|
هلوسات 1- 2
طارق حجي
(Tarek Heggy)
الحوار المتمدن-العدد: 2600 - 2009 / 3 / 29 - 09:23
المحور:
كتابات ساخرة
هذا النص : منذ سنوات وكاتب هذه السطور يسطر يومياته قبيل نهاية كل يوم. وهى يوميات لا تكتب أساسا للنشر. وإنما للعودة إليها لاحقا وإستعمال بعضها ؛ كما فعلت منذ أكثر من ربع قرن عندما أصدرت كتابي "تجربتي مع الماركسي’" (كتب فى صيف 1981 ونشرت طبعته الأولي فى صيف 1983). فقد بنيت صفحات هذا الكتاب الثلاثمائة على يوميات كنت قد كتبتها فى الفترة من 1972 إلى 1975 ... كذلك ؛ بنيت نصي الطويل "حوارات مع صديقي نصف العاقل" على يوميات كتبت فى صيف 2004 ... أما "هلوسات" التى أقتطف منها هذا النص ؛ فهو نقل حرفي عن يوميات كتبت منذ أسابيع قليلة ... والآراء الواردة فى هذا النص (وفى الأجزاء التى ستنشر تباعا منه) آراء أصحابها المشار إليهم وليست آراء المؤلف - فهدف هذا الكتاب (هلوسات) تقديم صورة بانورامية عن الآراء التى يردده بعض المثقفين فى جلسات حرة وخاصة بكل ما تعنيه الكلمتان ... طارق حجي .
************
(1)
جمعتني الليلة جلسة مودة مع أصدقاء قدامي كانوا جميعا ونحن طلبة جامعيين إبان ستينيات القرن الماضي ماركسيين ؛ بعضهم كان ماركسي لينيني والبعض كان ستاليني للنخاع وآخرون كانوا تروتيسكيين ؛ كما كان غيرهم ماويين بضراوة ! ... الآن (وبعد نيف وأربعين سنة) أصبح بعضهم ليبرالي - علماني قح ؛ وآخرون صاروا عدميين بشكل مذهل ؛ وقلة تحولوا لأتباع لنجم الإشتراكية الفوضوية برودون ... وتحول واحد فقط للأسلمة السياسية ؛ وعوضا عن التغني بآراء كيم إيل سونغ وباخونين وماو تسي تونغ منذ أربعة عقود ؛ صار لا يكف عن ذكر آراء أبي الأعلي المودودي ؛ وإن بقي الجميع أصدقاء تجمعهم ذكريات عزيزة ومودة عتقتها السنون. يومها أعطيت آرائي (ولساني) عطلة وراحة وراحت أذناي تلتقطتان شذرات الحوار والحديث ... فاجئنا نبيل الذى عاد للتو من الولايات المتحدة بعد ثلاثين سنة من التألق كطبيب وأستاذ بواحدة من ألمع كليات الطب فى شمال شرق الولايات المتحدة بأحد آرائه الصاخبة (كعادته منذ الصغر) : " ألا توافقونني على أن الذى يفضل رجلا بدائيا مثل إسماعيل هنية على رجل متحضر ذي علم وثقافة وخبرة عارمة مثل رئيس وزراء فلسطين المستقيل سليمان فياض يجب التعامل معه كمريض عقلي أو كمريض نفسي ؟ إن من يفضل هنية على فياض هو كمن يقول أن البحث العلمي فى جمهورية بوركينا فاسو أفضل من البحث العلمي فى سويسرا !!؟؟ "" ... بعد دقائق من الضحك تكلم صديقنا جرجس الذى عاد هو أيضا لمصر منذ شهور بعد أكثر من ربع قرن فى بريطانيا كان خلالها نجما فى عالم التاريخ المملوكي ؛ وبهدوءه الذى إتسم به منذ الصغر قال كأنه يحدث نفسه " أتعجب من نغمة التفاؤل الذائعة فى كتابات صديقنا طارق حجي ... إن كل شيء حولنا يؤكد أن مجتمعنا تخطي نقطة الإصلاح وصار مرشحا لإحتمال من إحتمالين لا ثالث لهما : إما أن نصبح مثل طالبان ونعيش قرونا من التدهور والتخلف والتأزم والفوضي والظلام والبؤس الثقافي وإما أن نظل نعيش داخل إطار مماثل لإطار حياتنا اليوم مع مزيد من الإنحدار والإنهيار فى كل جوانب ونواحي حياتنا " ... ضحكنا والبعض يردد مؤيدا "لا فض فوك " !! وهنا وقف أكثرنا نقمة على