|
هل بدأت الحرب على أسلمة أوروبا؟
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2965 - 2010 / 4 / 4 - 12:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
على عكس ما يشيعه الخطاب الدعوي الصحوي من أن الإسلام يتقدم في أوروبا، وأن عملية أسلمة أوروبا جارية على قدم وساق، هناك تراجع ملحوظ للأسلمة ومحاولة جادة لوقف أسلمة أوروبا ومنع المظاهر الدينية التي هي صلب الأسلمة، أي الحجاب والنقاب والمآذن واللحية والتجهم والعبوس والانزواء وسواها. فهذه المظاهر التي اكتسحت الشرق الأوسط في ستينات وسبعينات القرن الماضي ، كانت تعتبر من قبل كثيرين دليلاً على ما سمي بالصحوة الإسلامية التي لم تكن في الحقيقة سوى نكسة وردة حضارية وتحجر وانغلاق وعودة إلى الوراء، كونها لم تترافق ولم تنعكس بأي شكل إيجابي على حياة الناس والشعوب، بل على العكس ازدادت فقراً، وجهلاً، وأمية، واستبداداً وقهراً، ونهباً للثروات الوطنية، على مرأى ومسمع من الصحويين الذين كانوا يصموا الآذان عن كل موبقات السلطات الشرق أوسطية وفجورها. وانطلق الصحويون في عملية مبرمجة ومغطاة رسمياً من نظم القهر والاستبداد لتكبيل المجتمعات ولجم تطلعاتها تحت دعاوي التمسك بالدين والقيم والتقاليد، وفرضوا أنماط سلوكهم وتفكيرهم على المجتمعات والشعوب، واستلموا ناصية القرار، وباتوا يوجهون قطاعات التربية، والثقافة، والإعلام، الأخطر على الإطلاق، وفق رؤاهم الضيقة والمتحجرة، فكانت النتيجة، مجتمعات مفككة ضحلة في تفكيرها وتطلعاتها، وقابلة للتفجير والانشطار والصدام.
وقد استغل الصحويون فسحة الحرية، والدساتير المتسامحة مع الأقليات وحرية التعبير والعبادات واحترام الإنسان، وسيادة قيم الحرية والعدالة والمساواة في الغرب، ليطبقوا نفس البرنامج من الأسلمة الظاهرية، الخالية بنيوياً وجوهرياً، في كثير من الأحيان، من عمق إيماني، ونقلوا نفس تكتيكاتهم الاستفزازية إلى المجتمعات الغربية، عبر محاولات فرض مظاهر الأسلمة على المجتمعات الغربية بنفس الطريقة والأسلوب الذي اتبعوه في منظومات الاستبداد والقهر الشرق أوسطية. وفي الحقيقة كان الجهل بمعطيات الواقع، وإساءة فهم للتركيبة الثقافية والدستورية والسياسية القائمة هو وراء سلوك الجماعات الإسلامية في الغرب، وبعض رموزها، التي اعتقدت أن ما طبق وما قامت به في مجتمعاتها الأصلية قد ينجح في الغرب وفي مجتمعات علمانية، لا تعنيها كل تلك الخزعبلات ومظاهر الدروشة والأسلمة، وتنظر في باطن وجوهر الأشياء لا في ظاهرها، كما هو الحال في مجتمعاتنا.
وصارت الأسلمة والتدين تعني في العرف والمفهوم السائد وفي مجتمعاتنا، لبس الحجاب والنقاب وإطلاق اللحية ولبس الدشداشة، والمداومة على الفروض والعبادات ....إلخ، وليس أي شيء آخر، ومن دون أن ينعكس كل ذلك على حياة الفرد على نحو إيجابي، أي أن التدين لم يعن بحال الازدهار والإبداع والنجاح والوفرة والبحبوحة والسعادة والحب والمودة، بقدر ما عنى عكس ذلك كله بالمطلق. فالحقيقة والواقع يقولان، حين يكون الإنسان غير متدين يكون أقرب إلى كل ما هو جميل وحلو في الحياة.
