أندرس هوخ فنغر
الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 14:53
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
هذه هي المقالة الأولى في سلسلة حول دور الشيوعيين خلال الاحتلال الألماني للدنمارك في الحرب العالمية الثانية.
عندما انحنى الشاب الشيوعي الدنماركي آغه نيلسن في أحد الخنادق في "كاسا دي كامبو" خارج مدريد عام 1936 ليتفادى رصاص الفاشيين، كان يدرك تمامًا أن هذه اللحظة ليست سوى بداية لشيء أكبر بكثير من مجرد صراع على أرض جافة أو حق الإسبان في الدفاع عن ديمقراطيتهم.
كان آغه، عامل الأرض والخرسانة من كوبنهاغن، يرى نفسه جزءًا من صراع عالمي. لقد أيقن أن الفاشية لا تهدد إسبانيا فقط، بل كل أوروبا. وكان يخشى أنه إن سُمح للفاشيين بسحق الديمقراطية الإسبانية، فلن تمر سنوات قليلة حتى تصبح الدنمارك الهدف التالي.
في الخنادق، كان آغه واحدًا من آلاف الشباب المنضمين إلى الألوية الدولية – لم يكن يقاتل بمفرده، بل كان جزءًا من مجتمع عالمي متنوع من مناهضي الفاشية. كانت معهم آني كارجيل نايت، ممرضة اسكتلندية وابنة فلاح من المرتفعات، وإحدى أولى المتطوعين من بريطانيا، وكانت شيوعية ملتزمة.
"لقد بزغ فجر عصر جديد في أوروبا مع الانتصارات الألمانية المذهلة، سيعيد ترتيب الأوضاع السياسية والاقتصادية بقيادة ألمانيا".
— إريك سكافينيوس، وزير خارجية الدنمارك 1940-1943
وعلى الجبهة، كان هناك أيضًا لودفيغ رين، شيوعي ألماني وعضو في الحزب الشيوعي الألماني منذ 1928، وجندي سابق في الحرب العالمية الأولى. قاد رين العمليات العسكرية ببراعة ضد قوات مغربية، وجنود إسبان فاشيين، وألمان، وإيطاليين دعموا الجبهة الفاشية في محاولتها سحق الجمهورية الإسبانية.
واجه الفاشيون مقاومة عنيفة. ومن ضمنها المتطوع الشيوعي من لوكسمبورغ ألبرت سانتار، الذي قاتل بالقرب من مدريد ضمن حوالي 40 ألف متطوع من مختلف دول العالم.
نجا آغه نيلسن من الحرب، وعاد إلى الدنمارك عام 1939. لقد رأى بأمّ عينيه ما يمكن أن تفعله الفاشية، وكان مقتنعًا أن ما حدث في إسبانيا يمكن أن يحدث في بلاده إذا لم يُتخذ موقف حازم.
لكن نصف المتطوعين الدنماركيين الـ500 الذين قاتلوا مع الجمهورية، لقوا حتفهم في إسبانيا.
اليهود والشيوعيون الألمان ممنوعون من الدخول
كان حزب آغه، الحزب الشيوعي الدنماركي (DKP) – والذي بلغ عدد أعضائه 6000، وحصل على 40,893 صوتًا في انتخابات 1939 – منخرطًا في النضال ضد الفاشية منذ وقت مبكر. فقد ساعد في إيواء أكثر من 100 لاجئ شيوعي ألماني بين 1933 و1939، بالإضافة إلى 200-300 اشتراكي ديمقراطي فارّ من نظام هتلر.
كما ساعد الحزب اليهود أيضًا. لكن آغه كان غاضبًا للغاية من أن السلطات الدنماركية أغلقت حدودها في 1938 أمام أي شخص غير دنماركي، بل وسلّمت الشرطة في بعض الحالات يهودًا وشيوعيين إلى السلطات النازية على الحدود.
فمن بين 1000 طفل يهودي طُلب السماح لهم بالدخول، قبلت الحكومة استقبال 25 فقط.
ازداد غضب آغه حين تكشّف أن شرطة كوبنهاغن كانت تتعاون مع الشرطة الألمانية منذ عام 1933. وفي 1939، اتضح أن حرس الحدود الدنماركي كان يتلقى تعليمات بالتدقيق في الأشخاص "ذوي المظهر اليهودي" أو الحاملين لأمتعة كثيرة أو المتصرفين بطريقة "مريبة".
