بلقيس الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1894 - 2007 / 4 / 23 - 12:22
المحور:
الادب والفن
بعقل مشتت راح ينقل بصره بين أسطر كتاب مفتوح على مكتبه ، وبين فترة واخرى يمد يده إلى قدميه وأسفل ساقيه ليهرش أثر لسعة لعينة .
مضى من الوقت أكثر من ساعة ولايزال ينظر في نفس الصفحة ، يعيد قراءة أسطرها ببصره ككلمات رُصت دون هدف فهو لا يفقه شيئاً منها .. صور شيطانية تتراقص أمامه تفكك الحروف وتلغي المعاني وتطوح بعيداً دونما رحمة بتوازنه النفسي .
إن عمله صباحاً كطبيب في المعمل أصبح مضجراً بشكل لايطيقه .. ضحكاتهم ، نظراتهم التحايلية .. توسلاتهم اللعينة للحصول على الإجازة المرضية ، اسبابهم التافهة للتهرب من العمل .
ـ دكتور ، الله وكيلك البارحة حلمت بالعباس يطالبني بنذر .. الله يوفقك أريد يومين إجازة أودي النذر وادعي لك هناك .
ـ دكتور ، أمس سقط سقف الغرفة من شدة المطر احتاج إجازة حتى أعيد بناءه .
ـ دكتور ، كعدت الصبح تعبان وماأشتهي الأكل أريد إجازة ولوم يوم واحد .
دكتور ، دكتور ..
وتتضخم الكلمة ليصبح رنينها كمطرقة تضرب أم رأسه بعنف .. لم يفعل اكثر من أن يُفهمهم أن الاجازة المرضية لا تُعطى إلا للمريض ، وان الانتاج بحاجة إلى كل ذرة من طاقاتهم .. رغم عنايته الكبيرة بهم وبعوائلهم علاجياً وتتبعه المستمر لحالاتهم المرضية .. لكن ذلك كله في وادٍ ومايفكرون به في وادٍ آخر .
يسقط الدكتور .. تبعه صوت اصطدام حجر رمُي بقصد على باب منزله واصوات اشخاص يهرولون في الشارع .
أصبح ذلك من الأمور التي اعتادها كل ليلة تقريباً .. انهم هم أنفسهم مراجعو المستوصف صباحاً .. هم لم يكتفوا بذلك ، بل في كل ليلة يُلطخ باب منزله بالأوحال .
أحس كأن شيئاً يطبق على أنفاسه .. الجو حار ، ورطب، لم يفلح هواء المروحة السقفية أن يخفف من وطأته ، وقد زادته تعاسة لسعات البعوض ، فقرر ان يستلقي على سريره .
#بلقيس_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