أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - راندا شوقى الحمامصى - المخ البشري والروح الإنساني:ديناميكية (حركة) الترقي الروحاني















المزيد.....



المخ البشري والروح الإنساني:ديناميكية (حركة) الترقي الروحاني


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 2979 - 2010 / 4 / 18 - 05:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بعد أن استعرضنا باختصار عمل المخ البشري وأداءه، يجدر بنا الآن أن نقيّم ما يترتّب على تلك المشاهدات. لا شك أن المخ البشري عضو ليس ضرورياً للحفاظ على بقائنا فحسب، بل من أجل نشاطاتنا الفريدة الخاصة بالفكر والإدراك والمخاطبة باللغة والقدرة على التمييز وطاقاتنا الفنية الخلاّقة. وعلى ذلك، فهل يا تُرى أن المخّ هو المنبع الرئيس لجميع تلك الطاقات، وهل يولّدها نتيجة جهازه العصبي الرائع بخلاياه المعقدة؟ أو أن الروح هي التي تستخدم المخ كأداة للتعبير عما تريده وبهذا تساعده على الإرتقاء بقدراته وقوته في أدائه وظائفَه؟ هل كان تطوّر مخ الإنسان تزوّده فقط ردود أفعال جهازه لما يحدث في بيئته المحيطة، أم أن المخ أصبح أكثر تقدماً بفعل ما وجّهته إليه قوى المعرفة والمحبة والإراده، وهو بدوره أثّر على البيئة بشكل كبير؟
يبدو أن الإجابة عن جميع هذه الأسئلة ستكون بالإيجاب. وبكلمات أخرى، في مستوى معين من العمل والنشاط يتأثر الناس ويؤثرون في بيئتهم بطريقة متبادلة. صحيحٌ جوهرياً أداءُ المخ في "الحفاظ على البقاء"، أما عندما نتحدث عن أداء المخ في "الإبتكار" فإننا نتعامل مع مستوى مختلف من العمل. فلنتمعّن في ما قاله روبرت أورنْستاين "Robert Ornstein"، مؤلف كتاب "The Psychology of Consciousness":
إن الفارق الرئيس الحاصل بين أجهزة المخ هو قدرتها على المرونة في الأداء والعمل. فتصوروا ماذا يحصل للضفدع إذا وجد أن شجرة تسقط عليه. فالضفدع يملك مخّاً وجهازاً خاصاً حسّياً من المحتمل ألا يلاحظ الشجرة تسقط عليه إلى أن تضرب جسمه، أما الإنسان فإنه قادر على تقطيع الشجرة واستخدام أجزائها في وسائل اللعب واللهو وصنع المناضد وحتى في تصنيع الورق لهذا الكتاب. فهذه المرونة الكبيرة في العمل والأداء الذي يتصف بها الإنسان في تكييفه للأشياء راجعة إلى مخّه الكبير وعدد هائل من الخلايا العصبية في داخله.(19)
دعونا الآن نستعرض هذا القول وما يتضمنه من استنتاجات. فما الذي قصده بالمرونة في الأداء والعمل؟ وهل تدخل المرونة في جميع أنشطة الإنسان؟ هل يعني هذا أن تطور الإنسان، وبكل بساطة، ما هو إلا مجرّد عملية من التكييف في مستوى أرقى من الحيوان؟ فبينما هو تقطيع الشجرة وصنع الطاولة أو الورق له قيمته في القدرة على التكييف، إلا أننا معشر البشر بمقدورنا الإستفادة من الشجر إلى أبعد من هذا؛ فنصنع منه الآلات الموسقية مثل الكمان والقيثارة ثم تحفاً فنية وتماثيل ترمز إلى نفوس مقدسة. فلو كان كل هذا مجرد نماذج لعملية التطور في القدرة على التكييف، لوجدنا مثل هذه القدرات عند الحيوان أيضاً ونراها تنمو بالتدريج وتأتي مواكِبةً للزيادة في حجم المخ بالنسبة للجسم. فالبون الشاسع بين أرقى الحيوانات (فيما يتعلق بنسبة مخها إلى جسمها) والإنسان لهو كبير جداً مثل مهزلة مقارنة الضفدع بالإنسان.
بيّنت دراسة في تطور المخ أن مجموعتين من الوظائف برزتا تدريجياً عبر ملايين السنين: "الحفاظ على الحياة"، وهي وظائف ينظمها المخ الجذعي "brain stem" – الخاص بالزواحف والثدييات ايضاً – ثم وظائف "التجديد" التي تشمل قدراته من قبيل: التعلُّم والتذكّر والإدراك الحسي وكلها نشاطات نشترك فيها مع الحيوان. إلا أن الإنسان تميّزه قدرته على ابتكار الرموز ليكوّن منها لغة أو فناً من الفنون، وأن يضع لحياته هدفاً ومعنى يعمل على تحقيقهما طبقاً لوعيٍه وإدراكه. فنشاطات كهذه ممكنة عند الإنسان بسبب قرب العلاقة بين عقلنا (الروح) ومخّنا. فإذا تجاهلنا هذه الحقيقة يغدو عملنا مستحيلاً في محاولتنا لجعل هذا الوعاء البيولوجي المتطوّر يتسع لذلك المحيط الواسع من الخلاقية والوعي والفعل عند الإنسان.
