|
أدباء بصريون...حارس المزرعة لنبيل جميل .... عبثية الإنسان المسحوق
سعيد حاشوش
الحوار المتمدن-العدد: 2624 - 2009 / 4 / 22 - 07:14
المحور:
الادب والفن
الكلمة هي الجسر الأبدي بين الإنسان وأخيه الإنسان والقصة القصيرة في العصر الحديث هي الصوت المنفرد حسب تعبير أوكونور في تجسيدها إحساس وأفكار الإنسان المسحوق والمهمش وبالتالي تتخذ أطار التجربة الجماعية التي يفرضها الواقع الجنوبي ألعجائبي والمتناقض والغريب في اضطهاده حتى يبدو ذلك التهميش أشبه بالقدر أو أللعنة التي تمارسها قوة عمياء خارجة عن أرادة الإنسان،ولأن القصة في العراق بنت شواخصا فنية من الصعب اختراقها إلا من أدرك حركة التغيير والديمومة في المجتمع المعاصر. القصة القصيرة عند نبيل جميل محبوكة بصرامة فنية،مدروسة البداية ومكثفة بؤرة سردها في النهاية،الخاتمة المدهشة وقد يتراءى للقارئ إن القاص يسقط في التقليدية والتقريرية مثلما أعتقد الشاعر خضر حسن في احتفاء إتحاد الأدباء بصدور المجموعة والحقيقة أن القاص لم يخرج بالحدث والشخصية والفضاء أبدا خارج الشروط الواقعية ولهذا السبب تصالح الشكل والمضمون لعدم إيغاله في الغرائبية واللامعقول وإنما كشف الواقعي واليومي في نص سردي يشرق بلغة مبتكرة لم تستعر معطفا من آخر رغم البرد الشديد،ثمة حوار مقتضب وبرقي( وكذلك الحوار في جميع القصص العراقية ما عدا قصة الأفواه لعبد الرحمن الربيعي )بإطارية غير مفتعلة أو متشنجة رغم فشله في التقطيع الزمني في قصة بذور السعادة وكان الأجدر أن يجعلها بقسمين(أعلى وأسفل على غرار قصة منزل النساء لمحمد خضير)لكن قصصه الرائعة مثل(أمان مؤجلة ، وأحلام شائكة ، وحارس المزرعة ، ومطر) من أفضل ما أنجبته القصة البصرية على الإطلاق وخاصة قصة مطر،ففي أمان مؤجلة،الأماني النكرة التي لم يتأكد أصحابها مهما فعلوا من حدوثها على أرض الواقع وهي أمان بسيطة ومتاحة لكل إنسان على وجه البسيطة إلا أن الإنسان البصري محروم من تحقيقها،إن هذا التناقض يولد شعورا بالعبث،هذا الشعور لم يتطور أبدا لفلسفة العبث الكاموي لأن هذا الشعور يصيب أي منا في منعطف شارع أو حين تجلس قرب( العظمة)على مصطبة أسمنتية قرب أسد بابل وحين ترى الناس يتحركون بخطى عجلى من أجل أنجاز أعمال قد تكون غير مجدية حيث(لا معنى لأي معنى ص14 )أو حين يصف رجلا بدينا حين يأكل(رافعا يديه في تناوب الى فمه،دائم الحركة،لابد انه يبذل جهدا في استمرار ذات الحركة المتكررة في المضغ)،( وفي عينيه تساؤل كبير عن سر المجئ الى الدنيا)،(وإذا تحقق ذلك ثم ماذا ؟)حيث تبدأ القصة بحوار مقتضب،(يحكى أن..) وتنتهي بـ(يحكى أن..)وبين البداية والنهاية نجد شخصين يقتلهما الجوع والانهيار بعد أن تسرحا من الجيش، الحرب لا تخلف إلا الانهيار والعبث،ليس هناك منتصرا في حروب الدكتاتور وأن كل شئ ليس له هدفا أو معنى حيث درس أريك فروم في كتابة ثورة الأمل أن المهمشين يسيرون بلا هدى في الطرقات أو يجلسون فيها ولا شي سوى(من أي مدينة أتيت؟