|
أوباما واستحقاق نوبل
كاظم محمد
الحوار المتمدن-العدد: 2819 - 2009 / 11 / 4 - 01:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أدى منح جائزة نوبل للسلام لرئيس الولايات المتحدة الامريكية اوباما ، الى ردود فعل اعلامية وسياسية قوية في تعبيرها عن الموقف من منح الجائزة للرئيس الامريكي ، عبر بعضها عن الاندهاش ، وعبر بعضها الاخر عن التفهم ، كون منحها هو نوع من الاحتجاج على سياسة الرئيس السابق جورج بوش ، وتشجيعا لأوباما للمضي قدما في سياسة التغيير التي دعا لها واحتج فريق اخر على هبوط هذه الجائزة السياسية بأمتياز على الرئيس الامريكي . من المعروف ان هنالك قواعد معروفة لمنح هذه الجائزة ، وهي منشورة وعلنية للاطلاع عليها ، ويقف على رأسها ان تمنح الجائزة للقائمين بجهود كبيرة وملموسة وعملية في مجال تحقيق السلام العالمي والتواصل بين الشعوب ، فأين اوباما من هذا ؟ . لقد اضاف قرار اللجنة المانحة للجائزة في النرويج يوم 10/9 شكوكآ جديدة الى تلك التي تحوم ومنذ سنين حول دوافع ومقاييس منح هذه الجائزة ، وارتبطت هذه الشكوك دائما ، وخاصة في اسيا وافريقي وامريكا اللاتينية ، وعند الكثير من المتابعين لها في اوربا ، ارتبطت بمقاييس مفهوم السلام عند القائمين على منح هذه الجائزة ، وهذا المفهوم الذي لم يخرج عن اطار الصراع الدولي بين اقطاب غربية راسمالية ودول وشعوب ذات توجهات وطنية ، تسعى من خلاله الاقطاب الراسمالية وشركاتها الاحتكارية في فرض مفهومها للسلام بامتثال هذه البلدان والشعوب لأرادة القوة السياسية والمالية والعسكرية . لذلك فان سلام الشعوب ونيلها لحقوقها وتواصلها وفتح افاق تطوره لخيرها وتقدمها ، يبتعد كثيرا عن مفاهيم مصالح الغرب الامبريالي ، الذي يسخر ادواته المتعددة اعلاميا وفكريا وسياسيا ليطبع ويوصم النضال الوطني والمكافحين في سبيله وقادته بصفات التمرد والارهاب ، وهو بنفس الوقت يضخم ويعضم ويدعم دور الافراد والمجاميع التي تنسجم وسياساته في هذه البلد او ذاك . فلم يكن مستغربا منح غورباتشوف اخر رئيس للاتحاد السوفيتي السابق جائزة نوبل للسلام ، وذلك للدور الذي قام به في التماهي الكامل مع السياسات الامريكية ، وتقديم كل ما يلزم بانهاء ما كان يسمى الحرب الباردة ، عبر تسهيل سيادة مشروع امريكا بالتخلص من ما كان يسمى بالخطر الشيوعي وباسقاط قلعته الامامية الاتحاد السوفيتي ، وتفرد الولايات المتحدة كقطب اوحد في العالم ، تفرض فيه مفهوم سِلمها الدولي عبر الاحتلال والترهيب والتهديد .
