جبهة النصرة أو الغائب الحاضر في مراكش
هيثم مناع
الحوار المتمدن
-
العدد: 3944 - 2012 / 12 / 17 - 01:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تنجح التصريحات المنسوبة لبوغدانوف حول رحيل الرئيس السوري في إبعاد الأنظار كثيرا عن موضوع "جبهة النصرة" الذي غطى بثقله على اجتماع أصدقاء الشعب السوري في مراكش. فقد استبق الإخواني طيفور جلسات المؤتمر بالقول أن قرار الإدارة الأمريكية بتصنيف جبهة النصرة تنظيما إرهابيا يعتبر قرارا خاطئا ومتسرعا، تبع ذلك كلمة رئيس الائتلاف الوطني السوري أمام المؤتمر التي طالب فيها الإدارة الأمريكية بإعادة النظر في قرارها هذا. بعدها بدأت تصريحات التأييد لجبهة النصرة وبشكل خاص من الأسماء غير الإسلامية في الائتلاف.
لم يعد سرا، أن دخول المعارضة المسلحة لمدينة حلب كان بتنسيق بين جبهة النصرة ولواء التوحيد الذي يعتبر نفسه جزءا من الجيش الحر في شمال سورية. ورغم أن اللون الإسلامي للواء التوحيد معروف إلا أن تكوين اللواء حصرا من السوريين لم يضعه في مكانة جبهة النصرة المكونة أساسا من المقاتلين الأجانب والخاضعة لأمير يعين من خارج سورية.
شكلت جبهة النصرة منذ بيان 23/12/2011 بعد عمليتها الأولى في دمشق لغزا كبيرا للمعارضة المسلحة ومعارضة الخارج. ومازالت تصريحات أعضاء المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري التي تعتبر هذا التنظيم صنيعة للمخابرات السورية لتشويه صورة الجيش الحر تملأ صفحات الأنترنيت. بل لم تمتنع قناة العربية الممولة سعوديا من تقديم وثائق، ثبت لاحقا أنها مزورة، تنسب للمخابرات السورية العمليات الأولى التي قامت بها جبهة النصرة. وقد كان المدافعون السوريون عن حقوق الإنسان أول من تحدث بجدية عن طبيعة جبهة النصرة وإلغاء تنظيم القاعدة لفتواه القديمة باعتبار سورية أرض ممر (للعراق) لتصبح أرض مقر. وكيف تحول هذا التنظيم إلى واحد من أكثر التنظيمات جذبا للجهاديين الأجانب القادمين للجهاد ضد العلمانية والنصيرية والرافضة. وبعد أقل من شهر، أكد لنا مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عدد مقاتلي الجبهة قد جاوز الثلاثمائة. يمكننا اليوم ببساطة مضاعفة الرقم أكثر من عشر مرات فيما يخص الأجانب فقط.
منذ شهر يناير الماضي، والمدافعون عن حقوق الإنسان و"هيئة التنسيق الوطنية" يطالبون الحكومة التركية بوقف السماح لدخول المقاتلين الأجانب لأنهم يحملون فيروس الكراهية المذهبية والعنف الأعمى ولا يحترمون القانون الدولي الإنساني. خاصة وأن وجودهم يسهم في إجهاض المشروع الديمقراطي ويستهدف جماعات بشرية بسبب انتمائها المذهبي والديني بغض النظر عن موقف هذه الجماعات من النظام السياسي. وفي تونس 24/2/2012، جاء في بيان المجلس الوطني السوري: "إن الشعب السوري يرفض كل محاولات استغلال الانتفاضة من قبل الجهاديين الأجانب والمقاتلين الطائفيين. ويُطالب المجلس الوطني السوري أصدقاء سورية بمساعدة دول الجوار على حماية حدودها البرية مع سورية لوقف تدفق المقاتلين الأجانب غير المرغوب فيهم. ونطالب أيضاً ائتلاف أصدقاء سورية بالمساعدة بتأمين الحدود البحرية من تسلل المقاتلين والأسلحة".
