التكفيري محل الدكتاتور
مصطفى مجدي الجمال
الحوار المتمدن
-
العدد: 8187 - 2024 / 12 / 10 - 08:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
في عامي ٢٠٠٠ و ٢٠٠١ كنت المنظم لندوتين كبيرتين بدعوة من جامعة دمشق لمركز البحوث العربية، وذلك خلال مرحلة قصيرة في بداية عهد بشار الأسد لوحت بالتغيير والإصلاح السياسي.. كانت الندوة الأولى عن أهمية الديمقراطية والمجتمع المدني، والثانية عن الأمن القومي العربي. وقد نجحت في أن أفرض على الشركاء السوريين بالجامعة حضور المعارضة مثل ميشيل كيلو وآخرين، وبعض الفلسطينيين وفي مقدمتهم سلامة كيلة الذي كان خارجا للتو من سجن سبع سنوات بدمشق..
ولكني اختلفت بالطبع مع المعارضة الليبرالية السورية بعد ٢٠١١ بسبب تماهيها مع المشروعات الغربية وتنسيقها الحتمي بالتالي مع التكفيريين.
عموما كان هذا شأنهم وإن ظللت أدافع عن حق الشعب السوري في الحرية، وعن ضرورة الحفاظ على استقلال سورية ضد محاولات الغرب (بحكوماته ومنظماته ومخابراته..) تطويعها للسلام المذل مع إسرائيل.
وفي الحقيقة أن الليبراليين وبعض التقدميين السوريين بدأوا يدركون خطر الجماعات التكفيرية الدموية بكل أصنافها والمعروف ارتباطها المالي والسياسي والتسليحي بالاستخبارات الغربية والتركية والنفطية، وحتى الصهيونية في بعض الحالات.
وما أريد التأكيد عليه أن النظام السوري تراجع سريعا عن محاولات الإصلاح التي روج لها مع مجيء بشار، لأنه أدرك أن الانفتاح السياسي سوف يقلل أو حتى يودي بهيمنة حزب البعث والأسرة الحاكمة.
أما المعارضة المدنية فقد انجرفت أكثر نحو التواطؤ مع الغرب.. كما تمادت في الصمت عن مجازر الإرهاب، ولم تر سوى فظائع النظام المسنود بمشقة من جانب القوات الروسية والإيرانية وحزب الله.
وهكذا لم يعد بإمكان النظام الصمود، خاصة بعد اندلاع الصراع في فلسطين وبلوغ التوحش الأمريكي والصهيوني مستويات غير مسبوقة من الإبادة والعدوان على طريق تنفيذ خريطة نتنياهو للشرق الأوسط.
وفي المقابل بلغت معاناة روسيا في أوكرانيا ومن العقوبات مداها فلم ترحب بفتح جبهة أخرى. أما إيران فإن همها الأساسي هو الإفلات بالسلاح النووي ولا ترغب في مواجهة كبرى قبل امتلاكه، ومن هنا كان تقييدها لحزب الله ولم تسمح له باستخدام الصواريخ الاستراتيجية عند بدء الاشتباك فكانت النتيجة تعرض الكثير من قدرات الحزب للتدمير وفقدان أهم قادته.
المهم أن كل هذه التفاعلات قد أوصلت إلى تسويات انتهت بإسقاط النظام البعثي-الأسدي على أيدي قوى ظلامية ارتدت مرحليا ثياب الديمقراطية والمدنية والوحدة الوطنية..
وأظن أنه لن تمضي شهور قبل أن تتضح النوايا الحقيقية التي تنذر بصراعات بين أشتات الجماعات المنتصرة ذاتها، وربما مع المجتمع ككل بسبب النزق القادم حتما لإعلان سورية إسلامية.. كما يرجح استئناف الصراعات الطائفية والعرقية.. ولا يستبعد أن تقضم تركيا وإسرائيل أجزاء من الجغرافيا السورية.. ولا يستبعد تفكيك الوطن السوري كله أو غرقه في حالة من الفوضى تسر أمريكا وإسرائيل.
وأمام هذه الصورة المعقدة جدا لا نستبعد حربا إقليمية بإرهاصات عالمية، ويصبح استقرار كثير من بلدان المنطقة على المحك.
ومن ثم لا أوافق حالة الترحيب والتهليل عند ذوي المسحة الليبرالية (وهي شائعة في اتجاهات يمينية ويسارية على السواء) لإسقاط نظام دكتاتوري مع إغماض العين عن هوية وكنه من أسقطه وعن داعميه بالمال والسلاح والإعلام.