ولنأخذ مثالاً آخر؛ فعند إزالة القشرة المخية (بالجراحة) عند القطط ظهر بأنها إذا كانت القطة عدوانية قبل العملية بقيت كذلك بعدها، وإذا كانت وديعة ظلت كما كانت. إنه كشْف غاية في الأهمية لأنه يدل على أن الإنفعالات الأساسية مثل الغضب أو العدوان إنما هي غريزية في طبيعتها. باستطاعة الحيوان أن يعدّل من هذه الإنفعالات إلى حدّ محدود جداً بتدريب يستخدم وسائل إحساسه بالألم أو المتعة. فالمخلوقات البشرية أيضاً تُبدي تجاوبها بهذا الأسلوب مثل الحيوانات، إلا أنها تذهب إلى أبعد من ذلك بتحكُّمها بسلوكها وتكييفه. لذا فإن حقيقة الكيان الإنساني ليس في إظهار انفعالات حيوانية المظهر (مثل العدوانية والفزع) بل تتعداه إلى قدرته على إخضاعها لسيطرة قدراته العقلية (المعرفة والمحبة والإرادة). وبهذا يمكن تحويل النزعات العدوانية إلى سلوكيات إنسانية تتسم بالتنوّر والمحبة والإرادة في مناهضة الظلم والتعصب والدكتاتورية والفقر والمرض والجهل وغيره.
يشترك الإنسان والحيوان بالنزعة العدوانية؛ فالحيوان يستخدمها لحماية نفسه من الخطر ثم الحصول على طعامه وفي الدفاع عن منطقة نفوذه، والمخلوقات البشرية تقوم بذلك أيضاً إلا أن لديها القدرة على فعل المزيد؛ فبإمكاننا تأسيس مجتمع يعيش أفراده في وحدة تقل فيها الأخطار ويتمتعون بوفرة الطعام، وكل فرد فيه قادر على تأدية دوره البناء، وتُحَلّ فيه الإشكالات المحلية بالتعاون والعدالة. ومن ناحية أخرى يمكن للإنسان أن يجنح إلى منحىً معاكسٍ تماماً؛ يمكنه أن يُقيم عالماً تمزّقه الفرقة والنزاعات وتعصف به الأخطار وتسوده الأنانية وحب الذات وينهشه الشكّ والإرتياب.
تلك هي خيارات نقررها، وهي تتجاوز عمل الفص الجوفي للمخ. فأي ضرر أو خلل يصيب هذا الجزء من المخ لا شك أنه سيؤثر على حالتنا الإنفعالية. أما اضطرابات المخّ فليست دليلاً على أن جميع أفعال الإنسان تتولّد داخله. ففي كتابه "Beyond Brain" يقرر ستانسلاف غروف "Stanislav Grof" أن "الإعتقاد بأن الوعي إنما يصيغه المخ من المؤكد ليس أمراً قطعياً تماماً".(20) فهو اعتقاد قائم على المشاهدات بأن حالة المخ تؤثر تأثيراً كبيراً على درجة الوعي. "فتلك المشاهدات ترقى فوق الشك بأن هناك علاقة قوية بين الوعي والمخ، ومع ذلك فإنها ليست بالضرورة دالة على أن الوعي ينتجه المخ. فالإستنتاج المنطقي بأن علم الميكانيكا قد توصّل إلى ذلك إنما يعدّ معضلة إلى حدّ كبير."(21) بعد ذلك يقدم غروف جهاز الرائي (التلفزيون) مثالاً على ذلك؛ فمدى وضوح الصورة وجودة الصوت يعتمدان على دقة عمل أجزاء التلفزيون المختلفة. ففنّي هذا الجهاز يستطيع إصلاح أعطاله وكل خلل في الصوت والصورة، إلا أن ذلك لا يعطينا الإستنتاج بأن الصور يشكّلها جهاز التلفزيون. "ومع ذلك هذا هو بالضبط نوع الإستنتاج الذي قدّمه علم الميكانيكا فيما يتعلق بالمخ والوعي."(22)
في كتابه "The Mystery of the Mind" يستعرض جرّاح الأعصاب العالمي الشهير وايلدر بنفيلد "Wilder Penfield" نتائج بحثه الرائع في المخ معبّراً عن شكّه الكبير في المنظور الميكانيكي (الآلي) الذي يَعتبر الوعي من إنتاج المخ. فهو جادّ في شكّه بأن الوعي يمكن توضيحه وتفسيره من خلال علم تشريح المخ ووظائفه.(23) فهذه المشاهدات ومثيلاتها تتطلّب وصفة جديدة للتطور الإنساني، وهي مشاهدات تشير إلى أن تطور الإنسان يضم الناحيتين البيولوجية والروحية. فتطوره البيولوجي يتم أساساً بموجب القوانين التي تحكم تطور الكائنات الحية الأخرى. ومع ذلك، كما شاهدنا سابقاً، فإن تطور المخلوقات البشرية لا يقتصر سيره طبقاً لقوانين التطور البيولوجي، بل إن القوانين الروحانية أيضاً لها تأثيرها المميز على عملية التطور الإنساني برمّتها.
التطوّر البيولوجي
إن كافة المخلوقات تخضع في تطورها للقوانين العامة التي تقول ضمن ما تقوله بأن هناك أصل واحد يجمع بين الأشياء التي لا تتوقف عن التغيير، تغيير نحو الأرقى في التنظيم والتكيُّف، وأن تلك العملية تدعمها أحداث غير متوقعة - تغيُّرات أَحيائية – "Mutation" من شأنها أن تمنح قُدرة أكبر لأحد أفراد مجموعة ما أو بعض أفرادها من أجل تطويرهم فتساعد بذلك عملية "الإنتقاء الطبيعي" التي ستؤدي في النهاية إلى ظهور كائنات أكثر تعقيداً وأعظم قدرة.