فبعد ان كانت الجائزة مقتصرة ولسنين طويلة على الاوربيين وامريكا الشمالية وتمنح على اساس مشاركة السياسيين ورجال الدولة في جهود السلام اضافة الى محبي الخير والاصلاح الاجتماعي ، فانه مع اتساع اشكال التدخل الامبريالي في شؤون الدول الاخرى ، وباستغلال قضية حقوق الانسان ومسالة الديمقراطية ، فان مفهوم السلام عند اللجنة المشرفة على منح الجائزة توسع ايضا واصبحت لديهم قناعة بانه لا سلام بدون ديمقراطية وحقوق للانسان ، كأضافة في علم السياسة الحديث ، وعليه فان توسيع عالمية هذه الجائزة دخل حيز التنفيذ ليشمل اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ، وتم منحها في سنوات سابقة لشخصيات من اسيا وافريقيا لخلق التوازن النسبي والمصداقية لقواعد منح الجائزة ، والتي اعتمدت بشكل اساسي على نوعية العناصر المؤلفة للجنة اختيار المرشحين للجائزة ، وهي لجنة يعينها البرلمان النرويجي ، وتعتمد في تركيبتها على الاحزاب المكونة للبرلمان وطبيعة سياساتها ومواقفها . فلم يكن منح الجائزة الى البرت جون لوتولى رئيس المؤتمر الوطني الافريقي وكذلك الى نلسن مانديلا من بعده ، والذي ناضل ضد نظام الفصل العنصري في عام 1960 ،إلا محاولة للقول بموضوعية مقاييس منح الجائزة ، بعد ان منعت عن المهاتما غاندي الذي قاد النضال الوطني للشعب الهندي نحو الاستقلال من الحكم البريطاني المباشر ، والذي كان داعية للنضال السلمي لتحقيق مطالب شعبه في وقته . فلقد حاول القائمون على الجائزة ، تبييض وجوه صناع الحروب ورموزهم السياسية ، وحالوا تبرئة قتلة الشعوب عبر خلق التوازن والمساواة بين الجلاد والضحية ببدعة المناصفة في منح الجائزة ، ففي عام 1973 منحت الجائزة لهنري كسينجر و لي دوك ثو رئيس وفد المفاوضات الفيتنامي والذي رفضها ، اثناء مفاوضات السلام في باريس ، اما في عام 1978 فقد منحت مناصفة ايضا لقاتل الشعب الفلسطيني مناحيم بيجن وانور السادات ، وقد جزأت الجائزة في عا 1994 الى ثلاثة اقسام لتمنح الى مجرمي الحروب اسحق رابين وشيمون بيرز وليمنح القسم الثالث منها للرئيس الراحل ياسر عرفات . لقد تماها مانحي هذه الجائزة تماما ، وفي مناسبات عديدة مع جوهر السياسات الغربية الراسمالية عامة وصياغات اعلامها ومؤسساتها الفكرية والبحثية ، في اعلاء شأن الافراد والمجاميع الذين يتخذون مواقفا مضادة لحكوماتهم وبلدانهم التي دخلت في صراع وحروب مع بعض البلدان الغربية بسبب المصالح المتناقضة ، وبسبب المواقف االسياسية من القضايا الاقليمية والدولية ، فكانت ولازالت قضية حقوق الانسان والديمقراطية الورقة التي تبتز بها الانظمة الراسمالية الغربية ، دول وحكومات تمانع في الرضوخ لشروط الدول الراسمالية وشركاتها المتعولمة ، وترفض الانصياع للأرادة السياسية لهذه الدول في بسط هيمنتها وتمرير مشاريعها الاقليمية والدولية ، وعلى اساس هذا التناقض والصراع ، تُجيرالاضطرابات الداخلية والمشاكل القومية والكثير من السياسات االخاطئة الناتجة عن غياب الحريات الفكرية والسياسية والتداول السلمي للسلطة في الدول المستهدفة لصالح سياسات الضغط والحصار والعزل ضد هذه الدول ، ومعها يتم تقديم الدعم الاعلامي والسياسي لأبراز دور لهؤلاء الافراد والمجاميع ، كونهم نماذج ادانة لهذه الانظمة والبلدان ، وكونهم