|
هرمونوطيقيا المجتمع بين الحداثة والتأويل (الأيض الفكري المجتمعي)
علي مهدي الاعرجي
انسان
(Ali Mahdi Alaraaji)
الحوار المتمدن-العدد: 8328 - 2025 / 4 / 30 - 16:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نعم إنها العبثية سيدي القارئ، أنا لا أحاول أن أثير شيئًا من النسج الذهني صاحب الإيقاع الرتيب بقدر ما أحاول أن أثير زوبعة من الصراعات الفكرية لديك؛ فخروجنا عن المألوف يُنتج لنا صورة من الوعي المنفتح.
الأيض الفكري المجتمعي
لربما هناك شيء من الجمود في مستوى الوعي الذهني تجاه عنوان المقال، لدى المفهوم العلمي للمكوّن البشري؛ حيث الإيض عملية جسدية ميكانيكية، والهرمونوطيقيا مفهوم آلي ذهني يعمل على تأويل النص. فكيف يجتمع الحركي مع الفكري؟ في رتابة كلاسيكية ندرك أن الفكر هو مصدر ذهني يعتمد على التوتر بين المعنى الحقيقي وإمكانية نفيه للحقيقة، أي إنه تيار حركي ينتمي إلى ميكانيكية الحركة. قد تتساءل: ما الربط بين الحركة كفعل والذهن كصورة؟ بالتأكيد لا يوجد ربط مباشر بين الفعل والجمود، لكن ببساطة، إن الصورة أو الخيال يُعتبر المصدر الأساسي للحركة، إذن فالفكر هو حركة. قد تسأل: ما علاقته بالمجتمع؟ بمفهومنا العام، المجتمع كائن يمتلك جميع إيحاءات البنية الجسدية للمخلوقات المجترة، ينفعل ويتفاعل مع وجودية الفكر البشري، فيرسم من خلال الحركة الإنسانية صورة ممنهجة للوعي العام والثقافة الدارجة، وينبثق منها قوانين وأعراف يرتكز عليها العقل الجمعي، في صورة مقدسة تُقابل كل من يخالفها بالسوط أو النار والدماء. بعيدًا عن مدى صواب أو ضحالة الفكرة، نجد أن العُرف قانون وضعي لرمزية فردية تسلطت على رقاب البسطاء، وأفرزت ما تستشعره من إيحاءات ذاتية على المجتمع، فأنتجت لنا النص الفقهي والسياسي والعشائري... وعلى الجميع أن يقول: "لبيك". كل هذه الاختلاجات يمكن أن ندرجها تحت مفهوم "الإيض الفكري للمجتمع"، الذي يحتاج إلى تأويل في أصوله. فلا بد أن نفهم قدرة المجتمع على استيعاب معاني النصوص المقدسة، فالتصديق بالمجهول خرافة، ورفض الخرافة جنون هو الآخر. لا بد أن ندرك الفكر من خلال إيض هرمونوطيقي يرسم خطوط إنتاج السلوك الجمعي في خطابه العام والخاص، من التأويل المعرفي والديني والسياسي، إلى غير ذلك.لا بد أن ندرك أن انعدام المفهوم الجزئي وضياع التأويل العام أفقدنا دلالة الشيء في ذاته، وصِرنا نعتمد على مظاهر عامة لا ترتبط بالصورة الأولى للفكرة، حيث قُيِّد كل معلوم غير مكتمل إلى مجهول مطلق وثابت، وأصبحنا نستمد تأويل النص من خلال مؤثرات عامة لا علاقة لها بالإيض الذهني للمجتمع. فأوجد ذلك مدارس ومنابر فكرية تعمل في حيز دوران الجزء، ولا تفهم ممّ تكوّنت الجزئية، وهذه كارثة لا يمكن للعقل البشري تجاوزهإن دلالة النصوص، من حيث المفهوم الذاتي، فقدت هيكليتها، وتأثرت بمزاجية الفكر العام، ضاربةً بمفهوم التأويل عرض الحائط. حيث اعتمدت (وأقصد بذلك العقلية الجمعي) على محددات خارجية أفرزها انبثاق فردي معتل، لتبسط ذراعيها في الوسط العام على أنها السيادة. وهذا ينطبق على صورة الدين والعُرف في تمرّدهما على بعض. فمنها ما فقد الفهم وراح يعمل بمنطوق التحجّر ولا يستجيب للمغيّرات الفكرية، ومنها من ذهب نحو استدراك التأويل للتحرر من قيود التحجّر، فسقط في دائرة التمرّد، فأطلق العنان لأفكاره وخرج عن حيز المعقول، وأوجد لنفسه صورة مستقلة تجمع بين الذهن والغريزة. أما البعض الآخر فذهب نحو التأويل ليجد لنفسه طريقًا متوازنًا بين التحجر والتحرر، لكنه غاص في مفهوم النفاق الذهني، فراح يعتمد على الخطاب الديني لأنه يلامس شيئًا من احتياجاته، ليخلق صورة فكرية ممزوجة بين الواقع والخيال، يلتـمس من خلالها الهدوء النفسي بدافع قدسي.