رأفت جمال حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1850 - 2007 / 3 / 10 - 13:00
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
لقد أثار نبأ "هروب" أديبتنا المصرية، الدكتورة نوال السَّعداوي من مصر مؤخّراً، بعد اتهامها من قِبَلِ عصابات الإخوان المسلمين وأعوانهم من التيارات القمعية بالكُفر، غضبي .. مما استفزني ودفعني لان احمل قلمي واكتب مقالاً حول قضية كهذه في محاولة هي الأولى من نوعها، بعد أن كتبت ونشرت سابقا موضوعين مختلفين لتكريم الراحلين الكبيرين راشد حسين ومحمد الماغوط رغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الدكتورة نوال السَّعداوي للاتهام بالكفر، فقد سبق وان حدث ذلك مراراً،حيث أُحيكت ضدها مخططات إرهابية من التيار السياسي الديني، حتى انه في أحيان كثيرة كان يُهدر دمُها بعد إدراج اسمها ضمن قائمة المحكوم عليهم بالموت (القائمة السوداء)، بذريعة أنهم "كُفّار" و "ملحدون" وخارجون على القوانين الإلهية وغير ذلك من النعوت والمصطلحات التي يضعها مبتكروها ضمن أُطُر صنعوها بدقة ليروّجوا لتصديرها لذوي الأذهان المقلّصة!!
إلا أن "الحضور الطاغي" لهذا النبأ المؤسف على صفحات الجرائد ومواقع الانترنت وحتى على محطات الإذاعة (ويستحق النبأ كل هذا الاهتمام) تحرَّش بي حتى أثار حفيظتي، فوجدْتُني اكتب مُدافِعاً عن نوال السَّعداوي، كإنسانة في الدرجة الأولى، وكمبدعة وكاتبة كبيرة فيما بعد. آملاً أن أوصل فكرتي على أكمل وجه، وان أفي السَّعداوي حقَّها في مقال متواضع يكتبه شخص لم يتعدَّ سنه التاسعة عشر بعد!
إنَّ "هروب" مفكّرة ومبدعة عربية بحجم نوال السَّعداوي من بلد عربيّ لتلجأ لبلد غربيّ –هو بلجيكا ومن بعده أميركا- ليست قضيّة تثير الدهشة في النفوس، ولا حتى الاشمئزاز.. فبلادنا العربية لم تعوّدنا على مرّ العصور سوى على نبذ الوعي الثقافيّ والحضاريّ وسلخِهِ عن أجساد العروبة وشعوبها، فبدل أن تُقْدِمَ هذه "السَّلَطات" –بفتح السِّين واللام- العربيّة على مّحْو الأميّة والجهل المتفاقمين بين أوساط شعوبها، نجدها تتسابق فيما بينها لمحو وإلغاء ثقافة التفكير، لتؤسّس مكانها ما يُسمى بثقافة التكفير! فلا فرق بين المصطلحين سوى تبديل في مكان حرفين هما (الكاف) و(الفاء) لينتج لدينا ما يُسمّى في البلاغة "الجناس الغير تام" كما لو أنها تريد أن تزيد من ثقافتنا بلاغيًّا بضرب الأمثلة لنا!!! فقد سبق وأن قام السادات بزجِّ نوال السَّعداوي في السجن، بعد أن قام بإضافة اسمها لقائمة السجينات بيده، كما أنها مُنِعَتْ ولا زالت ممنوعة من التدريس في جامعات مصر بذريعة أنها تُفسد عقول الطلاب من خلال أفكارها والتي يبدو بأنها لا تتلاءم وعقلية الرئيس المصري (الذي نافسته السَّعداوي في انتخابات الرئاسة عام 2004) وسلطته الحاكمة، وبعض أولئك الذين تندرج أسماءهم تحت الأكذوبة التي تُسمّى ﺑ ِ "رجال الدين" ...