إن أعمال تشارلز روبرت داروين وأبحاثه (1809–1882م) تقدم لنا أفضل معرفة بمفهوم التطور. ففي كتابه الذي نشره عام 1859 بعنوان "The Origin of Species" وضع النظرية التي تقول بأن كل المخلوقات الحية، بما فيها الإنسان، قد انحدرت من نفس الأبوين. إنها نظرية ولّدت مشاحنات هائلة بين أتباع الديانات المختلفة من جهة والعلماء الذين ناصروا نظرية داروين في التطور من ناحية أخرى وخلق بينهم جدلاً لا يزال محتدماً حتى الآن. فبالتأمل فيما مضى ذكره، نجد أنفسنا نمتلك ذخيرة علمية كافية لأن نرى أن التطور البيولوجي قد تمّ حقاً، وأن النوع الإنساني لم يظهر فجأة على وجه الأرض بعد أن أُبعد عن الجنة. لقد أظهرت الدراسة عن التطور أن التطور البيولوجي ما هو إلا نوع واحد من ثلاثة على الأقل: ففي رأي جوناس سالْك "Jonas Salk" أن هناك تطور مرّ به العالم في ثلاث مراحل: ما قبل البيولوجي – الأَحيائي – "Prebiological"، ثم الحالة البيولوجية "Biological"، ثم ما بعد الحالة البيولوجية "Metabiological". فما عناه سالْك بما قبل البيولوجي إنما هي فترة ما بين بدء خلق كوكبنا إلى ظهور بشائر الحياة ومسبباتها الأولية على سطح الأرض. والحالة البيولوجية أو التطور الدارويني بدأت حين ظهرت "الوحدات الأولية للحياة" "units of life" واستمرت حتى ظهور الإنسان على شكل حيوان. وتبدأ حالة ما بعد البيولوجية بتطور مخ الإنسان وقدرته على خلق أنماط جديدة لا سابق لها. ويسوق سالْك أمثلة على ذلك ظهور صناعة البناء ثم القدرة على وضع المخططات والتصاميم واختراع أجهزة الحاسوب والراديو والتلفزيزن والطائرات والأسلحة النووية وبروز علم الفيزياء والكيمياء والأحياء والفلسفة، ويقول بأن "العقل البشري قد رفع من معدل سرعة التطور بطريقة مذهلة."(24) إن تطور ما قبل الحالة البيولوجية تدعى أيضاً بمرحلة التطور المادي "physical evolution"، فنرى أن سيريل بونامبيروما "Cyril Ponnamperuma" الرئيس السابق لقسم التطور الكيميائي لفرع الدراسات الخارجة عن الأحياء "Exobiology Division" التابع لوكالة الفضاء الأمريكية القومية "NASA"، وأستاذ الكيمياء ومدير معامل التطور الكيميائي في جامعة مريلاند (الولايات المتحدة)، نراه يشير إلى أن التطور الكيميائي هو أحد أوجه تطور الحالة ما قبل البيولوجية فيقول:
إن التطور الكيميائي قائم على نظرية أن لبِنات بناء الحياة "building blocks" قد صُنعت قبل بدء الحياة... فالأرض عمرها أربعة بلايين ونصف البليون سنة تقريباً، وفي اعتقادنا أن أقدم نوع من الحياة قد ظهر على الأرض قبل ثلاثة بلايين وثمانمائة ألف سنة. وقد توصلنا إلى هذا الإستنتاج لأن أحافير "fossils" الجزيئات الحية "living molecules" التي وُجدت داخل الترسّبات الحجرية في إسْوَا "Isua" بغرينلاند قد حُسِب عمرها بثلاثة بلايين وثمانمائة ألف سنة، وهي من أقدم الحجارة المعروفة على سطح الأرض.(25)
الحياة والوعي
كيف ظهرت الحياة على الأرض هذا ما زال حقيقة مجهولة. بذل العلماء عدة محاولات في معاملهم وأبحاثهم لخلق ما يطابق ظروف ظهور الحياة على الأرض وركّزوا في ذلك على تشكيل المواد الكيميائية العضوية الأساسية بما فيها الأحماض الأمينية، وهي لَبِنات بناء البروتينات الضرورية لإيجاد الحياة. من المعتقد الآن "أن هناك حساءً بدائياً تملؤه جزيئات عضوية كان موجوداً في الأرض في غابر الزمان"(26) ويحاول علماء اليوم إظهار أن هذه الجزيئات العضوية الأساسية من الجائز أنها تجمّعت مكوِّنةً جزيئات أكبر قادرة على التكاثر مؤلّفةٍ من البروتين والحمض الأميني، وهي اللبنات البنّاءة للجينات "genes". فيأمل العلماء أن يكون باستطاعتهم خلق مثل هذه الجزيئات وبذلك يكون بمقدورهم وضع الخريطة الجينية "genetic code" ثم خلق الحياة بذاتها.
