مكتب الاعلام وسيول الربيع*
كاظم الموسوي
الحوار المتمدن
-
العدد: 7217 - 2022 / 4 / 13 - 19:41
المحور:
سيرة ذاتية
يا الهي…
لا اعرف جرما ارتكبته
غير اني اردت ان اعيش
*
*
*
ما اقسى في الصباح الباكر
وانت ترى العمال
وهم يشيدون السجون!!.
ابولينير
قمة جبل اخر، وفصائل موزعة بين وديان وسفوح متجاورة، وقصص يومية جديدة. اخبار من طهران تفيد بقرب انعقاد اجتماع للجنة المركزية للحزب في كردستان. بدات طلائع من اعضاء القيادة بالوصول. انتقال مركز الحزب الى الداخل هكذا تهامس بعض الرفاق: المكتب السياسي سيستقر معنا وستجري تشكيلات اضافية جديدة. سبق وان تم تشكيل مكاتب مسؤولة، عسكري واخر اعلامي وثالث اداري لقيادة العمل وتنظيم الجهود وتصعيد النضال بكل الاشكال الممكنة. لايمكن ان تستمر الامور عفوية او على المزاج. معارك ضارية في مواقع اخرى. الجيش يستعد في اكثر من جبهة. قوات الانصار والبيشمركة تحتك بوحدات عسكرية او من الجحوش في مناطق قريبة من مدن السليمانية وبيخال وكويسنجق والعمادية!.
مكتب الاعلام تشكل من الشاعر الكردي ابو ازاد وماموستا نيروز وخوشناو وبرئاستي، وفي اول اجتماع للمكتب احتج الماموستا على تشكيلة المكتب واعتذر عن الاستمرار فيه، ولما نزل نغذ الخطى لتطوير العمل وتنظيمه. بنينا خيمة جديدة للاعلاميين، واخرى لاجهزة المخابرة والاتصالات التي وصلت قريبا، لربط قيادة العمل الانصاري بقواطعهم وبالمفارز المتحركة منهم الى داخل الوطن.
ضيوف جدد يدخلون المنطقة، من رفاق حزبين من خارج الوطن او من الاقليم. وزوار من الاحزاب الصديقة او الشقيقة. وعمل متواصل في الادارة وفصيلنا الموزع في وادي واسع وطويل.
قبل نزول الربيع بدات الاشجار تلبس حلتها الخضراء وتورد بالوان واشكال جميلة. ثمة باقات ورد تحملها ايادي الانصار بين فترة واخرى تتبادلها المواقع اثناء الزيارات او اللقاءات الحميمة. معالم تجديد وحركة ثورية تبني خطواتها بهمة ونوايا صادقة رغم ما يعترضها من اشكاليات وتعقيدات لم تكن جديدة او مصطنعة. لا يمكن التخلص من الشوائب والترسبات في ليلة وضحاها. اخبار تتردد بين الرفاق عن تشكيل هيئة امن داخلية برئاسة ابو طه، وعضوية الملا علي ودكتور القاعدة. كيف عرفت الهيئة ولماذا شهر بها وانتشر خبرها سلبيا قبل اوانها.!, نقل بعض الرفاق انه قامت الهيئة بتحقيات مع بعضهم حول نشاطاتهم الفكرية وطروحاتهم التي سموها لهم بالمعادية للحزب ومسيرة الحركة الانصارية. هل صحيح هذا؟.
فجاة غامت السماء ونزل مطر شديد، تحول الى سيول شديدة في الوديان حيث اذاب معه كتلا ثلجية من اعالي الجبال والسفوح وجرفها الى الوديان. كنا في خيمة اسفل الوادي في جلسة دردشة اعتيادية، او تبادل اخبار ومشاورات، بيننا الرفيق المسئول العسكري للمنطقة، وفي حركة سريعة منه، قفز خارج الخيمة وبدأ يطلق النار الى الاعلى من بندقيته الكلاشنكوف، ماذا كان يستهدف من ذلك؟، وهو ينادينا بسرعة الخروج من الخيمة مع باقي الرفاق، والركض وراءه الى الاعلى لمساعدة باقي الرفاق هناك. كان يريد بذلك تنبيه الجميع لمخاطر السيول التي هاجمت خيامنا الموزعة في ذلك الوادي. ونحن نصعد بسرعة على ارتفاعات السفوح بعيدا عن مجرى الوادي، راينا كيف اجتازت المياه بقسوة خطوط الدفاع في كل مقراتنا ومساكننا من الخيام، وهدتها بقوة دافعة امامها محتوياتها ملفوفة بينها او مبعثرة او مطمورة تحت سيلها الجارف. في اعلى شجرة قوية وسط الوادي تعلق رفيق كما يتعلق طفل بمشيمة امه وبوجه لا يعرف لونا من الرعب والفجاءة اللعينة. والكارثة لم نعرفها بعد الا بعد ساعات حين وصلنا خيمة القائد السياسي ابوسرباز والدموع تسابقه. لقد حاول بكل ما استطاع ان يسحب ام سرباز من داخل الخيمة فلم يقدر. لقد لفت الخيمة نفسها على روح الشهيدة وسحبتها معها في السيل العارم وحين وصلنا اليه والى الخيمة كانت الشهيدة قد ودعتنا جميعا، وليس زوجها وحده، ولفنا الحزن جميعا، كانت اختا واما لنا جميعا، وكانت فاجعة وحدثا مؤلما وحزينا لكل من عرفها وتحدث معها.
صعدنا بعد ان هدأ السيل الى مقر القيادة في واد اخر من الجبل. ارتكنت زاوية اسجل المشهد واكتب عنه رسالة حزبية الى قيادة الحزب في الخارج وتعزية بفقد الشهيدة ام سرباز,
* فصل من كتابي: بشت آشان.. فصيل الاعلام، يوميات نصير في كردستان العراق، دار خطوات للنشر، ط 1، دمشق 2007.