هاشم نعمة
الحوار المتمدن-العدد: 2145 - 2007 / 12 / 30 - 12:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
والآن نستعرض عاملي المهنة والتعليم وتأثيراتهما على الخصوبة بشيء من التفصيل نظراً لأن المعطيات المتوفرة حولهما أفضل نسبياً من بقية العوامل.
المهنة
يربط كثير من الدراسات بين الخصوبة والوضع المهني للنساء حيث يتم التأكيد على عدم الانسجام بين الإنجاب المستمر من جانب والعمل المستمر في القطاع الحديث من الاقتصاد من جانب آخر. غير أن تصنيف العمل يواجه مشاكل جدية أولها تلك المتعلقة بالمصطلحات حيث أن صنف ربة البيت أو المربية غير ملائم عندما يتم تطبيقه على معظم النساء في المجتمعات الريفية ( ) وهذا ينطبق على العراق أيضاً.
وقد أثبت الباحث جواد الحسناوي وجود علاقة عكسية بين معدل الخصوبة العام ( ) والنسبة المئوية للنساء العاملات حسب المحافظات طبقا لنتائج التعداد السكاني لعام 1987. حيث وجد أن أعلى معدل للخصوبة (224 بالألف) وأدنى نسبة للنساء العاملات (3%) في محافظة دهوك. وأقل معدل للخصوبة (115 بالألف) وأعلى نسبة للنساء العاملات (9%) في مدينة بغداد. ( ) أنظر جدول رقم (2).
جدول رقم (2) العلاقة بين معدل الخصوبة العام ونسبة النساء العاملات حسب المحافظات في تعداد 1987 .( )
نسبة النساء العاملات % معدل الخصوبة العام (بالألف) المحافظة
4 171 نينوى
4 160 صلاح الدين
6 183 التأميم
5 139 ديالى
9 115 مدينة بغداد
4 160 الأنبار
6 127,7 بابل
4 136 كربلاء
5 126 النجف
5 125,5 القادسية
4 150 المثنى
4 145 ذي قار
8 132 واسط
4 142 ميسان
5 126,6 البصرة
إقليم كردستان
3 224 دهوك
4 188 اربيل
4 167 السليمانية
شكل رقم (3)( )
وحديثاً ظهرت علاقة واضحة ومتوقعة بين الخصوبة ومساهمة النساء في القوى العاملة العراقية حيث بلغ معدل الخصوبة الكلي 2,9 لدى النساء المساهمات في القوى العاملة ( الموظفات أو المتغيبات عن العمل بشكل مؤقت أو الباحثات عن العمل) بينما بلغ 4,3 لدى غير المساهمات في القوى العاملة في الفترة 1999-2003 .( )
بلغت نسبة اشتغال النساء العراقيات اللواتي تزيد أعمارهن عن 15 سنة 13% مقارنة بحوالي 75% للرجال في سنة 2004. وهذا التباين ينطبق على دول أخرى. حيث تعد نساء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين أقل النساء مساهمة في القوى العاملة في العالم بنسبة 30% من القوى العاملة. كما يغلب على الدول المكتفية بالعمالة والغنية بالموارد مثل العراق والجزائر وإيران نسب مساهمة منخفضة للمرأة في القوى العاملة أكثر من الدول الفقيرة بالموارد مثل مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس. وفي الوقت الذي تعتمد الدول الأخيرة على مشاركة المرأة الاقتصادية بسبب الإنتاج المعتمد على اليد العاملة لا يتم استغلال القدرات الاقتصادية للمرأة بقدر كاف في الدول الغنية بالموارد.( ) هذه المساهمة المنخفضة للنساء في القوى العاملة تعني محدودية تأثير العمل على المستوى العام للخصوبة في العراق والدول المشابهة لوضعه.
ويشير عدد من الدراسات في الدول النامية بأن الكثير من النساء العاملات خصوصا اللائي يعملن في المشاريع العائلية والأعمال الزراعية والاقتصاد غير الرسمي يكسبن القليل وليس لهن سيطرة على الموارد المتأتية من العمل. وهذا يشير بأن المشاركة في قوة العمل بذاتها يمكن أن لا تكون مهمة جداً في التأثير على الخصوبة( ) وينطبق هذا على العراق وبالأخص في المناطق الريفية.
