|
نظرية الحركة الصهيونية: تاريخا، حاضراً ومستقبلاً
فاتن كمال غطاس
الحوار المتمدن-العدد: 8326 - 2025 / 4 / 28 - 00:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المقدمة:
من يدرس تاريخ ونمو الصهيونية الحديثة في ضوء التاريخ اليهودي يرى التأثير الكبير للديانة اليهودية التي حافظ عليها اليهود على مر العصور في مختلف دول العام، وهذا الرابط الديني وفق التوراة أبقى ارتباط كبير في التاريخ اليهودي المكتوب في ارض إسرائيل، لكن هذا لم يشكل أي رابط ليعطي لليهود صفه قومية كشعب له مكوناته المشتركة ، فمن الواضح أن كل عمق وكل شدة هذا التقارب لم يغير من حياة اليهود في شتى بقاع الأرض وتنقلهم من بلد الى اخر وفق مصالهم ونجاحاتهم في العالم. وظل الاستيطان اليهودي في فلسطين هامشيًا وصغيرًا - حتى بداية الصهيونية الحديثة في نهاية القرن التاسع عشر. فقط ظهور الصهيونية الحديثة هو الذي أخرج هذه الإمكانية من القوة إلى حيز التنفيذ، وجعل الأمل حقيقة واقعة وأرض إسرائيل المركز الحقيقي - وليس مجرد المركز المثالي أو الطوباوي - لشعب إسرائيل. عوامل عدة اثرت على نشوء الحركة الصهيونية، على رأسها الحركات العنصرية والمعادية للسامية في أوروبا، الى جانب عن الوضع الاقتصادي في أوروبا وازمات الرأسمالية وبداية انحسار مستعمراتها وبحثها عن أسواق جديدة وبقاء فلسطين كنقطة عبور مركزية واستراتيجية الى اسيا والشرق وبداية اكتشاف كنوزها الطبيعية.
الديانة اليهودية: اليهودية، وهي أول وأقدم الأديان التوحيدية الثلاث الكبرى، وهي ديانة وطريقة حياة الشعب اليهودي؛ وتستمد اليهودية شرائعها وعقائدها الأساسية من التوراة (العهد القديم)، وعقيدة الديانة اليهودية هي الإيمان بالله الواحد، اليهودية ليست ديانة تبشيرية نشطة، وليس من السهل لأي شخص اعتناق الديانة اليهودية
بدايات الصهيونية والاستيطان في فلسطين: صحيح أن معاداة السامية بمظاهرها في القرن التاسع عشر كانت بمثابة القوة الدافعة للصهيونية. ولكن يجب أن نتذكر أن من بين المليونين ونصف المليون يهودي من الإمبراطورية الروسية الذين فروا من إرهاب القيصرية بين عامي 1882 و1914، هاجرت الأغلبية العظمى إلى الولايات المتحدة وكندا وإنجلترا وأمريكا الجنوبية وجنوب أفريقيا. أقلية أقل من واحد بالمائة فقط هاجرت إلى أرض إسرائيل - وكان هذا هو الابتكار، لأنه في الهجرات اليهودية السابقة لم يكن هناك حتى مثل هذا النوع من الهجرة الى فلسطين. هجرة صغيرة تحولت هذه المرة إلى أرض إسرائيل، وأنشأ بنية تحتية مهمة هناك لمستوطنة يهودية جديدة، والتي أصبحت في نهاية المطاف دولة.
