تحيات إلى «الجنوب»


كاظم الموسوي
الحوار المتمدن - العدد: 7992 - 2024 / 5 / 29 - 02:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

هل هي مصادفة أن يقوم الجنوب، مصطلحاً جغرافياً وسياسياً، بما قام فيه دفاعاً عن عدالة القضية الفلسطينية، والمبادرة في وضع العدوان الصهيو-غربي في قفص الاتهام ومحاكمته، حكومات وأفراداً، من أجل الحقوق المشروعة والكرامة الإنسانية والعدالة والتقدّم الاجتماعي؟ مصادفة أم عمل في إطار حيوية الموقع الجغرافي ودوره في المشهد الاستراتيجي والسياسي العالمي؟ وهل يعني هذا أن الجنوب، جغرافياً واستراتيجياً، مبادر فعّال وإرادة متميزة وحراك سياسي مؤثّر جدير بالإشادة والتقدير؟ تثبت ذلك ما تقوم به دول الجنوب، حكومات وشعوباً، من إجراءات وأفعال وقرارات ومواقف تقارن بغيرها وتتميز بها وتسجل لها في صفحات التاريخ: - جنوب أفريقيا (اسمها عليها واضح في الجنوب من قارة أفريقيا) تقدّم الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة إلى محكمة العدل الدولية وتتهمه بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب وضد الإنسانية. وتوضح، بمرافعات مندوبيها وممثليها في قاعة المحكمة بالأدلة والإثباتات والشهادات الحيّة، أسباب اتهامها ووقائع المجزرة الوحشية التي ترتكبها القوات المحتلة المدعومة من الولايات المتحدة وعديد دول «الناتو» وخدمها الأذلاء الآخرين.
- تواصل المقاومة اللبنانية إسناد المقاومة الفلسطينية في فلسطين عموماً وفي غزة خصوصاً، إيماناً بمبادئ القضية الوطنية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في التحرر الوطني والاستقلال والحرّية والعودة للديار. ويقدّم المقاومون في جنوب لبنان، وفي طليعتهم حزب الله، التضحيات الجسام في أرواح السكان والعمران. وفي المقابل، تهزّ مقاومتهم الكيان وأجهزته ومخططاته، بتدمير المواقع العسكرية والمستوطنات، واعتماد خطط «فقأ عيون العدو» بتحطيم أجهزته التجسسية والمراقبة والتشويش الإلكتروني وغيرها من أسلحة العدو ومعسكراته التي يزعم تفوّقه فيها ويمارس عبرها ممارساته الإجرامية وارتكاباته العدوانية. ولأوّل مرة تقام مخيمات لجوء للصهاينة بعيداً عن المستوطنات والمستعمرات والمجمّعات السكنية لهم، وتجميد أقسام من وحدات العدوان (قُدّرت بثلث المجموع الكلي). ومعلوم أن مشاغلة هذا العدد، وحصره في منطقة شمال فلسطين وإبعاده عن المشاركة في قطاع غزة وفي الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب الفاش-نازية، أمر مهم وله حساباته ودوره في ردع العدوان والحرب الإسرائيلية في فلسطين المحتلة.
- ومن جنوب الجزيرة العربية، من اليمن، وبقيادة حركة «أنصار الله» التي تقود البلاد وتدير مساندتها للمقاومة الفلسطينية من عاصمتها صنعاء، رفعت راية الدعم والإسناد بمنع السفن والبواخر التجارية المتجهة أو القادمة من موانئ الكيان، من حيث سيطرتها على الملاحة في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن وامتداد مراحلها بالتسلسل التدريجي للتوسع حتى المحيط الهندي وعبوراً للبحر الأبيض المتوسط، وتضيّق على السفن الحربية الأطلسية، وتمنعها من استخدام البحار وحماية السفن والبواخر التي تتعامل مع الكيان الإسرائيلي. ولأول مرة في التاريخ المعاصر تهاجم قوة محلية بقدرات عسكرية محدودة قوات الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها البحرية، وتتصدّى لقواتها الأخرى، مع الفارق الكبير بين موازين القوة العسكرية، في العَدد والعُدد.
- جنوب أميركا، من بلدان أميركا الجنوبية، أجل من الجنوب، تنطلق مبادرات لها دلالتها في التضامن والإسناد للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة. تقدّم نيكاراغوا شكوى لمحكمة العدل الدولية ضد حكومة ألمانيا بتهمة تزويد أسلحة فتاكة للكيان تشارك فيها وعبرها في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني. وتدين البرازيل، من أعلى مسؤول فيها، جرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال الاستيطاني ضد الشعب الفلسطيني، إذ يكرّر الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا موقفه الثابت من عدالة القضية الفلسطينية وإدانة ظلم أهلها دولياً وإجرام الغزاة المحتلين والمستعمرين لفلسطين، أرضاً وشعباً. وليس آخرها إعلان الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو قطع العلاقات بأشكالها مع الكيان الصهيوني وسحب السفير وإدانة العدوان الإجرامي والمذابح اليومية التي يزداد عدّاد ضحاياها يومياً. وقد سبقته بوليفيا إلى ذلك. وتنقل المبادرات والمواقف المماثلة إلى عواصم أميركية جنوبية أخرى.
دول الجنوب، حكومات وشعوباً، أراضيَ وأوطاناً، تتحرّق بقوة للتضامن الفعلي مع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية وترفع صوتها وتختار طرقها في محاكمة القتلة والمجرمين والاستعماريين، مطايا الإمبريالية الجديدة. تدين بالأفعال، لا بالبيانات المخادعة والتواطؤ والخذلان، وتمارس فعلياً خطوات المقاطعة والحصار والمحاسبة والنضال الإنساني ضد الحرب والإبادة والتطهير العرقي وتصفية القضية الفلسطينية.