التعليم
التعليم من العوامل المهمة المؤثرة في الخصوبة وتزيد إمكانية قياسه من أهمية تحليل علاقته بالخصوبة في حالة العراق. وقد كُتب الكثير من البحوث في اختصاصات عديدة عن العلاقة بين التعليم والخصوبة على مستوى العالم. وقد أشار العالم الديمغرافي ايفانوف إلى أنه بين العدد الكبير من العوامل التي تؤثر في معدل الولادات يكتسب أهمية خاصة في ظروف معينة المستوى التعليمي للسكان.( ) وبشكل عام يمارس التعليم تأثيراً عكسياً على مستوى الخصوبة ولكن ليس بشكل شامل. فقد وجد في الدول خصوصاً تلك التي تصنف كأفقر الدول في مجال التنمية أن الزيادة المتواضعة في التعليم الرسمي ترفع الخصوبة بشكل طفيف لكن هذا المؤشر لا يعتبر ذو تأثير طويل الأمد بل كمرحلة انتقالية من الأنماط التقليدية إلى الحديثة. وكلما تقدم المجتمع في عملية التنمية أو التطور تصبح العلاقة عكسية بشكل بين حيث تنخفض الخصوبة باضطراد مع ارتفاع مستوى التعليم وعند المستويات العليا من التطور وجدت العلاقة ضعيفة مرة ثانية حيث سلوك الخصوبة وسط المجموعات المتعلمة يصبح غير منتظم بشكل واضح.
وقد وجد بأن مميزات المجتمع أو الجماعة والمستوى العام للتعليم يكيف تأثير التعليم المدرسي الشخصي على الخصوبة. وأشار كالدويل بأن مستوى تعليم المجتمع يستطيع أن يمارس تأثيراً أقوى على سلوك الخصوبة الشخصي مقارنة بالمميزات الشخصية. وطبقاً لتيندا فأن المناخ الاجتماعي الذي تتخذ فيه النساء القرارات المتعلقة بحجم الأسرة يضع الحدود على مدى خيارات الخصوبة الملائمة ويؤثر في سلوكها.( )
تزداد فعالية العامل الاجتماعي في تقدير الأسرة الكبيرة في العراق بين الفئات الفقيرة عموماً ولدى الأفراد الأميين أو الأدنى في مستوى التعليم. وفي عام 1974 قدر متوسط عدد المواليد للنساء المتزوجات بـ 4,17 وللنساء الأميات 5,0 و للنساء ذوات التحصيل العلمي العالي 2,2 في عمر 15-49 سنة.( ) وحديثا أظهرت معدلات الخصوبة ارتباطاً عكسياً مع مستوى التعليم. أنظر شكل (4). ففي الفترة (1999-2003) وجد أن الخصوبة الكلية وسط النساء الحاصلات على تعليم أعلى تقل بمقدار 2,2 عن غير المتعلمات. أنظر جدول رقم (3). إن انخفاض الخصوبة مع ارتفاع مستوى التعليم يعني أن النساء المتعلمات يبدأن الإنجاب بعمر أكبر ويتوقفن عنه بعمر أصغر.( ) وتحليل الفرق بين الفترتين (1994-1998) و(1999-2003) يُظهر أن أكبر انخفاض مطلق في الخصوبة حدث وسط النساء غير المتعلمات بينما يُظهر انخفاض أقل بالنسبة للنساء ذوات التعليم العالي في كل من الأرقام النسبية والمطلقة.( ) في رأينا يعود هذا إلى أن معدل الخصوبة وسط غير المتعلمات مازال مرتفعاً وهناك إمكانية لانخفاضه في حين أنه وسط المتمتعات بتعليم عال أقترب من معدل الاحلال وسيكون انخفاضه مستقبلا أبطأ.
