المشهد العراقي: تكريس سياسة الاحتلال
كاظم الموسوي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8558 - 2025 / 12 / 16 - 20:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انتهت مشاغل وتحضيرات وإعدادات ما يتعلّق بفترة الانتخابات البرلمانية التي أنجزت في 2025/11/11 وجاءت فترة الالتزامات بالمدد الدستورية لتكليف رؤساء السلطات، الرئاسة والتنفيذية والتشريعية. ومثلما مرّت العملية الانتخابية بسلاسة ومديح الجهات التي يعنيها ذلك، من سفراء وممثلي منظمات دولية وحكومات الجغرافية السياسية المحيطة بالعراق، ينبغي أن تتم العملية السياسية بتوافق ممثلي كتل المحاصصات الطائفية والإثنية المتفق عليها بين الفائزين منهم ونسب أعدادها الموضوعة دستورياً.
وهذه كلها تأتي بعد فترة تجاوزت عقدين زمنياً من سياسة الاحتلال الأميركي والمتخادمين معه، وهي في النهاية تكريس لهذه السياسة في توصيف العراق وتقسيمه أو تخطيط تفتيته ووضعه مشهداً سياسياً قائماً ومناسباً لمخططات لم تنتهِ ولم تغطَّ بغربال. لتثبت تناقضات السياسة الاستعمارية وادعاءاتها في التحوّل الديموقراطي وشعارات الديموقراطية التي رفعتها تبريراً لسياساتها العدوانية فعلياً، ونموذج العراق في المنطقة مرسوم تحت إدارة قوات احتلال عسكري وموظفي أجهزة أمنية وتجسسية في أكبر سفارة، وزادتها أخيراً بأكبر قنصلية في المنطقة والعالم.
عملياً، بعد أن تُعلن النتائج النهائية وتُقرّ من مفوضية الانتخابات والمحكمة العليا، تبرز صورة التحالفات التي ستعلن عن نفسها وتواصل بكل ما تقوم به تكريسَ سياسات الاحتلال الأميركي وحلفائه في تفتيت الشعب وتقسيم المجتمع بالتسميات والخطط التي وضعت هدفاً ومشروعاً سياسياً وأمنياً استراتيجياً في الهيمنة الاستعمارية للمنطقة.
الانطباع العام عن القوى السياسية التي شاركت في الانتخابات أنها تمثّل القوى الحاكمة أو المشاركة في العملية السياسية منذ ترتيبها من دول الاحتلال والمتخادمين معه، والتي توزع أغلبها في تحالفات سياسية معبرة عن اتجاهاتها الطائفية والإثنية، أو ما أطلق عليه اسم «البيت الشيعي» أو «البيت السني»، وغيرها، تعبيراً أو عنواناً للطائفية السياسية والإسلاموية العقيدية.
أولى الفعاليات، اجتماع ممثلي تيار الإسلام السياسي الشيعي، وعنوانه الإعلامي «الإطار التنسيقي»، حيث أعلنوا أنهم الكتلة الأكبر في مجلس النواب الجديد، ومهمتها تسمية رئيس وزراء حسب العرف الذي انتظم منذ تكليف الاحتلال للقوى السياسية التي ارتضت ذلك وعملت عليه. ومعلوم أن جذر أغلب أطراف الإطار التنسيقي سياسياً هو «حزب الدعوة الإسلامية»، وتمت الانشطارات فيه بعد وصولها للحكم، لأسباب لا تمت للتطوير وتجديد البرامج والمناهج بأي صلة، ونشطت بمسميات تشي بمعانيها وامتداداتها وصلاتها القيادية أو الانتساب الإسلاموي.
وعدد النواب والناخبين لكل الأطراف يوضح حجم كل منهم ودوره في تسمية وتقرير اسم رئيس الحكومة القادم، وبرنامجه الوزاري ومواصفاته. تواصل سلطة «الإطار» في التحكّم وتوزيع الأدوار والاتفاقيات المصاحبة لاستكمال المناصب الأخرى، وهو ما لا يتفق مع واقع الحال لتركيب المكون الشيعي، ومثاله غياب «التيار الصدري»، وكذلك وقوف المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف بعيداً عن الاستشارة والمشاركة في الاختيار والتنفيذ، فضلاً عن إصراره على التمثيل السياسي للمكون دون ممارسة تشاركية أو توافق داخلي بين أطرافه من جهة، وتنسيق فعلي معبر عن توجهات أطرافه أو تركيبتها الفكرية والاجتماعية وبرامجها المعروفة عنها، من جهة أخرى.
أثبت كل تشكيل لكل مكون انفراده بالعنوان التمثيلي غير المتطابق مع واقع الحال وحقيقة التكون والاتجاهات الفكرية والسياسية وانشداده للعنوان الأبرز فيه.