إن الأمر ليس بهذه البساطة كما يتراءى لنا. ففي العصور الغابرة كان هناك مفهوم "المبدأ الحيوي" "vitalism" القائل بأن طاقة الحياة كائنة فوق قوانين الطبيعة والكيمياء، وهي التي تعمل داخل الكائن الحي. ومع ذلك فإن العديد من علماء عصرنا يعتقدون بأن جميع مظاهر الحياة يمكن تفسيرها بتحليل مكوِّناتها الطبيعية والكيميائية وتفاعلاتها مع بعضها البعض. وهم بذلك يُنَحُّون جانباً فكرة المبدأ الحيوي. وبما أن العلماء لم يعثروا على "طاقة الحياة" " life force" في تجاربهم، فقد خَلُصُوا إلى أنها غير موجودة. إلا أنهم عادوا مؤخراً وأخذوا يبحثون في موضوع "طاقة الحياة".(27)
أما روجر سبيري "Roger Sperry"، الباحث البارز في المخ الذي شارك في جائزة نوبل في الطب الباطني والفسيولوجي على دراساته في انفلاق المخ "split-brain"، فقد بيّن في مشاهداته لهؤلاء العلماء أنه "كلما أطالوا وتعمقوا في أبحاثهم ورؤاهم بكل جهد جهيد كلما ازدادوا يقيناً بأنه لا وجود لمثل تلك الأشياء، ولذلك خلصوا إلى الإستنتاج بأن الكائنات الحيّة ما هي إلا تفاعلات فيزيوكيميائية "physiochemical" بأشكال مختلفة ودرجات متفاوتة من التعقيد." ويذهب سبيري إلى القول: "نحن دارسي الأحياء "Biologists" كان بحثنا يدور في الأماكن الخطأ. فأنت لا تبحث عن القوى الحيوية داخل الذرات والجزيئات "atoms and molecules"، بل يجب البحث عنها في الأشياء الحية... إن الطاقات الحيوية الخاصة التي تميّز الكائنات الحية عن غيرها هي ظهور خاصّياتها الكليّة وليست صفات مكوِّناتها الفيزيوكيميائية، ولا يمكن لنا أيضاً أن نجد لها تفسيراً من عملها الميكانيكي الآلي."(28) يبدو أن هذا يلخّص لنا الحيرة التي يقع فيها علماء المادية. إن ظاهرة الحياة الخاصة بالوعي، كما سنلاحظه لاحقاً، لا يمكن تفسيرها بالكامل بدراسة المكوِّنات الفيزيوكيميائية للأعضاء الحية لوحدها، ولا يمكن تفسيرها أيضاً من منطَلَق آليّ، بل لا بدّ من إضافة مكوِّنٍ جديد حتى نستطيع تفسير الحياة، ويمكن حصول ذلك إذا أخذنا في الإعتبار موضوع التطور ما بعد الحالة البيولوجية "metabiological". فالقوانين الرئيسة للتطور ينسحب تطبيقها على جميع الكائنات الحية بما فيها الإنسان إلى أن نجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام موضوع الوعي الإنساني.
في هذا الوضع نجد أن قوانين التطور لا تأتي متفقةً مع الحقائق. فما هو الوعي الإنساني ومن أين يأتي؟ هل يُنتجه المخ، وإذا كان كذلك فكيف؟ وكيف لعضو مثل المخ أن يوجِد ما يمكنه أن يتحكم بعمله ووظائفه؟
سُئل كارل بريبرام "Karl Pribram"، الباحث الشهير في المخ، عن علاقة العقل بالمخ تحديداً، وذلك في مقابلة مع صحفي يُعْنَى بالشؤون العلمية: "أين هي بالضبط نقطة الوصل بين العقل، غير المادي أو الروح، والعضو المادي؟" فأجاب بأنها حقاً مشكلة قد جابهت العلماء وتحدّتْهم مدة طويلة. إنها مشكلة "تأثير المسبِّب على الأدنى"(29) "downward causation"، وكان يعني بهذا أن العقل والوعي يغيّران من أنماط الخلايا العصبية مما يؤثر على المخ عادة في تكوينه الكيميائي. أما كيف يمكن حدوث ذلك؟ يشير روجر سبيري إلى أنه:
"طبقاً لآرائنا الحديثة في الوعي (الإدراك) فإن القيم السلوكية والأخلاقية أصبحت جزءاً مشروعاً ومنطقياً جداً في العلوم الخاصة بالمخ، ولم تعد تُعتَبر عاملاً يحدّ من وظائفه ويعيقها، بل أصبحنا نرى بدل ذلك أن هذه القيم نفسها لها تأثير قوي على أداء المخ وعلى السلوكيات إذ هي تشكّل العوامل الحاسمة للإنسان في صنع جميع قراراته، وهي في الواقع تلك القوة الأعظم في المسبِّبات التي تتحكم في تشكيل الأحداث التي تأخذ مجراها في عالم اليوم."(30)
إنها ملحوظة في غاية الأهمية لعالِم بارز يؤمن بأن أهمّ تحدٍّ تواجهه الإنسانية العمل على تطوير مجموعة جديدة من القيم العامة. يدرك سبيري أن الرؤى الحديثة للعلاقة بين العقل والمخ قد جاءت تقريباً نتيجة الحكم بأن "المستويات العليا في نشاط المخ تتحكم بالسفلى، والخاصيات المميزة العليا للعقل والوعي هي الآمر، فتُحَدِّد المطلوب وتمارس تحكمها بالمستوى الأدنى في اتجاه مسيرة الدفقة العصبية "nerve-impulse".(31) على ضوء هذه المشاهدات والمكتشفات يتحدث سبيري عن نموذج جديد من "العقلانية" "mentalism" مقابل المادّية. فدعا إلى العلم العقلاني ليأخذ مكان العلم المادي الذي يرفض حقيقة العقل والوعي وأداءهما وقواهما.