نشأة الحركة الصهيونية وبداية الاستيطان في فلسطين مع ان نصوص الديانة اليهودية تتحدث عن ارض إسرائيل، الا ان اليهود لم يهاجروا الى فلسطين، على الرغم من مظاهر العنصرية التي واجهوها، أوروبا اهتمت بدمجهم التام بحياتها واليهود عادة اختاروا الحفاظ على هويتهم الدينية وعدم التزاوج مع باقي الشعوب. في أواخر القرن التاسع عشر، ظهرت أفكار الصهيونية الحديثة، حيث بدأ بعض الصهاينة اليهود بالتطلع إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في أرضهم التاريخية. وكان تيودور هرتسل، الذي ولد عام 1860 في بودابست، والذي اصطدم بالمظاهر اللاسامية، واحدًا من الشخصيات الرئيسية في تعزيز الفكرة، ونشرها من خلال الصحف والمؤتمرات. بعد هذا جاءت محاكمة الضابط اليهودي الفرنسي "الفرد درايفوس" واتهامه بالخيانة العظمى بتسليم مواد عسكرية الى المانيا وحكمه بالسجن المؤبد عام 1894، مقابل قناعة اليهود انه حوكم كونه يهوديا. صاغ هرتسل أفكاره في كتاب "دولة اليهود"، عام 1896، حيث شكل الخطة الصهيونية-السياسية: • تحليل مسألة اليهود واللاسامية في أوروبا • الحل الوحيد في إقامة دولة يهودية مستقلة في فلسطين او الارجنتين، وفق خيار الشعب اليهودي وموافقة الدول العظمى. • إقامة "الشركة اليهودية"، منظمة مالية تقوم بتجنيد الأموال لشراء الأراضي والبناء وتنظيم الهجرة. • تشكيل "رابطة اليهود" والتي تشكل نواة لإدارة الدولة اليهودية. تجلى الهدف الأساسي للحركة في بيان هرتسل الذي نُشِر في عام 1897 في المؤتمر الصهيوني الأول في بازل، سويسرا، حيث طالب بإقامة "وطن قومي للشعب اليهودي في أرض فلسطين". دولة يهودية كهذه تستطيع ان تقوم في فلسطين فقط، لان فلسطين هي البلاد الوحيدة الممكنة، هي البلاد الوحيدة الموعودة لنا ولان فلسطين سنحتلها بالتدريج. لقد سقطت الخيارات الأخرى لإقامة دولة يهودية في "انغولا" او الارجنتين وغيرها، لقناعة القادة الصهاينة بعدم إمكانية تحقيق ذلك وان خيار فلسطين هو الوحيد القادر على تجميع اليهود بسبب الارتباط الديني والتاريخي القديم الذي تميز اليهود بالمحافظة عليه عبر مئات السنين.
النقاش مع الصهيونية ما هي اللاسامية؟ لقد ظهرت اللاسامية في المجتمع البرجوازي، حيث تطمح الأقلية البرجوازية المستغِلة الى تحويل نقمة الشعب ضد اليهود، بهدف اشعال الغرائز العنصرية الشوفينية العرقية وخلق الوهم وكأن الشعب موحد في جانب مقابل اليهود، بينما الحقيقة ان مصاصي دماء الشعوب وأصحاب رؤوس الاموال موجودين في جانب والعمال والمستضعفين من كافة الشعوب في الجانب الاخر. ان اللاسامية منبعها في تثبيت مصالح البرجوازية واستغلال الطبقات المسحوقة وتحويل نقمتهم التي من الطبيعي ان تكون موجهة ضد من يستغلهم، يجري تحويل نقمة العمال والفلاحين ضد اليهود ولحرفهم عن العدو الحقيقي وهو الرأسمالي. الصهيونية تحاول اثبات ان اللاسامية هي ابدية ونراها غالبا ما تتهم العرب باللاسامية وكأنهم هم وحدهم الساميين. هل توجد أمة يهودية عالمية؟ ان الأمة حسب التحديد العلمي الماركسي هي مجموعة ثابتة من الناس التي تكونت نتيجة لتطور تاريخي، لها اسس حياة مشتركة: الاقتصاد، الأرض، اللغة والموروث الثقافي. واضح ان هذا التحديد لن ينطبق على اليهود، ما الذي يجمع بين اليهودي في روسيا وألمانيا والمغرب مثلا؟ لهذا برر هرتسل في خطابه "اليهودية" (7.11.1898) : "انا لا اطلب من الأمة لغة مشتركة او ملامح عرق بارزة مشتركة...ويكفي الامة تحديد بسيط: انتسابا كبيرا واضحا وتجميعهم يعود الى وجود عدو مشترك". وفي خطابه في المؤتمر الصهيوني الأول (1989) قال: "انني اعتقد ان الأمة هي جماعة من الناس ذات ماض تاريخي مشترك وانتساب واضح في الحاضر، التي تتوحد لوجود عدو مشترك". واضح ان هذا التعريف هو فضفاض ويمكن ان ينطبق على كل مجموعة سكان، للطبقة العاملة هناك عدو مشترك هو الذي يستغلهم، ولسراقين لهم عدو مشترك هم الأغنياء.... التيار الديني في الصهيونية، أكد على: " ان شعب إسرائيل ليس طبيعيا منذ ولادته وان أساسه المشترك ليس في العرق او البلاد المشتركة، بل في أحضان التوراة وفي حلف مع الدين". هناك ارتباط وثيق بين التحديد حول وجود امة يهودية عالمية تتخطى الحدود وبين التحديد بان الصهيونية هي حركة عالمية للتحرر القومي تتخطى الحدود. ومع تخلخل التحديد حول "امة يهودية عالمية" يسقط أيضا التعريف حول "حركة عالمية للتحرر القومي"، لا يمكن ان تكون هناك حركة تحرر قومي، عندما لا تكون الامة نفسها قائمة.
الجزء الثاني: تطور الحركة الصهيونية تابعت الحركة الصهيونية تطورها بعد المؤتمر الأول في بازل، وقام الصهاينة بجذب دعم دولي وانتشار الحركة إلى أرجاء العالم. تعرضت الحركة لتحديات ونزاعات مع السكان العرب في فلسطين، حيث كان لكل منهما اعتقادات وطنية وثقافية. شهدت الحركة مراحل مختلفة من النمو والانقسامات الداخلية، مما أثر على مسارها وأهدافها. لقد فتش هرتسل على الارتباط مع أصحاب رؤوس الأموال اليهودية مشيرا ان لهم "دورا تاريخيا عالميا".
التقاء المصالح – الصهيونية في خدمة الامبريالية لقد كان وما زال الشرق الأوسط ذو أهمية استراتيجية كبيرة للدول الاستعمارية الغربية لضمان التوسع الكولونيالي من ناحية وكنقطة اتصال هامة، جسر بري للوصول الى الصين والهند واسيا كلها، وبدأ التفكير في "إعادة توطين اليهود في بلاد الأجداد" منذ منتصف القرن التاسع عشر، ومع بدأ شق قناة السويس، عام 1869 زادت الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة لدى جميع الدول المستعمرة بريطانيا، فرنسا وألمانيا، لهذا اختار قادة الحركة الصهيونية المحافظة على علاقات جيدة مع كافة الدول الاوروبية لعدم معرفة لمن ستكون المنتصرة في النزاع بينهم، الامر الذي بدا واضحا اكثر في فترة الحرب العالمية الأولى الى ان تأكدوا ان المانيا لن تنتصر في هذه الحرب والتي ستنهار تركيا في نهايتها وهي التي كانت تسيطر على فلسطين، حينها عقدوا الآمال على بريطانيا وانتصر جناح حاييم وايزمان من قادة الحركة الصهيونية. حاييم وايزمان المولود في روسيا عام 1874 ودرس