وْسومها على خْشومها!
سعود قبيلات
الحوار المتمدن
-
العدد: 8191 - 2024 / 12 / 14 - 02:34
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
«وْسومها على خْشومها» مثل شعبيّ أردنيّ قديم بعيد الدَّلالات..
وبالمناسبة، هل يعرف الَّذين هلَّلوا وكبَّروا لسيطرة الجماعات التَّكفيريَّة على سوريا ما هو العلم الَّذي يُرفَع في سوريا الآن بدل علمها السَّابق؟
إنَّه، بالتَّحديد، العلم الَّذي فرضه الانتداب الفرنسيّ على سوريا في العام 1932.
وبناء على افتراض حُسْن النِّيَّة لدى بعض مَنْ لا يعرفون، ألقي شيئاً من الضّوء على التَّاريخ المشين لهذا العلم الَّذي يتباهى كثيرون برفعه حاليَّاً..
ما إنْ سيطر الاستعمار الفرنسيّ على سوريا، بعد معركة ميسلون الَّتي وقعت في تاريخ 24 تمّوز 1920، حتَّى ألغى علمها الأوَّل، الَّذي وضعه المؤتمر السُّوريّ العامّ (أو الكبير، كما كان يُسمَّى أيضاً) في اجتماعه الَّذي أُعلِنَ فيه استقلال سوريا.
وقد كان العلم السُّوريّ الأوَّل، ذاك، يُسمَّى «العلم العربيّ» (وهو، بالمناسبة، مطابق للعلم الأردنيّ الحاليّ بتمامه وكماله)..
وتجدر الإشارة، هنا، إلى أنَّ المؤتمر، بالإضافة إلى إعلانه استقلال سوريا ووضعه علماً للبلاد، أكَّد أنَّ أراضي سوريا تشمل المناطق التَّالية: لبنان، وفلسطين، والأردن، وسوريا الحاليَّة، ولواء الاسكندرون، والأقاليم السُّوريَّة الشَّماليَّة الَّتي ما لبث المستعمرون الفرنسيّون أنْ منحوها لتركيا، بغير وجه حقّ، في العام 1921.
وكان أوَّل انعقاد لهذا المؤتمر في تاريخ 3 حزيران 1919؛ حيث شارك فيه مندوبون مِنْ سوريا الطَّبيعيَّة كُلِّها (سوريا الحاليَّة، والأردن، وفلسطين، ولبنان).
وابتداءً مِنْ 24 تمّوز 1920، صمَّمَ الاستعمار الفرنسيّ، أكثر مِنْ مرَّة، نماذجَ مختلفة لعلم سوريا، لتكون بديلة لعلمها الأصليّ، في سياق سعيه لتقسيمها وطمس هويَّتها الوطنيَّة والقوميَّة.
وفي أوّل ثلاثة مِنْ هذه النَّماذج، وضع المستعمرون الفرنسيُّون، بشكلٍ صريح، رسماً مصغَّراً للعلم الفرنسيّ في أعلى الجانب الأيسر مِنْ كلٍّ منها.
وفي 1 كانون الثَّاني من العام 1932، فرض الفرنسيُّون، بمرسومٍ رسميٍّ، نموذجَ العلم الَّذي يُرفع الآن في سوريا؛ ويتكوَّن مِنْ مستطيلٍ أخضر في أعلاه، ومستطيلٍ أبيضٍ في وسطه.. عليه ثلاث نجمات خماسيَّة حمراء؛ ثمَّ مستطيل أسود في أسفله..
حيث أراد المستعمرون من النَّجمات الثَّلاث أنْ ترمز إلى مخطَّطهم لتقسيم سوريا إلى ثلاث كيانات مذهبيَّة، هي: كيان علويّ؛ وكيان سنِّيّ؛ وكيان درزيّ.
ويُرفَع هذا العلم، الآن، بديلاً للعلم السُّوريّ السَّابق الَّذي هو في الأصل علم الوحدة السُّوريَّة المصريَّة في العام 1958، ويتكوَّن مِنْ مستطيلٍ أحمر في الأعلى؛ ومستطيلٍ أبيض في الوسط، عليه نجمتان خضراوان خماسيَّتان ترمزان إلى مصر وسوريا؛ ومستطيلٍ أسود في الأسفل.
وعندما وصل حزب البعث إلى السُّلطة، في سوريا، في العام 1963، أضاف نجمةً خضراء خماسيَّة ثالثة على المستطيل الأبيض، في سياق مشروع الوحدة الثُّلاثيَّة.. المصريَّة السُّوريَّة العراقيَّة الَّذي كان مطروحاً لبعض الوقت آنذاك.
وخلال الفترة الواقعة ما بين 1 كانون الثَّاني 1972 و29 آذار 1980، اعتمد الرَّئيس السُّوريّ الرَّاحل حافظ الأسد علماً يتكوَّن مِنْ مستطيلٍ أحمر في الأعلى، ومستطيلٍ أبيض في الوسط مرسوم عليه نسر ذهبيّ، ومستطيل أسود في الأسفل.
بعد ذلك، جرى التَّخلِّي عن هذا العلم والعودة إلى علم الوحدة المصريَّة السُّوريَّة الَّذي ظلَّ معتمداً حتَّى سقوط نظام الرَّئيس بشَّار الأسد.
في السِّياسة، لا تُستَخدَم الرُّموز مجَّاناً؛ والسُّؤال الضَّروريّ، هنا، هو: لماذا اختارت الجماعات التَّكفيريَّة، المسيطرة على سوريا الآن، العلمَ الَّذي فرضه الانتداب الفرنسيّ على سوريا بالتَّحديد، مع معرفة الجميع بكُلِّ المعاني السَّلبيَّة الَّتي يُعبِّرُ عنها؟!
إذا كانوا لا يريدون تبنِّي علم الوحدة المصريَّة السُّوريَّة، فلماذا لم يختاروا، مثلاً، العلمَ السُّوريّ الأوَّل الَّذي وضعه المؤتمر السُّوريّ العامّ في العام 1919 وألغاه الاستعمار الفرنسي عند احتلاله لسوريا؟
وإذا كانوا لا يريدون «العلم العربيّ»، الَّذي وضعه المؤتمر السُّوريّ، فلماذا لم يصمِّموا علماً آخرَ؟!
أخيراً، نضع هذه المعلومات برسم الَّذين يتباهون الآن برفع علم الانتداب الفرنسيّ، هذا، خارج سوريا.