وبات واقع الحال يقول أنه عندما تلبس أية امرأة الحجاب، فهذا يعني أنها أسلمت وصارت متدينة تحيطها هالة من الورع والعصمة والنجاة وحتى القداسة من دون إمكان تلمس ذلك بشكل جوهري وحقيقي وداخلي، وهذا الأمر ينطبق على الرجال الذين كان الثوب القصير واللحية والتجهم والعبوس والاكفهرار هي جواز سفرهم للعبور نحو عالم التدين والعصمة والنجاة. وبنفس السياق، كان سلاح أسلمة أوروبا الرئيسي، الذي انتهجته الجماعات والرموز إياها، هو الحجاب الإسلامي، والنقاب، وبناء المساجد، واللحية والدشداشة والمظاهر الدينية الأخرى، فقط، التي لا علاقة لها بجوهر القيم الروحية والدينية والأخلاقية، ولا تعكس أيماناً حقيقياً، ولا يمكن من خلالها التعرف على، وتلمس القيم الدينية الحقيقية التي من المفترض التي تحث وتحض على الحب والتسامح والتعايش والانفتاح على الآخر والتفاعل مع الحياة، لا التعصب والانغلاق والتحجر والكراهية التي أدت إلى انزواء المسلمين في كانتونات "عنصرية" مغلقة، وبكل أسف في قلب أوروبا التنويرية المتسامحة. وبلغ تطرف الجماعات والرموز المتأسلمة حد مهاجمة تلك المجتمعات والإعلان عن الرغبة في تقويض أنظمتها السياسية وإقامة الإمارات الدينية الظلامية المستبدة الصحراوية الأبوية القبلية القاحلة الجرداء القاتلة للعقل والإبداع، وبناء نظام الخلافة مكانها وازدراء عقائد الآخرين وحياتهم، وأنماط معيشتهم وتفكيرهم، وتكفيرهم، والاستعلاء عليهم واحتقارهم وتخوينهم، وبكل استهتار ولا مبالاة، ومن دون أي شعور بمسؤولية أخلاقية أو أدبية على الإطلاق، وكما يفعلون تماماً في منظومات الاستبداد.
تلمس الأوروبيون على رؤوسهم، وتيقنوا أن التسامح قد لا ينفع مع بعض الناس، وأدركوا مع الغربيين بشكل عام، معنى ترك الحبل على الغارب، ومدى ما سيهدد ذلك من أمن وبقاء المجتمعات التي لو تمكنت منها تلك الجماعات لأصبحت أوروبا لا تختلف عن مصر والسعودية وباكستان والسودان والصومال ومنظومة الخليج الفارسي والإمارات الظلامية الأخرى. وبدأت لذلك سلسلة من الإجراءات والتشريعات للحد من مظاهر التدين والأسلمة ومحاربة محاولات تديين تلك المجتمعات، وذلك عبر سن سلسلة من القوانين التي تجرم النقاب والحجاب والمآذن وغيرها، وتمنعها بشكل علني، واعتبارها تتنافى مع الطبيعة العلمانية والثقافية لأوروبا. كما انعكس الأمر وبكل أسف بسياسات تمييزية وعنصرية، أحياناً تطال العرب والمسلمين، من قبل بعض الجماعات الفاشية والدينية أدت لحوادث مؤسفة على غرار جريمة قتل مروة الشربيني.
وقد شرع فعلاً في هذا الأمر فعلاً في كل من فرنسا، وبلجيكا، وهولندا، من منع للحجاب والنقاب، كما منعت سويسرا بناء المآذن بشكل نهائي باعتبارها رموزاً دينية. وهناك اتجاه لمناقشة هذا الأمر على مستوى البرلمان الأوروبي، في إطار سياسة توحيد القوانين والتشريعات الأوروبية المتبعة، والذي يعني في النهاية إصدار تشريع موحد وملزم، بهذا الشأن للدول الأعضاء في الاتحاد، وهذا يعني اختفاء النقاب والحجاب من شوارع ومدارس ودوائر أوروبا الأخرى، ونهاية لكل مظاهر الأسلمة كما يقال، وتكون نبوءة وأزعومة الجماعات إياها بشأن أسلمة أوروبا، وفتح روما، وتربع خليفة من حزب التحرير على عرش الفاتيكان، قد سقطت وانتهت وإلى الأبد، وكل الحمد والشكر لله.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ابن تيميه في قفص الاتهام
-
من يجرؤ على الكلام في حقب الظلام؟
-
العلاقمة الجدد قادمون
-
الله الإنسان أو الإنسان الإله، بين أنسنة الله وتأليه الإنسان
-
سيناريو افتراضي لمؤتمر القمة العربية عام 2048
-
الأتمتة وسنينها: المواطن-الزبون
-
هاتفكم مقطوع لأسباب مالية
-
هدم المساجد: النار التي ستأكل نفسها
-
هدم المساجد: النار التي تأكل نفسها
-
أين هي ثقافات وعقائد شعوب المنطقة قبل الغزو البدوي؟
-
موسم الهجرة إلى الشام
-
إياكم والتمسك بالأخلاق والتقاليد العربية الأصيلة
-
لماذا لا يلغى مؤتمر القمة العربي؟
-
دول الخليج واللعب بالنار
-
متى سيكون الرد السوري؟
-
مسلسل ضاحي خلفان
-
مبروك للحوار المتمدن
-
هل تعرف مكان يحتاج مسجد؟
-
هل ستقود السعودية راية التنوير في المنطقة؟
-
الموساد واجتياح دبي
المزيد.....
-
لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
-
“هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024
...
-
“شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال
...
-
قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
-
بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
-
السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
-
مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول
...
-
المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي
...
-
المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
-
بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|