الكيمياء في المانيا وهاجر الى بريطانيا عام 1904 وتعرف برئيس الحكومة البريطانية "ارتور جيمس بلفور" عام 1906 وبعد سنوات من العمل السياسي المكثف تم الحصول على "وعد بلفور" عام 1917 والذي جاء في رسالة الى روتشيلد وموقعة بيد آرثر بلفور جاء فيها: " "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه الغاية، على ألا يجري أي شيء قد يؤدي إلى الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية للجماعات الاخرى المقيمة في فلسطين أو من الحقوق التي يتمتع بها اليهود في البلدان الاخرى أو يؤثر على وضعهم السياسي". لقد اثبتت الحركة الصهيونية قدرتها على المراوغة بين الدول الكبرى وكانت العلاقة الأساس مع بريطانيا التي كانت قد انتدبت لإدارة شؤون فلسطين وظلت في هذه الفترة مدة حوالي 3 عقود، واستطاعت الاستفادة من الانتداب البريطاني وبداية مأسسة الدولة اليهودية في فلسطين بإقامة أذرعها الرئيسية: دائرة أراضي إسرائيل، منظمة العمال النقابية، الجامعة وغيرها. وظل ارتباطها وثيق ببريطانيا بالرغم ما شهدتها علاقاتهم من تغيرات ومواجهات علنية أحيانا، بأوامر تقليص الهجرة وغيرها، فعليا ما كانت سوى لذر الرماد في العيون لإرضاء العرب أحيانا، الا ان مصالحهم بقيت مشتركة لإقامة دولة يهودية في فلسطين. عام 1923 ومع صعود الفاشية في إيطاليا التقى وايزمان مع موسيليني الذي وعد أيضا بمساعدته لإقامة دولة يهودية في فلسطين. مع صعود نجم الولايات المتحدة الامريكية بدأ اهتمام الاستعمار الأمريكي في فلسطين واتخذ الكونغرس الأمريكي قراره عام 1922:" ان الولايات المتحدة الامريكية تنظر بعين الرضا الى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين". استراتيجية الصهيونية اعتمدت على المناورة بين الدول الاستعمارية بالاعتماد على الاستعمار القوي في الفترة الزمنية المحددة، فارتبطوا بالاستعمار البريطاني اثناء حكمه في فلسطين وتعاونوا معها ضد الشعب الفلسطيني. اقاموا علاقات مع موسيليني وحكمه الفاشي في إيطاليا، حتى النازية بالرغم من عدائها لليهود، الا ان هناك من قادة الحركة الصهيونية من رأوا فيها أمرين: أولا انها قوة للمعسكر الرأسمالي الضاربة في الصراع ضد الاتحاد السوفييتي والاشتراكية ومن ناحية أخرى كان همهم ليس مقاومة النازية، مع انه كانت مقاومة على ارض الواقع، الا ان القيادات كان همها في توجيه رؤوس الأموال لمساعدة من يريدون الهجرة الى فلسطين وليس لمن يريدون البقاء في أوروبا، فعليا جرى استغلال جرائم النازية لتكون رافعة للفكر الصهيوني ببناء وطن لليهود في فلسطين ودفع الجماهير اليهودية بكل ثمن الى الهجرة الى فلسطين. في مذكرة سرية للوكالة اليهودية عام 1942 جاء: "إذا أدت عمليات الإنقاذ الى نتائج صغيرة جدا من الناحية العددية، يجب على الأقل ان نستخلص منها فائدة سياسية لمدى بعيد من وجهة نظر صهيونية – ان البلاد الوحيدة التي تريد استقبال اليهود المنقذين هي فلسطين وتظهر الصهيونية انها الوحيدة القادرة على حل مشكلة اليهود في العالم".
