|
العزلة
شريف السقا
الحوار المتمدن-العدد: 2927 - 2010 / 2 / 25 - 01:13
المحور:
الادب والفن
لا يعرف متى دخل هذا المكان ...كم من الوقت ...شهور ...سنين ...زمن بأكمله ...كل ما يتذكره دفعة الشبح الأسود له بداخلها ....يصرخ بلا مجيب ...جدران صماء....تبلع صوت الصراخ و تمضغ الصدي....و صورة ظل الشبح الأسود القابع على الأرض لا تتغير ...لا تتبدل ...مر به زمن طويل ....أتي من العدم ...لا ذاكرة ...كشجرة اقتلعتها رياح عاتية و قذفت بها إلى هوة العدم السحيق ... لا ليل لا نهار ....لا وقت ....لاشيء لم يؤنس وحدته سوى شيطانه و ملاكه الحارس ...يشبهون احدهم الأخر ...قد يكونوا توأمين ....و ربما كانوا يشبهونه هو أيضاً ...أتي الشيطان ليرتكب الخطيئة ...و أي خطيئة يرتكب و هو في هذه الشرنقة ؟ و كيف يرتكبها و ظل الشبح يرقبه طوال الوقت ....إما الملاك فقد جاء ليحميه من شيطانه ....و يشجعه على فعل الخير ....أي خير قد يفعل هنا ؟ و الظل لا يزال يرقبه...... بعد مرور الوقت ايقنوا الثلاثة ...انهم في المكان نفسه ...لا رابح و لا خاسر...قد يكونوا تصالحوا ...يمر بندول الوقت بطيئاً بسرعة صفر تقريباً ...... صرخ شيطانه و غادر من ثقب صغير في الجدران ....صاح و هو يغادر إن جحيمي أفضل كثيراً من جحيمك ....بقوا إثنين ...تمسك به ملاكه الحارس...بعد وقت ليس بكثير ....إستعد ملاكه للمغادرة ....تشبث بجناحيه حتى لا يتركه ...دفعه بعيداً ...صائحاً ...ليس لمثلك أبداً جحيم .... كانت هذه أخر مرة يرى وجهه الذي غادر مودعاً معهم ... وحيداً ...يلعب بمكعبات الصمت طوال الوقت ....بحث عن من يحدثه ...لم يجد سوى نفسه ...استغرقه وقت طويل حتى روض نفسه الجامحة التي كانت تركض بحرية بين ضلوعه ....أصبح يحدثها و تحدثه ...أصابهم الملل ..و نزلت ستارة الصمت الثقيل بينهما ...لم يعد يأبه ...لم يعد يعبأ .....كل ذلك و الظل الثقيل لا يزال قابعاً على الأرض يترقبه ....مطلاً عليه من نافذة روحه الضيقة....النافذة ذات القضبان القديمة .... نظر على الأرض ....لم يجد الظل ...بحث عنه ....قبع في الركن منزوياً ...يضم رجليه إلى صدره و يحوطهم بسياج ذراعيه....يخاف إن تتمرد رجليه عليه و تعدوا به إلى الباب الحديدي الصديء الذي يتوسط الغرفة ..... بعد زمن طويل وصل إلى حدود الباب ...دفعه بحذر ..كان لا يزال خائفاً من الشبح الأسود صاحب الظل الثقيل على الأرض ....صرخ صرير الحديد ...ببطء ...و إندفع ليصب في أذنيه ...أول صوت منذ أمد بعيد .... ضرب عينيه ضوء الشمس ....إغتصب اجفانه لينظر إلى الضوء ....تردد طويلاً ...خائفاً...مرتعداً ...هم بالتراجع ...تراجع بالفعل يرتعش ...ينكمش ...تكور على نفسه .... حسم أمره و إلقي بنفسه خارجاً........ رأي طريق ملتوياً كالأفعي ...بين التلال ....مكسواً بالحصى الملون .....مشي فيه ....لا يوجد طريق غيره ...على جانبي الطريق شجيرات الشوك النابتة في وادي العدم ....لا يعرف متى بدأ السير ...و لا المسافة التي قطعها و لا حتي الزمن ....... ترائت له على مسافة بعيدة اشرعة سراب مدينة تبحر في بحر النسيان ... وصل إلى أبواب المدينة ....الشمس تنتصف السماء ....رأي اناس يملأون الطرقات ...اذانهم كبيرة ...استطالت حتي زحفت على الأرض ....لا يسمع صوت ....تعوي رياح الصمت في المدينة ....و يظهر صوت الضجيج داخله...تفحص الوجوه ...لم يجد أفواه ....رفع صوته يكلمهم ....ارتفعت موجات الفزع في أعينهم ...و ولوا الفرار ....أحس بالعيون ترقبه من وراء الجدران ..... هم أيضاً يتذكروا ...إنه في الزمن البعيد ....عند إكتمال القمر ...كانت تجتاحهم ظلال الأشباح السوداء ...لتخيط أفواههم .....بعد زمن نمت اذانهم حتى يسمعون الصوت الأتي من وراء تلال الخوف التي تحيط مدينتهم ....يتذكروا إن من يفشل في سماع الصوت الأتي من وراء التلال ...كانت تزوره الظلال لتأخذه معها إلى وراء التلال .....اخذوا الكثيرين ...يسمعوا إن أرواحهم لا تزال هائمة...تجوب غابة الرعب خارج الأسوار ..... ظل صوت الضجيج يرتفع بداخله ....يصم أذان قلبه ....صرخ بقوة ليسمعوه...ارتعدوا من وراء أبوابهم المغلقة ....ظنوا إن الصوت جائهم ليسحبهم إلى ما وراء التلال ..... إنسحب إلى خارج الأسوار ....من نفس الطريق قفل عائداً ....هذه المرة شعر بطول الطريق ....مجهد....إنتهى به الطريق كما بدأ ...ترائت له من بعيد غرفته القديمة أعلى الجبل الصخري ....تسلق الصخور ...مخلفاً خيطاً رفيعاً من الدم ....وصل زاحفاً إلى الباب الحديدي ...خلع قميصه الملوث بالدماء و العرق ...و رماه على الأرض ...رمى نفسه وراؤه....إختفى صوت الضجيج بداخله ...لا يتذكر إن كان أغلق جفنيه أم لا قبل أن يغرق في النوم .....لم يكن هناك صوت إلا صوت صرير الباب الحديدي الصديء عندما تضربه الرياح ...أما ظل الشبح الأسود فلم يراه ثانياً ...............
#شريف_السقا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سفر الخروج
-
فارس لا يموت
-
روليت
-
درج الذكريات
-
قصة جارية
-
مدينتنا و قميص عثمان
-
كفتة و حواوشي أونلاين
-
عملية إنقاذ اللواء خميس اونلاين
-
الطابور الخامس
-
تغييب الوعي
-
الفاشيون الجدد
-
مصر بين الدين و القومية
المزيد.....
-
80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع
...
-
بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب
...
-
مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند
...
-
كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت
...
-
إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
-
هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف
...
-
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
...
-
أحلام سورية على أجنحة الفن والكلمة
-
-أنا مش عايز عزاء-.. فنان مصري يفاجئ متابعيه بإعلان وصيته
-
ماذا نعرف عن غزة على مر العصور؟ ولماذا وصفت بـ-بنت الأجيال-؟
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|