ويعبّر بريبرام عن آراء مشابهة في قوله:
"للمرة الأولى، خلال ثلاثمائة عام، يُدخِل العلمُ القِيَمَ الروحيةَ ضمن دراساته. إنها مسألة فائقة الأهمية. فلو أنكرتَ الجانب الروحي في طبيعة الإنسان سينتهي الأمر بك إلى القنابل الذرية وإدارة اجتماعية تِقنية بحتةٍ مجرّدة من الإنسانية."(32)
يشترك في هذا الرأي ألبرت هوفمان "Albert Hofmann" مكتشف عقار الهلوسة (LSD-25) فيقول: "لو شاهدتَ عجائب الخلق لبدت استحالة تكوينه مصادفة. فلا بد أن يكون وراءه شيء روحي سامٍ هو ما نسميه الله."(33) تطرح هذه الملاحظات بشكل أساسي نفس التساؤلات عن الوعي وعن الحياة. فما هو أصل الوعي، ولماذا طوّر إنسان ما قبل التاريخ فجأة، وقبل مائتين وخمسين ألف سنة، مخّاً لم يستعمل إلا جزءاً منه؟ وكما لا حظنا سابقاً فإن هذا التغيير كان فريداً من نوعه وخاصاً بالمخلوقات البشرية وضد القوانين المعروفة للتطور البيولوجي التي تقول بأن عملية التطور تأخذ مجراها خطوة بعد أخرى فوق الطاقات الجديدة المكتسبة التي يمكن للكائن الحي أن يستعملها. فمخ الإنسان الذي ازداد حجمه باطّراد منذ مائتين وخمسين ألف سنة يبدو أنه حتى اليوم لم يُستفَدْ منه إلا جزئياً. وبالمثل فإن تطور عقلنا ووعينا لا يزال متخلّفاً وراء تطوّرنا البيولوجي. فظهور مخ الإنسان وذكائه الفريديْن هو بداية المرحلة الثالثة من التطور العام الذي شرحه سالْك.
مرحلة التطور ما بعد الحالة البيولوجية "Metabiological Evolution"
إن تطور ما بعد الحالة البيولوجية هو في حقيقة الأمر تطورٌ روحاني، وهو ظاهرة هامة جداً تمثّل تطور الوعي عند الإنسان. والوعي هنا يحمل معانٍ عديدة من قبيل الذكاء، إدراك الذات، العقل، وهي أساسية تشير إلى الحقيقة نفسها ما وراء الطبيعة وما فوق الصفات البيولوجية، وهي التي تعبِّر عن نفسها بكل حيوية في ميادين ابتكار الفنون والعلوم، التحلّي بالقيم والفضائل، ظهور الثقافات، وبروز كل ما من شأنه أن يعبّر عن تفرّد الإنسان وتميُّزه. لقد بدأ عدد من العلماء في الأعوام الأخيرة التحدّث عن التطور الثقافي على أنه تطور مميّز وشكل من أشكال التطور البيولوجي والكيميائي. فمثلاً يقول سبيري بأن "ما يسمى بالثلاثة الكبار... الوعي والإرادة الحرة والقيم" – كانت دائماً تلك الشوكة التي تَخِزُ جسد العلم المادي وكان يرفضها تماماً. على أن الصياغة الحديثة للعلم الخاصة بعلاقة العقل بالمخ "تجعل الأحداث المدرَكة عقلياً هي المسبِّبات".(34) ومع ذلك من الجدير بالملاحظة أن العلماء مثل سبيري يعتقدون أن المخ يولِّد ويكوِّن برامجه العقلية الخاصة به. فهؤلاء العلماء لديهم تخوّف مشروع جداً في قبول أي مفهوم يمكن إثباته بطريقة علمية. ومع ذلك هم في غاية الإستعداد للإقرار بأن الأسلوب الآليّ للعلم المادي القائم أصلاً على رؤية نيوتن لآلية العلم "Newtonian World-Machine perspective" إنْ هو إلا محدود جداً في مداه. فهو عاجز عن إدراك جميع الحقائق، ويعتمد على الدراسة النقدية المُفَصّلة والتحليل. يفتقر إلى القدرة على الجمع بين الأشياء لنراها في صورتها الكاملة، ويرفض قبول بروز الظواهر غير الطبيعية مثل الحياة والوعي. ولذلك فإنه يسعى إلى تعليل تلك الظواهر في إطار القوانين الآلية والبيوكيميائية وخَلْقها في المختبر أو في الحاسوب. في هذا السياق من تلك الخلفية يتّخذ مفهوم التطور الروحاني أهميته الفريدة.
يشير التطور الروحاني إلى تلك العملية التي تَطَوَّر فيها الوعي بصفته حقيقةً روحانية. هذه العملية مشابهة لتطور الحياة على أنها حقيقة بيولوجية وتطوّر الطاقة على أنها حقيقة طبيعية. فبالطريقة نفسها بأن الحياة لها خصائصها الفريدة مثل: النماء والتكاثر والتمثيل الغذائي فإن الوعي له خصائصه الفريدة أيضاً. فالوعي ليس شيئاً مادياً؛ فلا هو بالمُركّب وليس له ارتباط بالزمان والمكان، ومع ذلك، كما نعلم، فإن الوعي لا يتأتّى إلا من سياق المراحل التقدمية للتطور العام(مادياً وجسمياً وروحياً). وبكلمات أخرى فحتى يظهر الوعي فمن الضروري توفّر المادة والحياة معاً.
