الماركسيون والموقف من الحرب الحالية في الشرق الأوسط


مؤيد احمد
الحوار المتمدن - العدد: 8151 - 2024 / 11 / 4 - 18:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ضمن التطورات الاخيرة للحرب الحالية في منطقة الشرق الأوسط، شنت الطائرات الاسرائيلية ضربات جوية على مواقع عسكرية داخل ايران يوم السبت 26 أكتوبر 2024 ،والتي اعتبرتها إسرائيل، ردأ على الصواريخ التي قد اطلقتها ايران ضد إسرائيل في وقت سابق من شهر أكتوبر الماضي. وبذلك انتهت الجولة الثانية من القصف الجوي والصاروخي المتبادل بين النظامين، الاسرائيلي والإيراني. غير ان المسؤولين في النظام الإيراني اعلنوا في الثاني من نوفمبر2024 عن تهديداتهم بالرد على الضربات الإسرائيلية، وحسب بعض التقارير فان توجيه الضربات لإسرائيل سيكون من داخل العراق، ومن قبل المليشيات التابعة للنظام الإيراني، والتي من المحتمل ان تجر البلاد بدورها الى اتون الحرب الجارية، بشكل مباشر.
وهكذا، يبدو ان احتمالات تطور الحرب الإقليمية الحالية الى مديات أوسع لا تزال قائمة، فضلا عن استمرار حرب الابادة الجماعية للفلسطينيين في قطاع غزة، وارتكاب مجازر إسرائيلية بحقهم في الضفة الغربية، واحتلال المزيد من أراضيهم وإنشاء المستوطنات، واستمرار الهجوم العسكري والغارات الجوية الإسرائيلية على جنوب لبنان، وضرب أهداف لها في سوريا. ان هذه الجرائم الإرهابية لدولة إسرائيل وحكومة نتنياهو، تشكل بمجموعها حربا توسعية غارقة في الاجرام واستمرار لسياسة واستراتيجية اسرائيل، بالتنسيق مع أمريكا، لترسيم خارطة سياسية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، مع ما تسفر عنها من فرض كوارث إنسانية جديدة على الفلسطينيين وجماهير المنطقة.
نفذت إسرائيل ولا تزال هذه السياسة التوسعية ومنذ اكثر من عام، عبر حرب الابادة الجماعية في غزة، والتدمير الممنهج للأبنية والمنازل والمستشفيات والخدمات، وفرض التشرد والنزوح المستمر على الفلسطينيين، وممارسة سياسة التجويع بحقهم، واعاقة وصول المساعدات الإنسانية، وقتل العاملين في المنظمات التي تقدم تلك المساعدات. وفي الأيام الأخيرة منعت إسرائيل حتى عمل منظمة الاونروا التابعة للأمم المتحدة والخاصة بتقديم الدعم للفلسطينيين. وحسب تقرير صفحة (الجزيرة) على الانترنيت في 31 أكتوبر 2024، "خلال 390 يوما من الحرب على غزة، ارتكبت قوات الاحتلال 3759 مجزرة"، أدت الى مقتل" 43 ألفا و163 فلسطينيا بينهم أكثر من 17 ألف طفل... بالإضافة إلى إصابة 101 ألف و510 آخرين". ووفقا للتقرير نفسه ألقت القوات الإسرائيلية "أكثر من 85 ألف طن من المتفجرات على القطاع، دمرت خلالها 150 ألف وحدة سكنية كليا، وأكثر من 200 ألف وحدة جزئيا، وأخرجت 34 مستشفى عن الخدمة". وهذه الاعداد تزداد يوما بعد يوم ولغاية الان.
كما ووصل "عدد القتلى الإجمالي في لبنان إلى 2593 قتيلاً،.. وفقا لتقرير صحيفة (الشرق الأوسط) في يوم 31 أكتوبر الماضي نقلا عن وزارة الصحة اللبنانية"، بالإضافة الى تشريد اكثر من مليون من اللبنانيين الذين هاجروا ديارهم. والمعلوم ان الاحتلال العسكري البري الإسرائيلي الاخير لجنوب لبنان قد بدأ في 30 سبتمبر(أيلول) الماضي، والغارات الجوية الإسرائيلية الشبه يومية الأخيرة على جنوبه وشرقه وعاصمته بيروت، باتت مستمرة منذ 23 من ذات الشهر.
