أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد عقبي - لوحة -الركام-، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون : الألم الفلسطيني يتحول إلى صرخة كونية














المزيد.....

لوحة -الركام-، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون : الألم الفلسطيني يتحول إلى صرخة كونية


حميد عقبي

الحوار المتمدن-العدد: 8328 - 2025 / 4 / 30 - 02:54
المحور: الادب والفن
    


لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون : الألم الفلسطيني يتحول إلى صرخة كونية

تشكل أعمال الفنان الأمريكي براين كارلسون شهادة إنسانية نادرة في زمن تتراجع فيه القيم الأخلاقية أمام صخب الحروب والدمار ووسائل الإعلام التي تروج للاستهلاك والتفاهة. براين يرسم بعيدًا عن الترف ولا يسعى إلى شهرة أو مجد المعارض والجوائز الكبرى، لكنه يضع فنه في خدمة قضايا الإنسان المقهور، مؤمنًا أن الإحساس بالمأساة لا تحده المسافات الجغرافية ولا الحواجز السياسية.

رغم بُعده المكاني عن فلسطين واليمن وأفريقيا، إلا أنه يتابع بقلق ما يحدث بمشاعر يقظة تحاول تحوّيل بعض الأوجاع الإنسانية إلى لوحات تنبض بالشهادة والمقاومة وتبحث عن بعض الحلم والحياة والعدالة. إحساس الفنان عنده ملتزم بالمسؤولية، ومسؤوليته تُترجم في لوحاتٍ تصرخ بالصمت وتوجع بالتأمل.

من هنا، تبرز أهمية أعمال براين كارلسون كوثائق وجدانية لا يجب أن تمر بصمت؛ من واجبنا أن ننتبه لها كنقاد، نقرأها، ونساهم في نشرها لتظل الإنسانية يقظة في وجه التوحش والنسيان، خاصة وأن إبداعنا العربي المعبر عن مآسينا لا يزال ضعيفًا ونحن بحاجة لتطوير أساليبنا وتقنياتنا للتعبير عن واقعنا وألمنا ومشاركته مع العالم بعيدًا عن التقريرية والمباشرة والبكائيات، لنستفد من تجربة براين وغيره.

لوحة "مأساة الركام" :عندما يتحول الفن إلى شهادة دامغة على جريمة الصمت

تضعنا هذه اللوحة أمام واحدة من أبشع طرق الموت وأكثرها رعبًا: الموت تحت الأنقاض. الجسد الممدد وسط الركام، بعظامه المهشّمة، بجلده المغبرّ، يصبح رمزًا مكثفًا لعجز العالم وانهيار منظومة الرحمة الإنسانية في هذا الكون.

براين كارلسون لم يرسم هنا مجرد مشهد موت، لكنه صوّر لحظة انتهاك صارخ للعدالة الإنسانية، لحظة خيانة كبرى للصوت الذي ينادي فلا يجد من ينقذه.

البنية التشكيلية:

التكوين:
المشهد ذو نظرة علوية (من الأعلى إلى الأسفل)، كأننا نحن، المشاهدين، نصبح شهودًا متواطئين. نرى الجسد محاطًا بركام رمادي قاتم، قطع إسمنتية وأحجار مهشمة تحيط به. لا منفذ، لا مخرج، لا ضوء.

الجسد:
الطفل/الشخص الممدد يحتضن نفسه بحركة دفاعية غريزية كأنه جنين في رحم أمه. وضع الجسد المقوس على نفسه يعبر عن الخوف، الوحدة، ومحاولة مستميتة للاحتماء من اللاشيء. هو في حالة استسلام كامل لقدرٍ قاسٍ.

الألوان:
الرمادي بدرجاته يهيمن على معظم اللوحة، بحيث يخلق تماهياً مع الخراب والموت.
لمسات خضراء وزرقاء باهتة تنبثق من بين الركام، ربما تذكير بأن الحياة تواصل خفوتها هنا وقد تنعدم، لكن الفنان لا يخفيها كلياً، كأنه يصرخ فينا بدلاً من صوت الضحية المخنوق.
لون الجسد أقرب إلى الأخضر الرمادي، لون التحلل والموت.
لمحات وردية خفيفة على الساقين والذراعين، تصور أن هذا الكائن لا يزال شابًا صغيرًا لا يزال في عمر الطفولة، أي حديث العهد بالحياة، لم يجف دمه بالكامل بعد.

الفراغ والسكون:
الخلفية المزدحمة بالركام توحي بسكون خانق ومرعب. تخلق شعورًا بتعطل الحركة، ضعف الأمل، كل شيء متجمد حول جسد يتحلل ببطء، الحجارة مفروشة تحت جسده كأنها فراشًا موجعًا.

الدلالة الرمزية:

العزلة الكونية:
الجسد المحاصر داخل هذا العالم من الأنقاض يختصر عزلة الضحايا، خصوصاً الفلسطينيين في غزة واليمن. النداء الذي لا يُسمع، اليد التي لا تمتد للنجدة، يجعلان الموت تحت الأنقاض أقسى من أي موت آخر.

