هل يتجاوز العرب هذه المقدمات؟!.
كاظم الموسوي
الحوار المتمدن
-
العدد: 6875 - 2021 / 4 / 21 - 14:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لابد أن تكون الصورة واضحة ومازالت وقائع الأحداث التي اوصلت الأوضاع إلى ما هو عليه في الحاضر الراهن، قبل حينها، أو مازالت في طور التسجيل في صفحات التاريخ، التي يتوجب دائما قراءتها وتفحصها والدرس والاعتبار منها، كيلا تتكرر كما هو في القول المعروف عن أمثالها. في بدايتها مأساة وفي ختامها هزل وفكاهة، ولابد من التوقف عند محطات لها مفاعيلها وتداعياتها الخطيرة التي مرت على الأمة العربية وتركت كوارثها مفتوحة في الوطن العربي كله. وليست مستغربة النهايات التي آلت اليها مصائر اصحاب القرار السياسي، لما ارتكبوه فيها من اخطاء وخطايا وكوارث وجرائم وحشية، بوصفها التاريخي وما تركته من تداعيات مستمرة، أو ما فعلته من ارهاصات ما نعيشه اليوم.
اي انها كانت من أسباب وعوامل مهدت أو عجلت أو فرشت البساط أمام النتائج والتداعيات التي نعيشها بكل ما تحمله من اثقال وعواقب ليست يسيرة أو هينة.
أحداث مرت وتركت ما تركت، للتاريخ، وهي بالتتالي الزمني، وتاثيرها العربي الواسع، كانت وصارت بدايات، مقدمات، ارهاصات، ولكل منها عواقبه، والتي تتعلق منها خاصة بالقضية الفلسطينية والقوات المسلحة الوطنية، حيث خُططت لإبعاد هذه القضايا واضعافها وتهميشها وبالتالي تدميرها. واول ذلك قرار الرئيس المصري انور السادات بالذهاب إلى الكنيست وإعلان اعتراف حكومته (1981�) بالكيان الإسرائيلي الإستيطاني (1977) وتوقيعه، معاهدات معه ( 1979) تحت عنوان السلام ولكن اسمها الاستسلام، واضعاف القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني العادلة والمشروعة. وفي ابعاد مصر عن المحيط العربي وعن دفاعها عن فلسطين وتحجيم دور القوات المسلحة ومسعى لتغيير عقيدتها العسكرية كما أرادت السياسات المعادية لقضايا الأمة ووحدتها واستقلالها وحريتها ونهضتها. وصارت الزيارة نكسة أخرى تلت نكسة حزيران/ يونيو 1967 واحدثت ثغرة كبيرة في جدار الصمود والتصدي للعدو ومخططات الهيمنة الاستعمارية، ونجحت في فرقة الدول العربية، وعزل دولة مصر رسميا عن حاضنتها العربية لفترة غير قليلة، وأبعدت دورها الريادي في الوطن والأمة العربية. وافتتحت مسلسل التنازلات العربية وتوالت خلفها حفلات كامب ديفيد واضرابه بكل خسة وهوان ضمير. وفي خضمها عكست تدهورا كبيرا أدى إلى انكشاف الواقع السياسي العربي، فاكمله اشتعال الحرب العراقية الإيرانية (1988 � ) وتلاها غزو دولة الكويت من قبل وحدات من القوات العراقية ( 1990) واصطناع حرب الخليج الثانية، كما سميت، لتكون صفعة أخرى للعمل العربي المشترك والعلاقات الإقليمية وحسن الجوار والتضامن العربي. فكانت سنوات حرب وانقسام عربي مهين لأهداف الأمة ووحدتها وزاد الطين بلة، استسلام الحكومات العربية لقرارات مجلس الأمن في تشديد الحصار على دولة العراق، وإبعادها هي الآخرى عن القضايا العربية وفلسطين أساسا، فضلا عن تدمير القوات المسلحة وتسعير العداء بين جارين اسلاميين، وجارين عربيين، واستمرار التفتيت العربي وتصعيد العداء وتكريس التضليل الإعلامي والسياسي بدعوات عنصرية ومن ثم طائفية دينية، وجهت الى حرب أهلية، لم تكن واردة في اي ظرف سابق. وانتهت تلك الفترة، بعد كوارث الحرب ومصائب الغزو، الى سنوات الحصار وقرارات التجويع و أهداف الاذلال، بكل معانيها، وصولا الى جرائم الغزو والاحتلال الصهيوامريكي، والمحاكمة والاعدام، لرئيس النظام الذي ارتكب العديد من الممهدات لما آلت إليه الأوضاع في العراق. وانتهت عشرية الثمانينيات في تشويه دور القوات المسلحة العراقية وابعاد القضية الفلسطينية عن اوليات ما بعد الإحتلال واضعفت مكانة العراق إقليميا ودوليا، زادتها انعزالا وارباكا منذ عام 2003 والى ايامنا الحاضرة.