كيف بدأ الكون هذا ما نجهله حقاً. وبالطبع لدينا مفاهيم عن "الإنفجار الكوني الهائل" "Big Bang" وما أعقبه. أما أصل الكون فلا يزال سراً غامضاً. هناك تفسيران اثنان لا غير: إما أن يكون قد أتى من العدم أو أنه تشكّل. فالأول يتضح أنه غير علمي لأن العلم يخبرنا بأنه لا يأتي من العدم إلا العدم. أما الثاني فيتطلب منا تبنّي مفهوماً مغايراً للنظرة المادية للعلم. وعلى الأقل، في المستوى النظري، اعتبار أن هناك حقيقة روحانية وليست مادية هي السبب الأساس في وجود هذا الكون كما نعرفه.
تقول نظرية التطور الروحاني بأن العقل الأول والوعي الأزلي (الله) الذي كان من الأول الذي لا أول له قد أوجد الكون بخصائصه الفريدة ومن ضمنها قانون التطور. إن نظرية التطور الروحاني تقول بأن العقل الأول والوعي الأزلي منذ الأزل إلى أبد الآبدين سيبقى موصولاً بعملية الخلق الأزلية والتطور الذي لا ينقطع. وبكلمات أخرى؛ ما نراه يحدث فجأة وما نشاهده من حُقبٍ ليست في الحسبان ما هو إلا نتيجة لمراحل التطور الثلاثة المميزة وبمشيئة إرادة العقل الأول. وعليه، فإن ظهور الحياة، وهي طفرة كبيرة من التطور المادي إلى التطور البيولوجي (الأَحيائي)، يُعزى إلى نبض العقل الأول. وحتى نُصيغ الموضوع بلغة روحانية، فإن الله سبحانه وتعالى قد نفث روح الحياة في المادة (التي لا حياة فيها) فقال: "كن" فكان كل شيء.(35)
قد يجادل أحدنا بأنها فكرة غير طبيعية ولا يمكن حدوثها. ولكن ألسنا نحن البشر قائمون بالعمل نفسه في عالمنا؟ فكيف وُجدت الطائرة؟ فعقل الإنسان قال: "كوني" فكانت في النهاية. أليس الشيء نفسه يحصل فيما نصنع ونبني؟ ألا نحتاج أولاً إلى فكرة ثم وعي وإدراك ثم إرادة؟ هل يمكن لشيء ما أن يوجَد دون إرادتنا الواعية؟
إن فعل الخلق والتشكيل يختلف عن عملية التطور، فالخلق بحاجة إلى إرادة واعية، أما التطور فإنه يسير طبقاً لقواعد موضوعة. ولذلك ليس بعيداً إدراك أن دَفَقات خلق هذا الكون المادي ثم ظهور الحياة فيه نابع كله من العقل الأول الذي يسمو بطبيعته فوق قوانين الطبيعة والأحياء.
ولتوسيع مدى الرؤية في هذه النقطة، لا بد لنا من تطبيق المبدأ ذاته على ظهور الوعي. فلنعدْ ثانية إلى العلاقة بين التطور المادي والأحيائي (البيولوجي). من الواضح أن الحياة لا يمكن إيجادها دون وجود شيء يكوِّن الجسم اللازم لتجسيد الحياة فيه. فمن الناحية الأساسية هناك عنصران يجب توفُّرهما لكل كائن حي: مكوِّنات مادية _ خاصةً وجود الكربون )، ثم المكوِّنات المُشفَّرة داخل الجينات وكلاهما لازم للحياة.
إن موضوع الشفرة الجينية له خاصيته في الإهتمام. يبدو لنا أن المادة والوعي يلتقيان معاً في هذا المستوى من المنظور ويجعلان الحياة ممكنة. فهذه العلاقة المعقدة هي التي تفرض على الكيميائي سيريل بونامبيروما أن يعلن بقوة: "في كل شيء نبض حياة محدد".(36) ذلك لأن في كل شيء قدراً معيّناً من الوعي وإن يكن وعياً لا يدرِك نفسه خلال سلسلة حلقات التطور إلى أن يصل إلى مرتبة الإنسان. ففي طريق مسيرتنا من مستوى الجُسيمات دون الذرية والذرات إلى مستوى الكواكب نشاهد أمرين: الهدف والأمر بالإيجاد. فالإلكترونات (الشحنات السالبة) تدور حول النيوترونات (الشحنات المتعادلة)، والبلورات تتشكل بترتيب معين، والنجوم تسبح بغاية التنظيم بحيث لو حدث أي خلل في أي من هذه الأنظمة لكانت عواقب لا يمكن تصورها. فالجميع يتبع أنظمة محددة موضوعة. وبالمثل يمكننا القول بأن هناك شكلاً بدائياً للوعي (الهدف والنظام المحدد)، ومع ذلك غير واعٍ بوجوده تماماً إلا أنه يمكن أن يُلاحَظ فقط لأننا نتمتع بالوعي الكافي.