ثقافة العربان (كما يسميها) وقال : " لم يعد أحد الآن يقول لا فض فوك ؛ نحن نقول كما يقول العربان صح لسانك" ... ثم رفع صوته ببيت قديم من واحدة من قصائد نزار قباني وهو شبه يهتف ( أيا متشقق القدمين يا عبد إنفعالاتك ) !!! وبينما هو يجلس إرتفع صوت صديق آخر من أشد المصريين المثقفين إستنكارا لأثر السعودية الثقافي على مصر والمصريين وقال ( أذكركم بكلمات أستاذنا الذى أحببناه جميعا منذ أربعين سنة وهو التغريبي الأعظم الدكتور حسين فوزي الذى طالما قال وكرر لنا "أن الخير كل الخير يأتي لمصر وللمصريين من الشمال الغربي ؛ وأن الشر كل الشر يأتيها من الجنوب الشرقي ؛ بما فى ذلك الطقس والذوق والأفكار والآراء وأساليب الحياة") ... هنا فقط إرتفع صوت صديقنا الوحيد الذى ترك الإشتراكية العلمية وغرق فى بحار إبن تيمية وإبن القيم ورسائل محمد بن عبد الوهاب وكتابات محمد رشيد رضا وسيد قطب وهو يردد وسط ضحك أصدقاءه " أعوذ بالله من جلسة الزندقة هذه والتى ستكلفني ساعات من الإستغفار على ما سمعته وسوف أسمعه خلالها" ... فعلق هاني عنان (نجم حركة كفاية المعارضة) مخاطبا صديقنا المستغفر " تأكد أن ثواب برك بأصدقائك سيفوق ما سيسجله الملائكة الكتبة الأبرار فى صحيفتك اليوم من ذنوب لحضورك هذه الجلسة ... إن الحسنات يذهبن السيئات" ... هنا فرقعت ضحكة صديقنا الطبيب الروائي والشاعر هشام السلاموني وهو يصيح (الله يفتح عليك يا إبن عنان !! ) ... فى ذيل قهقهة الرفاق من دعاء السلاموني (غير البريء) لهاني عنان قال صديقنا إبراهيم شحاتة الذى تالق كخبير إقتصادي بأحد أهم المؤسسات النقدية فى العالم " لا أستطيع أن أفهم فرحة البعض بسلوك الصحفي العراقي الهمجي الذى رمي الرئيس الأمريكي السابق بفردتي حذائه ؛ ولا أستطيع أن أفهم إعجاب أي إنسان مثقف ومتحضر بما يبثه تلفزيون الجزيرة الغارق فى الهمجية والذى يديره صبي من صبيان الجهاز الإعلامي لحركة حماس وهو فى ذات الوقت الرجل المقرب من رئيس وزراء قطر المخرب واللاهث على دور لدولة لا تملك مؤهلا واحدا من عشرات المؤهلات المطلوبة فى أية دولة تروم أن تلعب الدور الذى يتوق له ذلك البدوي نصف المتعلم والذى نشأ فى ظل المؤسسات التعليمية لنظام صدام حسين" ... بدأ العاملون فى بيت صديقنا هاني عنان فوق هضبة المقطم القاهرية فى إحضار طعام العشاء ومع ذلك إستمر صديقنا إبراهيم شحاتة متسائلا " أمس وأثناء ندوة كنت المتحدث الرئيس فيها سمعت من طالب بجامعة القاهرة ما أدعوكم للتفكير فيه ومناقشته بعد العشاء ؛ لقد قال لي هذا الطالب إنه على إستعداد للإنتقال من شعوره السلبي الحالي تجاه أمريكا إلى حبها وليس فقط التوقف عن إستهجان سياساتها لو قامت أمريكا بدلا من تصالحها المزري مع النظام الليبي ومتابعتها للرئيس السوداني المتورط - لا شك - فى جرائم دارفور ومحاولة سحب الرئيس السوري لمحاكمة قتلة رفيق الحريري ؛ لو قامت عوضا عن كل ذلك بكشف حقيقة ثروات مئات اللصوص العرب من طبقة الوزراء إلى ذري مجتمعاتنا الأعلي " ... هنا وقف صاحب الدار وقال لصديقنا إبراهيم " فى المشمش يا إبراهيم ... هل لا زلت تذكر هذا التعبير المصري ؟ " ... بعدها دعانا صاحب الدار لبدء العشاء وتأجيل الآراء النارية لما بعد تعمير البطون.