إنَّ نوال السَّعداوي ليست مُجرَّد أديبة وروائية عظيمة، لها الكثير من الأعمال التي تُرجمت إلى أكثرَ من 30 لغة وحَسْب، ولكنها تعدت كونها كذلك، حتى باتت من مُؤسّسي الفِكر النّيِّر والوعي الثقافيّ من خلال طرحها لأفكار تستحقّ النقاش والتحليل. وقد لعبت السَّعداوي أدواراً فعّالة في حياتنا، فهي أديبة، مفكرة، طبيبة نفسية وجرّاحة وأكاد أقول بأنها محاميّة من خلال مكانتها طبيًّا وأدبيًّا، فهي حين تُؤلف كتاباً –وهي الطبيبة- حول المرأة و الجنس شارحة فيه المعلومات العديدة والخطيرة حول غشاء البكارة وإمكانية عدم حدوث نزيف لدى المرأة ليلة الزفاف، لتؤدي بشيخ من الصعيد المصريّ "المُحافظ"، لزيارتها في عيادتها شاكراً إياها، لأنها حالت بينه وبين تنفيذه لجريمة القتل بحقِّ ابنته (من خلال المعلومات الواردة في الكتاب) لمجرد أنها لم تنزف ليلة زفافها، فهي بذلك قد أحيت نفساً لتكون بذلك كأنما أحيت الناسَ جميعاً (كما ورد في القران الكريم) وهي حين تدافع في العام 1957 عن فتاة يضربها زوجها الذي يكبرها بواحد وخمسين عاما كل ليلة ويغتصبها من دُبُرٍ وهي ساجدة تصلي لله، فهي بذلك تكون قد تضامنت مع الحقِّ ضدَّ الباطل. و هي ذاتها التي وقفت أمام عبد الناصر-رحمَه الله- في العام 1962 لتقولها علناً بانَّ الفلاح هو الذي لون بوله احمر بسبب مرض البلهارسيا المنتشر في الريف بنسبة 99%، ولا ننسى أحاديثها المشرّفة حول عرب 48 والفلسطينيين في حواراتها ولقاءاتها عَبْرَ وسائل الإعلام، فهل بسبب هذا كله وسواه من الأفعال المشرّفة التي قامت بها أديبتُنا الكبيرة يدينونها ويبيحون قتلها، بذريعة أنها تعارض الله تعالى؟!
قد اختلف مع نوال السَّعداوي في بعض ما تقوله، إلا أنَّ هذا لا يعني نبذها والتحريض على قتلها من قِبَلِ "المُتَمَشْيِخين" وذوي اللّحى الاصطناعية في خُطَب الجمعة في المساجد.. فلأولئك الذين يعارضونها حقُّهم وحريتُهم، ولكن عليهم أن يردّوا على كُتبِها بكتب،ورواياتها بروايات، وبحوثها العلميّة ببحوثهم العلميّة وبآيات القران،عليهم أن يناقشوها، لا أنْ ينكشوها!
وانَّ ما يثير في النفس الضحك مرارةً، هي الأسباب التي دَعَتْ تلك المافيات المُتأسلِمَة لاتهام نوال السَّعداوي بالكُفر والاعتراض على شريعة الله، والتي من ضمنها أنَّ الدكتورة السَّعداوي من المُعارضات للحجاب-غطاء الرأس، والذي لم يُذكر أصلاً في القران الكريم في أيٍّ من النصوص! وكذلك اعتراضها على تقبيل الحجر الأسود أثناء تأدية فريضة الحج، مدعية بأنها وثنيّة موروثة عن الجاهلية،ودعوتها لاستخدام الأبناء لاسم الأم ككنية لهم أسوةً باسم الأب ، كما أطلقت هي على نفسها "نوال زينب السَّعداوي"، وتجدر الإشارة إلى أنَّ نوال السَّعداوي من المعارضات للماكياج وأدوات الزينة والتعرّي وكلِّ هذه الأمور التي من شانها أن تُحوّل المرأة إلى سلعة رخيصة مستهدفة، الخ...
ألهذه الأسباب إذاً يكفّرونها مفسحين المجال بذلك أمام أي عقل يعاني من التخلف والرجعية لاستهدافها والنيل منها بطريقة همجية؟! ومهما تكن الأسباب، فمَنْ مَنَحَ الحقَّ لأولئك بتكفير نوال السَّعداوي وسواها من المبدعين والمفكّرين والذين يَسْعَوْنَ لإزالة السّتار عن الحقيقة، ولا سيّما في الأمور التي تخصّ الدين؟لا اظنه الله!! بل حتى أنَّ الله دعا في القران إلى النقاش والحوار وتقبّل الآخر كما هو، لأنه هو سبحانه مَن يحاسب في الآخرة، ويتولّى شؤون عباده، المؤمنين منهم والكافرين، ويبدو ذلك في القران الكريم ((لَكُمْ دينُكُم ولِيَ دين))-الكافرون،آية (6).
في الختام.. سأدعُ ما تبقّى في جُعبتي (وانَّه لكمٌّ هائلٌ) من الحديث حول هذه القضيّة، لأحيّي الأديبة الدكتورة نوال السَّعداوي، هذه المصرية الشريفة، وان اشدَّ على يديها، آملين أن تعود إلى مصر في شموخها الذي عهدناه والذي لن تبيده تلك الاتهامات الرخيصة والساقطة والتي لن تُخضعها.. وتخيّلوا لو أنني أقف أمامكم وأضع على رأسي قبعة، تخيلوا الآن أنني ارفعها، واحني هامتي إجلالا لله تعالى وتقديرا لنوال السَّعداوي...
#رأفت_جمال_حسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