جدول رقم (3) معدلات الخصوبة الكلية خلال الفترتين 1994- 1998 و1999-2003 حسب المستوى التعليمي.( )
الفرق الفترة المستوى التعليمي
نسبة مطلق 1999-2003 1994-1998
13 0,73 4,8 5,5 لم تلتحق بالمدرسة قط
12 0,62 4,4 5.0 لم تكمل الابتدائية
13 0,65 4,3 4,9 الابتدائية
9 0,37 3,6 4,0 المتوسطة
18 0,62 2,9 3,5 الإعدادية
9 0,26 2,6 2,9 التعليم العالي ( الجامعة) ( )
شكل رقم (4)( )
تأثير تعليم النساء على مستوى خصوبتهن يكون مهماً بعد التعليم الابتدائي. ففي المغرب أظهر مسح أن الإناث في التعليم الثانوي يتزوجن سبع سنوات متأخرات مقارنة بنظيراتهن غير المتعلمات.( ) ويصبح التعليم أكثر أهمية وسط المتمتعات بمستوى تعليمي يصبح كمهنة. حيث أن النساء الحاصلات على التعليم الجامعي والمدرسات يملن للزواج في الأعمار المتأخرة مقارنة بالحاصلات على شهادة التعليم الابتدائي والثانوي. وغالباً ما تميل المجموعة الأولى لاستعمال موانع الحمل. ومن الواضح أن التعليم يؤثر في مستوى الخصوبة من خلال تفاعله مع متغيرات وسطية مثل العمر عند الزواج والتخطيط العائلي. ( )
تعليم النساء لم يعد لوحده عامل مؤثر في الخصوبة وإنما كذلك طموحات الوالدين تجاه تعليم أطفالهم. حيث أن التعليم الواسع يغير دور الأطفال من منتجين إلى معالين. وبسبب من أن الالتحاق بالمدرسة يرفع التكاليف المباشرة لتربية الأطفال إضافة إلى الطموحات الكبيرة لتعليمهم فهذان العاملان يمكن أن يعملا كمحددين مهمين للخصوبة العالية. ويناقش كالدويل بأن التعليم المؤسساتي يفرز المثل الثقافية التي تترافق مع قيم الطبقة الوسطى التي تشمل قيم الحجم الصغير للأسرة.( ) وهذا يمكن أن ينطبق إلى حد ما على الطبقة الوسطى العراقية التي صغر حجمها وتراجع دورها كثيرا في العقود الأخيرة بسبب التطورات السياسية التي مر بها العراق.
في الوقت الحاضر تعتبر نسبة التحاق الإناث في المدارس الابتدائية العراقية منخفضة جداً مقارنة بالذكور وعلى مستوى الحضر والريف والمحافظات هناك تباين في مستوى التعليم. فقد أصبحت فجوة النوع الاجتماعي أكبر بكثير في المناطق الريفية: فحالياً 40% من الإناث في المناطق الريفية غير ملتحقات بالدراسة الابتدائية مقارنة بحوالي 20% في المناطق الحضرية. ولم تكمل 38% من النساء في عمر 15-24 سنة التعليم الابتدائي في المناطق الأولى إزاء 25% في المناطق الثانية. وتوجد في محافظات السليمانية ودهوك والمثنى أدنى مستويات التعليم وسط النساء اللواتي تزيد أعماره عن 15 سنة فأكثر.( ) وحسب مصدر مسؤول في وزارة التربية ارتفعت نسبة تسرب الفتيات من الدراسة خلال العام الدراسي 2003-2004 إلى 50%. وأظهرت دراسة لوزارة التربية ومنظمة اليونيسيف في عام 2004 أن هناك 600 ألف طفل غير ملتحقين بالمدارس الابتدائية منهم 74% من الفتيات. وإن نسبة تسرب الفتيات من المدارس الابتدائية كانت 31% في المدن و51% في المناطق الريفية. ( ) ويعد انخفاض نسبة تعليم الإناث في الريف أحد العوامل المهمة المسؤولة عن ارتفاع معدل الخصوبة فيه مقارنة بالمدن. أما بخصوص المحافظات في رأينا إذا ما أستمر التباين في هذه النسبة فيما بينها لفترة أطول فلابد وأن يترك أثره في تباين معدلات الخصوبة على هذا المستوى.
#هاشم_نعمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