لم يكتف الاستعمار الغربي، القديم منه والجديد، وهو العدو الطبقي والسياسي للأمة من تدمير جناحين مهمين منها، فحرك أصابعه في أطراف اخرى، في اليمن الموحد، لتمزيقه من جديد وتدمير قواته المسلحة وابعاده عن أي دور ممكن له في الدفاع عن فلسطين، وكذلك حصل الأمر في ليبيا وغيرها، وقد أخذت حرب الانفصال التي قادها الرئيس السابق على عبد الله صالح بتحطيم الأحلام الوحدوية (1994-1990) وانهاك قوى الشعب الوطنية، كما افشل صدام حسين الميثاق القومي بين العراق وسوريا، (1979) . وتوضحت نوازع السلطة والتحكم بمصائر الشعب والمنطقة دخولا في محن الحروب الداخلية لقمع الحراكات الشعبية والاحتجاجات الوطنية وتعريض البلاد إلى اتون الحرب والعدوان وتقديم الأسباب الى دول خارجية للتدخل وتسعير الصراعات والنزاعات الداخلية. وكان الرئيس صالح طيلة فترة حكمه التي دامت أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، يعتمد على أقاربه ومحازبيه على حساب المصلحة الوطنية والقومية، وكان لا يمانع من التطبيع مع الكيان الصهيوني، حسب ما نقل سفيره في الاردن عنه (1990) وتكليفه بمهام السفارة بعد التوقيع.
كما تورطت القيادة الليبية، وزعميمها معمر القذافي في حروب تشاد والقرن الإفريقي وما وراء الصحراء الأفريقية والغرق في مشاريع اغراء وتبذير الثروات الوطنية في ما لا طاءلة منه، كتنصيب القذافي نفسه ملك ملوك افريقيا ومعاداته الفلسطينين وتهجيرهم ورميهم في صحارى الحدود وسيناء والبحر.. الأمر الذي يعني أن هذه المشاغلات الداخلية والرهانات الخارجية وما شاكلتها أسهمت في تدمير القوات المسلحة والقدرات والطاقات الشعبية الداعمة للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، فضلا عن مصالح الشعب العربي في بلدانهم ذاتها، ودفعهم اثمان باهضة لممارسات سياسية فردية أدت إلى ارتكاب خطايا تاريخية، في تخريب وحدة البلدان وصراع المكونات وخراب العمران وضياع الثروات والتنمية والقدرات والطاقات الشعبية.
ورغم أن الحراكات الشعبية التي اندلعت في اغلب البلدان العربية، ولا سيما الجمهوريات العربية، (من أواخر 2010) ردا على تدهور الأوضاع العامة فيها، ودفعت الحراكات الى المطالبة بالإصلاح والتغيير والحريات والخبز والكرامة، الا انها لم تستمر أو تنجح بزخمها وسلميتها، وفسحت المجالات واسعة أمام تدخلات العدو الطبقي والسياسي، قوى الإمبريالية، التي لم تتركها تأخذ مدياتها الإصلاحية والتغيير نحو اهدافها، فأطلقت عليها مسميات " الربيع العربي" و"الثورات الملونة" وتدخلت في بناها وحتى شعاراتها وحرفتها عن مسارها واستغلتها بقوة دافعة اتجاهها إلى خلاف انطلاقتها ووظفت قوى سياسية، لا برامج تغيير لديها ولا طاقة عندها لمقاومة المخططات المعادية للمصالح الوطنية والقومية، فرضخت بسهولة بل وكأنها جاءت معها في إطار خدمة الأعداء لا الشعوب، وحولت الحراكات والمطالب الشعبية الى"خريف غضب" ودمار القوى العسكرية والسياسية الوطنية، معاقبة من جهتها الرؤساء الذين تمسكوا بمناصبهم ومواقعهم المسؤولين عنها دون فهم للمتغيرات والعمل على ايجاد الحلول الملائمة لها، والداعمة للاصلاح والتغيير، فتكررت نهاية السادات معهم باشكال اخرى، أو احدث وربما أسوأ واوحش.
هذه بعض المقدمات التي انتهت إليها الأوضاع العربية، والتي يتوجب الصراحة والموضوعية والنقد البناء لها. فهي بشكل أو آخر استسهلت خداع مخططات الهيمنة الاستعمارية وشاركت في تبذير ونهب الثروات وفسحت السبل لاستخدام الطاقات والقدرات العربية لمصالح الأعداء الطبقيين والسياسيين للامة، ونجحت قوى الاستعمار في توظيف التهديد والوعيد بالضد من المصالح الوطنية والارادات الشعبية والخيارات القومية ولا سيما القضية الفلسطينية، والقوات العسكرية الوطنية. ويضاف لها الخسائر الجسيمة، البشرية والمادية.
وبعد كل ما حصل وها نحن نعيش نتائجه الكارثية، التي تعمل إلى تفتيت المفتت، وتجزيء المجزء، وتحطيم الاحلام والامنيات، تطل الأسئلة ولابد من جواب واضح ودقيق لها، هل وكيف يتجاوز العرب هذه المقدمات،؟، وهل تكفي المراجعة لما ذكرته وايقاف تمريره عربيا باي شكل، وتاكيد مساءلته بموضوعية وروح ديمقراطية؟. وهل يتطلب العمل الجاد لوضع الاصابع على الجراح التي فتحتها تلك الوقائع والاحداث، واتخاذ الموقف الموضوعي الذي يتصدى للهجمة السافرة للامريالية ومنع اعطاء فرصة اخرى أو وقف اي امتداد لاستمرار القوى الإمبريالية ومتخادميها في حكم المنطقة وديمومة نفوذها في مستقبلها ايضا؟، وكيف يستقيم الأمر في ظل المراوغة والتبرير والهروب من الحقائق والوقائع لأسباب عديدة؟.. وتطول القائمة.. وهنا الوردة فلنرقص معا..!