(2) أثناء العشاء إنحسرت رغبة الجميع ليس فقط فى الحوار ؛ بل فى الحديث ... فما أن شرع بهاء فى الغناء مبتدءا بأغنية الشيخ إمام التى كتبها أحمد فؤاد نجم وأورد فيها إسم بهاء الذى إستهل الغناء فإشترك معه الكل : ( أنا شفت شباب الجامعة الزين / أحمد وبهاء وجميعي وزين / حارمينهم حتى الشوف بالعين / وفى عز الضهر مغميين ) ... حتى إنسابت الأغنيات : : أكمل الجمع أغنية جيلهم الرائعة (أنا رحت القلعة وشفت ياسين / حواليه العسكر والزنازين) ... ثم أنشدوا (جيفارا مات) ثم وقف السلاموني وغني بلهجة صعيدية صرف (واه يا عبدالودود / يا رابض على الحدود) ... ثم غني ومعه الحشد (شرفت يا نيكسون بابا يا بتاع الفول والزيت / فرشولك أوسع سكة / من راس التين الى عكا / ويقولوا كمان حجيت) ... وبعد ساعة من الغناء ؛ حول هاني عنان دفة الغناء من السياسة للنسائيات بغناءه كلمات نجم التى طالما غنوها منذ أربعين سنة :(على المحطة ... على المحطة ؛ واللي شفته أنا على المحطة / طلعت الحلوة أم شنطة / ركبت الأتوبيس ب نطة) ... وما أن وصل الغناء لكلمات نجم العبقرية (هو يعني الكون ح يخرب لو فقير يلهط له لهطة) حتى بلغ الأنس سدرة منتهاه ... وكانت الأجساد قد أثقلها الطعام العناني الدسم وكانت الأنفاس (المستهلكة أصلا) قد أضناها الغناء ... فطلب منهم صاحب الدار الجلوس أو التمدد على المقاعد الوثيرة مستعملا لفظة كويتية (تأثرا منه بلهجة زوجته) إذ قال لهم : "إنسدحوا " !!! فقال نادر : "إنسدحوا هذه على وزن إنذبحوا ... وهو ما نفعله كل يوم بدون إنقطاع" ... دقائق ؛ ومرت المباخر بأروع البخور ... ثم جاءت القهوة العربية والتركية والشيشة ... وإستهل إبراهيم شحاتة الحوار بصوت تعجب الجميع من إختلاطه العنيف بالغضب : ( لابد من جهة ما تفضح اللصوص الكبار ... إن سكوت الغرب عن نهب شعوب مجتمعاتنا هو التجسيد الأوضح أننا لا ندخل فى حساباتهم ... وهو مثال يشبه فى دلالته إنفاق الغرب على طعام الكلاب والقطط أكثر من مجموع المساعدات التى تقدم للشعوب التى يمزقها الفقر الناجم عن عناصر عديدة من أهمها نهب الكبار) ... كان صوت وغضب وسخونة كلمات إبراهيم دالة على أنه أصبح مستلبا أو شبه مستلب بمسألة الكبار . حاول صديقنا الذى هداه الله (!) أن يجذب الحديث لموضوعه الأثير "غزة وإسرائيل" ... فصاح فيه ثلاثة من الجمع : " لا أمل فى إحياء إهتمامنا بهذا الشأن ... لقد أصبحنا فى هذا الشأن أبناءا روحيين لإسماعيل باشا صدقي والحبيب بورقيبة وأنور السادات ... فلا تحاول ! " ... كست الحمرة وجه صديقنا الذى هداه الله وأخذ يتمتم مستغفرا الله عما أصاب بعض أصدقاء حياته من سقوط فى يد الشيطان الأكبر !! ... ولكن بدلا من ترك الحديث يتجه لموضوع آخر قال عبدالمنعم سعيد : ( طالما أن الذين أطلقوا الصواريخ العبثية فور إنتهاء الهدنة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل كانت حساباتهم بهذه الدرجة من الخطأ ... فأقصي ما لهم عندنا الشجب للإفراط فى إستعمال القوة ) !!! ... تمتم معظم الحاضرين بالموافقة وتبرم ثلاثة من رفاق الشباب ... وقد أرجع هاني عنان موقف أصدقاءنا الثلاثة شبه الممانعين للجينات الوراثية عندما قال : ( الثلاثة الذين يريدون أن تتورط مصر فى أمور أكثر من الإستنكار والشجب من أصول سورية ... فمن الطبيعي أن يبقي تفكيرهم فى هذه الجزئية على تلك الحالة الستينياتية ) ! ...
#طارق_حجي (هاشتاغ)
Tarek_Heggy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هلوسات ثقافية
-
مرة أخري (وليست أخيرة) : -عن مظالم الأقباط أكتب- ...
-
رسالة لوزير الأوقاف المصري .
-
الأحزاب الدينية : محض وهم ومخادعة
-
سجون الثقافة العربية : السجن الثالث : الرعب من الحداثة
-
سجون الثقافة العربية : السجن الثاني : المفاهيم السلبية الشائ
...
-
إصلاح التعليم : ماذا يعني ؟
-
سجون الثقافة العربية السجن الأول : الثقافة الدينية السامة.
-
هل من تفسير ؟
-
لو كنت كرديا من سوريا ... : سلسلة - لو كنت ..... - الحلقة ال
...
-
مرة أخرى: مسيحيو مصر (عرض لمرض مجتمع).
-
بمثل هذا الموقع (الحوار المتمدن) -قد- نستطيع بدء نهضة ثقافية
...
-
من ذكريات زيارة حديثة لكردستان الرائعة
-
قرار تقسيم فلسطين نوفمبر 1947 : من دفاتري القديمة
-
تراجيديا المرأة فى مجتعنا - بمناسبة اليوم العالمي للمرأة...
-
الشرق والغرب : الفهم المفقود.
-
رسالة للحكام العرب - بمناسبة اليوم العالمي للمرأة
-
نصيحة مجانية للرئيس إبن الرئيس ...
-
المرأة : نصف البشرية المعطل فى مجتمعاتنا الظلامية
-
بين ثقافة السلام وثقافة الحرب .
المزيد.....
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|