والى أي مدينة تمضي ص46)وحتى لو دقت الساعة فأن الدقة الواحدة قد لا تعني الساعة الواحدة وإنما تعلن فقط أن ثمة ساعة من عمر الإنسان أنقضت حيث(تنهار الأفكار وتتذبذب ص9)،(ولم يندما على ساعات النوم والتسكع)و(يتراءى لك العالم يحتضر،كأن ينبوع الأحلام يجف ويتبخر ص17)إن مرحلة الشعور بالعبث لم تصل لفلسفة مجتهدة ومعمقة إلا وهي فلسفة العبث الكاموية(حيث تريد أن تفهم لكن العالم لا يتيح لك فرصة للفهم)وإنما هذا الشعور يراود أي شخص منا،أما فلسفة كامو الوجودية هي إحراز رأسمالي وحروبها بجعل الإنسان سلعة أو آلة ويصبح الإنسان متمردا ولا تنفع معه كل الحلول، حين يصبح كل شي غير مجدي ويصير الإنسان الحديث سيزيف العصر يحمل أطنان القهر،أطنان الشعور بالحرية ومئات الكتب المقروءة(في العالم الثالث) ولكن لا مناص من حمل الصخرة،صخرة الوعي والثقافة مثل دوران حارس المزرعة حول البئر في قصة(ميتة أولى)أو(الصبر هو بصيص الأمل الوحيد،لدى البصيص الذي فيه سر الحياةص53)في هذه القصة عثرت على سر الإبداع وقد لا يوافقني القاص نبيل جميل حين قرأت ثريا النص لهمنغواي وأدركت إن القاص بوعي أو نتيجة تراكم الثقافة الفنية وظف أسلوب الرصد السلوكي أو(النظرة من الخلف)وهو أسلوب يجعل الراوي عليما بكل شي،هي مجرد جهود في سبيل الواقعية لهذا السبب لا نجد قصة كتبت بضمير الأنا وإنما البطل عبد الله وهو أسم لكل واحد منا وترك القاص أناه بعيدة،في الحقيقة وزعها على كل القصص. القصص تحكي قصة عبد الله وبرصد أدق التفاصيل،الذي هو نحن في الطفولة على دراجة في شارع الكورنيش وحتى مرحلة التعليم الثانوي(البكلوريا)وبعدها الجيش في مندلي ثم التسريح والتسكع في شارع الوطني أو ساحة أم البروم أو البحث عن لقمة زاد في المزارع وبعدها لا شي سوى،الموت،أنها حياتنا حتى وأن لم نقتنع.
#سعيد_حاشوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنفلونزا الصمت..للقطراني قصص قصيرة جدا
-
أدباء بصريون ... لعنة ماركيز لضياء الجبيلي .. رواية عجائبية
-
أدباء بصريون... قراءة في رواية - علي عباس خفيف - (عندما خرجت
...
-
أدباء بصريون .... محمد خضير بين التشيؤ والمثيولوجيا
-
مكنسة الجنة لمرتضى ﮔزار...رواية ذاتية التوالد
-
رصد مدفعي
-
مذكرات بائع جوال في إحدى صباحات الدولفين
-
اضغط على الزر واشعر بالقوة
-
صورتي الرائعة
-
الوجهاء
-
قوس قزح أبيض...قصة قصيرة
-
نحن الحطب بعد شتاء أكلتنا الأرضة
-
اليحامير
المزيد.....
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
-
وفاة بطلة مسلسل -لعبة الحبار- Squid Game بعد معاناة مع المرض
...
-
الفلسفة في خدمة الدراما.. استلهام أسطورة سيزيف بين كامو والس
...
-
رابطة المؤلفين الأميركية تطلق مبادرة لحماية الأصالة الأدبية
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|