|
اشكالية الصفات الحسنى والأسماء غير الحسنى
رأفت عبد الحميد فهمي
الحوار المتمدن-العدد: 3021 - 2010 / 6 / 1 - 03:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اشكاليات الصفات الحسنى والأسماء غير الحسنى ينص قانون نيوتن الثالث للديناميكا على أن لكل فعل رد فعل مساوياً له في المقدار ومعاكساً له في الإتجاه وينص قانون المنطق اللغوي على أن لكل فعل جهة مسؤولة مسؤلية قانونية ومنطقية عن القيام به وانجازه كما في حالة المبني للمعلوم ولا يهمنا هنا الأن الفعل المبني للمجهول و نائب فاعله كما لا يمكننا بأي حال التغاضي عن مسؤلية من قام بالفعل اعمالا لمبدأ السببية وإلا سقطنا في اللامعقول من هنا تنبثق الإشكالية اللغوية حيث أن اللزوم المنطقي ضرورة حتمية نظراً لإنبثاق الفعل فيكون له فاعل هو صاحبه والمسؤول عنه تلك البديهية المنطقية هي منطقية وراثية بمعنى أن الفاعل وارث الفعل ومسؤو ل عنه منطقياً هذا ما يحيلنا إلى تأمل الإنجاز الذي حققه فقهاء السنة والجماعة وجلة المفسرين خلال رصدهم لأسماء الله الحسنى وتجميعها وتصنيفها إعمالاً للآية :" ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون " ( الأعراف -180 ) و أنهم قد توخوا الحذر وقاموا بعملية انتقائية بين الآيات متعمدين إختيار الأسماء والصفات بمنهجية التقديس و التي ترينا مدي الوفاء لإيديولوجية التنزيه المطلق للذات الإلهية بعد أن غربلوا النص القرآني غربلة تتسم بالتواطؤ والإنتقائية فأتحفونا بقائمة ( كنوزالتسعة وتسعين ) إسماً الشهيرة رغم تشتتها بين متون الآيات هنا وهناك فهي غير مرتبة ولا محصورة متقاربة . هذا ما نلحظه لغالبية الأسماء التي استقوها من الآيات وهي أسماء لصفات الله الكامل المتعال و المنزه عن كل نقص أو عيب هذة الصفات مستوحاة ومشتقة من أفعال تشترك مع الأفعال الإنسانية في المعني والدلالة حاملة نفس التصور والمفهوم كما تحمل تصورات التجسيم والتشبيه و رغم حرص الفقهاء على عدم التشبيه بين أفعال الله وأفعال الإنسان فقالوا : أن الله يسمع ليس كسمعنا و يبصر ليس كبصرنا و يغضب ليس كغضبنا وينتقم ليس كانتقامنا وهلم جرا من عائلة ( ليس وليس ) إمعانا منهمً في التنزيه حتى وصلوا إلى اللا تصور واللا مفهوم والذي اتفق على تسميته بالتعطيل اصطلاحاً رغم أن الإستعارة الحتمية من أفعالنا و المتوافقة في البناء اللغوي لنفس اللفظ جلية جلاءً لا عوج فيه وهو ما أربك الفقهاء وبلبل أفكارهم . لكن كان من الضروري اجراء ذلك التشبيه كي نستطيع تكوين التصور الأمثل للذات الإلهية فإذا قلنا السميع فهو مشتق من الفعل يسمع والبصير مشتق من الفعل يبصر والقادر من يقدر والماكر من يمكر والمالك من يملك ......... وهكذا بالنسبة لسائر الصفات والأسماء الباقية والتي لها جذور مشتقة من الأفعال. لكن ما أثا ر حيرتنا هو إشكالية احتواء النص القرآني على العديد من الأفعال المنسوبة إلى الله والتي أخبرنا أنه قام بها عن طريق الوحي والتنزيل من فوق سبع سماوات وهي أفعال ذكرت على الحقيقة ولم تذكر من باب المجاز وهي أيضاً من المحكم الواضح الذي له دلالة محددة وليست من المتشابه الذي يحتمل أكثر من دلالة (حمّال أوجه ) هذة الأفعال لم تتخذ أسماءاً حسنى فقالوا: لم يأذن الشرع بها أي لم يذكرها ولم ينطق بها ولم تنص عليها الآيات حيث تم استبعاد الإشتقاق من أ فعالها واعتبروا ذلك قدحاً لايليق بالذات الإلهية ونسأل ما السبب الكامن وراء ذلك وهي أفعال جاءت بصريح الآيات مثل قوله تعالى : وما رميت إذ رميت لكن الله رمى " ( الأنفال – 17 ) وقوله تعالى : " فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم " ( الأنفال – 17 ) والقتل هنا من الجلاء والوضوح ما لايمكن تجاوزه واقصاءه أو تلوينه وتأ ويله وإلا فقد النص مصداقيته فهل أدرك الله تلك الإشكالية واكتفى بالتسعة