛ ليوحي أنها من حديث النقاش (هناك المئات من الإسرائيليين "الغلابة" يجازفون بحياتهم حين ينضمون للفلسطينيين، دفاعا عن أراضيهم وزراعاتهم ضد الجرافات الإسرائيلية). والفارق بين النصين بين وواضح؛ فالأخير يحمل ضمنيا تعاطفا مع مئات "الغلابة" الإسرائيليين، في حين يشير النص الأصلي بموضوعية وعقلانية إلى "مئات" المحامين الذين دافعوا عن الأسرى الفلسطينيين، و"هؤلاء" المتضامنين بأرواحهم وأجسادهم أمثال راشيل كوري.
أما الوسيلة الأخرى وهي الافتراء؛ حيث ينسب للنقاش فقرة كاملة؛ إذ يقول: (كما تقول النقاش، كان من الأولى إذن أن تشجع المحكمة هذا الزواج الذي يعد هو الآخر دليلا على إمكانية التعايش) وبمراجعة مقال النقاش لا نجد لهذه الجملة مكانا، ولا إشارة ولا تلميحا، وإنما قام الكاتب بذلك للتأكيد على اتهامه الباطل.
ليثق، السيد بلال، أنني لست من المطبعين، ولا من الداعين إلى زواج المصريين من الإسرائيليات، ولا حتى من الداعين إلى مرافقة الشباب المصري لأجنبيات في أعمار أمهاتهم، ورغم ذلك، أؤكد أن محاربة ظاهرة زواج المصريين من إسرائيليات لا تتم عبر حكم محكمة "يشك في دستوريته"، وقابل للمراجعة، وإنما يتوجب على المجتمع بكافة قطاعاته ومؤسساته فتح هذا الملف بشجاعة، ومعالجة الأسباب الحقيقية "اقتصادية، اجتماعية وثقافية" التي تدفع بمو الظاهرة وتفشيها.
بالطبع، لا تدعو فريدة النقاش إلى زواج المصريين من الإسرائيليات، ولا تشجع عليه؛ بل تدعو إلى مناقشة موضوعية للأسباب التي دفعت هؤلاء الشباب للزواج من إسرائيليات، ومراجعة حكم المحكمة الذي صدر بناء على دعوة حسبة من شخص لا صفة ولا مصلحة له، أي أنها قضية «حسبة» لا يجوز لشخص أن يقدمها، وإنما النيابة وحدها هي المختصة بتحريكها وهو ما لم يحدث في إجراءات هذه الدعوى المريبة.
الدستور والقانون معا، لا يسقطان الجنسية عن الجواسيس والخونة، والعملاء، والذين يتخابرون لصالح دول أخرى، وضد مصلحة بلادهم، وهناك من عاقبتهم المحكمة بالسجن لاتهامهم بالخيانة والعمالة، وقضوا فترة عقابهم ليخرجوا من بعدها مواطنين مصريين لهم حقوق "نخص حقوق المباشرة السياسية"، ويتمتعون بجنسيتهم المصرية، كسواهم من المواطنين.
إن دفاعنا عن النقاش، ليس دفاعا عن شخصها فحسب؛ فتاريخ النقاش وكتاباتها ومواقفها أقدر على ذلك، وأقوى من طنين ذباب يمكن "هشه" بسهولة. إنما يأتي مقالنا في سياق مناقشة الظاهرة، والدفاع عن حقوق "قانونية ومدنية ودستورية" لمصريين أخطئوا، باعتبار الزواج من إسرائيليات خطأ من وجهة نظرنا، لكن حكم/ عقاب المحكمة لهذا الخطأ كان أشبه بمن ذهب إلى الطبيب يشكو آلاما في ضرسه، فأمر الطبيب بقطع الرأس بأكملها.
#محت_صفوت_محفوظ (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