الموت صمتًا:
الرسالة هنا واضحة: القتل لا يتم فقط بالرصاص أو القصف، بل أيضًا بالتجاهل، بالصمت المتواطئ، بعدم إرسال المساعدة.

الانقلاب الأخلاقي العالمي:
براين ينتقد عبر نصه المرافق للوحة مواقف العالم المنافقة: حين يسارع العالم لإنقاذ أطفال أو عمال مناجم في أماكن أخرى، لكنه يغض الطرف عن آلاف الفلسطينيين المدفونين أحياء. المفارقة مؤلمة.

التقنية والملامس:

ضربات الفرشاة:
ضربات الفرشاة تبدو هنا عنيفة، متكسرة، خشنة، تنقل الإحساس بالتحطم الجسدي والنفسي.

طبقات الطلاء:
براين لا يهتم بسطح أملس ناعم يغري المتلقي، هو يستخدم طبقات كثيفة خشنّة لتصور قسوة ما يحدث، فهو لا يتخيل تراجيديا لم تحدث أو يضخمها ويبالغ فيها، وكأن كل ضربة فرشاة هي صرخة غير مسموعة.
في حديث خاص مع براين وبعد أن أطلع على مقالاتي السابقة عن أعماله طلب مني أن اشيد بالمصورين الذين جازفوا بحياتهم من أجل نقل هذا الواقع فهم يستحقون التحية والحماية والتكريم.
الرؤية الفلسفية:

هذه اللوحة صرخة ضد جوهر اللامبالاة العالمية.

في العالم المثالي، تُبذل كل الجهود لإنقاذ كل إنسان، بلا تمييز. أما هنا، فبراين يظهر بوضوح أن ضحايا بعض الصراعات يتم التعامل معهم كـ"لا أحد"، كأن موتهم مقدر أو حتى مستحق ضمنيًا.

اللوحة تدعو كل من ينظر إليها أن يشعر بالعار، أن يتساءل:
"ماذا لو كان هذا أنا، أو أخي، أو ابني؟ وماذا لو لم يأتِ أحد لإنقاذنا رغم أن العالم يسمع صراخنا؟"

خاتمة:

"مأساة الركام" ليست لوحة عن فلسطين وحدها، بل هي لوحة عن نهاية الضمير العالمي كما يعرفه براين كارلسون.
إنه يرسم الألم الفردي ليتحول إلى صرخة كونية:

"أيها العالم، أنت تخون أبناءك."

ببراعة فنية وروحية هائلة، ودون أن يكرر براين نفسه، يبني في كل عمل فني مقامًا شعريًا جديدًا للمأساة الإنسانية، ويفتح جرحًا آخر في وجه عالم بات يعتبر بعض الأرواح أقل استحقاقًا للحياة والإنقاذ.
للاطلاع على لوحات الفنان براين كارلسون
facebook/Brian Carlson



#حميد_عقبي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفكيك ادعاء “اختراع” الرواية القصيرة جداً دفاع عن الوعي الأد ...
- فيلم «أضواء المدينة» لشارلي شابلن :مدخل لفهم صورة المهمشين و ...
- آلام فرتر رواية قصيرة ومكثفة جدًا للأديب الألماني الشهير يوه ...
- مقالة للدكتورعبد الاله الصائغ، عن الرواية القصيرة جدًا منشور ...
- روايات قصيرة جدًا للكاتب الأمريكي جون شتاينبك The Short Nove ...
- ثلاث روايات قصيرة جدا للكاتب وليم فوكنر Three Famous Short N ...
- روايات قصيرة جدا كاملة : الكاتب الروسي أنطوان تشيخوف..نموذجا ...
- حول الرواية القصيرة جدًا أو الميكرو نوفيلا
- شكرا ساركوزي لمنعك البرقع بفرنسا
- نعم..من حق فرنسا منع النقاب و البرقع
- حوار مع الناقد السينمائي ذ/عمر الفاتحي


المزيد.....




- سينمائيو ذي قار يردون على هدم دور السينما بإقامة مهرجان للأ ...
- بحضور رسمي إماراتي.. افتتاح معرض -أم الأمة- في متحف -تريتياك ...
- مسلسل مصري شهير يشارك في مهرجان أمريكي عالمي
- -الشرارة-.. فيلم يوثق اللحظات الأولى للثورة السورية في درعا ...
- يحقق في اليوم الأول 5 مليون ريال سعودي .. فيلم إسعاف يتقدم ف ...
- ينطلق 8 مايو المقبل.. 522 دار نشر من 43 دولة تشارك بمعرض الد ...
- العبث واللامعقول في حرب السودان.. المسرح يمرض لكنه لا يموت
- مصر.. توقف قلب فنان مشهور 4 دقائق وتدهور حالته الصحية
- ملابس تحمل بطاقات مكتوبة باللغة العبرية تثير جدلا واسعا في ل ...
- كتاب جديد يستكشف عالم الفنانة سيمون فتال


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد عقبي - لوحة -الركام-، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون : الألم الفلسطيني يتحول إلى صرخة كونية