الرأسمال الكبير هو الداعم للصهيونية: مع تطور علاقات الإنتاج في العالم الصناعي الرأسمالي أصبحت المنافسة لدى أصحاب رؤوس الأموال اليهود أشد وأصعب، وخافت الحركة الصهيونية من اندماج العمال اليهود في الدول التي يعيشوا فيها مع حياة الشعوب هناك، لهذا فهم أصحاب رؤوس الأموال اليهود أن الصهيونية قادرة على خدمتهم من الناحية الطبقية، وبدأ أصحاب رؤوس الأموال اليهود في دعم زرع القومية في الكادحين اليهود ودعم مشروع تجميعهم الإقليمي من اجل الاستمرار بجرف الأرباح على حسابهم. وهكذا التقى مخطط الرأسمال اليهودي مع مشروع الاستعمار في إقامة ركيزة له في الشرق الأوسط مع مخطط زعماء الحركة الصهيونية وحل المسألة اليهودية. ان أصحاب رؤوس أموال يهود كبار في الولايات المتحدة هم جزء من الرأسمال الاحتكاري الأمريكي، توحدهم التطلعات الاقتصادية والسياسية ويتنافسوا على مراكز السيطرة على مصادر المواد الخام واستغلال الايدي العاملة الرخيصة واحتلال الأسواق. ان تأييد إسرائيل لدى أصحاب رؤوس الأموال اليهود لم ينبع من ايديولوجيتهم الصهيونية، بل لان هذا الدعم سيزيد من احتلالهم للمراكز ولجرف الأرباح في إسرائيل.
الجزء الثالث: دولة إسرائيل تجسيد للصهيونية في عام 1948، أعلنت دولة إسرائيل عن قيامها على أراضي فلسطين، بعد نحو 50 عامًا من بدء الحركة الصهيونية. لكن إعلان دولة إسرائيل الذي اعتمد على الشرعية الدولية وقرار التقسيم لفلسطين الى دولتين، لكن اسرائيل قامت باحتلال "نكبة فلسطين"، باحتلال جزء كبير من فلسطين وتشريد غالبية الشعب الفلسطيني الى خارج وطنه والى حروب مستمرة على مدى تاريخ إسرائيل وإلى نزاعات مستمرة مع الشعب الفلسطيني وحروب مع الدول العربية المحيطة. ان قيام دولة إسرائيل هو تجسيد للفكر والحلم الصهيوني، ومن هذا المنطلق تستمر إسرائيل في فتح ابوابها امام كل يهودي في العالم ان يصبح مواطن في الدولة وله كامل الحقوق منذ لحظة دخوله البلاد، تم هذا بموجب قانون "حق العودة"، من ناحية أخرى بالرغم من النص الواضح في وثيقة الاستقلال الذي جاء فيه: " الحفاظ على المساواة الكاملة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع مواطنيها دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو الجنس؛ وضمان حرية الدين والضمير واللغة والتعليم والثقافة؛ حماية الأماكن المقدسة لجميع الأديان" الا ان كل هذا بعيد جدا عن الواقع المعاش، حيث اقامت "حكم عسكري" على البلدات العربية في اسرائيل لمدى 18 عام وبعدها استمرت في نهج سياسة تمييز عنصري في كافة المجالات وهو في ازدياد مستمر يمكن تشبيهه بسياسة الابارتهايد العنصرية. الى جانب سياسة الاحتلال وضم مناطق جديدة لنفوذ إسرائيل، في احتلال كامل أراضي فلسطين التاريخية، الى جانب احتلال شبه جزيرة سيناء المصرية لحوالي 18 سنة، ونفس المدة احتلت جنوب لبنان واحتلال مناطق الجولان السورية الغنية بالمياه والطبيعة الخلابة والموقع الاستراتيجي منذ 56 سنة. ارتكز أصحاب رؤوس الأموال على الارتباط الكامل مع الامبريالية الامريكية وسياسة التوسع وفتح أسواق جديدة وتحولت إسرائيل الى أكبر مجمع أسلحة في الشرق والمستهلك الأكبر للأسلحة الامريكية، لقد ارتبطت القيادة الصهيونية لإسرائيل بالاستراتيجية العالمية للاستعمار، والصهيونية تخدم الامبريالية بكافة المجالات. عام 1975 صدر من هيئة الأمم المتحدة قرار رقم 3379 في (الدورة 30) بتاريخ 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 1975م الذي يقر بأن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية.
