أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - بينما ننتظر آخر خبر عاجل















المزيد.....

بينما ننتظر آخر خبر عاجل


ممدوح رزق

الحوار المتمدن-العدد: 1908 - 2007 / 5 / 7 - 12:09
المحور: الادب والفن
    


تتحدث عن سوء الفهم ؟! .. حسنا .. الكرسي الملاصق لنافذة حجرتي لم ينجح هو الآخر في إقناع الزمن بأن يتركك تواصل التحدث بشغف طفل عن مخبوءات العالم التي سنكتشفها معا .. الزمن الذي أخذك إلى الصحراء كي تؤدي واجبك المقدس في تسلية ضباط الحزب الوطني لم يعيدك ثانية فظل الفراغ جالسا بثقله المتزايد بدلا منك على نفس الكرسي الذي حولّه الانتظار إلى نصب تذكاري لموعد مؤجل دائما .. هذا الكرسي يخصني .. أنت تعرف هذا جيدا .. لذا هو ليس مجرد كرسي فحسب .
ماذا أيضا ؟! ...
الفتاة ذات التقلبات المزاجية الحادة التي جلسنا كثيرا لأوقات طويلة منهمكين في تشريح تركيبتها النفسية المعقدة كي نصل إلى حلول تجعلها طرفا لمعادلة متزنة تُدخلك إلى الدنيا .. هذه الفتاة حينما قررت الغياب من حياتك في نهاية مكالمة هاتفية لم تكن تعرف أنها حينما أعادت سمّاعة التليفون إلى مكانها ألغت احتمالات أن نأخذ أدوار ( فريد الأطرش " المغني " واسماعيل ياسين " مؤلف الأغاني والمنولوجات " وعبد السلام النابلسي " الرسام " ) ساكني الغرفة الواحدة البسيطة والمنعزلة .. بالطبع تتذكر الفيلم .. تتذكر قدرتهم على إذلال الفوضى والصخب بنشوة الانكماش داخل رحم حريري من حكايات العالم القديمة والضحكات والذكريات التي تظل جميلة حتى مع استعادة أحزان الماضي .
من المذنب هنا ؟!
سوء الفهم ليس مبررا لأن تتوقف عن التعاون معي في استرداد ( الثمانينيات ) .. ثم .. منذ متى وأنت مؤمن لهذه الدرجة بسوء الفهم ؟! .. أين كان حينما كنا نعيش في جنة ( الموضوعات التي على مستوى النسكافيه ) .. رغم أنني ( لم أفهم كيف يتوافق العلم الإلهي بالغيب وصفات الخير المطلق والقدرة العادلة المطلقة لله مع وجود الألم ، ولم أستوعب كيف يمكن أن يمارس الإنسان ـ الذي لم يطلب من أبويه أن يخوض اختبار الحياة الشرس !!! ـ يمارس الشر دون طبيعة تقبل وتسمح بتنفيذه ، ولم ... ، ولم ... ، ولم أعرف لماذا يحدث الأمر أصلا ) .. لكنها كانت جنة .. من الذي أخرجنا ؟! .
لماذا لم تقنعني منذ البداية أنك صديقي فحسب ؟! .. الآخرون فعلوا ذلك ببساطة .. الذين جاءوا وذهبوا ، أو الذين جاءوا واستمروا لأسباب ليس من بينها أنهم سيجعلون العالم أقل قسوة .. لكنك كنت الوحيد الذي يقرأ ( ميكي ) ويعشق ( بطوط ) ويشاهد ( العيال كبرت ) كل يوم ، وتُضحِكه كل يوم .. كنت الوحيد الذي يقهقه من أعماق قلبه كلما رد ( اسماعيل ياسين ) على ( الشاويش عطيه ) بأن وظيفته على المدفع هي : ( بروروروروروروروروروروم ) .. لماذا سمحت لعينيك بذلك الالتماع وبتلك الابتسامة التي لا تليق سوى بوجه طفل لا يزال محافظا على كامل مخزونه من التفاؤل كلما أغلقنا باب الحجرة الدافئة مساءا وجلسنا لنشرب الشاي الذي تدمنه بينما المطر ينهمر بالخارج وبدأنا نتحدث عن الأساطير والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية القديمة وكوميديا الأبيض والأسود ونضحك ؟! .. كنا نتخلص تدريجيا من سماتنا البشرية لنتحول إلى شخصيتين كارتونيتين لم يتبق أمامهما كثير من الوقت كي ينضما إلى ( عم دهب ) و ( بطوط ) و ( الأولاد الثلاثة ) في مغامرة رائعة على ظهر سفينة أو فوق قمم جبال أو في جزيرة تسكنها مخلوقات غريبة .. كان الأمر حقيقة .. لكن شيئا ما جعله خيالا .. ثم جعل الخيال مجرد صيغة لكتابة نعي ما .
