نادر عبدالحميد
(Nadir Abdulhameed)
الحوار المتمدن-العدد: 8406 - 2025 / 7 / 17 - 12:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
زار رئيس وزراء إقليم كوردستان العراق (مسرور بارزاني) الولايات المتحدة، مع وفد مكون من وزراء البيشمركة والكهرباء والموارد الطبيعية، في (17-5-2025) بدعوة من الحكومة الأمريكية. وقبل رحلته، زار القنصلية الأمريكية في أربيل وتلقى مكالمة هاتفية من (ماركو روبيو)، وزير الخارجية الأمريكية.
بالإضافة إلى لقاءاته مع المسؤولين في الحكومة الأمريكية، بمن فيهم وزير الخارجية ونائب وزير المالية، عقد رئيس وزراء الإقليم أيضاً، اجتماعات مع رجال الأعمال الأمريكيين والمستثمرين وأرباب العمل والشركات، وذلك لتبادل الآراء حول العلاقات الاقتصادية والتجارية وتنمية قطاعات الغاز والنفط والطاقة في كوردستان، وفي هذا الصدد شارك في مؤتمر بعنوان "مستقبل الطاقة في إقليم كوردستان" بتاريخ (18-5-2025) في واشنطن، لمناقشة تطوير قطاع الطاقة في الإقليم. وأخيرا، وقع إتفاقيتين للاستثمار في قطاع الطاقة تبلغ قيمتهما أكثر من (100) مليار دولار.
تأتي زيارة رئيس وزراء الإقليم هذە، في الوقت الذي قام فيه رئيس الإقليم (نيجيرفان بارزاني) في نفس اليوم (17 آيار 2025) بزيارة إلى إيران، وبدعوة رسمية للمشاركة في (منتدى حوار طهران)، حيث أجرى عدة لقاءات مع كبار المسؤولين. هذا عدى عن زيارته في آواخر نيسان (27-4-2025) إلى الأردن واستقباله من قبل الملك (عبدالله الثاني)، حيث تبادل الجانبان وجهات النظر إزاء التطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وأكدا على أهمية التنسيق المشترك لحماية الاستقرار والسلام في المنطقة.
إقليم كوردستان كجزء من الصراع الجيو-سياسي والجيو-اقتصادي في الشرق الأوسط
تشير هذه الزيارات الرسمية إلى المكانة التي يحتلها إقليم كوردستان والتيار البرجوازي القومي الحاكم فيه، في المعادلات الإقليمية للشرق الأوسط، وفي الصراعات الجيو-سياسية والجيو-اقتصادية بين القوى الإمبريالية والقوى الإقليمية.
إن نفس الدعوة الرسمية لرئيس وزراء الإقليم من قبل الإدارة السياسية الأمريكية وإبرام عقود تزيد قيمتها على مائة مليار دولار في قطاع الطاقة في كوردستان، خلف ظهر الحكومة المركزية، هي دلالة واضحة على المكانة المهمة للإقليم في المعادلات والصراعات الإقليمية.
ليس هذا فحسب، بل تبينت هذە الأهمية في تصريحات وزير الخارجية الأمريكية (روبيو) بشكل واضح جدا، عند اجتماعه مع (مسرور)، ومناقشتهما لأحدث التطورات في الوضع العام في العراق والمنطقة، إذ صرح: بأن "الولايات المتحدة ملتزمة بدعم إقليم كوردستان قوي ومستقر ضمن إطار العراق الفيدرالي، وهذا جزء أساسي من استراتيجية أمريكا في المنطقة تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب". كما أعلن أن "الولايات المتحدة مستعدة لدعم حكومة إقليم كوردستان في مجالات مختلفة". وعبّر عن بالغ تقدير الولايات المتحدة للدور الذي يضطلع به إقليم كوردستان، مشيداً في الوقت نفسه بـ"إسهامه الجوهري في صون استقرار المنطقة وأمنها".
تحاول كلٌّ من الإمبريالية الأمريكية والقوتين الإقليميتين، تركيا وإيران، من خلال استراتيجياتها الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية في الشرق الأوسط، ترويض حكومة إقليم كوردستان، وحشد الأحزاب والقوى القومية الكردية لصالحها، واستخدامها كورقة ضغط في الصراعات الدائرة بينها في الشرق الأوسط. هذا هو الإطار العام للمعادلات والصراعات الجيوسياسية التي تجد حكومة الإقليم وأحزاب الحركة القومية الكردية نفسها فيها.
