.. وبراءةُ الأطفالِ في عينيه!
سعود قبيلات
الحوار المتمدن
-
العدد: 6732 - 2020 / 11 / 14 - 17:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الانتخابات النِّيابيّة الأخيرة – حتَّى بالنِّسب الَّتي أعلنها النِّظام – هي الأقلّ إقبالاً عليها ومشاركةً فيها بين جميع الانتخابات السَّابقة. ونحن نعرف أنَّ نسبة المشاركة قد تكون أقلّ مِنْ ذلك. وقد رأينا ليلة الانتخابات نداءات استغاثة يائسة عديدة وُجِّهتْ إلى النّاس مِنْ أجل الإقبال على الانتخاب، في المحافظات تحديداً، وقد استُخدِمَتْ فيها الرّموز الدّينيّة أحياناً، والخطاب العشائريّ في أحيانٍ أخرى. وفي بعض الدَّوائر، لم ينقذ الموقف سوى مشاركة «الإخوان المسلمين»، الَّتي جاءت – كالعادة – بناء على صفقة جرتْ بينهم وبين النِّظام.
قد يقول قائل إنَّ سبب تدنِّي نسبة الاقتراع هو الخوف مِنْ وباء كورونا. لا أُجادل في ذلك؛ بيد أنَّ هذا التَّحليل يتجاهل حقيقة أساسيّة مهمّة، وهي أنَّ نسبة المشاركة في الاقتراع تواصل التَّراجع منذ عدّة دورات سابقة بوتيرة كبيرة، ولم يكن ذلك حكراً على الدَّورة الأخيرة. النَّاس ملَّتْ مِنْ هذه العمليّة الزَّائفة الَّتي لم تعد تجد فيها أيّ جدوى. وإذا كان النِّظام يصرّ على متابعة إجراء انتخاباته المستهلكة باسم مزاعم «الاستحقاق الدَّستوريّ».. وكأنَّ الزَّمن مستنقعٌ راكد لا سبيل إلى تحريكه، فإنَّ النَّاس مهتمة الآن أكثر بالاستحقاق الدِّيمقراطيّ الَّذي يواصل النِّظام التَّهرَّب منه والتَّغافل عنه. فإلى متى؟!
على أيَّة حال، كان واضحاً أنَّ هذه النِّسبة المتدنِّية من المشاركة لا تمنح المجلس النِّيابيّ الحاليّ حقَّ تمثيل الشَّعب ليمرِّر باسمه المخطَّطات الخطيرة، الَّتي جرى انتخابه أصلاً بهذه التّركيبة اللافتة (الَّتي سبق أنْ توقّعناها) مِنْ أجل تمريرها. ويُضاف إلى هذا أنَّه أُثير الكثير من اللغط حول صحّة إجراءات الانتخاب وكَثُرَ الطَّعن العلنيّ فيها.
وفجأة، رأينا مشاهد إطلاق النَّار الكثيف مِنْ أشخاصٍ كثيرين، واحتشاداً كبيراً ومريعاً للنَّاس لم تشهده مراكز الاقتراع. وبطبيعة الحال، لا أحد ينكر أنَّ السِّلاح موجود ومنتشر. فهذه ثقافة قديمة وراسخة؛ لكن الكثير مِنْ هذه الأسلحة، الَّتي ظهرتْ في الفيديوهات، باهظ الثَّمن وفوق القدرة الماليّة للغالبيّة العظمى من النَّاس، كما أنَّ امتلاك السِّلاح شيء والقدرة على استخدامه لإطلاق النَّار بهذا البذخ شيء آخر. ونحن «نعرف البير وغطاه» لدى الغالبيّة السَّاحقة من شعبنا. وإذاً، فمَنْ هم هؤلاء الَّذين أهدروا كلَّ هذه الكلفة الماليّة الهائلة في عنان السَّماء مِنْ دون أن يحسبوا لذلك حساباً؟ وبالأحرى، مَن الَّذي تحمَّل عنهم كلفة تلك العمليّة الباهظة؟!
بسرعة، بعد هذا المشهد، الَّذي أثار استنكاراً واسعاً، تمَّ تحويل الأنظار عن النِّسبة المئويّة المتدنِّية لمشاركة النَّاس في الانتخابات لتتَّجه إلى مشهد الإطلاق الكثيف للرَّصاص والاختلاط المريع.
وبسرعة أيضاً، بادر النِّظام إلى تقديم نفسه بصورة المتفاجئ بهذا المشهد المرفوض (وبراءة الأطفال في عينيّه). لقد أراد أن يقول إنَّ ذلك لم يكن في حسبانه، وإنَّه لا يد له فيه، وإنَّه بريءٌ مِنْ عواقبه (براءة الذِّئب مِنْ دم يعقوب)!
وهكذا، إذا ما ظهر بعد أيَّام أنَّ وباء كورونا قد تفشَّى في البلاد بشكلٍ خطير (كما سبق أن حذَّرنا)، فالنَّاس هم المسؤولون عن ذلك.. لا الدَّعوة للانتخابات والإصرار على إجرائها مع المعرفة المسبقة بأنَّ ذلك سيقود حتماً إلى الاختلاط على أوسع نطاقٍ ممكن.
ويُضاف إلى هذا أنَّ النِّظام استخدم ذلك المشهد المرفوض كذريعة لإجراء مناورةً حيَّة لإخضاع النَّاس وترهيبهم بمظاهر القوّة العسكريّة المفرطة، وفي خلفيّة ذهنه ما هو مقدم عليه مستقبلاً مِنْ تنفيذٍ للمخطَّطات الخطيرة الَّتي تهدف إلى تصفية القضيّة الفلسطينيّة على حساب الشَّعبين الشَّقيقين (الأردنيّ والفلسطينيّ) وقلقه مِنْ ردَّة فعل النَّاس المتوقَّعة على ذلك.
بعد ذلك، رأينا وزير الدَّاخليّة يستقيل فجأة (أو تتمّ إقالته)؛ لا فرق. الَّذين يعرفون الرَّجل قالوا عنه، عند تنصيبه وزيراً للدَّاخليّة، إنَّه إنسان محترم، وعسكريّ محترف لا علاقة له بالسِّياسة، وإنَّ وضعه في هذا المنصب إنَّما جاء في إطار المسعى المحموم لإظهار كلِّ ملمح شكليّ ممكن أن يعطي انطباعاً بأنَّ الانتخابات ستكون نزيهة، أو، على الأقلّ، يمكن أنْ يقلِّل من الشكوك المثارة في شأنها. ويبدو أنَّ الرَّجل وجد نفسه مجرَّد «شاهد ما شافش حاجة»، فآثر الاستقالة. وبالنِّسبة للنِّظام، فهو مجرَّد صاحب دور انتهى دوره وأحسن صنعاً بالخروج من المشهد سريعاً ومِنْ تلقاء نفسه. بل إنَّ هذا أتاح الفرصة لتحميله قسطاً وافراً من المسؤوليّة عن كلّ العواقب الَّتي تسبَّب بها إجراء الانتخابات، مع أنَّه لم يكن هو من اتَّخذ قرار إجرائها وأصرّ عليه.
ختاماً..
من الواضح أنَّ النِّظام يعتقد أنَّه، بمثل هذه المناورات المكشوفة، قد اصطاد عدّة عصافير بحجرٍ واحد. لكن، هل سينطلي هذا على النَّاس؟ وإلى متى؟