كيف تسيطر الحركة الصهيونية على المجتمع اليهودي؟ عدة عوامل اساسية ترتكز عليها الحركة الصهيونية بحيث تستطيع من خلالها ان تقنع الشعب في الاستمرار وفق رغبات قياداتها وهي: 1. ان اليهود شعب الله المختار. 2. ان العالم يكره اليهود ويطاردهم، أي لهم عدو مشترك. 3. ان دولة إسرائيل هي الملاذ والمنقذ لليهود. 4. محاولة المزج الكامل بين الصهيونية واليهودية، وكأن كل يهودي هو صهيوني. الخوف والرعب من المستقبل هو العامل الأساسي الذي بواسطته تتحكم القيادات الصهيونية بالشعب اليهودي، اقناع الناس بان اعدائهم يريدون القضاء عليهم وان فقط استعمال القوة هو ما يمكن إسرائيل من المحافظة على وجودها، وابعاد أي حديث عن السلام الممكن والمطلوب للعيش بأمان واستقرار. ما زالت مقولة هرتسل من عام 1997 بأن ما يوحد اليهود هو: وجود عدو مشترك. لهذا فهي دائما تبحث عن هذا العدو المشترك في كل زمان ومكان ومن خللاله تُحكم سيطرتها على الشعب.
إسرائيل في خدمة الامبريالية العالمية: حلم الاستعمار العالمي بدأ في بريطانيا العظمى واستمر بعدها لدى سياسة وساسة الولايات المتحدة الامريكية الذين أرادوا إيجاد إسرائيل كركيزة لهم في منطقة الشرق الأوسط التي تشكل بالنسبة لهم قاعدة سياسية وعسكرية مدججة بالسلاح والعتاد والجنود الذين يقوموا على خدمة مصالح الامبريالية الامريكية في الشرق الأوسط خاصة والشرق عامة، لهذا تمد مصانع الأسلحة إسرائيل بأحدث الأسلحة المتطورة لديها، وعمليا تقوم بتجريبها في المنطقة على حساب دم ابنا الشعب الفلسطيني بالأساس والشعوب العربية المجاورة لها. وهي كذلك تعرف كيف تسوق أسلحتها لكل من يشعل حربا في أي منطقة في العالم. فعليا ان الحركة الصهيونية تقدم أبناء الشعب اليهودي وتضحي بهم في سبيل مخططات الامبريالية العالمية.
الجزء الرابع: مستقبل الحركة الصهيونية تواجه الحركة الصهيونية التحديات والتغيرات في المستقبل. يظل تحقيق السلام مع الفلسطينيين أحد أكبر التحديات التي تواجهها إسرائيل والحركة الصهيونية. قد تؤثر التحولات الجيوسياسية العالمية وتطورات المنطقة على مسار الحركة وسياساتها المستقبلية. يجب على الحركة الصهيونية أن تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، حقه في إقامة دولته المستقلة الى جانب إسرائيل على حدود 1967 وعاصمتها القدس. وأن تبحث عن سبل تحقيق التعايش السلمي مع شعوب المنطقة. ان حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة هو بمثابة إبادة شعب كامل، ان ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر عام 2023 في خرق الحصار على غزة واختراق الجدار الأمني الذي أقيم عام 2016 على طول الحدود مع قطاع غزة بطول 65 كم والذي كلف إسرائيل إقامته ما يزيد عن 3 مليار دولار، هو بمثابة ضوء احمر لمستقبل الحركة الصهيونية وهو سقوط كامل لاستراتيجية "الجيش الذي لا يقهر" وكان من المفروض ان يكون نقطة تحول في مسار الشعب اليهودي، الا أن ما جرى في هذا اليوم الدامي من قتل لأناس عزل في بيوتهم وحرقهم، وقتل النساء والأطفال بأبشع الأساليب ومشاهد تقشعر لها الأبدان، تشوه نضال الشعب الفلسطيني للتحرر من الاحتلال، هذا الأمر المستنكر من كل انسان، كان سلاح بيد قادة الحركة الصهيونية والقيادة الامريكية ان تكون ذريعة قوية لشن حرب الإبادة التي كان مخطط لها من قبل لتنفيذ مخططات استراتيجية عالمية لتغيير وجه المنطقة عامة وخلق تحالفات جديدة تخدم مصالحها. نعم حدثت أمور بشعة في السابع من أكتوبر، لكن التاريخ لم يبدأ من هناك، وتاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يمتد لأكثر من مائة عام قامت إسرائيل بارتكاب المجازر المخيفة فيها.