إن القوى البورجوازية القومية الكوردية في إقليم كوردستان العراق، وخاصة الحزبين الحاكمين (الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني)، طوال حياتهما السياسية، لم يجدوا أنفسهم فقط وسط هذه المعادلات والصراعات كواقع تأريخي قائم لا مفر منه فحسب، بل كانوا دائمًا، وفقًا لمصالحهم الطبقية، جزءًا نشطًا منها، وكانوا دائمًا يشكلون قنوات وأدوات يتم من خلالها تطبيق الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية للقوى الإقليمية والقوى الإمبريالية العالمية في إقليم كوردستان العراق.
ما يميز دورهما الآن في الوقت الحاضر هو الوضع الجديد الذي نشأ داخل موازين القوى في المنطقة، بين القوى الإمبريالية؛ روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة والغرب من جهة أخرى، وتوازن القوى بين القوتين الإقليميتين تركيا وإيران. يأتي هذا بعد الهجوم الإرهابي الذي شنته (حماس) في الـ(7 من تشرين الأول/أكتبر-2023)، وحرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين مع هزيمة (حزب الله) اللبناني، التي أعقبها سقوط وانهيار نظام الأسد في سوريا.
إن مرافقة وزيري البيشمركة والموارد الطبيعية مع رئيس الوزراء خلال زيارته لها دلالة رمزية، مفادها أنه من الناحية الاقتصادية والسياسية-العسكرية، تجد حكومة إقليم كوردستان والقوى القومية الحاكمة بقاء نفسها وسلطتها مرهونة في ترافق الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية للإمبريالية الأمريكية وأن تصبح أدوات فعالة لتنفيذها.
وقد تم التعبير عن هذه الحقيقة من قبل المتحدث الرسمي باسم حكومة إقليم كوردستان (بيشەوا هوراماني) في (23-5-2025): "في هذه المرحلة الجديدة فإن الاستثمار والاقتصاد والطاقة مطروحة على طاولة المناقشات مع كبار المسؤولين الأميركيين، ... أصبحت الطاقة والاستثمار فيها الآن بمثابة البيان (الأجندة) لجميع العلاقات مع وزارة الخارجية الأمريكية".
صفقة كوردستان، تُكمل صفقات ترامب الخليجية
أشرف (مسرور بارزاني) خلال زيارته على توقيع اتفاقيتين مهمتين بقيمة (110) مليار دولار لتطوير قطاع الطاقة في إقليم كوردستان بالشراكة مع شركات أمريكية. ويبدو أن لقاءه مع نائب وزير الخزانة الأمريكي كان بشأن القروض وتمويل المشروع.
لن نتطرق هنا إلى مشاكل حكومة إقليم كوردستان مع الحكومة المركزية فيما يتعلق بشرعية العقود، حيث صرح وزير النفط العراقي (حيان عبد الغني) إن الحكومة العراقية لا توافق على هذه العقود المتعلقة بالطاقة، وأن "مثل هذه العقود وهذه الاتفاقيات يجب أن تُوقع من قبل الحكومة الاتحادية في العراق، لأنها الجهة المسؤولة عن إدارة الأصول النفطية".
تم توقيع هذه العقود في (19-5-2025) أي بعد أيام قليلة من عودة (ترامب) من جولته الخليجية إلى واشنطن في (16-5-2025) وإبرامه عدة عقود بمئات المليارات مع المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، أي إنها تأتي كجزء من هذە الأجندة وكإمتداد وتكملة لهذه الصفقات الخليجية.
إن هذە العقود مع حكومة الإقليم ليست كالعقود السابقة الموقعة بين حكومة إقليم كوردستان وشركات النفط والغاز الأمريكية، إذ تم إبرامها بعد دعوة رسمية من قبل إدارة ترامب لرئيس الوزراء الإقليم وفي أجواء سياسية معينة في الشرق الأوسط وضمن اجندات امريكية خاصة بها، وذلك بعد تغيير موازين القوى في هذە المنطقة، وبهذا المعنى فإنها ليست عقودا إقتصادية فقط، بل جزء من أجندات سياسية وإقتصادية للإمبريالية الأمريكية، وإن إدارة ترامب تقف وراءها.