اليوم يستغل النظام الصهيوني في إسرائيل وحكومة نتنياهو، مكاسب عسكرية حققتها على كل من حماس وحزب الله اللبناني ومكاسبها! في سفك بحر من دماء الفلسطينيين، للمضي قدما باتجاه انجاز أهدافها الاستراتيجية التوسعية وبمباركة من الإدارات المتتالية للهيئة الحاكمة في امريكا. وان قبلت أي مفاوضات او هدنة على هذا الطريق، فإنها ستكون تكتيكا سياسيا مؤقتا ضمن هذه الاستراتيجية السياسية الاجرامية.
موقف الماركسيين من الحرب الحالية
لا شك، ان النظام الإيراني واذرعه في المنطقة؛ في لبنان وسوريا والعراق والحوثيين في اليمن، تحت اسم "محور المقاومة" والذي يتضمن أيضا حماس، هو طرف في الحرب الحالية في المنطقة، وهذه الاذرع ليست سوى أنظمة وقوى إسلامية رجعية معادية لجماهير المنطقة، حيث تناضل الطبقة العاملة والنساء والجماهير المتطلعة الى حياة آمنة وحرة، للخلاص من قبضتهم. لا يقدم هذا القطب لمجتمعات المنطقة سوى الإرهاب والرجعية السياسية، وفرض التراجع المادي والمعنوي، ولا تمت حربه على إسرائيل او أمريكا بصلة بالنضال العادل للجماهير المضطهدة في فلسطين والمنطقة بوجه إسرائيل والامبريالية الامريكية والغربية، وممارساتهما الاجرامية بحقها. فمن ينحاز الى هذا القطب سياسيا، ليس سوى إسلامي او قومي، حتى وان ادعى انه ماركسي او اشتراكي.
وفي الوقت ذاته، لا يمكن اتخاذ موقف ماركسي من الحرب الحالية، بالاكتفاء بالمشاهدات وتعداد السمات السياسية الرجعية والارهابية للقطب الإسلامي المنخرط في هذه الحرب، بل ببحث جذور هذه الحرب وأسباب اندلاعها والدوافع الأساسية التي تقف ورائها. وهذا ما يعود بنا الى تحديد طبيعة دولة إسرائيل نفسها ومصالحها كدولة قومية ودينية عنصرية احتلالية في المنطقة تتبنى استراتيجية توسعية وتحاول، على الدوام، تحقيق ذلك على حساب احتلال اراضي الفلسطينيين والدول المجاورة لها، عن طريق ارتكاب المجازر والدمار والحروب، وذلك بالارتباط المباشر بالمصالح الاستراتيجية للرأسمالية الإمبريالية الامريكية وحلفائها من الدول الغربية، في مزاولة هيمنتها وبسط نفوذها على بلدان منطقة الشرق الأوسط، وصراعاتهم بوجه خصومهم من الأقطاب الامبريالية والإقليمية الاخرى، ومناهضتهم للحركة العمالية والشيوعية واي نهوض ثوري لجماهير المنطقة.
ان الماركسيين الثوريين والمنظمات الاشتراكية والتحررين ومئات الملايين من سكان العالم، يحتجون ويناضلون من اجل الايقاف الفوري لهذه الحرب الإسرائيلية، وهذا الدمار والمجاز التي ترتكبها دولة إسرائيل الفاشية في فلسطين ولبنان وسوريا، ويناضلون من اجل ابعاد المنطقة عن الحرب والاجواء الحربية. فهم متبنين لهذا النضال الاممي، وليس الانزلاق الى صفوف البرجوازية الإسلامية والقومية، وتياراتها السياسية والفكرية، كما يفعله اليسار القومي والإسلامي في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، ولا تأييد الحرب والعمليات العسكرية الإسرائيلية في المنطقة وتجاهل ماسيها، كما يعبر عن ذلك البعض من الشيوعيين في ايران.
لو عدنا قليلا الى الوراء، يتبين لنا ان هذه المجازر والحرب الحالية الإسرائيلية غير منفصلة عما مر به العراق والمنطقة، خلال اكثر من ثلاثة عقود، من جرائم حرب أمريكا في العراق منذ عام 1991، والحصار الاقتصادي على البلاد، والاحتلال الأمريكي له عام 2003، كما ولا تنفصل عن آثار هذا الاحتلال؛ من نشوب الحرب الطائفية وصعود الإرهابيين من الجماعات الإسلامية كالقاعدة وداعش، وتصاعد القوى الميليشية، وإرساء وتوطيد النظام السياسي القومي والإسلامي القمعي في هذا البلد، وتزايد نفوذ النظام الإيراني الاقليمي. هذا ،بالإضافة الى ما خلقه احتلال إسرائيل لجنوب لبنان عام 1982 من آثار مباشرة على صعود حزب الله اللبناني، ومن ثم ما لعبته اسرائيل من دور في مؤازرة حماس واستخدامها كأداة لضرب اي تحرك ثوري ولإفشال بناء دولة للفلسطينيين.