ماذا بعد لقد نشأت الحركة الصهيونية في أوروبا على أرضية اضطهاد اليهود، وانتقلت الى الشرق الأوسط وأصبحت جزءًا أساسيًا من تاريخ الشرق الأوسط والمحرك الأقوى فيه. تطورت الحركة على مر العقود وواجهت تحديات عديدة، وما زالت تواجه تحديات في المستقبل واعتمدت على مقولة: "على حرابها تعيش إسرائيل" وأصبحت تملك أكبر ترسانة عسكرية ونووية في المنطقة. والسؤال الكبير هل تستطيع الحركة الصهيونية أن تغير نهجها العنصري والموالي والخادم للإمبريالية العالمية؟ وهل هي قادرة على العيش والتعايش بأمن وسلام في الشرق الأوسط في بحر من الشعوب العربية الى جوارها، هل ستكون قادرة على التأقلم مع المتغيرات وأن تعمل نحو تحقيق التسوية والسلام مع الشعب الفلسطيني لضمان مستقبل مستدام ومزدهر للجميع في المنطقة. منذ هجوم السابع من أكتوبر 1923 والحرب مستمرة على الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، في هذه الحرب عمقت أزمة الحركة الصهيونية وازدادت تطرفا وعنصرية وممارساتها على ارض الواقع هي قمع الأقلية الفلسطينية فيها وكبت الحريات وتقليص الحيز الديمقراطي وسيطرت الحكومة على جهاز القضاء والذي سيشكل نهاية الفكر الليبرالي والديمقراطي لليهود أنفسهم وهذا يشكل خطر كبير على مستقبل المنطقة، خاصة وان هذا الوضع يتزامن مع رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة الامريكية والذي يعطي غطاء سياسي واقتصادي وعسكري للحكومة الأكثر تطرفا في إسرائيل.
المراجع: اباء الحركة الصهيونية، عبد الكريم النقيب، 1987، دار الجليل للنشر. ما هي الصهيونية، غادي تاوب، 2010، لمشكال تل ابيب. دراسات في الصهيونية، 1976، صلاح الدين القدس. نشوء وسقوط اليسار الصهيوني، أودي اديب، 2021، الرعاة للدراسات والنشر. الحركة الصهيونية، د. محمود عباس.
#فاتن_كمال_غطاس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأحزاب العربية في إسرائيل
-
السياسة الامريكية في الشرق الاوسط
المزيد.....
-
بوتين يُعلن وقف إطلاق نار في أوكرانيا لمدة 3 أيام ابتداء من
...
-
أعرب عن -إعجابه- بتأثيره على إيران ووصفه بـ-محور المحور-.. ن
...
-
صحة غزة: حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي للقطاع بلغت 52314
-
ألمانيا.. العثور على الكاتبة ألكسندرا فروليش مقتولة
-
روسيا.. النمور الثلجية تستقبل بفرح عودة فصل الشتاء المفاجئة
...
-
الرئيس اللبناني جوزيف عون: حصر السلاح بيد الدولة قرار اتخذ و
...
-
محكمة العدل الدولية تنظر في منع إسرائيل دخول المساعدات إلى ق
...
-
آلاف يحتفلون بيوم الرقص العالمي في مكسيكو سيتي
-
-طوفان كوكايين-.. لماذا يتزايد تعاطي المخدرات في ألمانيا؟
-
بعد 8 سنوات.. محاكمة -عصابة الأجداد- لسرقة مجوهرات كيم كاردا
...
المزيد.....
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
المزيد.....
|