وهذا من شأنه أن يعزز مكانة حكومة إقليم كوردستان في الاستراتيجية السياسية والاقتصادية للإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل عام وأمام الحكومة المركزية بشكل خاص. وبهذا المعنى، ستكون هذه العقود بالتأكيد نقطة قوة لحكومة إقليم كوردستان.
الفقر والبطالة وراء هذە الصفقة لكادحي إقليم كوردستان
بعد إبرام العقود والاتفاقيات، كتب رئيس الوزراء (مسرور بارزاني) على منصته "إكس-X": "هذا الأسبوع تم توقيع اتفاقيات مهمة في مجال الطاقة، وناقشنا تطوير التجارة مع شركائنا الأمريكيين وتوفير الرفاهية لشعب كوردستان والعراق بأكمله".
نرى اليوم كتجربة تأريخية وعلى الصعيد العالمي، إن البلدان الغنية بالموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والذهب والمعادن النادرة المستخدمة في صناعة الإلكترونيات الحديثة والتي استثمرت وتستثمر فيها شركات متعددة الجنسيات، يعاني مواطنوها وكادحو شعوبها من ظروف معيشية سيئة وتحت قمع سياسي، بينما استفادت وتستفيد الشركات من مليارات الدولارات كأرباح وكتراكم لرأس المال.
وهذا يرتبط بشكل أساسي بتبني سياسة اقتصادية معينة كإستراتيجية لـ"التنمية" من قبل الطبقات المالكة والحاكمة في هذه البلدان، أي إستراتيجية النيوليبرالية الاقتصادية التي تتطلب عمالة رخيصة، غير منظمة في نقابات واتحادات مستقلة، مقموعة وصامتة وبالتالي غير قابلة للاعتراض والدفاع عن حقوقها. يُعَدُّ إقليم كوردستان العراق مثالاً بارزاً وملموساً على هذا الوضع.
مع إعلان الخطة السياسة لـ"استقلال اقتصاد كوردستان" وتسويق نفط وغاز إقليم كردستان إلى الأسواق العالمية، بداية من الكابينة الثامنة من (2014) إلى نهاية الكابينة التاسعة (أيار 2025) وعلى وشك تشكيل الحكومة العاشرة، تقدر ديون حكومة إقليم كوردستان العراق بنحو (33) مليار دولار، منها أكثر من (10) مليارات دولار رواتب غير مدفوعة لموظفي حكومة الإقليم.
هكذا، وعلى عكس ما تدعيه وسائل الإعلام التابعة للحزب الحاكم وحكومة إقليم كوردستان، لن يجلب هذا الاستثمار الجديد الازدهار والرخاء لجماهير العمال والكادحين فحسب، بل سيتعين على الأجيال القادمة توقع سداد عدة مليارات إضافية أخرى من ديون الحكومة، تمامًا كما وضعت عقود النفط قبل (10-15) عامًا مليارات الدولارات من الديون على عاتقهم بدلاً من الرفاهية.
وهذا يعني تقليص الخدمات وفرض ضرائب أعلى على المواطنين ودفع حياة العمال والكادحين، خاصة من النساء والشباب والشابات إلى البطالة وحافة الفقر والجوع.
لن يتحقق الرخاء والرفاه للجماهير من خلال استثمار هذه المليارات من الدولارات ونهب الثروة العامة عن طريقها من قبل الشركات المحلية والأجنبية التي تسعى وراء الأرباح وتراكم الرأسمال، بل على العكس من ذلك تمامًا، يتحقق من خلال إلغاء هذا النظام الاقتصادي- السياسي الطبقي الذي فرضته القوى الحاكمة من البرجوازية القومية الكوردية في كوردستان، والبرجوازية الإسلامية الطائفية في العراق على رقبة جماهير العمال والكادحين في هذا البلد بأكمله.
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تنظيم الطبقة العاملة العراقية بأفق اشتراكي ثوري، والتي مع كل خطوة تخطوها إلى الأمام في نضالها واحتجاجاتها، بإمكانها أن تفرض تراجعا على السلطات وعلى الشركات في القطاع الخاص لنيل حقوقها، إلى الحد الذي يجعلها قادرة على القيام بالثورة والاستيلاء على السلطة وذلك في تغيير توازن القوى الطبقية في المجتمع لصالها، ومن ثم تحقيق الإشتراكية، والرخاء والرفاهية في المجتمع.
آواخر آیار/مايس 2025
#نادر_عبدالحميد (هاشتاغ)
Nadir_Abdulhameed#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