ان إسرائيل كدولة فاشية متسلحة حتى العظام بأحدث أسلحة الدمار والتكنلوجيا الحربيةـ المجهزة من قبل أمريكا وحلفائها من الدول الامبريالية الغربية، تشكل راس رمح هذه القوى الامبريالية في المنطقة، بوجه خصومها من الدول الامبريالية والقوى الإقليمية ومساعيهم لتامين النفوذ في منطقة الشرق الأوسط. ان استراتيجية إسرائيل وأمريكا لتغيير خارطة المنطقة ليس امرا جديدا ولا شيئا جامدا، ولا تتخذ صيغة نهائية، انما هي الحرب والدمار باستمرار وعلى طول الخط، وهي اشتداد للصراعات بدون نهاية، على الأقل، في الامد المنظور.
ان تفاقم الأزمة الرأسمالية العالمية الراهنة والازدياد الهائل للتسلح، واشتداد النزاعات في بؤر مختلفة من العالم، من الحرب في أوكرانيا الى النزاعات حول تايوان والتحالف والتعاون العسكري الأخير بين كوريا الشمالية وروسيا، هي تجليات للصراع الدائر بين أمريكا والقوى الغربية من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى. وان حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بوجه الفلسطينيين وجماهير المنطقة، تجري بالارتباط مع هذه الازمة وهذا الميل في النظام البرجوازي العالمي نحو المزيد من التأزم والنزاعات العسكرية والحروب.
ان الموقف الماركسي الصحيح والذي يتبناه الاشتراكيون والبروليتاريا الاشتراكية أينما كانوا، هو التصدي لهذه النزاعات العسكرية وهذا التسلح المرعب للدول الامبريالية والإقليمية، ولهذه الحروب الامبريالية، والنضال بالضد من السياسات التي تمثل ادامة لها، وتوحيد النضال الاممي للبروليتاريا والجماهير التحررية، من اجل إيقاف تلك الحروب التي تدور رحاها الان، فورا. وهذا الموقف هو ذاته ما ينطبق بحذافيره على حرب الإبادة الجماعية التي تشنها اسرائيل حاليا على الفلسطينيين وجماهير المنطقة. ان الحروب وخلق الأجواء الحربية، لا تجلب المجازر والدمار والماسي للجماهير فحسب، انما تخلق مشقات هائلة امام تطور النضال الطبقي الاشتراكي للطبقة العاملة والكادحين في مختلف البلدان، وتضع عوائق كبيرة امام تطور قوى الثورة الاجتماعية، لهذه الطبقة والمضطهدين بوجه راس المال والرأسمالية ونظامها السياسي.
ان عقد الآمال على الحرب الامبريالية والتوسعية لإسرائيل وحلفائها الغربيين، لإيجاد التغيير في بلدان المنطقة واسقاط الأنظمة الاستبدادية المتسلطة فيها، او اعتبارها، كما يدعي قسم من اليسار في ايران، عاملا مساعدا لتسريع مساعي الجماهير المناهضة للنظام الإيراني والهادفة الى اسقاطه، ليس سوى سياسة يمينية برجوازية لا تمت بصلة للسياسة الماركسية تجاه الحرب الحالية وأهدافها الاستعبادية، وضرورات التصدي لها. ان واقع ما مر به العراق من جراء احتلال أمريكا له واسقاط النظام، يدحض بشكل قاطع هذه النظرية السياسية البرجوازية الرائجة في أوساط بعض من اليسار. ان هذا الموقف ناجم أصلا من ان مشغلة هؤلاء اليساريين ليست تنظيم الثورة الاجتماعية للبروليتاريا ضد راس المال ونظامه السياسي في ايران او غيرها من البلدان انما هدفهم إيجاد تغييرات سياسية شكلية في اطار العلاقات البرجوازية الاقتصادية وأطرها السياسية الفوقية الخانقة للإرادة السياسية الطبقية المستقلة لجماهير الشغيلة والمضطهدين والمفقرين.
الثورة الاجتماعية والموقف من الحرب
ان إسرائيل وامريكا في حربهما الحالية ليستا وراء اسقاط الأنظمة بقدر ما هما بصدد اخضاع بلدان المنطقة لنفوذهما، وفي هذا المسار تدمير البنيان المدني والاقتصادي لهذه المجتمعات، وفرض التراجع عليها وإخراجها من امامها ضمن دائرة صراعاتها الإقليمية، والاهم من ذلك ضرب الحركة الشيوعية والعمالية وفرض التراجع المتواصل عليها.