يشابه «الإطار التنسيقي»، وما يعتمل داخله، عند المكون الكردي، حيث أعلن عنه باسم «التحالف الكردستاني»، وقواه الرئيسية وصراعاتها المعيقة في أكثر الأحيان للتوافق الرسمي العلني لإدارة الإقليم وحكومته وبرلمانه، وتأكيده «استحقاق» منصب رئاسة الجمهورية ووزارات سيادية، ومناصب أخرى، سبّبت إحراجات في تمثيل العراق الرسمي في مناسبات ومؤتمرات ببعد قومي عربي.
كما أعلنت أطراف المكوّن السنّي تشكيل «مركز سياسي وطني» جامع لها، تشابهاً بـ«الإطار» و«التحالف». ذلك تحت مؤشرات ضغوط خارجية أكثر من التنافس مع التشكيلات الداخلية الأخرى، وتنفيذ رغبات لا تمت بصلة للمواقف الوطنية واستقلال وحرية الوطن. ونشرت، في أكثر من حالة، تصريحات مدفوعة من ضغوط خارجية كشفتها الزيارات واللقاءات المصورة والمعلنة والسماح لها في دور يهمها أكثر من سير العملية السياسية وما يتعلّق بتحوّلات الأوضاع الداخلية. وهذا المركز السياسي يقوم، إضافة إلى المشاركة في تكريس المخطط الاستراتيجي للعراق، باختيار رئيس للبرلمان.
وصولاً إلى المكون المسيحي الذي أعلن هو الآخر عنواناً لتجمّع أطرافه المشاركة في الانتخابات، وترشيح ممثليه للمسؤوليات المقررة عرفاً لهم.
في مخاض السيرورة للعملية السياسية بعد انتهاء التصديق على نتائج الانتخابات والفترات الدستورية لانعقاد البرلمان (مجلس الشعب) وتكليف رئاسته ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، ومن التجربة، ستجري مماطلات واختلافات وصراعات داخل المكونات وكتلها وشدّ ومدّ زمني دون تقدير حقيقي لما يعمل فيه أو يستند عليه.
يضاف إلى ما ورد سابقاً من توصيف لمجريات العملية السياسية، أنها تظلّ متتابعة أو متواصلة مع سيرتها منذ تشكلها، فالدورات الانتخابية الست التي حصلت أثبتت أن ثمة ما هو مخطط ومرسوم يكشفه السائد أو القائم فعلياً دون تغيير حتى شكلي وتلوين باهت لوضع بلد لم يعش حياته كما يجب أو ينبغي له. ظلّت لوحة البرلمان تدور في دائرة الكتل السياسية ذاتها، بمسمياتها التقسيمية، وغابت صورة التمثيل الشعبي الواقعي للشعب العراقي فيها، حتى بما ادُّعي له من تسميات المكونات والتفتيت المنهجي للمجتمع العراقي.
وكذلك تقاسمت المشهد السياسي سمات وصفات لا توفّر تغييراً حقيقياً ولا تطمح لمعالجة السلبيات والأمراض المدانة في الواقع السياسي، من شيوع الفساد والزبائنية والإفلات من العقوبات والمحاسبة القانونية والأخلاقية، وتسمين المحاصصات الطائفية والإثنية والتبذير في ثروات الوطن، البشرية والمادية، وغياب الشفافية والمكاشفات العلنية لما يخدم البلاد والعباد.
من جهتها، حمّلت الأطراف الخاسرة في الانتخابات البرلمانية خسارتها لقانون الانتخابات الذي تمت العملية الانتخابية عليه، ولم تناقش أسباب فشل خطواتها في التحضير والمنافسة وكذلك في صيغ التحالفات التي عملت واعتمدت عليها ودور أطراف فيها. حرقت أوراقها قبل ظهور نتائج الانتخابات أو إعلان موعدها. وتوضّح عندها، غياب أو تغييب تيارات سياسية عابرة للمحاصصات الطائفية والإثنية وتعلن عن برامج إنقاذية للأزمات والمعوقات المتنوعة، اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها.
خلاصة المشهد السياسي العراقي توضح دور سياسات الاحتلال الأميركي ومتخادميه الغربيين ومحيطه العربي والإسلامي وعملهم المستمر، العلني والسرّي، في تأطيره بين جدران تخلّف، وتعقيد التحوّلات الممكنة، وتجهيل المجتمع، وتسهيل طرق الهيمنة والاستعمار، وتفتيت قواه وقدراته وطاقاته، والتأثير الكبير على رسم خارطة تقسيمه وتجزئته، وتحجيم تطوّره وتقدّمه. الأمر الذي يُفزع مَن يحرص ويصدق في آماله وتوقعاته وينتظر فرصته في البناء والتجديد والتغيير.