والتسعين اسماً الحسنى المعتمدة فقط متناسياً أن هناك أفعالاً أخرى أعلنها عن نفسه بنفسه مثل يسخر ويستهزئ ويمكر ويخدع ويغوي ويضل ويلعن ويمرض بكسر الراء ( بمعنى يزيدهم مرضا ) ويرمي ويقتل ويحذّر ويغضب ويربي ( أي يزيد ) ويفتي ويكره . وقد علمّنا منطق اللغة من صرفها ونحوها وقواعد بنائها أن الفعل نشاط زمني موجّه له دافع وله هدف وله ابتداء وله انتهاء وله عمل في الوجود وهو لا يتم إلا بقائم مسؤول عن هذا الفعل شئنا أم أبينا وهذا الذي حددناه باللزوم المنطقي للغة التي هي جسر التواصل بين السماء و الأرض ( اللسان العربي المبين ) ثم يأتي من وقع عليه فعل الفاعل فيما عرف باسم المفعول به هذا التوضيح البديهي لا بد منه وعدم تزييفه أو الغاءه وإلا انعدمت المفاهيم والمعاني وانهارت التصورات . فمن ضمن الأفعال التي نسبت إلى الله وقام بها فعل القتل المذكور كما في الآية السابقة ونسأل بدورنا ما الفرق بين القتل وازهاق الروح وسفك الدم وضرب الرقاب وحزّ الرؤوس ووجأ الأعناق فهي كلها صور من أفعال القتل للتخلص من الخصوم والمناوئين حيث تظهر بجلاء دوافع التدخل الزمنية و التي استدعت فعل القتل وسفك الدم و التخلص من الخصوم بعد أن اظهروا منازعتهم للأمر. ولا ننسى أن القتل مقولة تتميز بالتناقض من حيث التوظيف السياسي والديني له فهو محمود مطلوب ضد المخالفين وأعداء الدين وهو مذموم ضد أبناء العشيرة الواحدة لكن القتل هو قتل ذو طبيعة محددة لا مراء فيها. فهل أصبح من المحظور بل من المحرمات اشتقاق اسم الفاعل من فعل القتل فلا نقول القاتل على وزن الخالق أو صيغة اسم الفاعل اللاعن مصداقاً لقوله : " إن الله لعن الكافرين " ( الأحزاب – 64 ) أو الماكر من قوله : " قل الله أسرع مكراً " ( يونس – 21 ) أو الكائد من قوله : " أنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا " ( الطارق – 15 و 16 ) أو المستهزئ والمضل والساخر والغاوي وهلم جرا لسائر الأفعال التي نسبها الله لنفسه عدا أن هناك صيغ المضاف والمضاف إليه بالنسبة للأسماء والصفات مثل " مالك الملك" و"ذو الجلال والإكرام" فنكتشف من الآيات ما يشير إلى تكوينات مشابهة لم تنضم لقائمة التسعة والتسعين اسماً أمثال "مٌربي الصدقات" أو" قاطع الأدبار" و" محبط الأعمال" و" مكفر السيئات" وهكذا وجدنا أن الآيات تنوء بالأ فعال التي قام الله بها على وجه الحقيقة وهي ليست أفعالاً على سبيل المجاز بأي حال من الأحوال ً ونتساءل هل وجد الفقهاء استهجاناً واستبشاعاً لايليق فيه نحت اسم الفاعل منها وقالوا قولتهم الشهيرة : لم يأذن بها الشرع رغم أنها تطالعنا من داخل السياق بوضوح ويقينية الدلالة قطعية الثبوت فلا ناسخ ولا منسوخ ولا متشابه استأثر الله بعلمه بل هي أفعال صريحة يقرها الله بنفسه وينسبها إلى ذاته . فلم أجازوا الباسط والعدل والقدير والرازق ولم يجيزوا الكائد والقاتل والماكر والمستهزئ والمضل والآيات تشهد بذلك إلى أخر الأفعال صاحبة اللزوم المنطقي وليس نحن المتلقون للنص المقدس فهل تلك الإشكالية مشروعة للمتدبرين أولي الألباب الذين يعقلون ويتمحصون ويدققون أم أن تلك القضايا عفى عليها الزمان فلا داع للتحليل والنقد والبحث في اللامفكر فيه إيثارا للسلامة والركون إلى المعتمد فقط من موروثنا العتيق ...........
#رأفت_عبد_الحميد_فهمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين مكة وجرينتش يا قلبي إحزن
-
الأعتداد في أحكام المعتدات
-
عن التصنت والإستماع سألوني
-
دلائل الكشف العميق عن القتل العميق
-
المناظرة العجيبة
-
الطهارة المزعومة
-
آل جحش والظلم المستباح -3-
-
آل جحش والظلم المستباح -2-
-
آل جحش والظلم المستباح
-
السقف الأبستمولوجي للأساطير
-
يسألونك عن مأزق النكاح
-
الله بين الزمان والتصور العقلي
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|