حديث شائك جدا عن الوافدين


مصطفى مجدي الجمال
الحوار المتمدن - العدد: 8167 - 2024 / 11 / 20 - 04:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الموضوع الذي سأتحدث فيه هنا حساس للغاية.. فلا يجوز التعامل معه بسبهللى ولا بمشاعر حقد عنصري (شوفيني).
من الثابت تاريخيا أن المجتمع المصري، رغم طابعه المحافظ نسبيًا على طول تاريخه على سماته العامة، لم يكن منغلقا بل كان بوتقة انصهرت فيه جماعات هائلة الحجم من الوافدين بحثا عن الأمان والرزق. ويمكن القول إنه مجتمع مضياف لا يطارد الغريب أو يلفظه، حتى أولئك من غير معتقده الإسلامي السني السائد والمحب لآل البيت.
ومن المعروف أنه توجد في مصر ألقاب وجماعات كثيرة جدا جدا تنم أسماؤها عن أصولها الوافدة (المغربي، الشامي، التونسي، السوداني، العراقي، اليمني، النجدي، السعودي، الحبشي، القطري، الفارسي، التركي... بل وحتى المصري!!!).. وقد امتدت هذه العملية أيضًا لتشمل جماعات مهاجرين أوربيين هاربين من القمع والحروب مثل الأرمن والمارون واليهود والطليان والروس واليونانيين...الخ.
وكان المسلك السائد هو معاملة الضيوف معاملة تقترب من معاملة المواطن المصري.. بل استطاع كثيرون منهم الانغماس في مجالات المال والمهن والحرف والثقافة والفن والصحافة، بل تمتع الكثيرون بامتيازات عن المواطنين في عهد الاحتلال... وبمرور سني التوطن كان يتم استيعاب الضيف في مرجل مصري هائل، لأنه من المعروف في علم الاجتماع أن الثقافة الأعم تستوعب الثقافات الوافدة الأقل حجما، بالتأثير والتأثر أيضًا.
لكن شهدت مصر في العقد الأخير على الأقل موجات هائلة من الوافدين الهاربين من جحيم الحروب والاقتتال الأهلي في بلادهم مثل السوريين والسودانيين والعراقيين واليمنيين والليبيين.. ناهيك عن أعداد غير قلية من الجنسيات الأفريقية.
وقد أثنت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة على معاملة مصر للضيوف حيث يتاح لهم العمل والنشاط الحرفي والتجاري والخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم.. كالمصريين أو بتكاليف معقولة.. أي أنه لم يتم احتجازهم في معسكرات.. فباتت مدن جديدة وأحياء في المدن القديمة تغص بتجمعات للضيوف، يتسم بعضها بطابع الجاليات شبه المغلقة.
وتقدر منظمة الهجرة حجم الضيوف في مصر بتسعة ملايين إنسان.. ولكن التقديرات المعقولة ترفع هذا العدد إلى اثني عشر مليونا. وهي أرقام تزيد عن أحجام سكان دول بأكملها.
وهنا يبرز السؤال.. هل هناك بلد في العالم استقبل مثل هذا العدد؟ قد يقول أحدهم بأن ترامب يتحدث عن خطر على أمريكا من أعداد تماثل أو تقل عن هذا.. مع مراعاة الفارق المهول في الإمكانيات، وفي الأزمات المعيشية الخانقة التي يكابدها المواطن المصري الكادح.. وهي الأزمات التي تفاقمت بفعل الضغط الزائد على الموارد والمرافق المنهكة أصلا.. فتفاقم التضخم أكثر..
أما الحكومة المصرية فقد استثمرت التراث المصري المضياف الأصيل لكي تمارس الضغوط على أوربا للحصول على بضعة مليارات مقابل احتجاز الضيوف وتحويل بلد المعبر إلى بلد مقر وربما موطن.
ومن جانب آخر أفرزت هذه الظاهرة ملمحًا واضحًا يتمثل في تمركز وتشرنق بعض جماعات الضيوف حول بعضها بشكل سيوصل ربما إلى تكوين جاليات وجماعات ضغط في المدى المتوسط.. خصوصًا أن الكثير من الضيوف لا يفكر مطلقًا في العودة لبلده حتى إذا استقرت الأوضاع فيه.. فقد ترتبت لهم مصالح لا يمكنهم الاستغناء عنها بسهولة.
ومن النتائج غير المستحبة لهذه الظاهرة أنها قد تتسبب ربما في مشاكل بين فئات في المجتمع المصري ومنافسيهم من الوافدين.. بل إنها قد تشكل عبئا على أجهزة الأمن، وعلى النسيج الاجتماعي السياسي حيث من المعروف مثلاً انتماء البعض منهم لجماعات مثل الإخوان المسلمين والسلفيين بأنواعهم.
من كل ما سبق.. يتطلب الأمر من جميع القوى المصرية والعربية الواعية التعامل بحكمة مع الظاهرة المتضخمة، للحيلولة دون تولد مشاعر عدائية بين شعوبنا، وأيضًا دون التجاوز على حقوق ضيوف مغلوبين على أمرهم.