الخطوة الأولى هي فضح الطابع البرجوازي للنظام وانتخاباته في الاقليم!
مؤيد احمد
الحوار المتمدن
-
العدد: 8155 - 2024 / 11 / 8 - 18:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مؤيد أحمد
كل بضع سنوات عندما تبدأ الحملة الانتخابية في إقليم كردستان، تُشغِل الأحزاب البرجوازية القومية والإسلامية والنيوليبرالية المجتمع بنفسها، وتُظهِر له، خاصة قوى المعارضة، وهذا العام الاتحاد الوطني الكردستاني(الاتحاد)، ان الانتخابات ستُحدِث تغييرا كبيرا، وكأن ثورة ما قد تندلع . لقد فعلت حركة (التغيير) و(الإسلاميون) و(الجيل الجديد) هذا الأمر في السابق ، وتفعله الآن أحزاب المعارضة الأخرى، وحتى (الاتحاد). ولكن في نهاية كل انتخابات برلمانية يبقى كل شيء على حاله، ويزداد فساد النظام، وتزداد درجة القمع والاحتكار وقمع الجماهير.
لقد وجدت معظم الجماهير من تجربتهم الخاصة أن هذه السيناريوهات ليست أكثر من تضليل وخداع. ومن الواضح لها أيضًا أن ما لا يمكن تغييره عبر البرلمان والانتخابات في الاقليم، هو نفس النظام الفاسد والمليشيات ونظام الاضطهاد والحرمان من الحقوق، ونفس مشقات حياتهم التي تزداد سوءً مع كل دورة اننخابية، وهو نفس سلطة الحزبين؛ الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) و(الاتحاد)، التي اصبحت كابوسا جاثما على قلوبها.
من الحقائق الملموسة أن الانتخابات والحملات البرلمانية الحالية تنتمي إلى الأحزاب والاوساط العليا في المجتمع، وتجري ضمن دائرة الممثلين السياسين والأحزاب السياسية للبرجوازية، سواء في السلطة أو في المعارضة، وفئاتها المختلفة، وتتميز بخصائص سياسية طبقية برجوازية وملامح صراعها مع الطبقة العاملة والشيوعية.
في هذه الانتخابات نرى من ناحية، الرأسماليين اصحاب المليارات والملايين من أصل سياسي وقادة الأحزاب والمسؤولين الحزبيين والحكوميين، والمعارضة البرجوازية من داخل نفس النظام السياسي القائم، من الإسلاميين والقوميين والليبراليين الجدد، مع مجموعاتهم من المثقفين والناشطين السياسيين، مجهزين بامكانيات واموال هائلة، ومن ناحية اخرى، غياب الصوت المستقل لبروليتاريا كردستان، والنساء المضطهدات، وشابات وشباب هذا الاقليم. كما، ولا توجد، في هذه الحملة، كلمة عن الاشتراكية والمفاهيم المساواتية والتحررية وتحرير المرأة، ولا توجد كلمة عن حل مشاكل المجتمع الأساسية والتخلص من البطالة والفقر ونقص الخدمات.
وفضلا عن ذلك، لا يوجد حديث عن إنهاء السلطة ونظام الميليشيات، والاستبداد السياسي والقمع، ونظام الإدارتين في الاقليم، وهي من المشاكل السياسية الرئيسية للمجتمع. وذلك ببساطة لأن الانتخابات تنتمي لنفس النظام وتجرى من أجل إعادة إنتاجه. واذا ما جرى حديث ما حول هذا الامر فهو من وجهة نظر المعارضة القومية والإسلامية والنيوليبرالية، التي هي نفسها ركائز النظام، و تنطلق من زاوية تقاتلها من أجل حصصها. كما ومن الواضح، أن هذا لا معنى له إذا أُخِذ كلام (الاتحاد) على محمل الجد بصدد هذا الامر، لأن جوهر حملته هو تغيير ميزان القوى لزيادة حصته من السلطة والثروة والنفط والغاز.
إن ما تتضمنه هذه الحملة ليس إنشغال الجماهير بسياسات وبرامج انتخابية، تحمل معنى سياسي واجتماعي واضح للجماهير في اقليم كوردستان ، بل انشغالها بالأوهام القومية والإسلامية والنيوليبرالية وخرافاتها، وبرسالة احتقار بوجه حرية المرأة ومس شأنها، وبقيم الاسلام السياسي المعادية للإنسان، هذا فضلا عن مشاجراتهم وتبادل الشتائم فيما بينهم.
بينما الحركة المجالسية والشيوعية، التي كانت تعبيرا عن نضال بروليتاريا إقليم كردستان آنذاك، لم تتراجع بعد في أجواء المد السياسي عام 1991، وكانت لا تزال تتحدى، من موقعها الطبقي، البرجوازية القومية الكردية وقواتها المسلحة على السلطة السياسية ومصير المجتمع، أجرت الأحزاب القومية انتخابات كردستان عام 1992، وقسّم (الاتحاد) و(البارتي) السلطة بينهما مناصفة، وأنشئا نظامًا سياسيًا من إدارتين بعد اقتتال دموي بينهما مع ما رافقه من مآسي.