هذا ما ينسحب على ميدان التطور البيولوجي بفارق بسيط هو أن الوعي هنا أكثر تطوراً وتعقيداً مع أنه لا يدرك نفسه. فلا نشاهد الهدف الحقيقي ومثله عملية الوعي إلا في مستوى الكائنات الحية. فمثلاً نرى أوراق الشجر تتوجه نحو الشمس، والحيوانات تشعر بالألم، حتى أن بعض الحيوانات الراقية حائزة على نوعٍ معين من الذكاء. ومع ذلك فإن هذه الأنماط من الوعي لا تمنح أصحابها إدراكاً بوجودها. ففيما يتعلق بذكاء الحيوان نقرأ في ما قاله بريبرام ما يستحق الإهتمام: "أجد نفسي مدفوعاً إلى القول بأن المخلوقات البشرية مختلفون عمّا دونهم من الحيوانات الرئيسة تماماً كاختلاف الثدييات عن الحيوانات الفقارية "vertebrates". فلسنا متفردين في امتلاكنا الذكاء، إلا أن ذكاءنا جدُّ مختلف."(37)
لقد أظهر التطور البيولوجي، بما لا يدع مجالاً للشك، بأن هناك علاقة مباشرة بين حجم الجهاز العصبي المركزي "central nervous system" وتعقيد تركيبه بشكل عام والمخ بشكل خاص من جهة ودرجة الذكاء عند كل كائن حي من جهة أخرى. إنها ملاحظة تحمل الحقيقة إلى أن نصل بها إلى الإنسان الذي نجد فيه فجأة ظهور مخّه الفريد المتميّز. وكما أُشير سابقاً فقد ظهر المخ البشري قبل ثلاثة ملايين سنة تقريباً، لذا يمكننا اعتبار هذا التاريخ بداية التطور الروحاني. فهي فترة زمنية احتاجها الإنسان الشبيه بالحيوان إلى أن بدأ بالتدريج يدرك "نفسه"، وأنه يختلف عن باقي المخلوقات، فطوّر نوعاً من اللغة وبدأ يتصل بمثله من المخلوقات الذين يملكون الوعي بأنهم يدركون أنفسهم.
وفي سبيل فهمٍ أكبر لطبيعة التطور الروحاني، من الجدير أن نعرّف الوعي (الإدراك) باختصار ونراجع بعض الأفكار التي وردت بخصوصه. لقد لاحظ بيبرام أن:
هناك على الأقل أوضاعاً ثلاثة تُستعمل فيها كلمة "وعي". الأولى لنا فيها حالات من الوعي مثل: النوم، اليقظة، والغيبوبة ويتساوى في ذلك الإنسان والحيوان. ثم نستعملها في التعبير عن حالات من الوعي أو اللاوعي؛ فعندما تقول أن جون في حالة من الضيق النفسي فإنك تشير بذلك إلى "مشاكل آتية من اللاوعي"، أما إذا صدر صوت هسهسة عن القطة فلا تستطيع القول أن صراعاً داخلياً سبب لها هذا التصرف. وعندما نتكلم عن الوعي أو اللاوعي عند الإنسان فإننا نتكلم عن درجات الوعي الذاتي (الإدراك). وخلاصة القول فإنه بالإضافة إلى حالة الوعي بالشيء والعمليات التي تعرّف لنا الإدراك، نكون قد توصلنا إلى ما يشكّل الوعي والإدراك – وهو ما نتوجه له باهتمامنا.(38)
إن هذا التعريف للوعي (الإدراك) يساعدنا كثيراً لأنه يرينا مزالق الوقوع في استعمال كلمة يمكن أن تعني أشياء كثيرة لأناس عديدين في حالات مختلفة. ففي سياق السيكولوجية الروحانية نشير إلى القوى الكامنة في عقل الإنسان، إذ هو حائز على طاقات هائلة. ولهذا نقرأ في قول سبيري "إن العقل ليس بمقدوره أن يمحّص الماضي فحسب، بل ويستشرف المستقبل فيحدد الخيارات. فطاقة العقل وفعالياته تسمو فوق الزمان والمكان الخاصَّيْن بفسيولوجية المخ."(39)
إن العلاقة بين العقل والمخ لا تنقطع بشأنها اهتمامات العلماء. فبعد سلسلة من خبرات المخ ذي الفصّيْن وتجاربه لاحظ سبيري أنه "طالما أن كل واحد من فصّي المخ قادر على تغذية جهازه الواعي الإرادي الخاص به... فالسؤال هنا لماذا إذن، في الوضع الطبيعي، لا نرى أنفسنا زوجاً من شخصين: يسار وآخر يمين بدل ما نشعر به بأننا فرد واحد يتحد فيه العقل والنفس؟" ويستطرد سبيري في قوله بأن ذلك سببه أن الوعي والإدراك "وجود انبثاقي أسمى من وعينا بالفصّيْن الأيمن والأيسر."(40) فهذه الملاحظة والإستنتاج مطابق لمفهوم السيكولوجية الروحانية للنفس البشرية. فنرى أنفسنا وحدة واحدة بسبب طبيعة روحنا وطاقاتها الفكرية في المعرفة والمحبة والإرادة.
في الأحوال الطبيعية يتأثر مخ الإنسان بعقله إلى حدّ كبير، ولذلك عندما نطوّر طاقات عقلنا ونوسّع وعينا وإدراكنا لأنفسنا نستطيع القيام بأعمال متعددة. وأكثرها وضوحاً ما نطوره في حياتنا من درجة أعلى في تكامل شخصيتنا وكمالها. إلى جانب أننا بأفكارنا وأفعالنا نشارك في عملية التطور الروحاني الجماعي للبشرية. والخلاصة أن هناك دلائل علمية تسترعي الإهتمام بأن التوسع في الوعي وتأثُّر أفكارنا ومشاعرنا وسلوكنا بالرؤى العامة والقيم الأخلاقية له تلك التأثيرات المباشرة على أداء المخ وحتى على التركيب التشريحي والفسيولوجي له.(41)
إنها وقائع تؤكد تلك النظرية الرئيسة التي قُدمت في هذا القسم بأن التطور الإنساني هو عملية تشمل تطور الإنسان مادياً وجسمياً وروحياً "biopsychospiritual"، وأن الصحة الجسمانية والإستقرار العاطفي والإستنارة الروحية كلها لاعب رئيس في التطور السليم للجنس البشري. ومن أجل هذا يجدر بنا إعادة تقييم دور الدين في حياة الإنسان. وأعني بالدين هنا ذلك المنهج الذي يقدم لنا المبادئ الروحانية والأخلاقية والسلوكية دائمة التقدم التي تلبي حاجات الإنسانية وهي تدخل عهدها المجيد في البلوغ الجماعي.