أُجبر اللاجئون على التقدّم للحصول على تصريح دخول، بشرط أن يكون لهم صلة وثيقة بالدنمارك.
من بين من رُفضوا، كانت آنا فيليبسون، يهودية ألمانية. قوبل طلبها بالإقامة بالرفض عام 1938. وفي 1942، تم ترحيلها إلى غيتو ريغا، حيث توفيت بعد ستة أشهر.
لكن الأسوأ كان قادمًا.
الاحتلال الألماني
في فجر 9 أبريل 1940، اجتاحت القوات النازية الدنمارك. خلال ساعات قليلة، قررت الحكومة الاستسلام.
وسلّمت الشرطة الدنماركية 20 لاجئًا يهوديًا إلى "غيستابو" خلال السنوات اللاحقة، 15 منهم بمبادرة دنماركية. ستة من هؤلاء دخلوا البلاد بشكل غير قانوني أثناء الاحتلال، بينهم امرأة، أطفالها الثلاثة، وأختاها المسنتان. قُتلوا جميعًا في معسكر اعتقال ألماني.
رئيس الوزراء ثورفالد ستاونينغ توجّه عبر الإذاعة إلى الشعب، مبررًا التعاون مع المحتل لحماية الدنماركيين من ويلات الحرب، وقال:
"اخترنا هذا الطريق لتجنيب البلاد والشعب عواقب الحرب – ولكن نأسف بشدة لفقدان أبنائنا في الساعات الأولى من هذا الصباح".
شيوعيون لا يصبرون على الخنوع
آغه نيلسن هزّ رأسه ساخِرًا عند سماع خطاب رئيس الوزراء. لم يكن وحده؛ فكل العائدين من الحرب الإسبانية أرادوا مواجهة النازية بكل قوتهم.
قرر الحزب الشيوعي أن يبدأ المعركة من أرض المصانع، حيث بدأ بنشر أفكار التخريب، وأعدّ نفسه لفترة العمل السري، بجمع أدوات الطباعة والورق تحضيرًا لحظره المرتقب.
ورغم ما روّجت له الصحافة المحافظة والاشتراكية الديمقراطية من أن اتفاق عدم الاعتداء بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي (1939) يعني تحالفًا بين الشيوعيين والنازيين، واصل DKP توضيح أن الاتفاق كان خطوة تكتيكية لتأجيل الصراع المحتوم.
استغل القيادي الشيوعي بورغه هومان هذه الفترة لزيارة الشيوعيين في جميع أنحاء البلاد وتنظيمهم. وكان قد عمل سابقًا كرسول سري ينقل وثائق من برلين إلى الشيوعيين الألمان المختبئين.
لقد تعلّم من رفاقه الألمان أساليب العمل السري، كيفية التمويه، وكيفية تجنّب الاعتقال، وهي دروس أصبحت فيما بعد حيوية في نضال الحزب والمقاومة الدنماركية.
الدنمارك... أداة مطواعة للنازية
بينما كانت الحكومة تسعى للتعاون مع ألمانيا، كان الشيوعيون مقتنعين أن النازية لا يمكن التفاوض معها، بل يجب سحقها.
لكن الحكومة كانت تراهن على أن التحالف مع هتلر سيحفظ بقاءها.
إريك سكافينيوس، وزير الخارجية، فاجأ المواطنين في 8 يوليو 1940 بتصريح:
"لقد بزغ فجر عصر جديد في أوروبا مع الانتصارات الألمانية، وسيكون على الدنمارك أن تجد مكانها في نظام التعاون الضروري مع ألمانيا الكبرى".
وفي 8 مارس 1941، قال رئيس الوزراء ستاونينغ:
"من وجهة نظري، تملك ألمانيا خطة لإعادة ترتيب أوروبا ليس مؤقتًا، بل دائمًا. وسيتطلب هذا الترتيب تعاونًا أوروبيًا شاملاً".
ورغم أنه لا يوجد دليل على أن ستاونينغ كان نازيًا، إلا أنه راهن بوضوح على نصر ألمانيا ضد الحلفاء، وشارك في اجتماعات مجلس إدارة جمعية دنماركية-ألمانية عام 1941.
المصدر:
https://arbejderen.dk/historie/den-danske-modstands-skjulte-helte-kommunisterne-under-besaettelsen/
#أندرس_هوخ_فنغر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