في تلك المرحلة، كانت انتخابات عام 1992 بالنسبة للبرجوازية القومية وسيلة لاستغلال الوهم القومي السائد بين الجماهير وتحويله إلى شيء سياسي ملموس من شأنه أن يؤسس سلطة الأحزاب والميليشيات المسلحة لهذه الحركة القومية على مجتمع كوردستان، وان تكون وسيلة لتقاسم السلطة بينهما. فلم تكن هذه الانتخابات منفصلة عن مسار النضال السياسي الطبقي الدائر في المجتمع آنذاك، اذ حملت بوضوح طابعًا مناهضًا للحركة المجالسية والشيوعية، وبالتالي جسّد الوهم القومي معنى طبقيًا سياسيًا معينًا. وهكذا فأن الانتخابات لم تكن تتعارض مع الاهداف والمطالب الاقتصادية والاجتماعية لجماهير عانت المآسي فحسب، بل ايضا تتعارض مع التوقعات السياسية لجماهير الشغيلة ومنظمات الحركة الشيوعية التي كانت تقدم على إنشاء السلطة المجالسية.
منذ عام 2003، تشكِل الانتخابات والبرلمانات في كل من إقليم كردستان وعموم العراق جزءًا من حزمة نظام ميليشي سياسي إسلامي وقومي رجعي أعيد تأسيسه بعد احتلال العراق من قبل البرجوازية الإمبريالية الأمريكية، وان الغرض من الانتخابات هو اعادة انتاج النظام وليس احداث اي تغيير جدي فيه.
وتعود الحملة الانتخابية في الاقليم إلى (الاتحاد) و(البارتي) وأحزاب المعارضة الأخرى التي تمثل راس المال والراسماليين. بعد 33 عاماً من حكم مليشيات هذين الحزبين للاقليم، و20 عاماً من نهب النفط والغاز وإيرادات الإقليم واحتكار حصصهما المالية من بغداد، وبعد تزايد تطور الرأسمالية في عموم العراق والاقليم، وتنفيذ السياسات الاقتصادية النيوليبرالية في كل منهما بشكل شامل وسريع، ومعها التكامل المتزايد للرأسمالية في العراق وإقليم كردستان مع السوق العالمية، وتراكم رأس المال العالمي والإقليمي، فان الحديث عن سياسة الانتخابات والبرلمان، بدون ابراز طابعها الطبقي الرأسمالي فان هذا سيكون ابتعاداً من الواقع ولا يخدم وعي البروليتاريا والمضطهدين.
وبناء على ذلك، فإن إعادة إنتاج سلطة (الاتحاد) و(البارتي) كحزبين ميليشيايين برجوازيين حاكمين ضمن الجغرافيا السياسية الإقليمية، وارتباط كل منهما بأحد الاقطاب الإقليمية؛ إيران وتركيا؛ واقع سياسي وعسكري استراتيجي، وان علاقتهما بالمجتمع هي علاقة النظام والسلطة السياسية كقوة طبقية برجوازية بالضد من العمال والكادحين. إن سعيهم لتغيير ميزان القوى بين الحزبين ومحاولة كسره لمصلحة كل طرف من خلال الانتخابات البرلمانية، هو عمل سياسي مهم بالنسبة لهم وقد شغلوا المجتمع بها. ولذلك فإن تجاهل هذه القضية السياسية بسبب طبيعتهم الميليشياوية والطبيعة الكاريكاتورية لانتخاباتهم يخلق ارتباكا لدى جماهير المجتمع المفقرة، ولا يأخذ في الاعتبار الواقع الطبقي واستراتيجيات هذين الحزبين.
بالرغم من إن هذه الانتخابات مسخرة ولعب بأهداف وتطلعات الجماهير في الاقليم، لكنها حدث سياسي وجزء من ادامة نفس النظام السياسي القائم ونفس النظام الاقتصادي الرأسمالي، واندماجه المتزايد برأس المال الاقليمي والعالمي، وهي كذلك ادامة الاوضاع المزرية لجماهير الشغيلة، وتزايد لرقعة البطالة وشبه انعدام للخدمات.
في النظام البرلماني البرجوازي الديمقراطي كذلك، لا يتعلق الأمر بتغيير الدولة والنظام السياسي البرجوازي، ولا بالرضوخ للمطالب الراديكالية للجماهير العاملة، بل يتعلق بنقل الحكومة من حزب برجوازي إلى آخر.
ان من المهام السياسية للشيوعيين، ازاء الحملة الانتخابية الجارية في اقليم كوردستان، هي اتخاذ سياسة شيوعية فعالة؛ والخطوة الأولى في ذلك هي إدانة الطابع الطبقي البرجوازي للنظام السياسي في الاقليم وأحزابه الحاكمة والمعارضة فيه، والخوض في متطلبات اعداد وتنظيم النضال الطبقي والاشتراكي للبروليتاريا خارج اللعبة البرلمانية والانتخابات.
وفي هذا الصدد، عليه ألا يكتفي بدعوة جماهير العمال والنساء والشباب إلى عدم المشاركة ومقاطعة الانتخابات، بل يجب عليه أيضا أن يوضح كيف أن الانتخابات وبرلمان كوردستان تشكل عائقا أمام أي تغيير ثوري والذي هو السبيل الوحيد لتحررهم.
17 أكتوبر 2024