تتعرض جبهة النصرة بشكل مذهبي وتكفيري لغير السنة دون تمييز. لكنها أيضا استهدفت في عملياتها كل أجهزة الدولة. وفي هذه الاستراتيجية العسكرية تكمن نقاط التلاقي الأساسية بين حركة الأخوان المسلمين والجهادية السلفية السورية اللتان تلتقيان مع جبهة النصرة في هدف واحد يرفض الفصل بين النظام السياسي والدولة. فمنذ صدور القانون 49 لعام 1980، الذي يحكم على أي منتسب لحركة الأخوان المسلمين بالإعدام. لم يعد هناك أي وجود فعلي للحركة في أجهزة الدولة، بل وداخل سورية. من هنا تعتبر الحركة الإسلامية السياسية السورية الدولة السورية دولة غريبة عنها. وإن كان العاملون في مؤسساتها مع عائلاتهم يغطون قرابة ثمانية مليون سوري. وقد كانت شعارات الأخوان المسلمين مبكرا تستهدف المؤسسة العسكرية باعتبارها جيش الأسد، وبهذا تقاطعت مع جبهة النصرة التي اعتبرته جيشا نصيريا. هذا التقاطع في التصور والبرنامج كان وراء عزوف الأقليات والعلمانيين السوريين عن الجماعات المسلحة التي اتخذت لونا مذهبيا سنيا وإيديولوجيا إسلاميا بشكل واضح. فيما همّش دور العلمانيين الديمقراطيين وأعطى الصدارة في التمويل والعمل المسلح للاتجاهات الإسلامية على اختلافها.
لم يستوقف هذا الانحراف الخطير أي طرف من أطراف دعم المعارضة المسلحة، فقد اعتبرت دول الخليج الأسلمة وقاية لها من احتمالات تجربة ديمقراطية في سورية تشكل خطرا حقيقيا على نظامها السياسي القرون وسطي. في حين اعتبرت حكومة أردوغان هذه الأسلمة تهميشا ضروريا للقوى العلمانية داخل تركيا كذلك في سورية وعزلا للقوى السياسية الكردية السورية. أما الدول الغربية فاكتفت بمراقبة المشهد مع التركيز على أن الأساس هو إسقاط النظام السوري.
لم يلبث التحالف الإسلامي-الليبرالي المحافظ الذي عبر عنه المجلس الوطني السوري أن اصطدم بالوجود الكمي والنوعي للمقاتلين الأجانب، فلم يتوانى عن التعاون المالي والعسكري معهم، وكذلك فعلت قيادات الجماعات المسلحة المختلفة في شمال سورية. ورغم كل الوعود التي قطعت للوفد الأمريكي في تونس بالقطيعة والمواجهة مع الجهاديين الأجانب، كان التنسيق قائما في الميدان، لتتفق أطراف ائتلاف الدوحة على اعتبار كل من يقاتل لاسقاط النظام هو جزء من الثوار والثورة. وأن أية مواجهة بين السوريين والأجانب، الجهاديين والمنشقين الوطنيين، تصب بالضرورة في خدمة النظام السوري.
وجد نائب وزيرة الخارجية الأمريكية نفسه معزولا في مراكش لتصنيف إدارته لجبهة النصرة تنظيما إرهابيا، فقد التزم البريطانيون والفرنسيون الصمت، ولم ينبث الاتحاد الأوربي، حامل جائزة نوبل للسلام هذا العام، ببنت شفة حول جبهة النصرة وممارساتها في سورية.
ما لم يتوقف عنده المجتمعون في مراكش، هو أن هذا التوجه خلق حالة رعب حقيقية في الأوساط الشعبية في سورية خفف من الحماس في أوساط واسعة للمعارضة المسلحة. فجبهة النصرة المقبولة في الأوساط الجهادية والتكفيرية مرفوضة من الأغلبية الساحقة من الناس، ومواجهة الجيش السوري لهؤلاء الأجانب تعيد الاعتبار له، ليس بوصفه القامع للحركة الشعبية كما كان الحال منذ دخوله درعا ونوى في نيسان 2011، بل الضامن لوحدة البلاد وتماسك النسيج المجتمعي فيها باعتبار هذا التحالف بين الجهاديين الأجانب والسوريين يحمل كل مخاطر تمزيق البلاد والتطرف الديني والحرب المذهبية الطويلة الأمد واضطهاد الأقليات والجماعات المدنية على اختلافها.
هل هي سكرة النصر العسكري المنتظر بين أسبوع وآخر، كما يبشر المشاركون في مؤتمر مراكش، أم هي طعنة إضافية توجه للحل السياسي الذي يحاول الأخضر الإبراهيمي ابتكاره بمساعدة أمريكية-روسية؟ الجواب لن يأتي من المؤتمرات، بل ستقرره المعارك الدائرة على الأرض والتي في حال عدم توقفها وتراجع العنف، ستستمر طويلا، حتى بعد سقوط النظام.