أعلم أنك دخلت في دوّامة كبيرة، وتشتّت في الأفكار، وتجد صعوبة في الربط. وهذا ما أسعى إلى استدراجك إليه ببساطة: الخروج من المفهوم الخاص نحو الإيض الهرمونوطيقي للمجتمع. بالتأكيد في اي مرحلة من مراحل الاستدراك الفكري العابر، يمكن لنا أن نستنتج أن المجتمع فقد معنى الإدراك الحقيقي للنص، من خلال مؤثرات خارجية لا ارتباط فعلي لها مع المفهوم البشري، وراح يركب موجات التخبط باحثًا عن مستوى من الاستقرار النفسي عبر رسم بعض القوانين المنهجية لحياته – رغم أنها تختلف من مكان إلى آخر، ومن زمان إلى آخر , لكنه بالمحصلة استطاع أن يرسم عالمه بالشكل الذي يرغب أن يكون. وهنا يكمن مصدر الخلل. فقد اقتصر التأويل في السابق على فهم النص الديني والأدبي وشيء من التاريخ، ولم يتخلّل المجتمع – الذي يُعتبر أهم صور الوجود. الخلاصة من هنا، يصبح لزامًا على التأويل أن يتجاوز حيز النصوص المغلقة، ليخوض في جميع مفاصل الحياة على أن يتحول إلى أداة تحليلية كاشفة، تنبثق من الذات وتعود إليها، لا أن يعتمد على مؤثرات خارجية مفروضة. فالإيض الفكري الحقيقي يبدأ حين نفهم ذواتنا من داخلها، حين نعيد تأويل وجودنا انطلاقًا من وعينا الخاص لا الوعي الجمعي ، لا من ارتدادات الماضي أو ارهاصات الحاضر. فالتأويل لم يعد رفاهًا فلسفيًا، بل ضرورة وجودية، إذا ما أردنا لمجتمعنا أن ينهض من ركام التأويلات المعلّبة، نحو فضاء أكثر صدقًا وحرية.
#علي_مهدي_الاعرجي (هاشتاغ)
Ali_Mahdi_Alaraaji#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق و مصطلح الدولة النسبية
-
العراق، سياسة متخبطه وضعف بناء الدولة الحديثة
-
هرمينوطيقا المجتمع بين الحداثة و التاويل 2
-
هرمينوطيقا المجتمع بين الحداثة و التاويل
-
معركة الاسابيع الخمسة
-
هستيريا سياسية ومفهوم الدولة
-
أكره الله
-
التحليل السياسي بين الرقص و التطبيل
-
هستيريا الديمقراطية التوافقية
-
تجارة التحليل السياسي وتلون الحديث الإعلامي
-
تصدعات فكرية لمجتمعات ما بعد الحروب
-
الله,انا ,الوهم,و الوجود
-
الأنظمة السياسية تنتج معارضة شبيهتها
-
ثرثرة سياسية
-
غباء شعب
-
مبادرة الشرق للانسداد السياسي في العراق
-
كيف تصنع صنم مقدس
-
التُّرَّهَةُ في الشك وافكار انسانية
-
غويران الحسكة وحرير العراق اغرد خارج السرب
-
ايران ما بعد سليماني والمد الافقي في العراق وشمال افريقيا
المزيد.....
-
رئيس جامعة هارفارد يعتذر عن -الإسلاموفوبيا- و-معاداة السامية
...
-
تيم سيباستيان ورنا الصباغ يكتبان: أول 100 يوم من عهد ترامب ا
...
-
محمد بن زايد يستقبل جوزاف عون في أبوظبي.. وهذا ما أكد عليه ا
...
-
السعودية الأولى عربيًا.. هذه الدول صاحبة أعلى إنفاق عسكري في
...
-
-روساتوم-: مناقشة الوجود الأمريكي في محطة زابوروجيه يعود للق
...
-
الكشف عن رسالة كتبتها ضحية جيفري إبستين الشهيرة قبل انتحارها
...
-
نائب أوكراني: نظام كييف فقد السيطرة على جيشه
-
إسرائيل تحترق.. إخلاءات واسعة للسكان واستنفار أمني كبير وسط
...
-
أقارب الجنود الإسرائيليين القتلى يزورون المقبرة العسكرية في
...
-
زاخاروفا: تهديدات الاتحاد الأوروبي لفوتشيتش بشأن زيارته موسك
...
المزيد.....
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|