هل تظن أنك جديد حقا ؟!! .. أنت قديم للغاية كالله .. لكن هناك فرق بسيط جدا بينكما .. أن الله مطمئن وآمن ومحمي وغير قابل لأن يلحق به أي ضرر .. الله ينعم في الرفاهية المطلقة للكمال .. لن يصيبه أي قدر من الأذى نتيجة سوء الفهم .. أما أنت فعلى الأقل .. على الأقل تحرص ـ حين لابد أن تتحدث عن الأمر ـ تحرص على استبدال كلمة ( سرطان ) بكلمةcancer ) ) أو ( ورم ) كنوع من الترويض لتأثير الكلمة على نفسك ثم تسرع بعدها مباشرة لتتمتم بخوف : ( أعوذ بالله ) !!! .
أنت قديم للغاية على هذا الكوكب الذي توافد عليه وسيظل من يؤمن ويصدق مثلك أن الحقيقة نائمة تحت وسادته ، وأنه يكفي مثلا ـ مثلا ـ أن تكون :
ـ مسلما شيعيا .
ـ منتصرا لحزب الله في مقاومته للعدو الصهيوني ولعملاء الغرب داخل لبنان .
ـ رافضا للمشروع الأمريكي للسيطرة على الثروات النفطية في العالم الإسلامي .
ـ ضد العلمانيين والليبراليين الجدد المنظّرين للاستعمار الأمريكي .
ـ مقاوما للحكومات العربية الديكتاتورية وللتيارات السلفية والاشتراكية والماركسية في تحالفاتها مع التوجهات الأمريكية والصهيونية .
يكفي أن تكون هكذا لتقرر بأنك حقا تفهم كل شيء ، وبأنك تستطيع بذلك أن تصدر أحكاما تصنيفية لا مجال للتشكيك في صحتها عن البشر : هذا طيب .. هذا خائن .. هذا جاهل .. هذا ... يكفي أن تكون هكذا لتصبح أزمة الوجود في العالم سببها أن الناس ليسوا مثلك .. حيث أصبح للشر منفذين واضحين ومحددين أنت ـ ولله الحمد ـ لست واحدا منهم ، ويظل الله عادلا لا يصدر عنه سوى خيرا .. الخير الذي يعني أنه لو كان جميع سكان الكوكب على مر العصور مسلمين شيعة ، ولم تكن هناك إسرائيل وأمريكا وعلمانيين وليبراليين وعرب ديكتاتوريين وسلفيين واشتراكيين وماركسيين ـ الذين أرادت مشيئة الله وجودهم ـ كان هذا الكوكب سيتحول إلى جنة حقيقية .. مطمئن وآمن ومحمي .. كانت ستتبدل طبيعتنا البشرية التي جئنا بها لنكون صالحين للعيش في سعادة غير ناقصة .. صالحين للعيش في مستوى الأمان الذي يحيا فيه الله بمفرده !!! .
لا تفهمني خطأ .. أنا لست ضد أن يخلقني الله .. أنا فقط ضد أن يخلقني بصفات تناقض صفاته !!! .. ضد أن أكون مهددا من كل شيء مقابل كونه محصنا ضد كل شيء !!! .
بصفتك تجيد قراءة التاريخ .. متى صدقت السماء ثقتنا فيها وأنقذتنا ؟!!! .. هل ثقتنا هي الفاسدة طوال الوقت بحيث لم تجد السماء البريئة مبررا ولو لمرة واحدة في الماضي لأن تتدخل برحمة شاملة ونهائية تكون ختاما للأمر كله ؟!!! .. ثم .. هل ستصدق السماء ثقة الموتى في آخر الزمان ؟!!! .. هذا أمر لا يخصك طبعا رغم أنك تجيد قراءة التاريخ !!! .
تعرف ... ؟! .. حينما تتكلم .. أصبحت أنظر إليك في صمت مراقبا خطوط وجهك وهي تتشكل لتنتج ملامح عدائية .. لحظتها أرى أمام عيني طفل صغير لم يتعلم المشي بعد جالسا على أرضية شرفة وقت العصر تقريبا وحوله نباتات كثيرة ويضحك ، ثم تأتي يد غير مرئية لتضع أمامه كيس مكعبات فيتناوله بيديه الصغيرتين ويبدأ في محاولة أن يصنع شيئا ما .. أرى الطفل يكبر تدريجيا في مشاهد متتابعة ومتلاحقة بينما المكعبات بين يديه تبدأ في اتخاذ هيئة بيت صغير يكبر تدريجيا هو الآخر حتى أراك في صورتك الحالية بجسدك القصير والنحيف وشعر رأسك الذي أصابه الشيب مبكرا وعينيك الضيقتين الشاردتين ولحيتك الغير مشذبة وأنت تحاول مواصلة بناء البيت فتكتشف أن المكعبات التي أعطيت لك ليست سوى مكعبات رملية لا تملك معها سوى أن تراقب تفتت كل واحد منها بعد الآخر كلما عدت إلى حجرتك آخر الليل ثم تعود لتخرج في الصباح إلى الحياة والناس حاملا ذكرى مكعب جديد مات بالأمس .