ممثلين للمنحى الديمقراطي الاجتماعي الرافض لهذه الانظمة وقرائن لاثبات صحة النهج الذي تسلكه دول الرأسمال الغربي في سعيها لتشديد الخناق سياسيا وقانونيا ضد هذه البلدان امام شعوبها . لذلك فليس غريبا ات تكون الجائزة قد خصصت في عام 1975 للعالم النووي الروسي المنشق اندرية ساخاروف صانع القنبلة الهيدروجينية ، في ذروة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي واللولايات االمتحدة ، حيث استخدم الاعلام الغربي والدوائر السياسية الغربية مواقف ساخاروف بشكل بشع في محاربة الشيوعية والنظام السوفيتي ، اما في عام 1989 حصلت الشخصية الدينية الدلاي لاما من التبت الصينية على الجائزة لدوره في معارضة الحكومة الصينية ، حيث كان الخلاف الامريكي الصيني على اشده ، وكذلك فان الجائزة منحت في 2003 للكاتبة والمحامية الايرانية شيرين عبادي ، لمواقفها المعروفة من النظام الايراني القائم . ان مكانة هذه الجائزة العالمية والتي اكتسبتها من طبيعة المبادئ والمقاييس التي تمنح على اساسها ، ومن وصية الرجل (الفريد نوبل) الذي اوجدها ، تجعل عملية منحها مؤشرا وتزكية سياسية واخلاقية للحاصلين عليها ، وتضع على عاتق اللجنة المكلفة من قبل البرلمان النرويجي مهمات ليس اقلها التمسك بروح مقاييس منحها ، وهذا ما لم تنجح به لجان منح الجائزة ولمرات عديدة ، خضعت خلالها لدوافع سياسية نابعة من قناعات القيمين عليها في الترشيح و المنح ، ومتأثرة بسيادة المفاهيم الرأسمالية وترجمتها الخاصة لمسائل حقوق الانسان والديمقراطية والسلام . فما الذي قدمته شيرين عبادي من جهد متميز من اجل حقوق الانسان والسلام العالمي ، لتمنح الجائزة بعد ان صمتت هي وغيرها على احتلال البلدان وقتل االملايين واهدار حقوق الانسان في العراق وفلسطين وافغانستان ولبنان ، وسخرت قلمها ونشاطها ضد حكومة بلدها ، وماذا قدم هنري كيسنجرالمتورط بانقلاب االعسكرفي تشيلي وقتل الرئيس سلفادور اليندي ليحصل على الجائزة ، بعد ان قاد مفاوضات بلاده الغازية مع الفيتنناميين ، حيث اثير في وقتها جدل واسع ، ووجهت انتقادت حادة للجنة المانحة . واخيرا ماذا قدم اوباما ليستحق جائزة نوبل للسلام ؟ ، الرجل اعترف وقال ( فوجئت بقرار لجنة نوبل وفي نفس الوقت ، اتلقاه بتواضع كبير) ، واضاف (لأكن واضحا انا لا اراها اعترافا بانجازاتي الشخصية ، اكثر مما هي تاكيد لزعامة امريكية باسم تطلعات يتقاسمها البشر من كل الامم.) ، نعم الرئيس الامريكي الذي لم يكمل بعد سنته الأولى في الرئاسة لم يحقق شيئآ ملموسآ سوى اشاعته لأجواء دولية بعيدة عن التوتر ، بفعل خطابه المختلف عن سلفه بوش الأبن ، لكنه لحد الان لم يتقدم خطوة واحدة في ملامسة القضايا الهامة عالميا واقليميا لتفعيل التغيير الذي تحدث عنه بقرارت تكرس شعاراته ودعواته . لقد اخفقت لجنة جائزة نوبل للسلام مرة اخرى ، اذا كانت قد منحت اوباما الجائزة لتاكيد الزعامة الامريكية ، باسم تطلعات يتقاسمها البشر، حيث لم تكن امريكا (الادارة السياسية والعسكرية ) ، معنية بتطلعات الشعوب ومستقبلها طوال عقود طويلة ، بل كانت معنية بمصالح احتكاراتها وتامين استراتيجياتها على حساب الشعوب ومصالحها ، وما حروبها في فيتنام وكوريا والصومال وافغانستان ولبنان والعراق ، إلا تتويجا لنهج