لنجرب وننصح النظام مرة
مصطفى مجدي الجمال
الحوار المتمدن
-
العدد: 8203 - 2024 / 12 / 26 - 04:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أظن أن مصر تمر بمخاطر تتهددها من أربع الجهات ومن الداخل أيضًا.. والنظام أول من يعترف بذلك ولكنه لا يريد من الشعب الانزعاج لأنه سيرفع حتمًا منسوب الغضب من الضعف البادي في المواجهة. ويراهن النظام على وعي الشعب المصري الذي يلوح مترددًا في إعادة قلاقل تستفيد منها جماعة الإخوان وأشباهها وبعض ذيول أمريكا داخل النظام ذاته.
وترجح معظم السيناريوهات المطروحة في المنطقة توريط مصر في حرب بالاستفادة من النكسات المروعة في فلسطين ولبنان وسورية، والتي يرجح أن تمتد أيضًا بصور أخرى إلى اليمن والعراق والأردن وإيران.. فهل يمكن، ومتى، ستمتد النيران إلى وطننا؟ وهل الأوضاع الحالية للنظام قادرة على مواجهة المخاطر وتعبئة الشعب للدفاع عن جوهر الدولة ـ الأمة المصرية؟
وإذا كان الشعب يرحب ويفتخر بتنامي القوة العسكرية المصرية، والتي يرتهن جزء منها للأسف ـ بفعل السياسات الساداتية ـ بالتسليح الغربي.. أي بالمرشحين للاعتداء على كل الأقطار العربية.. فإن تساؤلات كبرى تنشأ عن مدى القدرة على النجاح في اللمواجهة.
صحيح أن العبث الغربي والصهيوني ضد مصر لن يكون نزهة سهلة لهم على الإطلاق، بل يمكن أن يلحق بالأعداء المباشرين خسائر مهولة، إلا أنه من أشد بواعث العدوان المحتمل تلك الأزمة العميقة التي تمر بها الإمبريالية الأمريكية، حتى لتبدو أحيانًا خاشية لتحمل وقوع خصم كبير من قدراتها على الإملاء والإكراه والعدوان. ناهيك عن فورة الغطرسة الإسرائيلية التي تظن أن "انتصاراتها" وتمددها ينطوي على بشرى توراتية، وأهم ما يقلقها هي مصر بحجمها وقدراتها وتأثيرها وجذرية عداء شعبها للصهيونية.
آن الأوان لأن يصبح التخطيط الاستراتيجي الوطني هادفًا لحماية الأمة قبل النظام. ومن ثم نتساءل هل كان إغراق الدولة بالديون الخارجية ـ لإنجاز مشروعات كمالية أو كان من الممكن تأجيلها ـ مساعدًا في تحقيق فوائض كافية لمواجهة التحديات؟
وسؤال آخر ملح: هل تساعد السياسات الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية للحكومات في السنوات الأخيرة.. هل تساعد في تحقيق الرضا الشعبي، ناهيك عن التعبئة الجادة في وجه الأخطار الاستراتيجية؟
من المؤكد أن السياسات النيوليبرالية قد أطاحت ببعض قدرة التحمل الشعبي على تحمل المزيد من الأعباء. وليس في هذا أي داعٍٍ للشك في وطنية المصريين، ولكنه منذر بسخط قد يصبح التحكم فيه خاصةً في هذه الظروف الحرجة جدًا. غير أن السياسات النيوليبرالية تعفي الدولة من بعض أهم أدوارها الاقتصاديةومسؤولياتها الاجتماعية، كما يتحول نشاطها الأساسي إلى الجباية القاسية، وبيع ممتلكات الأمة وبعض أصولها الاستراتيجية دون رقابة شعبية واجبة. كما نتج عن هذه السياسات المملاة من الدائنين اتساع الفوارق على نحو مذهل بين الكادحين وبين شرائح كبيرة من الطفيليين والمحاسيب. كما انتشر الفساد على نحو عارم لينخر معظم الكيانات الحكومية، بل وفي المجتمع ككل مثل تفشي البطالة والمخدرات والجريمة والتفسخ. أما الأخطر فهو ازدياد نفوذ وممتلكات الدول والأسر الخليجية على نحو غير مسبوق، بينما يتضح يومًا وراء يوم الأدوار التي يلعبونها لصالح المخططات الأمريكية والصهيونية.
ومما يثير الاستغراب تساهل الأجهزة مع اتساع الدعوات السلفية، وحتى محاولات "تهدئة اللعب" مع جماعة الإخوان تلبيةً للمطالب الأمريكية. ثم يتجرع الشعب المصري هذا الإعلام السفيه الذي يصر على تلميع كائنات بغيضة وغبية تثير الحنق وتنشر الأكاذيب مما يؤذي النظام نفسه قبل أن تنفعه.
ولا حاجة لمزيد من القول عن مصادرة الحياة السياسية والإمعان في الاعتقالات للمعارضين السلميين والتفنن في تكوين عشرات الأحزاب الكارتونية، بل وأيضًا السكوت المريب على تكوين كيانات قبلية وعرقية بعضها مشبوه.
لا أريد تعديد المزيد.. لكنني كمواطن مصري ألمس مخاطر وبيلة.. أولها الشبق الإسرائيلي شبه المعلن لإعادة احتلال سيناء، ثم احتمالات تمدد التيارات التكفيرية بعد أحداث سورية بما يشجع بعض العصابات على العودة للنشاط في مصر، خاصة بعد طوفان المهاجرين الذي تقدره الحكومة والأمم المتحدة بتسعة ملايين شخص، وبعض الجنسيات منهم لن تعود إلى بلادها في الأمد المنظور.
ولا ينفصل عن المخاطر المخططة السابقة، احتمال تورط مصر في شرق أفريقيا، وأزمة مياه النيل، والتخطيط الذي كان لزحف قوات الدعم السريع لحمدان دجلو على جنوب مصر، ناهيك عن ضعف الثقة في قوات حفتر التي تأتمر أساسًا بأمر الإمارات (التي وضعها النظام يومًا ضمن "التحالف العربي الرباعي").. والأخطر من ذلك كله تمدد النفوذ التركي في كل الاتجاهات وبما يهدد حتى ثروات مصر في البحر المتوسط.
الخلاصة: لا يمكن للنظام أن يتصدى لكل هذه المخاطر بالدبلوماسية السرية وحدها، ولا بالحرص المبالغ فيه على عدم إقلاق المواطنين، ولا باستمرار ذات التوجهات والسياسات التي تضعف مناعة الدولة المصرية في زمن لا يرحم.