لم نتحول إلى شخصيتين كارتونيتين .. كان مستوى الاطمئنان لدينا مرتفعا للغاية عن مستوى تقدير الخيانة المتوقعة فتحولنا إلى ذلك الرجل الشاحب الجالس على ركبتيه بثوبه الممزق داخل العتمة فاردا ذراعيه في يأس ويتطلع إلى السماء بفزع وتوسل في لوحة ( جويا ) : ( كوارث في الظلام ) .. هذا الرجل هو ( اسماعيل ياسين ) و ( بطوط ) و أشخاص كثيرين نعرفهم .. هذا الرجل كان يغني في صغره ( يا طيور النورس .. يالي مقابلني .. غنوا سوا كورس .. واهتفوا ورا مني : حياة البحر أحلى حياة ... ) .. هذا الرجل بالتأكيد ليس الله !!! .
صدقني .. أنا لم أعد أريد شيئا منك .. ما الذي يمكن أن أريده من إنسان يجبره العالم أن يعيش كشخص آخر ليس هو .. لو طلبت منك شيئا سيكون لافرق بيني وبين الذي أكد أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها ثم تركك هكذا .. لا تصدقني .. أنا لازلت أريد أشياء كثيرة جدا منك رغم أنني أعلم جيدا أنه لم يعد في إمكانك أن تفعل شيئا من أجلي .. عموما أنا لا أشعر بالذنب تجاهك ؛ فأنت لم تشعرني مطلقا أن ( النوستالجيا ) كانت تؤذيك .. بالعكس .. رغم إيماني أن كل الأشياء مؤذية بطريقة ما .. لكنك الآن أصبحت صديقي فحسب .. من الممكن أن تذهب في أي وقت فتتحول إلى ذكريات عادية ، ومن الممكن أن تستمر محافظا على تواصل منتظم بيننا عبر الهاتف وفي حجرة المعيشة بمنزلي وداخل فندق ( مارشال ) أو حتى عن طريق ( الماسنجر ) لكنني لا أستطيع أن أعدك بأنك ستجدني فعلا .. سأكون جالسا أمامك وأتكلم معك وسنذهب إلى بائع الجرائد ونختصر الطريق إلى منزل أسرتي بالسير في الشارع الخلفي لميدان المحطة كما تعودنا منذ سنوات طويلة .. لكنني أثناء ذلك سأكون بعيدا .. أتطلع إلينا نحن الإثنين كشخص ثالث لا نراه وأفكر في صمت أن هذا الذي بصحبتي الآن موجود فقط لمجرد أنه ينبغي للمرء أن يمضي الوقت مع إنسان ما ، وأنه ككل الآخرين تحول من خلاص محتمل إلى سبب لأن أعيش كشخص آخر ليس أنا .



#ممدوح_رزق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حارس الأنقاض
- النمو بطريقة طبيعية
- الألم الذي يقتل / .. للشاعرة الأمريكية : أندريا فينزيمير
- أنا مخرِّب .. أنا موجود
- قد يدخل ( أحمد ) الجنة بعد الموت
- رجل وامرأة متعانقان في سعادة كخلفية لشاشة الكومبيوتر
- بخصوص حكمة ما
- شعراء قصيدة النثر ومواصلة الهوس المجاني بالذات خارج النص
- لأننا لا نتألم بطريقة صحيحة
- ربما سنذهب .. ربما سيأتي
- كأن لديه خبرة بالماضي
- لكل ميت رومانسيته
- ( قانا ) .. مثلا
- الحقيقة والدين / .. ردا على مقال د. كامل النجار - في طبيعة ا ...
- مُستعمَل / .. للشاعرة الأمريكية : سارا أكاسيا
- أكثر من طريق إلى مدافن الأسرة
- مشكلات صغيرة في فهم العالم
- أرواح الغرقى
- وحيد / .. للشاعر الأمريكي : ديفيد ليفينجستون
- الحبل السُري


المزيد.....




- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - بينما ننتظر آخر خبر عاجل