هذا، ومن المعلوم، ان اتخاذ الموقف السياسي بالنسبة للماركسيين والشيوعيين الثوريين تجاه الحرب، ليس امرا معلقا في الفراغ، انما هو قبل كل شيء موقف طبقي وذو صلة وثيقة بمصالح الطبقة العاملة، ومصالح تقدم نضالها الطبقي والثورة الاجتماعية للبروليتاريا. فمن يَسقِط في حساباته السياسية اليوم مهمة تطوير وتنظيم النضال الطبقي البروليتاري المستقل ومصالح تقدم الثورة الاشتراكية، في ظروف ما قبل الحرب واثناء وقوعها، فانه سيُسقِط من حساباته كذلك هذه المهمة وهذه المصالح، في ظروف ما بعد اسقاط النظام المعني والمنعطفات السياسية والاجتماعية التي سترافقها.
ان الماركسيين ينطلقون من موقع الطبقة العاملة ومصالح نضالها الاشتراكي في تقييمهم للحرب، ولاتخاذ الموقف بصددها، وهذا الموقع والرؤية الطبقية البروليتارية غير منفصلة، بطبيعة الحال، عن الموقف من الحرب نفسه، اذ انهما مترابطان. ان الشيوعي الذي يديم نضاله الاشتراكي بثبات في الظروف الآمنة للمجتمع، ويدافع عن مصالح تنظيم وتقدم النضال الطبقي والثورة الاجتماعية، ويناضل من اجل توفر هذه الظروف من اجل هذا التقدم، وبالتالي يتخذ موقفا مناوئا للحرب، فهو سيتبنى ايضا سياسة تقدم النضال الثوري البروليتاري في حال سقوط النظام نتيجة الحرب، وسيتبنى نفس السياسة والمنهج الذي يتبناه الان تجاه عملية انماء عناصر الثورة الاجتماعية للبروليتاريا في ظروف ما قبل الحرب، وهو سيناضل حينذاك بثبات ضد من سيلقي نفسه في أحضان البرجوازية والأوهام السياسية الشعبوية اليسارية، التي ستكون عائقا امام تبلور الصف الطبقي السياسي المستقل للبروليتاريا، وتقدم ثورتها الاجتماعية.
فمن يكون همه تنظيم الثورة الاجتماعية للطبقة العاملة، لا ينجر وراء السياسات ما فوق الطبقية والراديكالية السياسية البرجوازية، ولا يعقد الآمال على إسرائيل والقوى الامبريالية وحربها، كي يسهل لهم انجاز مهمة الجماهير النضالية من براثن أنظمة الإسلام السياسي، اذ على العكس من هذه الأوهام فان ما تسهله هذه النظرية وهذه الطريقة في التفكير حول الحرب وعلاقتها بإسقاط الجماهير للأنظمة، هو الانزلاق الى معسكر البرجوازية ويمين المجتمع وسياساته.
وعليه، فمن يفكر بإسقاط النظام كهدف في ذاته، بدون تحديد المحتوى السياسي الطبقي لما تخلقه عملية وكيفية الاسقاط، والذي تناضل الجماهير من اجل إنجازه منذ زمان، يُظهِر انه لا يفكر بالثورة الاجتماعية للبروليتاريا والخلاص من النظام السياسي للرأسمالية في هذه البلدان، انما بعملية اسقاط من زاوية مصالحها السياسية والراديكالية السياسية الضيقة المرتبطة بشكل او باخر بالبرجوازية وتياراتها السياسية.
نحن كماركسيين ثوريين متمسكين بنظرية الصراع الطبقي لتحرر البروليتاريا والمجتمع من قبضة راس المال والرأسمالية، ومن دولها وأنظمتها وتياراتها السياسية والفكرية والدينية والقومية والنيو ليبرالية وحروبها وصراعاتها ومآسيها، نواجه اليوم مهام وتحديات كبيرة. علينا تنظيم النضال وتوحيد مساعي الماركسيين وصفوف البروليتاريا الثورية، ليس على صعيد العراق فحسب، انما على صعيد بلدان المنطقة، لتبني لائحة سياسية اشتراكية واممية ثورية تجاه الحرب الحالية، متمحورة حول التصدي للحرب الحالية والدفاع عن تطور النضال الاشتراكي للطبقة العاملة والكادحين المستقل، وتامين استقلالها السياسي في جميع المراحل والمنعطفات السياسية والعسكرية، التي ستتمخض عن هذه الأوضاع وتطوراتها اللاحقة.
2 نوفمبر (تشرين الثاني ) 2024