عدواني امبريالي لا يعرف التقاسم مع البشر، بل يعرف استعباد البشر باشكال وبأدوات متنوعة . اما اذا كان منح الجائزة للرئيس الامريكي على اساس ما اشاعه من اجواء دولية ، وعلى اساس نواياه الطيبة التي عكستها شعارات التغيير التي رفعها ، وإن لم يخطو بعد باتجاه التغيير الفعلي ، بل العكس ، فتكون اللجنة المانحة قد نجحت عمليا بحسن نية او بغيرها ، في تكريس رفض النهج البوشي واصحابه من اليمين المتطرف ، ورفعت من شأن خطاب اوباما التصالحي وحملته عبئآ اضافيآ في احترام مصداقية شخصيته الاعتبارية امام شعوب العالم التي حرص ان تصلها اصداء خطاباته عن التغيير والعدل والاحترام في التعامل الدولي ، وخاصة في منطقتنا العربية ، وفي التعامل مع قضية الشعب الفلسطيني في استرداد حقوقه المشروعة وفي ترك العراق للعراقيين كما ادعى . واليوم إذ اصبح إغلاق معتقل غوانتانمو مسألة معقدة وصعبة ، والانسحاب من العراق مرتبط بظروفه الامنية ومتغيراتها ، واحتمال تاخيره واردا ، واصبح شرط اوباما ووزيرة خارجيته بوقف الاستيطان من قبل حكومة اليمين في اسرائيل لأستئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينين والاسرائيليين في خبر كان ، بعد ان وقفت هيلاري كلنتون الى جانب نتنياهو لتأمر الفلسطينين بالعودة الى المفاوضات دون وقف الاستيطان ودون (شروط مسبقة) ، فأن أوباما قد تجاوز على استحقاقات وعوده وشعاراته التي رفعها ، فكيف سيلبي استحاقات جائزة السلام التي وافق على قبولها .
#كاظم_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خيارت ميتشل وادرته !
-
هل تطالب حكوماتنا العربية بالتحقيق الدولي
-
الاعلام الغربي وحروب الابادة
-
محطة الحرب الاخيرة !
-
غزة والنظام الرسمي العربي
-
اليسار الوطني واقعه وافاقه !
-
موضوعة ازدواجية احتلال العراق مدخل لتشويش الرؤية الوطنية وضي
...
-
وقاحة ديمقراطي !
-
مظلة بوش السياسية!
-
اتفاق المبادئ والانتداب القادم !
-
الفراغ الرئاسي والأغتيال السياسي !
-
ما بعد المأساة ! يوشكا فيشر / وزير خارجية المانية السابق
-
لبنان وانابوليس
-
اقطاعيات العراق وكانتونات بغداد / ايها الوطنيون احذرو التقسي
...
-
الحوار غير المتكافئ
-
النكبة الشاملة
-
المتغيرات الدولية والسيادة الوطنية
-
البريق الروسي الجديد !
-
حصاد القمة !
-
! المؤتمر الدولي حول العراق ) حركة التفافية فاشلة )
المزيد.....
-
ألغى تصاريحه الأمنية.. هل انتقم ترامب من بايدن بنفس الطريقة
...
-
الإسكندر الأكبر أعاد رسم خريطة العالم.. شخصية أسطورية تجذب ا
...
-
مصر تؤكد رؤيتها لأي تصورات بشأن -اليوم التالي- في غزة
-
صحة غزة تنشر حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي على القطاع
...
-
حكم قضائي يوقف خطة ترامب لإجازة 2,200 موظف في الوكالة الأمري
...
-
260 ألف زائر لرؤية القرود وهي تستحم في الينابيع الساخنة في ا
...
-
هل سيُسقط الأمريكيون العرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟
-
حماس تفرج عن ثلاثة رهائن بأجساد هزيلة أحدهم ألماني إسرائيلي
...
-
وزير خارجية الجزائر يصل سوريا في زيارة رسمية (فيديو)
-
-أمن السعودية خط أحمر-.. مصر تهاجم تصريحات نتنياهو -المنفلتة
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|