وكما ذكرنا سابقاً، فإن الدين والعلم هما وجها المعرفة الإنسانية. فأحدهما دون الآخر غير كفؤ للإستجابة لمتطلبات التطور الإنساني أو تقديم الإرشاد المناسب له ورسم معالم سليمة لحضارة منيرة يسودها السلام. وعليه، فإنه من الضروري بذل اهتمام خاص بتلك المواضيع التي تتيح لنا تكامل مبادئ العلوم والمبادئ الروحانية في تقارُبٍ عملي سهل من أجل تطوير نمط لحياة روحانية متكاملة.

المراجع:
19. Ornstein, The Psychology of Consciousness, 83.
20. Grof, Beyond the Brain, 21.
21. Grof, Beyond the Brain, 21-22.
22. Grof, Beyond the Brain, 22.
23. Wilder Penfield, The Mystery of the Mind.
24. Jonas Salk, citd in Omni Interviews, 100.
25. Cyril Ponnamperuma, cited in Omni Interviews, 6.
26. Cyril Ponnamperuma, cited in Omni Interviews, 7.
27. See the interview with Roger Sperry in Omni Interviews, 187-207.
28. See the interview with Roger Sperry in Omni Interviews, 199-200.
29. See the interview with Karl Pribram in Omni Interviews, 136-51.
30. Roger Sperry, cited in Omni Interviews, 191.
31. Roger Sperry, cited in Omni Interviews, 194.
32. Karl Pribram, cited in Omni Interviews, 148.
33. Albert Hofmann, cited in Omni Interviews, 159.
34. Roger Sperry, cited in Omni Interviews, 197.
35. For a comprehensive perspective on the spiritual concept of evolution and consciousness, see ‘Abdu’l-Bahá, Some Answered Questions, particularly Part 4, “On the Origin, Powers and Conditions of Man”, 205-96.
36. Cyril Ponnamperuma, cited in Omni Interviews, 4.
37. Karl Pribram, cited in Omni Interviews, 139.
38. Karl Pribram, cited in Omni Interviews, 137-38.
39. Roger Sperry, cited in Omni Interviews, 198.
40. Roger Sperry, cited in Omni Interviews, 195-96.
41. Roger Sperry, cited in Omni Interviews, 196.



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المخ (الدماغ)، الوعي، الروحانية
- نحو قواعد عامة للسلوك الإنساني
- المحبة والإتحاد
- من المراهقة إلى النضج
- الحرية وإرادة الإنسان
- أسقام المعرفة في حالةٍ تعالج المصاعب السيكولوجية بالنسبة للف ...
- أسقام المعرفة
- عندما تتجه الأمور نحو الأسوأ-المعاناة أول الطريق نحو الحقيقة ...
- سيكولوجية الروحانيّة وخصائص الإنسان الأساسية
- رؤيا جوهرية نحو سيكولوجية متطورة- المحبة والإرادة و البحث عن ...
- رؤيا جوهرية نحو سيكولوجية متطورة-الغرض من الأحاسيس
- قراءة في كتاب أمتع روحي-سيكولوجيّة الروحانيّة-من نفسٍ منقسمة ...
- قراءة في كتاب أمتع روحي-سيكولوجيّة الروحانيّة-من نفسٍ منقسمة ...
- قراءة في كتاب أمتع روحي -المادية كنهج للحياة
- معنى الإسلام
- الحياة الروحانيّة-4/4- -الحياة الروحانيّة والمجتمع البهائي
- الحياة الروحانيّة-3/4- -التجارب والصعاب
- الحياة الروحانية-2/4-الممارسات الروحانيّة والتطوّر الروحاني
- الحياة الروحانية-1/4
- الكفاح من أجل العدالة: تغيير آليات التفاعل البشري


المزيد.....




- محاكمة مؤسس ويكيليكس: أسانج ينهي الأزمة مع أمريكا بعد الإقرا ...
- عيد الغدير.. منشور نوري المالكي وتعليق مقتدى الصدر وتهنئة مح ...
- مصر.. تقرير رسمي يكشف ملابسات قتل طفل وقطع كفيه بأسيوط
- السعودية تقبض على سوري دخل بتأشيرة زيارة لانتحال صفة غير صحي ...
- القضاء الأمريكي يخلي سبيل أسانج -رجلا حرا-
- القضاء الأمريكي يعلن أسانج -رجلا حرا- بعد اتفاق الإقرار بالذ ...
- رئيس ناسا: الأمريكيون سيهبطون على القمر قبل الصينيين
- في حالة غريبة.. نمو شعر في حلق مدخّن شره!
- مادة غذائية تعزز صحة الدماغ والعين
- نصائح لمرضى القلب في الطقس الحار


المزيد.....

- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - راندا شوقى الحمامصى - المخ البشري والروح الإنساني:ديناميكية (حركة) الترقي الروحاني